شمسان بوست:
2025-02-01@19:46:30 GMT

بقايا جيش وجماعات منفلتة آخر ما يحتاجه السودان

تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT

شمسان بوست / وكالات

الوضع الصعب الذي يعيشه الجيش السوداني عسكريا لا يدفع أيّ جهة سودانية إلى تمنّي تفكيك المؤسسة العسكرية، أو أن تبقى في وضع هش في صورة بقايا جيش أو مجموعات منفلتة. فالسودانيون يعرفون أن المؤسسة العسكرية هي المرادف الطبيعي للحفاظ على الدولة، وأن مهمة الفاعلين ما بعد الحرب إعادة الجيش إلى مساره كقوة جامعة وموحدة.

يوحي خروج قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان من خندقه في مقر القيادة العامة بالخرطوم بقدرته على الحركة خارجها، لكنه يشي أيضا بأن الأوضاع الأمنية أشد خطورة عليه، فانتقاله إلى بورتسودان وربما خارجها يعني أن الحالة العسكرية ليست على ما يرام، في ظل اتساع نطاق التصعيد بين الجيش وقوات الدعم السريع.

فإذا خسر الجيش معركته في السيطرة على العاصمة الخرطوم سيتعرض لنهاية حزينة، لأنه من الصعوبة تحقيق مكاسب عسكرية من خارجها، وإذا كان شرق السودان بعيدا عن الحرب فلا أحد يضمن ذلك عقب اشتعال أنحاء عديدة في الخرطوم ودارفور وكردفان، فاحتمالات زحف المعارك إلى الشرق ليست مستعبدة مع المعلومات المتواترة حول قيام فلول النظام السابق بعمليات تحشيد وتجنيد واسعة هناك.

آخر ما يحتاجه السودان بقايا جيش وجماعات منفلتة يصعب السيطرة عليها، وما يحدث يوحي أن الجيش استنزف الكثير من مقدراته العسكرية في المعركة الممتدة منذ منتصف أبريل الماضي، وأن الحركات المسلحة بألوانها ومشاربها المختلفة قد تتخلى عن حيادها بعد حدوث انشقاقات في بعضها وانضمام عناصر منها إلى قوات الدعم السريع.

فهناك من يعتقدون أن استمرار إخفاقات الجيش وقوات الدعم السريع في الحسم يؤدي إلى اقتناع بعدم جدوى الحرب ومن ثم وقفها، لكن هناك من يرون أنها قابلة للتمدد بوسائل أخرى، فالجماعات المسلحة لن تختفي من السودان، وسوف يتزايد دورها وتعود إلى رقم محوري إذا جرى استقطاب عناصر منها إلى هذا الطرف أو ذلك أو دافعت عن مصالحها المناطقية والقبلية، ما يشير إلى عدم ظهور ضوء في نهاية النفق.

فمن الضروري أن يضع العقلاء في الجيش والدعم السريع والقوى المدنية خطة لإعادة تنظيم المؤسسة العسكرية واسترداد ما عرف عنها من قوة وتماسك للدفاع عن وحدة الدولة، لأن انفراط عقدها على وقع المعارك الضارية يتيح الفرصة للحركات المسلّحة للمزيد من النشاط في الأماكن التي تتمركز بها، ويمكن أن تمدّ بصرها إلى ما حولها أو أبعد من ذلك، فالبيئة في السودان مهيأة لسيناريوهات غامضة للحرب، وأشكال يصعب توقع المدى الذي تذهب إليه، فالسلاح ليس حكرا على الجيش أو الدعم السريع.

ويبدو التباحث في شأن مصير الجيش غير مطروح بجدية في خضم المعارك الراهنة، ويبدو أيضا أن من يفكّرون فيه سيتم تصنيفهم لصالح أحد الطرفين المتصارعين وفقا للرؤية التي يتم التأسيس لها في عملية المناقشة، غير أن الأمر جاد، ومهما طالت الحرب أو قصرت سيظل خيار توحيد المؤسسة العسكرية مطلبا محوريا للقوى الوطنية في السودان، فليس من الحكمة أن تهيمن كل قوة مسلحة على منطقتها.

ومهما كان التباين في عملية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وآليات إتمامها، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لاشتعال الحرب، فوجود مؤسسة عسكرية نظامية وطنية غير عقائدية يصبّ في صالح الجميع، لأن تناثر التنظيمات المسلحة شرقا وغربا وشمال وجنوبا وفي الوسط يحمل خيارات مخيفة لمستقبل السودان، والذي لن يستطيع شعبه الحياة إذا فكر كل فصيل في الاستحواذ على منطقة أو إقليم معين.

