البشر يتذكرون الرموز أفضل من الكلمات
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
تمكن فريق بحثي بقيادة علماء من جامعة "ووترلو" الكندية من التوصل إلى أن الدماغ يسهل عليه تذكر الرموز مقارنة بالكلمات المكتوبة؛ الأمر الذي يفسر أهمية الرموز بالنسبة لعالم التسويق ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الدراسة، التي نشرها هذا الفريق بدورية "كوغنيشن" جاء أن أكثر من 1100 شخص بالغ تمكنوا -في 5 تجارب منفصلة- من تذكر ما رأوه من رموز؛ مثل العلامة الدالة على العملة الأميركية ($)، مقابل الكلمات التي تعبر عنها (كلمة دولار في هذه الحالة).
وتقترح الدراسة أن تذكر الرموز يكون عادة أسهل لأنها تعطي صورا ملموسة ومختصرة للأفكار المجردة، وكمثال على ذلك فإن رمز القلب الملون في وسائل التواصل الاجتماعي -على سبيل المثال- لا يشرح المعنى، وإنما يعبر عنه بشكل يفهمه كل شخص حسب سياقه.
وبالإضافة إلى ذلك، يرى الباحثون -حسب بيان صحفي أصدرته الجامعة في 22 أغسطس/آب الجاري- أن الرموز قد يكون من الأسهل تذكرها لأنها فريدة وتميل إلى تمثيل مفهوم واحد مقارنة بالكلمات التي يمكن أن تكون لها عدة معان.
فمثال رمز المثلث في شعار يوتيوب (▷) له معنى واحد فقط، وهو بدء تشغيل الفيديو، أما كلمة "تشغيل" فلها في اللغة أكثر من غرض ومعنى.
الإنسان خلال معيشته على هذا الكوكب طوّر تفضيلا للرموز في الذاكرة على حساب الكلمات (شترستوك) من الرياضيات لوسائل التواصلوبناء على ما سبق، فإن الإنسان خلال معيشته على هذا الكوكب طوّر تفضيلا للرموز في الذاكرة على حساب الكلمات، وحسب الدراسة فقد تطور ذلك معنا طوال بقائنا على هذا الكوكب، بداية من النقوش على معابد الفراعنة، ووصولا إلى الرمز التعبيري لكل شركة ومنصة، سواء كنا نتحدث عن "لوغو" أو عن الرمز التعبيري لـ"ماكدونالدز" أو شعار شبكة الجزيرة مثلا.
ويضيف الباحثون أن استخدام الرموز كشعارات في الإعلانات يجعلها بالتبعية توفر وسيلة اتصال أسرع، وكذلك أهميتها في عالم الرياضيات الذي يقوم بالكامل عليها، وبالطبع كوسيلة للتحذير على الطرق أو في المباني، على سبيل المثال لا الحصر.
وتفسر الدراسة كذلك سبب الشيوع الكبير للرموز التعبيرية، التي تسهل كثيرا حياة البشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتخذ طابعا كتابيًا في الأساس.
وكان فريق من جامعتي شيكاغو ونيويورك عمل قبل نحو عقد ونصف العقد على فهم مشكلة كبرى تواجه التواصل بالبريد الإلكتروني، عبر إقامة مجموعة من التجارب التي يكتب المشاركون فيها جملتين حول موضوع ما: الأولى جادة والثانية هزلية، ثم يقومون بإرسالها إلى مشاركين آخرين عبر البريد الإلكتروني، ويُطلب منهم تحديد أي الجمل كانت هزلية وأيها كان جادة.
وخلال 5 تجارب، كانت هناك نسب قليلة من المشاركين قد فهمت مقصد الرسائل، مما يعني أن قدراتنا على توصيل "حالة الرسالة" عبر الكلمات فقط تعد محدودة، وهنا تحديدا تصبح الرموز التعبيرية ذات قوة، لأن وجها ضاحكا إلى جوار الجملة يبلغ فورا معنى أنها هزلية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
نهاية عصر المؤامرة
المقصود بالمؤامرة تدبير أفراد أو جماعات أو حكومات لعمل معادٍ ضد الآخرين
تتعايش القضايا السلبية والإيجابية وتتداخل في كل العصور، لكن قد تطغى واحدة بعينها في وقت ما فيتصف العصر كلّه بها، كما هو الأمر بالنسبة لسنوات الحروب والسلام والرخاء والشدة والمجاعة والأوبئة، وتغيرات المناخ.. وغيرها.
