أول صاروخ عابر للقارات في العالم!
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
بعد مشوار طويل من العمل السري، أعلن الاتحاد السوفيتي في 26 أغسطس عام 1957 إطلاق أول صاروخ باليستي عابر للقارات بنجاح وذلك بعد خمسة أيام من الإجراء الفعلي للتجربة.
إقرأ المزيد معجزة على نهر "نيفا"!الصاروخ الباليستي العابر للقارات الأول في العالم حمل اسم "آر – 7"، وأطلق بنجاح قبل 66 عاما من قاعدة "بيكانور" الفضائية في كازاخستان.
هذا الصاروخ السوفيتي كان أول صاروخ باليستي جُرب بنجاح، قادرا على حمل رأس حربي، وكان يتكون من مرحلتين ومزودا برأس قابل للفصل يزن 3 أطنان، وبمدى طيران يصل على 8 آلاف كيلو متر.
في قوت لاحق منذ مطلع عام 1960 إلى نهاية عام 1968، أدخلت تعديلات على هذا الصاروخ بالتصنيف "آر – 7" كما تمت زيادة مداه من 6500 إلى 9500 كيلو متر.
دخل هذا الصاروخ الأول العابر للقارات الخدمة في قوات الصواريخ الاستراتيجية السوفيتية، وبات يعرف في دول حلف شمال الأطلسي باسم "سس -6 سابوود".
نجاح الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت في إطلاق أول صاروخ باليستي عابر للقارات لم يضف إلى ترسانته سلاحا هائل القوة فحسب، بل وأصبح هذا الصاروخ وسيلته الأساسية إلى ريادة الفضاء وتحقيق إنجازات كبرى في هذا المجال سبقت الجميع بأشواط طويلة.
تاريخ العمل على تطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات "آر- 7" بدأ منذ أواخر أربعينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي، قبل وقت طويل من تلك التجربة الناجحة، وسبقته نماذج "آر -1" إلى "أر-5" بقيادة مصمم الصواريخ السوفيتي الشهير "سيرغي كوروليوف".
ضرورة مثل هذا النوع من الصواريخ أملتها الحاجة إلى امتلاك صاروخ قوي مركب متعدد المراحل، قادر على الوصول إلى أراضي الأعداء المحتملين، وخاصة بعد أن ظهور خطر السلاح النووي الفتاك بعد القصف النووي الأمريكي لمدينتي هيروشيما وناغازاكي نهاية الحرب العالمية الثانية.
الدراسات بشأن هذا النوع من الصواريخ ذات المراحل المتعددة بدأت في الاتحاد السوفيتي في عام 1947، وبدأ رائد الصناعات الصاروخية السوفيتية كوروليوف بحوثه الأولية لتطوير صاروخ باليستي عابر للقارات في 4 ديسمبر عام 1950، وانكب العمل في ذلك الوقت على " البحث عن آفاق ابتكار أنواع مختلفة من الصواريخ بمدى طيران بين 5-10 آلاف كيلومتر، وبوزن رأس حربي من 1 إلى 10 أطنان".
الخطوة الهامة في هذا الطريق تمثلت في صدور مرسوم للحكومة السوفيتية في 20 مايو 1954، كلف مكتب التصميم المختص "أوكب-1 " الذي يقوده كوروليوف رسميا بمهمة تطوير صاروخ باليستي يمكن أن يحمل شحنة نووية حرارية إلى مدى عابر للقارات.
في هذا الطريق، وفي عمل مواز تم صنع محركات قوية جديدة للصاروخ "آر-7 "، تحت قيادة مهندس محركات الصواريخ السوفيتية فالنتين غلوشكو، في حين قام بتصميم نظام التحكم الخاص بهذا الصاروخ العالمان نيكولاي بيليوغين وبوريس بتروف، وتولى تصميم مجمع الإطلاق العالم فلاديمير بارمين.
بعد هذه الخطوات الأساسية، احتاج الاتحاد السوفيتي إلى موقع اختبار جديد مخصص للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وتقرر أن يكون في منطقة "بايكونور" في كازاخستان، وهناك شيدت قاعدة فضائية، عدت في ذلك الوقت مرفقا سريا للغاية.
تصميم الصاروخ العابر الأول في العالم "آر – 7" اكتمل في يوليو عام 1954، وبدأت الاختبارات الأولية لهذا الصاروخ في 15 مايو 1957.
هذا الصاروخ السوفيتي العابر للقارات الأول على مستوى العالم نجح وتمكن من الوصول إلى منطقة الهدف في التجربة الرابعة التي نفذت في 21 أغسطس 1957.
عملية تحسين الصاروخ وتلافي العيوب التي ظهرت في التجارب الأولية تواصلت، وجرى استبدال قسم من الرأس الحربي القابل للانفصال، وأضيفت إلى الصاروخ معدات ملاحة مبتكرة جديدة، وتواصل إدخال تحسينات في تصميمه بالتوازي مع اختبارات الطيران اللاحقة إلى أن تم اعتماده رسميا في الاتحاد السوفيتي في 20 يناير عام 1960.
أصبح الصاروخ العابر الأول "آر -7 "، الذي أطلق عليه الكثيرون تحببا "السبعة"، سلف عائلة كاملة من مركبات الإطلاق السوفيتية والروسية الصنع التي طورت على أساس هذا الصاروخ في عملية تحديث عميقة ومتعددة المراحل.
