بقايا جيش وجماعات منفلتة آخر ما يحتاجه السودان
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
شمسان بوست / وكالات
الوضع الصعب الذي يعيشه الجيش السوداني عسكريا لا يدفع أيّ جهة سودانية إلى تمنّي تفكيك المؤسسة العسكرية، أو أن تبقى في وضع هش في صورة بقايا جيش أو مجموعات منفلتة. فالسودانيون يعرفون أن المؤسسة العسكرية هي المرادف الطبيعي للحفاظ على الدولة، وأن مهمة الفاعلين ما بعد الحرب إعادة الجيش إلى مساره كقوة جامعة وموحدة.
يوحي خروج قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان من خندقه في مقر القيادة العامة بالخرطوم بقدرته على الحركة خارجها، لكنه يشي أيضا بأن الأوضاع الأمنية أشد خطورة عليه، فانتقاله إلى بورتسودان وربما خارجها يعني أن الحالة العسكرية ليست على ما يرام، في ظل اتساع نطاق التصعيد بين الجيش وقوات الدعم السريع.
فإذا خسر الجيش معركته في السيطرة على العاصمة الخرطوم سيتعرض لنهاية حزينة، لأنه من الصعوبة تحقيق مكاسب عسكرية من خارجها، وإذا كان شرق السودان بعيدا عن الحرب فلا أحد يضمن ذلك عقب اشتعال أنحاء عديدة في الخرطوم ودارفور وكردفان، فاحتمالات زحف المعارك إلى الشرق ليست مستعبدة مع المعلومات المتواترة حول قيام فلول النظام السابق بعمليات تحشيد وتجنيد واسعة هناك.
آخر ما يحتاجه السودان بقايا جيش وجماعات منفلتة يصعب السيطرة عليها، وما يحدث يوحي أن الجيش استنزف الكثير من مقدراته العسكرية في المعركة الممتدة منذ منتصف أبريل الماضي، وأن الحركات المسلحة بألوانها ومشاربها المختلفة قد تتخلى عن حيادها بعد حدوث انشقاقات في بعضها وانضمام عناصر منها إلى قوات الدعم السريع.
فهناك من يعتقدون أن استمرار إخفاقات الجيش وقوات الدعم السريع في الحسم يؤدي إلى اقتناع بعدم جدوى الحرب ومن ثم وقفها، لكن هناك من يرون أنها قابلة للتمدد بوسائل أخرى، فالجماعات المسلحة لن تختفي من السودان، وسوف يتزايد دورها وتعود إلى رقم محوري إذا جرى استقطاب عناصر منها إلى هذا الطرف أو ذلك أو دافعت عن مصالحها المناطقية والقبلية، ما يشير إلى عدم ظهور ضوء في نهاية النفق.
فمن الضروري أن يضع العقلاء في الجيش والدعم السريع والقوى المدنية خطة لإعادة تنظيم المؤسسة العسكرية واسترداد ما عرف عنها من قوة وتماسك للدفاع عن وحدة الدولة، لأن انفراط عقدها على وقع المعارك الضارية يتيح الفرصة للحركات المسلّحة للمزيد من النشاط في الأماكن التي تتمركز بها، ويمكن أن تمدّ بصرها إلى ما حولها أو أبعد من ذلك، فالبيئة في السودان مهيأة لسيناريوهات غامضة للحرب، وأشكال يصعب توقع المدى الذي تذهب إليه، فالسلاح ليس حكرا على الجيش أو الدعم السريع.
ويبدو التباحث في شأن مصير الجيش غير مطروح بجدية في خضم المعارك الراهنة، ويبدو أيضا أن من يفكّرون فيه سيتم تصنيفهم لصالح أحد الطرفين المتصارعين وفقا للرؤية التي يتم التأسيس لها في عملية المناقشة، غير أن الأمر جاد، ومهما طالت الحرب أو قصرت سيظل خيار توحيد المؤسسة العسكرية مطلبا محوريا للقوى الوطنية في السودان، فليس من الحكمة أن تهيمن كل قوة مسلحة على منطقتها.
