عربي21:
2024-09-07@18:18:03 GMT

إغراق الشعب في اللغو والتشكي

تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT

حين وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم ".. عن اللغو معرضون"، فهو لا يضفي عليهم مجرد قيمة أخلاقية متعالية، وإنما هو -سبحانه- يؤكد على قيمة حضارية، فـ"اللغو" ليس مجرد قول سخيف غير ذي معنى، وإنما هو ممارسة واعية ومقصودة، فعقل اللاغي يعي أنه لغو، ولكن صاحبه يتعمد الاستمرار فيه لتحقيق هدف ما وهو صرف الناس عن تناول القضايا الحقيقية التي هي في علاقة بحياتهم وبمصالحهم وبمستقبلهم.

إن منتجي "اللغو" ليسوا مجرد أفراد سخفاء وإنما هم صنّاعُ "ثقافة" تافهة، ومروّجو خطاب سخيف، وهم يقصدون إلهاء الناس وتبديد جهدهم وإهدار وقتهم وإغراقهم في اللا معنى.

لقد اشتغلت مختبرات "اللغو" في تونس منذ 2011 بشكل فعال، وقد نجحت حقيقة في إغراق الناس في تفاهة الاستثارة وتفاهة الاستجابة.

إن الإعراض عن "اللغو" ليس مجرد سلوك أخلاقي فردي، إنما هو ارتقاء جماعي إلى مرتبة "الأناقة الحضارية"، وهو حرص على حماية النسيج المجتمعي حتى لا يمزقه غبار "اللغو"، إنه تعلق الهمم العالية بالقضايا الكبرى، وهو حالة انجذاب شائق نحو مستقبل أرقى وأنقى، إنها حالة "إعراض" عن الخوض مع التافهين في ما يثيرونه من "موضوعات" سخيفة ومن "قضايا" مفتعلة كاذبة.

بعد انتخابات 2011 وصعود الإسلاميين وحلفائهم إلى السلطة وقبل أن يُمسكوا بالملفات الاجتماعية والأمنية، أعلن المهزومون انتخابيا اصطفافهم في جبهة معارضة، وكان المجال الاجتماعي منطلقا لممارسة الضغط على والتحريض عليها.. كل الأساليب كانت متاحة لتحقيق هدف مركزي، وهو إفشال حكم الإسلاميين ومنع فوزهم في أي انتخابات قادمة
إن "الإعراض" عن "اللغو" لا يصدر إلا عن أولي عزم ممن يتحكمون في انفعالاتهم وفي تشهيهم لردود الفعل، إن أولي العزم أولئك هم من يُفوّتون على التافهين فرصة تمكنهم من زمن الفعل وزمن التأثير وزمن الريادة..

بعد انتخابات 2011 وصعود الإسلاميين وحلفائهم إلى السلطة وقبل أن يُمسكوا بالملفات الاجتماعية والأمنية، أعلن المهزومون انتخابيا اصطفافهم في جبهة معارضة، وكان المجال الاجتماعي منطلقا لممارسة الضغط على والتحريض عليها.. كل الأساليب كانت متاحة لتحقيق هدف مركزي، وهو إفشال حكم الإسلاميين ومنع فوزهم في أي انتخابات قادمة بعد إشعار الناس بالخيبة.

وبدوافع سياسوية رخيصة وساقطة أخلاقيا، سمعنا أشخاصا يصرخون وعلى المباشر أمام كاميرا التلفاز أنهم "جياع" في بطونهم، بل وسوس سيّئون لبعض ضعاف النفس فأقدم احدهم على الوقوف مع بصغاره في أحد الأسواق يعرضهم للبيع، وتلك جريمة أخلاقية كان يفترض مقاضاته عليها لما اقترفه من اعتداء على الكرامة الإنسانية ولما سيسببه فعله ذاك من آثار نفسية مدمرة على شخصية البنت أو الطفل حين يكبر، فيذكّره بعض من لا يفصلون بين الفاعل والمفعول به، بكونه كان معروضا للبيع بسبب جوعه وعجز عائلته.

لم يندد لا سياسيون ولا حقوقيون ولا منظمات طفولة ولا جمعيات نسوية بذاك السلوك الأحمق، لأن الحسابات السياسوية لا تترك أصحابها أسوياء إنما تحولهم -غالبا- إلى جبناء وأوباش.

إن نقص المواد الغذائية لا يقتل الشعوب الحية إنما يقتلها الحقد والكراهية، وتقتلها الأخلاق السيئة، وتقتلها النكاية حين يستسهلون استعمال كل الوسائل الخسيسة في تصفية حسابات لا علاقة لها بمسار البناء الحضاري لشعب أو لأمة.

إن نقص المواد الغذائية لا يقتل الشعوب الحية إنما يقتلها الحقد والكراهية، وتقتلها الأخلاق السيئة، وتقتلها النكاية حين يستسهلون استعمال كل الوسائل الخسيسة في تصفية حسابات لا علاقة لها بمسار البناء الحضاري لشعب أو لأمة
النضال الاجتماعي يجب أن يكون ضمن فلسفة انتصارية ورؤية للإنسان الشامخ المكرم، إن أسلوب التذلل والتشكي وكشف هزال النفس وتورّم البطن، إنما هو أسلوب مدمّر للإرادة ومثبّط للعزائم ومهين للكرامة الإنسانية.

