رداً على مقالة قصي همرور.. هذه حرب عارية مهما اجتهد النساجون!
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
رشا عوض
مقالة د. قصي همرور (مشروعية المرافعة عن مؤسسات الدولة، ومشروعية مساءلتها معا: هذه الحرب نموذجا) تحتاج لمناقشة مطولة.
اهم فرضية فيها هي ان الخيار الصحيح في هذه الحرب هو الوقوف مع الجيش في مهمة ضرورية بل وجودية للدولة السودانية ممثلة في التخلص من الجنجويد، هذا صحيح لو كان الوقود الفكري والاخلاقي المحرك لهذه الحرب هو عقل منحاز فعلا للدولة العصرية التي تتحدث عنها المقالة واستيفاء احد شروطها وهي احتكار القوة لجيش واحد، ولكن هذا الجيش وهو يقاتل الجنجويد متحالف مع جنجويد اسلاموي تحت عناوين كتيبة البراء بن مالك والبنيان المرصوص وهيئة العمليات وغيرها، ليس هذا فقط بل ان الاستخبارات العسكرية ومن خلفها الاسلامويون في حلف مع موسى هلال مؤسس الجنجويد الأكثر اجراما والاقذر تاريخا في الانتهاكات، يعني الحرب ليست من أجل استرداد الدولة بل من أجل استرداد السلطة الكيزانية ، اي تكريس سلطة العقل الذي انتج وضعية وجود المليشيات وعلى رأسها الدعم السريع، لو انتصر الجيش وهذا افتراض غير واقعي حسب ميدان المعركة حتى الان، فإن المعركة لن تكون مع دكتاتورية عسكرية تقليدية بل ستكون مع دكتاتورية الكيزان المدججة بجنجويدها الاسلاموي الذي يخوض الحرب الان.
الأمر الاخر المثير للاستغراب حقا من فرط تكراره، هو تلك النغمة المتكررة في سيمفونيات المثقفين المؤيدين للجيش سواء بشروط او بدونها ممثلة في المحاولة اليائسة لنفي دور الكيزان المحوري في هذه الحرب بل محاولة تسفيه هذا الرأي لدرجة الحكم بعدم السلامة النفسية والعقلية لأصحابه كما فعل د.عبد الله علي ابراهيم وصديقي العزيز محمد جلال هاشم، او الاستهانة بنضج تفكيرهم لدرجة ان مواقفهم مبنية فقط على السير في الاتجاه المعاكس للكيزان كما يفعل قصي بكل اسف في مقالته ، هذه النغمة عديمة الجدوى في حجب ما نراه باعيننا المجردة من حقائق وما لدينا من معلومات صلبة عن ان هذه الحرب صراع سلطة عريان بين الكيزان والدعم السريع، وما اظن ان كتائب البراء بن مالك يستشهد جنودها في سبيل الدولة العصرية التي تتحدث عنها المقالة، ببساطة الكيزان ايدولوجيتهم قائمة على النظر للدولة الوطنية الحديثة كصنم علماني يجب تكسيره او تبديل شفرة تشغيله ، وبالفعل تم تقويض كل مؤسسات الدولة السودانية بشكل منهجي خلال الحكم الكيزاني وتركيز شديد على الجيش.
هناك امر مزعج جدا وهو تضخيم واسطرة دور الجيش في الدولة لدرجة افتراض ان الجيش ضرورة وجودية للدولة ، رغم ان هناك دولا ليس لديها جيوشا وسابقة لدولتنا في كل ميادين التقدم بسنين ضوئية.
وبما ان كاتب المقالة من أكثر المحرضين على التفكير خارج الصندوق لماذا لا يفكر في سودان بدون جيش وبدون جنجويد ! مجرد تفكير رغم عدم إمكانية تحقيقه الا انه وسيلة ضغط معنوي تظهر مدى خيبة امل السودانيين في مؤسسات عسكرية استنزفت جل مواردهم وفشلت في مجرد حمايتهم ليس من عدو خارجي لا سمح الله بل من نيران الأسلحة التي دفعوا ثمنها من عرقهم !
أخطر مافي المقالة هو دعوتها لاستمرار الحرب إلى أن يتم القضاء على الجنجويد.
استمرار الحرب بكل المعطيات الواقعية الماثلة لن يقضي على الجنجويد، بمعنى لن يحل قوات الدعم السريع بالقوة ويجعلها تختفي من الوجود ، والسبب ليس فقط الوضع الميداني الشاخص أمامنا، بل السبب الأكثر عمقا هو ان منصة انطلاق المعركة ضد الدعم السريع منصة معطوبة سياسيا واخلاقيا ومعزولة شعبيا ، منصة علي كرتي وإخوانه!