ومهما كان التباين في عملية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وآليات إتمامها، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لاشتعال الحرب، فوجود مؤسسة عسكرية نظامية وطنية غير عقائدية يصبّ في صالح الجميع، لأن تناثر التنظيمات المسلحة شرقا وغربا وشمال وجنوبا وفي الوسط يحمل خيارات مخيفة لمستقبل السودان، والذي لن يستطيع شعبه الحياة إذا فكر كل فصيل في الاستحواذ على منطقة أو إقليم معين.
وقد يكون التدبر في المآلات التي سوف تصل إليها الحرب عملية مهمة في هذه اللحظة، فلن يتمكّن أحد الطرفين من التحكم في مقاليد الأمور إذا قدّر له تحقيق انتصار عسكري نسبي، لأن المساحة الشاسعة في السودان من الصعوبة أن تمكن أحدهما من السيطرة عليها، والحرب التي بدأت بين الجيش وقوات الدعم السريع دخلت عليها متغيرات عديدة منذ اندلاعها لا تجعلها تنتهي بسهولة بتفوق أو انتصار فريق على آخر.
ولن يستطيع المنتصر الحفاظ على تماسك السودان أو إخراج الفريق الآخر من المعادلة، ومن هنا تأتي الخطورة، فغطرسة المنتصر يمكن أن توقعه في عواقب وخيمة نتيجة ما يجلبه غرور القوة من متاعب، والمنهزم لن ينكسر في حرب غير نظامية تؤثر فيها عوامل متفرقة لن تدفعه إلى الاستسلام، بل مواصلة القتال بأدوات مختلفة.
ويحاول الكثير من القوى والأحزاب السودانية النظر إلى الصورة على حقيقتها وتدارك الأخطاء التي وقعت فيها سابقا عندما اعتقدت أن إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية عملية هيّنة يمكن القيام بها من خلال التوقيع على اتفاق شكلي يؤدي للوصول إلى هذه النتيجة حتى انفجر بركان لم تستطع قوى محلية وإقليمية ودولية كبح تداعياته.
فمع كل الجهود التي تبذلها القوى المدنية، إلا أنها لا تزال مسكونة بهواجس وروافد المرحلة الماضية، فلم تتوحد على كلمة سواء، والخلاف ينخر في جسدها، والفوارق في الرؤى والتقديرات لا تتوقف، بينما الحرب تأكل كل يوم ما تبقى من الأخضر واليابس في البلاد، وعندما تسكت المدافع لا أحد يعلم أيّ سودان سيتم التعامل معه.
مهما كان التباين في عملية إعادة هيكلة الجيش فوجود مؤسسة عسكرية نظامية وطنية غير عقائدية يصبّ في صالح الجميع
وتعد المؤسسة العسكرية في السودان المرادف الطبيعي للحفاظ على الدولة، وبانهيارها التام أو اختفاء الهيكل العام لن تتمكن أيّ جهة من الحديث عن السودان المتعارف عليه، فكل طرف قد يستولي على جزء لن يتمكن من الحفاظ على الهدوء فيه.
ومن مصلحة الجميع البحث عن صياغة لوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية التي يجب أن ترفع شعار جيش واحد في السودان على أساس وطني وليس أيديولوجيا، وهي الخطوة التي تحتاج إلى جهود مضنية لتحقيقها، فما كان ممكنا قبل الحرب بات صعبا بعدها لكنه لن يتحول إلى مستحيل إذا خلصت نوايا القوى السودانية.