لم يؤمن هذا الصاروخ بعائلته الطويلة درعا نوويا صلبا للاتحاد السوفيتي ولاحقا لروسيا فقط، بل أسهم في فتح طريق الفضاء أمام البشرية جمعاء، وبواسطته تم تحقيق الإنجازات الكبرى التالية:
وضع أول قمر صناعي في التاريخ في مدار حول الأرض.إطلاق أول قمر صناعي في مدار حول الأرض مع كائن حي على متنه "الكلبة لايكا".إطلاق أول مركبة فضائية على متنها إنسان في مدار حول الأرض من خلال رحلة يوري غاغارين.صاروخ "آر -7" الذي ابتكره كوروليف كان أساس تطوير عائلة كاملة من مركبات الإطلاق مثل "فوستوك"، "فوسخود"، "لايتنينغ"، "سويوز"، "سويوز -2".
أحدث هذه الطرازات من مركبات الإطلاق تستخدم حتى الآن بنشاط، فيما أصبحت الصواريخ من عائلة "آر -7" الأكثر ضخامة في التاريخ ويصل عدد مرات إطلاقها الفعلي إلى 2000، كما يعترف لها بأنها واحدة من أكثر الصواريخ موثوقية في العالم، وبواسطتها تم إطلاق المركبات الفضائية المأهولة ولا تزال روسيا تستخدم حتى الآن من هذه العائلة الصاروخية، صواريخ "سويوز" و"سويوز – 2".
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: كورونا أرشيف الاتحاد السوفييتي مركبات فضائية الاتحاد السوفیتی فی صاروخ بالیستی عابر للقارات هذا الصاروخ أول صاروخ إطلاق أول فی العالم
إقرأ أيضاً:
غزة.. صمود لا ينكسر
فاطمة بنت هبيس الكثيرية
في قلب خريطة العالم، تقبع بقعة صغيرة بحجمها، عظيمة بأثرها، تسمى غزة. لم تكن يومًا مجرد مكان جغرافي، بل أصبحت رمزًا عالميًا للمقاومة والصمود في وجه المستحيل. على مر العقود، أثبتت غزة أن الانتصارات الحقيقية لا تُقاس بعدد الطائرات ولا بمدى تعقيد التكنولوجيا العسكرية، بل بما تحمله النفوس من إرادة لا تُقهر، وبما يُمكن أن تصنعه العقول حين تتوحد الرؤية ويتجسد الإيمان.
الصمود كهوية
غزة ليست مدينة، بل روح تسكن شعبًا اختار التحدي منهجًا. أجيال تربت على صوت القصف، ورائحة الدمار، لكنها في كل مرة، نهضت لتعيد تعريف معنى الحياة والكرامة. تحت الحصار، تُصنع المعجزات. من رحم الأزمات، يولد الأمل. بين زوايا البيوت المهدمة، تُنسج حكايات لا تشبهها أخرى: طفل يحمل كتابًا بيد، ومقلاعًا باليد الأخرى، أم تحيك علمًا وطنيًا على ضوء شمعة، وشيخٌ يُعلّم الصغار أن الأوطان لا تُباع.
انتصار يصعب تقليده
ما يجعل انتصار غزة فريدًا من نوعه هو جوهره الإنساني. ليس مجرد معركة بين طرفين، بل هو صراع بين قيم الحرية والعدالة من جهة، والاستبداد والظلم من جهة أخرى. في هذا الصراع، امتلكت غزة سلاحًا لا يمكن تقليده: إرادة جماعية. لا يمكن لأحد أن يُعيد خلق تجربة تُبنى على التضحية المطلقة وحب الأرض بهذا العمق.
غزة لا تعتمد على ما يمتلكه العالم من أدوات الحرب الفتاكة، بل تبتكر أسلوبها الخاص، حيث المقاومة لا تتوقف عند البندقية. هناك مقاومة بالكلمة، بالصورة، وبالصبر الذي لا يعرف الانكسار. يكمن سر هذا الانتصار في أنه لا يعتمد على فرد واحد أو قيادة واحدة، بل هو امتداد لشبكة متماسكة من العقول، تمتد من الطفل الذي يكتب شعرًا على الجدران، إلى المهندس الذي يُعيد بناء الأنفاق تحت الأرض.
درس للعالم
غزة لا تنتصر فقط بسواعد أبنائها، بل بقدرتها على أن تصبح مصدر إلهام لشعوب العالم. في عصر باتت فيه العولمة تسحق الخصوصيات، تبرز غزة كاستثناء، تُذكّرنا أن الهوية الثقافية والكرامة الوطنية يمكن أن تكون أقوى من أي جيوش. يعلمنا أهل غزة أن الانتصار الحقيقي لا يعني هزيمة عدوك فقط، بل الحفاظ على إنسانيتك وسط أحلك الظروف.
الرسالة الأعمق
انتصار غزة ليس حدثًا عابرًا يُسجل في كتب التاريخ وينتهي أثره مع مرور الزمن. هو فكرة تُشعل النفوس، تلهم الحالمين، وتُرعب من يرى في الحرية تهديدًا. غزة لا تطالب العالم بمساعدتها، بل تُعلّمه كيف يقف شامخًا أمام طغيان العصر. لقد أصبحت غزة مدرسة لمن أراد أن يكتب معنى جديدًا للحرية، ولمن يؤمن أنَّ الكرامة ليست قابلة للمساومة.
في النهاية.. انتصار غزة هو رسالة لمن لا يزال يؤمن أن الحقوق تنتزع، لا تُمنح. من بين الركام، تكتب غزة حكاية العالم الذي نريده: عالم يقف فيه المظلوم، مهما بدا ضعيفًا، على قدميه ليُغيّر معادلات القوة بجرأة الفكرة، وحرارة الإيمان، وعمق الروح.