وقد يكون التدبر في المآلات التي سوف تصل إليها الحرب عملية مهمة في هذه اللحظة، فلن يتمكّن أحد الطرفين من التحكم في مقاليد الأمور إذا قدّر له تحقيق انتصار عسكري نسبي، لأن المساحة الشاسعة في السودان من الصعوبة أن تمكن أحدهما من السيطرة عليها، والحرب التي بدأت بين الجيش وقوات الدعم السريع دخلت عليها متغيرات عديدة منذ اندلاعها لا تجعلها تنتهي بسهولة بتفوق أو انتصار فريق على آخر.

ولن يستطيع المنتصر الحفاظ على تماسك السودان أو إخراج الفريق الآخر من المعادلة، ومن هنا تأتي الخطورة، فغطرسة المنتصر يمكن أن توقعه في عواقب وخيمة نتيجة ما يجلبه غرور القوة من متاعب، والمنهزم لن ينكسر في حرب غير نظامية تؤثر فيها عوامل متفرقة لن تدفعه إلى الاستسلام، بل مواصلة القتال بأدوات مختلفة.

ويحاول الكثير من القوى والأحزاب السودانية النظر إلى الصورة على حقيقتها وتدارك الأخطاء التي وقعت فيها سابقا عندما اعتقدت أن إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية عملية هيّنة يمكن القيام بها من خلال التوقيع على اتفاق شكلي يؤدي للوصول إلى هذه النتيجة حتى انفجر بركان لم تستطع قوى محلية وإقليمية ودولية كبح تداعياته.

فمع كل الجهود التي تبذلها القوى المدنية، إلا أنها لا تزال مسكونة بهواجس وروافد المرحلة الماضية، فلم تتوحد على كلمة سواء، والخلاف ينخر في جسدها، والفوارق في الرؤى والتقديرات لا تتوقف، بينما الحرب تأكل كل يوم ما تبقى من الأخضر واليابس في البلاد، وعندما تسكت المدافع لا أحد يعلم أيّ سودان سيتم التعامل معه.

مهما كان التباين في عملية إعادة هيكلة الجيش فوجود مؤسسة عسكرية نظامية وطنية غير عقائدية يصبّ في صالح الجميع

وتعد المؤسسة العسكرية في السودان المرادف الطبيعي للحفاظ على الدولة، وبانهيارها التام أو اختفاء الهيكل العام لن تتمكن أيّ جهة من الحديث عن السودان المتعارف عليه، فكل طرف قد يستولي على جزء لن يتمكن من الحفاظ على الهدوء فيه.

ومن مصلحة الجميع البحث عن صياغة لوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية التي يجب أن ترفع شعار جيش واحد في السودان على أساس وطني وليس أيديولوجيا، وهي الخطوة التي تحتاج إلى جهود مضنية لتحقيقها، فما كان ممكنا قبل الحرب بات صعبا بعدها لكنه لن يتحول إلى مستحيل إذا خلصت نوايا القوى السودانية.

ولا يحتاج السودان إلى نظريات أو اجتهادات خارجة عن المألوف، فإذا استوعبت كل الأطراف دروس دول أخرى في أفريقيا يمكنها طيّ صفحة الحرب وما خلّفته من مشكلات على مستويات عدة، لأن الفترة التي تلت الحرب كفيلة أن تردع أيّ جهة تحاول الاستئثار بالقرار والهيمنة على مفاتيح السلطة ووضع المؤسسة العسكرية في كنف فصيل واحد، فعمليات الكرّ والفرّ التي طبعت المعارك حاليا متغيرة وأيّ انتصار يحققه فريق على الثاني في منطقة يمكن أن يتحول إلى هزيمة في منطقة أخرى.

وتمثل هذه النتيجة مدخلا جيدا للدول المجاورة التي أبدت انزعاجا لافتا من الحرب وتوابعها، لأنها أول الخاسرين من تصاعد حدتها في أقاليم سودانية متعددة، وفرص تمددها خارجيا غير بعيدة، بالتالي عليها مواجهة ما تفرزه من أزمات، مثل الهجرة والنزوح، وامتداد نيرانها بحكم التداخل القبلي وتفجير صراعات داخلية كامنة.