ولا يحتاج السودان إلى نظريات أو اجتهادات خارجة عن المألوف، فإذا استوعبت كل الأطراف دروس دول أخرى في أفريقيا يمكنها طيّ صفحة الحرب وما خلّفته من مشكلات على مستويات عدة، لأن الفترة التي تلت الحرب كفيلة أن تردع أيّ جهة تحاول الاستئثار بالقرار والهيمنة على مفاتيح السلطة ووضع المؤسسة العسكرية في كنف فصيل واحد، فعمليات الكرّ والفرّ التي طبعت المعارك حاليا متغيرة وأيّ انتصار يحققه فريق على الثاني في منطقة يمكن أن يتحول إلى هزيمة في منطقة أخرى.
وتمثل هذه النتيجة مدخلا جيدا للدول المجاورة التي أبدت انزعاجا لافتا من الحرب وتوابعها، لأنها أول الخاسرين من تصاعد حدتها في أقاليم سودانية متعددة، وفرص تمددها خارجيا غير بعيدة، بالتالي عليها مواجهة ما تفرزه من أزمات، مثل الهجرة والنزوح، وامتداد نيرانها بحكم التداخل القبلي وتفجير صراعات داخلية كامنة.
وعلى الدول التي تعاملت مع البرهان باعتباره رمزا للمؤسسة العسكرية عدم تجاهل أن قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) هو رمز للقوى المهمشة، لأنه يقود عناصر عسكرية اعترف بها قانونا ويحظى بتعاطف حركات مسلحة، وعدم الحوار معه تحت أيّ ذريعة يطيل الحرب ويجعل عملية الحفاظ على مؤسسة عسكرية موحدة في السودان مشكوكا فيها، خاصة أن الحرب الجارية أسقطت بعض الثوابت المتعلقة بقدرة الجيش على سحق كل خصومه بضربة واحدة.
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: المؤسسة العسکریة الدعم السریع فی السودان
إقرأ أيضاً:
بالفيديو.. والي الخرطوم المعين بواسطة الدعم السريع يحرض على قصف المدنيين ويهدد بارتكاب جرائم ضد اثنيات قبلية معينة في السودان
تاق برس – في فيديو مروع تم بثه عبر “البث المشترك المتعدد” على تيك توك، ظهر القيادي في الدعم السريع إبراهيم بقال سراج، والي الخرطوم المعين من قبل قوات الدعم السريع، وهو يدعو علنًا إلى قصف المناطق المدنية واستهداف جماعات إثنية بعينها.
واعتبر البعض الخطاب التحريضي، يكشف عن الكراهية العميقة والأجندة العنيفة التي تتبناها الدعم السريع ضد المدنيين الأبرياء.
Shocking Video: Khartoum Governor Appointed by the Rapid Support Militia Incites Systematic Crimes Against Civilians
In a shocking video published on TikTok using the "multi-guest" feature, Ibrahim Baggal Siraj, the Khartoum Governor appointed by the Rapid Support Militia… pic.twitter.com/Y12V1dK2ga
— Sudanese Echo (@SudaneseEcho) December 22, 2024
في الفيديو، دعا بقال بلا تردد إلى ارتكاب الفظائع، بما في ذلك قصف الأسواق والمساجد والمدارس، وليس مطار عطبرة أو غيره وإنما المدنيين في اي مكان بينما يطلق خطابات كراهية ضد مجموعات إثنية بأكملها، خصوصًا قبيلة الشايقية والشماليين. ويرفض أي فكرة عن أن هناك مدنيين بريئين.
مؤكدًا أن جميع الشماليين والشايقية “سيئون” ويجب استهدافهم.
يظهر في الفيديو أيضًا عبد المنعم الربيع، وهو من الناشطين الداعمين المعروفين لمليشيا الدعم السريع، والذي يحاول تخفيف حدة الخطاب محذرًا بقال بقوله “اهدأ.” ومع ذلك، يصر بقال على موقفه، مشددًا: “لن أهدأ. لا مجاملة بعد اليوم.”
إبراهيم بقالالدعم السريعقصف المدنيين