إن المعركة الاجتماعية يمكن أن تخاض بكشف الأرقام الحقيقية لعناصر الأزمة: ضعف الأجور، وغلاء الأسعار، ونسبة البطالة، ونسبة الفقر، وعدد المهاجربن سرا، وعدد الضحايا في البحر، ومستوى عجز الدولة عن توفير الأدوية والحبوب وقطع الغيار، بعدها يمكن أن تتحول هذه الأرقام إلى وعي اجتماعي قد يؤدي إلى احتجاجات شعبية قوية بهدف الضغط على الأنظمة الفاشلة لإجبارها على معالجة الأزمة أو لإسقاطها.

إن تحويل وضعية الفقر والخصاصة إلى مادة لتعيير السلطة من خلال إهانة الفقراء، هو عمل غير أخلاقي وغير حضاري وغير إنساني، علينا تحويل الفقر إلى نظرية في المقاومة وأيضا إلى مدرسة في التضامن الاجتماعي.

لقد كان أبو ذر الغفاري متقدما في وعيه بكون الجوع منطلقا لثورة الكرامة والعدالة: "إني لأعجب لمن يبيت جائعا ولا يخرج..".

ولعل الشاعر الكبير مظفر النواب كان أحسن مترجم لتلك القولة حين صرخ:

الجوع أبو الكفار
وأنا الكافر بالجوع الكافر..

twitter.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تونس المجتمعي السلوك الأخلاق تونس المجتمع الأخلاق السلوك مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

بدء التصويت بالبريد في انتخابات الرئاسة الأميركية

بدأت عمليات التصويت للانتخابات الرئاسية الأميركية عبر البريد، اليوم الجمعة، في ولاية كارولاينا الشمالية التي تشهد منافسة حادة بين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس.
وأرسلت كارولاينا الشمالية، بعد ظهر الجمعة، أكثر من 100 ألف بطاقة اقتراع إلى الأشخاص الذين لا ينوون التوجّه شخصيا إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الخامس من نوفمبر.
وتحمل هذه الخطوة أهمية خاصة لا سيما أنّ هذه الولاية، الواقعة في جنوب شرق البلاد، تعدّ واحدة من الولايات الست أو السبع التي قد تحدّد الفائز في الانتخابات الرئاسية.
كان ترامب فاز في كارولاينا الشمالية بفارق ضئيل على جو بايدن في العام 2020. غير أنّ كامالا هاريس تعتمد على الأميركيين من أصول أفريقية والشباب للفوز فيها على المرشح الجمهوري، على اعتبار أنّ ترشيحها أعاد تحفيز هاتين الفئتين الانتخابيتين.
ستعتمد المرشحة الخمسينية على الدعم المالي الكبير الذي حظيت به، فقد أعلن فريق حملتها جمع 361 مليون دولار أميركي في أغسطس، أي "أكثر بثلاث مرات" ممّا جمعه معسكر ترامب.
وبذلك، فإن "المبلغ الذي جمع منذ دخول هاريس الحملة الانتخابية، بلغ 615 مليون دولار"، وفق بيان للحملة.
وتملك المرشحة الديمقراطية احتياطيا من الأموال يبلغ 404 ملايين دولار، قبل أقل من شهرين من الانتخابات التي يتوقع أن تكون متقاربة للغاية والتي سيتخلّلها إنفاق مبالغ هائلة من الجانبين.
وستنفق كامالا هاريس 370 مليون دولار على الأقل على الدعاية التي تنقل عبر التلفزيون والإنترنت بين الثاني من سبتمبر وموعد الانتخابات في الخامس من نوفمبر.
من جهته، أعلن فريق حملة ترامب الأربعاء جمع 130 مليون دولار منذ أغسطس، وصندوقا بقيمة 295 مليون دولار متاحة على الفور. 

أخبار ذات صلة «مناظرة الحسم» تمهد الطريق إلى البيت الأبيض اتهام محاميي ترامب في قضية تقويض انتخابات 2020 المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • السلطة الجزائرية المستقلة للانتخابات: نسبة المشاركة الأولية في انتخابات الرئاسة حتى الساعة 1 ظهرا بلغت 13.11%
  • انتخابات الجزائر.. 3 مرشحين وفائز متوقع
  • صحيفة إسرائيلية تحتفي بابن زايد.. أقوى زعيم عربي يحارب الإسلاميين
  • شلقم: انتخابات تونس تخفف معاناة الليبيين
  • الانتخابات الأمريكية: للعالم بأسره حق التصويت!
  • تحديد موعد فتح باب الترشح لانتخابات الاتحاد المصري
  • بدء التصويت بالبريد في انتخابات الرئاسة الأميركية
  • خبر مستفز بدرجة امتياز أورده وزير الخارجية، يقرأ: البرهان يلتقي الرئيس الصيني ليناقشا اعمار ما دمرته الحرب !!..
  • غزة تؤثر في تصويت 7% من الأميركيين في انتخابات الرئاسة
  • فتاة تستدرج صديقتها وتقـتلها وتخفي جثـتها في برميل