وعلى الدول التي تعاملت مع البرهان باعتباره رمزا للمؤسسة العسكرية عدم تجاهل أن قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) هو رمز للقوى المهمشة، لأنه يقود عناصر عسكرية اعترف بها قانونا ويحظى بتعاطف حركات مسلحة، وعدم الحوار معه تحت أيّ ذريعة يطيل الحرب ويجعل عملية الحفاظ على مؤسسة عسكرية موحدة في السودان مشكوكا فيها، خاصة أن الحرب الجارية أسقطت بعض الثوابت المتعلقة بقدرة الجيش على سحق كل خصومه بضربة واحدة.

المصدر: شمسان بوست

كلمات دلالية: المؤسسة العسکریة الدعم السریع فی السودان

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية

كارثة سقوط المدن عسكرياً تمهيد لفصل إداري للمدن وليس فصل سياسي للأقاليم (5)


مقدمة
في ظل الحرب في السودان المستمرة منذ أبريل 2023، أصبح الصراع على الشرعية السياسية أكثر تعقيدًا مع محاولات كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني تشكيل حكومة مدنية في المناطق الخاضعة لسيطرتهما. وبينما يسعى الدعم السريع إلى فرض نفوذه من خلال حكومة مدعومة بتحالف سياسي منشّق، يتحرك الجيش السوداني لتشكيل حكومة أخرى تستمد شرعيتها من المؤسسات السيادية المتبقية. فكيف يمكن قراءة هذه الخطوات في ظل التنافس على الشرعية؟ وما تداعياتها على مستقبل السودان؟

خطوة الدعم السريع نحو تشكيل حكومة
أفادت تقارير بأن قوات الدعم السريع تخطط لإعلان حكومة مدنية هدّدت بها منذ أشهر طويلة في المناطق التي تسيطر عليها، مستندة إلى تحالف مع مجموعة منشقة عن تحالف "تقدم". هذه الخطوة تأتي في وقت يسعى فيه الدعم السريع إلى تقديم نفسه كقوة سياسية إلى جانب كونه قوة عسكرية، بعد أن تمكن من السيطرة على مساحات واسعة في غرب السودان.

مشروع متخيل للدعم السريع في بناء مؤسسات اقتصادية
قمت بطرح سؤال لـ محمد حسن التعايشي عبر لقاء في منصة الدكتور عزام عبد الله حول كيفية تشكيل مؤسسات في المناطق التي يقترحوا تشكيل حكومة فيها "حكومة متخيلة حسب تقديري" وكيف تنفيذ كل الأداء بما فيها إنشاء قطاع مصرفي. أوضح التعايشي أن خطتهم تشمل إنشاء بنك مركزي ونظام مصرفي جديد، وصرّح بسخرية أن الإيرادات التي يوفّرها وزير المالية جبريل إبراهيم من مناطق سيطرة الجيش تجعل من السهل جذب إيرادات من مناطق سيطرة الدعم السريع

مستقبل المناطق الجغرافية لوضع حكومة الدعم السريع
بعد التقدمات التي أحرزها الجيش في ولاية الجزيرة ومحلية بحري في العامة الخرطوم، أصبحت فكرة إعلان حكومة من الخرطوم شيئًا من ضرب الخيال. بات الجيش قريبًا من تحقيق النصر داخل ولاية الخرطوم، مما عقد على الدعم السريع المضي قدمًا في فكرة تشكيل الحكومة وفق الحدود الجغرافية التي كانت محددة قبل ثلاثة أشهر. ربما باتت القيمة الاستراتيجية الأهم للدعم السريع الآن هي إسقاط ولاية شمال دارفور، وخاصة الفاشر، التي حشد لها أكبر القوات من الجنود لإسقاطها، حتى يتمكن من فرض سيطرته الكاملة على الإقليم. في حال تحقق ذلك، فإن الدعم السريع قد يسعى إلى تقديم نفسه كإدارة إقليمية ذات مشروعية عسكرية، مدعومًا بحدود مشتركة مع أربع دول يمكنه استخدامها لتعزيز موقفه سياسيًا ودبلوماسيًا.

الانقسام داخل تحالف تنسيقية تقدم

شهد تحالف "تقدم" انقسامًا داخليًا حادًا بين جناحين رئيسيين بعد أن حاول رئيس التحالف حمدوك توسيع الجبهة السياسية لمقاومة خطاب الحرب عبر اجتماعات نهاية شهر يناير، إلا أن الانقسام قد حدث فعليًا داخل التحالف
1-الجناح المؤيد للتفاوض السلمى و تكوين الجباه السياسية الفاعلة بقيادة د عبد الله حمدوك رئيس تقدم و المؤتمر السوداني و التجمع الاتحادي و حزب الامة كقوى بارزة مكتفية بالحياد من موقف الحرب و محاولة نزع فتيل الازمة العسكرية بالضغط علي الاطراف وهي مجموعة مخالفة تماما للمبدأ حول تشكيلة حكومة منحازة لاحدي الطرفين .
2- الجناج المنشق من تقدم الداعم للدعم السريع : و يتكون من اعضاء الجبهة الثورية مثل نائب كتلة تقدم "الهادي ادريس" و الجناح المنشق من العدل و المساوة بقيادة " صندل" و شخصيات بارزة مثل محمد حسن التعايشي عضو مجلس السيادة السابق .