تسمية العصور بما يقع فيها من أحداث في فترة ما من التاريخ، ترتبط بالعلم ومنجزاته، وبالثقافة وتنوعها، وبالأديان وخلافات أتباعها، وبمنظومة القيم وأبعادها الإنسانية والحقوقية، وبمستوى الوعي الإنساني، ومع ذلك فقد يعاني البشر في عصر ما من عدم فهم؛ أو غياب شروح وافية للأحداث والوقائع وللظواهر الاجتماعية وللمواقف السياسية، وفي تلك الحالة يبحثون عن سبيل للخروج ممَّا هم فيه، خاصة إذا طغى على حياتهم غير المتوقع أو المأمول، ونقلوا من اليقين إلى الشك والظن.
عمليّة البحث المصحوبة بعدم اليقين لم تكن خاصة بعصر دون غيره، كما أنها لم تقتصر على العلاقة بين البشر على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب والدول والأمم، إنما شملت أيضا علاقة البشر بالكائنات الأخرى غير المرئية، النابعة من الاعتقادات الدينية، مثل: الشياطين والملائكة، أو تلك الآتية من الأساطير والخرافات، وما رافقها من اعتقاد وثني في الكواكب والنجوم، والشجر، والحجر، والحيوانات، وغيرها.
ودون الذهاب بعيداً في رحلات البشر عبر تاريخهم الطويل بخصوص الاعتماد على "الظن الذي لا يغني عن الحق شيئاً"، أو تقديم تفسير لما يحدث سعياً لفهم غير مؤسس على أدلة وبراهين، فإننا نكتفي هنا بالحديث على السائد اليوم ضمن خطابات السياسة والإعلام والثقافة، وهو القول بوجود "مؤامرة"، حيث يأتي هذا القول عند كثير من الناس عند عجزهم عن فهم ما يحدث أو ضعفهم أمامه، أو اكتشافهم أنهم كانوا مغفلين حين أسهموا فيه بدون قصد، أو نظراً لتفاعلهم معه خوفاً أو طمعاً.
والمقصود بالمؤامرة هنا في المعنى العام تدبير أفراد أو جماعات أو حكومات لعمل معادٍ ضد الآخرين، أي تخطيط وتنفيذ أعمال لأغراض ليست شرعية وفي سريّة تامة، ما يعني التصميم على القيام بفعل إجرامي، ومن هذا التعريف تأسس المعنى السياسي للمؤامرة، فأصبحت تشير إلى اتحاد مجموعة من الأشخاص، أو الحكومات بهدف اغتصاب، أو تغيير، أو الإطاحة بسلطة سياسية راسخة، أو دعم قوى معارضة لها، أو العمل على تغيير خريطتها، والقضاء على تماسك جبهتها الاجتماعية.
السؤال هنا: هل إذا تمَّ التصريح العلني بالمؤامرة قبل وقوعها من طرف القائمين بها، مثلما يحدث اليوم لبعض دولنا العربية خاصة، وكثير من دول العالم، ومنها دول الشرق الأوسط تظل "المؤامرة" حاملة لمعناها المتداول منذ عقود، ولتكرار الفعل البشري منذ قرون؟.
واقعنا العربي من خلال تعامل القوى الكبرى معنا، وأيضا من خلال إسهام بعض دولنا في ذلك، لم يعد يعيش عصر المؤامرة، حتى لو قال كثيرون بذلك، بمن فيهم عناصر النخبة، ذلك أن ما تواجهه دولنا عملا استراتيجيا علنياً، يشي بنهاية عصر المؤامرة.
لم نعد اليوم في حاجة لفهم الواقع العربي والدولي اعتمادا على ما ذكره العالم السياسي" مايكل باركون"، حين قال إن "نظريات المؤامرة تعتمد على نظرة أن الكون محكوم بتصميم ما، وتتجسد في ثلاثة مبادئ: لا شيء يحدث بالصدفة، ولا شيء يكون كما يبدو عليه، وكل شيء مرتبط ببعضه"، ذلك لأن الوقائع والشواهد حولت المؤامرة إلى استراتيجية تتطلب المتابعة والدراسة والفهم، وليس التوهم والتخمين، والمثال الأوضح هنا ما تعيشه الدول العربية حاضرا وما ستؤول إليه مستقبلاً، إذ نبلغ به كمسؤولين وشعوباً، ومع ذلك نصرُّ على أن ذلك كله مؤامرة، مع أن كل المعطيات تنفي ذلك تماما.
مهما يكن من التغير المنتظر في منطقتنا، فإن استراتيجية الدول ـ العدوة والصديقة ـ في بلادنا العربية تظهر في بعض الأمثلة منها: تقوية الجماعات الإرهابية وتحويلها إلى منظمات معترف بها، وإضعاف دور الجيوش النظامية والعمل على حلِّها في بعض الدول، والسعي لأجل تحويل دولنا إلى فيدراليات في أحسن الأحوال، وإلى جماعات متقاتلة في أسوأ الأحوال، وإعادة النظر في الخرائط، وتثوير الأقليات، وإحداث الفتن والصراع الإثني والطائفي والديني والمذهبي.. وهذا قليل من كثير.