هذا الانقسام ...و بالرغم من انه سيضعف تحالف تقدم الا انه قد حدد بشكل قاطع وضع القوى السياسية من الاطراف , و هو أمر مؤسف رغم التفاهمات التي قادها رئيس التحالف "حمدوك" الا ان الأمر قد يبدو مجهزاً له , فهذا الانقسام اتاح للدعم السريع غطاء سياسي حقيقي لتقديمه للمجتمع الدولي لدعم اكبر في تشكيل الحكومة في مناطق السيطرة , وهو امر سيتفيد منه " محمد حمدان دقلو" بالتأكيد ان يجد مجموعة من السياسين ان يدعموه , الا انني برأيي الجزرى حول معارضتي للفكرة فقد و وصفتها ب(الانتحار السياسي).

محاولة استنساخ النموذج الليبي في أقليم دارفور
الإعجاب الشديد بالنموذج الليبي جعل التعايشي (منظَر حكومة الدعم السريع) ، المنظّر لحكومة الدعم السريع ومستشاريه، يتجاهلون الأهمية الاستراتيجية لمدينة بنغازي، التي تمثل مركزًا اقتصاديًا ومحورًا لتحالفات قوية تميز الإدارة المدنية هناك فعندما ضرب التعايشي مثالًا بالانقسام الحكومي في ليبيا، سعى إلى تبرير فكرة الحكومة التي يطمحون إلى تشكيلها، مدعيًا أنها لن تؤدي إلى تقسيم السودان، بل ستساهم في فرض التوازن داخل البلاد غير أن هذا الطرح يتجاهل التناقضات التاريخية العميقة بين السودان وليبيا، فضلًا عن المغالطات التي تجعل الاستشهاد بالتجربة الليبية أمرًا صعب التطبيق.
في ليبيا، ورغم الانقسام السياسي، لا تزال هناك قوة اقتصادية كامنة ومصادر تمويل محلية يمكنها دعم الإدارات المتنافسة، فالوضع مختلف تمامًا فالإقليم مثل دارفور عانى من حروب مستمرة لأكثر من 17 عامًا، أفقدته القدرة على المساهمة التمويلية مما يجعله بحاجة إلى موارد مالية ضخمة لإدارة شؤونه أو حتى مجرد التفكير في مشاريع استثمارية داخل الإقليم. وبالتالي، فإن محاكاة التجربة الليبية في السودان، وبالأخص في دارفور، ليست سوى طرح نظري يفتقد للواقعية.
أما في السودان، فإن فكرة "الانفصال الإداري" لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد، نظرًا للطبيعة الخاصة للإنفاق العام والانتشار الجغرافي الواسع، إضافةً إلى التأثير السلبي على الحركة الاقتصادية والأسواق الكبرى في محليات دارفور حيث تركيبة و طبيعة السلع فيها نوع من الصعوبة ان تسوق في مناطق جديد باختلاف طبيعة العلاقات التجارية للاقليم , مما سيسبب اعتراضات كبيرة من التجارة المستوردين و المصدرين .
هذا السيناريو يكشف حقيقة واضحة: الميليشيات ليست مؤهلة لبناء دولة في السودان، بل تمثل نموذجًا لدولة غارقة في الفوضى، تنهكها الصراعات الداخلية والانقسامات المتزايدة.

إلى أين يتجه الصراع على الشرعية؟
-تفتيت السلطة والانقسامات بدلًا من توحيدها
الصراع المستمر بين الجيش والدعم السريع حول الشرعية لا يسهم في إنهاء الأزمة، بل يدفع نحو تفتيت السلطة وانقسامها، مما يفتح الباب أمام تعدد الحكومات بدلًا من توحيدها. إن وجود حكومتين متنافستين لن يؤدي فقط إلى تعقيد المشهد السياسي، بل سيدفع السودان نحو مرحلة أكثر خطورة من الانقسام، قد تتطور مستقبليًا إلى بوادر أزمة تتعلق بنواة للانفصال السياسي.
هذا السيناريو لا يعزز الاستقرار، بل يساهم في إفقار البلاد نتيجة سوء الإدارة وضعف الموارد. فتعدد السلطات وتنازع الشرعيات لن يكون مجرد أزمة سياسية، بل سيمتد ليؤثر على الاقتصاد الوطني، حيث سيؤدي انعدام التنسيق الحكومي إلى تدهور الخدمات، ضعف الاستثمارات، وزيادة الأعباء المالية، مما يسرّع من انهيار الدولة بدلًا من تحقيق أي توازن سياسي أو إداري.

-التأثير على الحل السياسي والتفاوض
إذا نجح الدعم السريع في تشكيل حكومة وتحالف سياسي، فقد يتمكن من كسب دعم أطراف دولية وإقليمية لديها مصالح في السودان أو المنطقة، وترى فيه جهة يمكنها تنفيذ أجنداتها. هذا الدعم المحتمل قد يمنح الدعم السريع شرعية دبلوماسية محدودة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويعزز حالة الانقسام بدلًا من دفع الأطراف نحو حل شامل للأزمة.
في المقابل، يسعى الجيش بقيادة البرهان إلى تعزيز موقعه عبر تحركات دبلوماسية نشطة منذ بداية العام، شملت زيارات إلى دول مؤثرة داخل الاتحاد الإفريقي في محاولة لإعادة السودان إلى المنظمة بعد تعليقه في أعقاب انقلاب أكتوبر 2021. ويراهن الجيش على المؤسسات الحكومية عبر (حكومة الأمر الواقع) كأداة ضغط لدفع الدول إلى إعادة الاعتراف بحكومته داخل الاتحاد الإفريقي، أو على الأقل منع الاعتراف بحكومة الدعم السريع في حال تشكيلها.
هذا التجاذب بين الطرفين حول الشرعية الدولية والإقليمية قد يؤثر بشكل مباشر على مسار الحل السياسي والتفاوض، حيث سيؤدي إلى تعقيد أي جهود وساطة ويعزز حالة الاستقطاب الإقليمي بين القوى الداعمة لكل طرف او الاطراف المحايدة و الطارحة للحلول ، مما يجعل الحلول السياسية أكثر بعدًا عن التحقيق و ستكون معقدة للغاية .

خاتمة: السودان إلى أين؟
إن تشكيل حكومة من قبل قوات الدعم السريع قد يؤدي إلى إضفاء طابع سياسي على الصراع العسكري، في حين أن مساعي الجيش لإنشاء حكومة موازية قد تعمّق الانقسام بدلًا من معالجته. في ظل هذه التطورات المتسارعة، يبقى السودان أمام مفترق طرق خطير إما الانزلاق نحو مزيد من التفكك والانقسام، أو البحث عن حلول وسط تضمن الاستقرار وإعادة بناء الدولة.
لكن السؤال الأهم :هل يدرك الطرفان أن الصراع على الشرعية قد يدفع السودان إلى حالة دائمة من الانقسام والتشرذم؟ لقد حذّرتُ شخصيًا من هذه السيناريوهات منذ نوفمبر 2023، عندما أطلقت على هذا المشهد مصطلح "الانفصال الاداري" , حيث رصدتُ بوادره المبكرة و نظَرت إمكانية حدوثه ضمن سياق صراع الشرعية والشرعية المتخيلة.
اليوم، نحن أمام حقبة جديدة من التاريخ السياسي، أفرزتها الحرب، وأعادت رسم معادلات السلطة والنفوذ، لتجعل من إعادة توحيد السودان سياسيًا وإداريًا تحديًا أكبر مما كان متوقعًا.

dr_benomer@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • السودان: مقتل 54 شخصًا وإصابة 158 آخرين في هجوم لقوات الدعم السريع
  • السودان: مقتل 54 شخصًا وإصابة 158 في هجوم لقوات الدعم السريع
  • ترامب: المروحية العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت تحلق على ارتفاع عالٍ جدا
  • بالأرقام والتفاصيل.. الكشف عن كافة العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة ضد كيان العدو الصهيوني إسناداً لغزة
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • حميدتي يعترف بخسارة قوات الدعم السريع مناطق لصالح الجيش (شاهد)
  • حميدتي يعترف بخسارة قوات الدعم السريع مناطق لصالح الجيش
  • السودان.. حميدتي يقر بخسارة "الدعم السريع" مناطق لصالح الجيش
  • الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية
  • مصادر رسمية تكشف للجزيرة نت خطة الدعم السريع العسكرية