رغم انني من أكثر الناس نفورا من الحروب ، وكنت اتمنى معالجة وضعية تعدد الجيوش في السودان بصورة سلمية، ولكن حسابات العقل حول طبيعة الجيوش الموجودة وخصوصا الدعم السريع كانت تضع من بين الاحتمالات ان يفرض خيار المواجهة المسلحة مع الدعم السريع نفسه ذات يوم، ولكن هذا الخيار المكروه والصعب يستحيل ان نقبل بتجرع مراراته وندفع فواتيره الغالية دماء ودموعا ودمارا كالذي نشهده الان الا في سياق مشروع سياسي محترم، ومؤهل فنيا واخلاقيا لخوض معركة تحقيق الجيش الواحد صيانة للدولة الوطنية المدنية الديمقراطية.
ولكن السياق الذي نحن فيه الان، سياق الكيزان وكتائب ظلهم ومافيات اجرامهم وفسادهم ومحاولة عودة حكمهم المشؤوم للسلطة ، هو سياق فاقد تماما لمؤهلات النصر سواء بالمعنى العسكري او السياسي، او الاخلاقي وهذا هو الاهم.
ليس في ايدينا كقوى كفاح سلمي وباحثين عن السلام والديمقراطية والعدالة في بلادنا شيئا نفعله إزاء هذه الحرب سوى العمل على ايقافها بأسرع ما تيسر ، والاداة الوحيدة التي في ايدينا لفعل ذلك هي حجب اي مشروعية سياسية او اخلاقية او وطنية عن الحرب ككل ، وتوصيفها بدقة لمنع التضليل الذي يستقطب لها مقاتلين جدد ويوسع دائرتها ، توصيفها كصراع سلطة عريان بين النظام البائد ومليشيا كانت عصاه التي يتوكأ عليها في مسيرة طغيانه ويهش بها على غنمه! اي علينا نحن الذين لم ير فينا ذلك النظام سوى أغنام يسوقها كرها واكراها بالعصا إلى حيث تكون مصالحه ، ولان العصا هنا ليست عصا موسى المباركة تمردت على صاحبها الذي هو من سلالة فرعون وتحولت إلى حية لا لتلقف اعداءه بل لتلتف حول عنقه وتلقف سلطانه!
ما دخلنا نحن كشعب سوداني في مسرح عبث كهذا حتى ندفع دماءنا ثمنا لاستمراره!
حاول مثقفون كثر ان ينسجوا للجيش حلة (بضم الحاء) يرتديها وهو يخوض هذه الحرب على أمل أن يخلص البلاد من الجنجويد، وحاول آخرون نسج حلة أخرى للدعم السريع محاولين تصوير معركته كدفاع عن الديمقراطية وفي الحالتين كانت الحلة هي ذات ما نسجه النساج لذلك الفرعون في أساطير الاولين وجعله يخرج إلى قومه عاريا وهو في كامل الخيلاء والعزة ولم يجهر احد بحقيقة عري الفرعون في ذلك الزمان سوى طفل صغير ! ذلك الطفل نحسبه ساكنا في اعماقنا على مر العصور، مهما كبرنا فذاك الطفل لن يكبر!
لذلك سنظل نقول لهذه الحرب اللعينة: انت عرياااانة انستري وسترتك الوحيدة هي الموت! اي التوقف!
الوسومرشا عوضالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السریع هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
هجوم على الفاشر ومجزرة في أم درمان وضربات للبنية التحتية.. الجيش السوداني يُحبط خطة شاملة لميليشيا الدعم السريع
البلاد – الخرطوم
تواصل الدعم السريع هجماتها على مدينة الفاشر، فيما صدّت القوات المسلحة السودانية هجومًا واسعًا شنّته الميليشيا من أربعة محاور، في عملية استمرت لأكثر من سبع ساعات، بالتزامن تصعد الميليشيا عمليات التصفية الجسدية بحق المدنيين واستهدافها الممنهج للبنية التحتية الحيوية، في مسعى لخلط الأوراق وشحن الرأي العام ضد الجيش، عقب خسائرها المتتالية في الخرطوم مؤخرًا.
وفيما شهدت الفاشر هدوءًا حذرًا وسط استمرار التراشق المدفعي أمس الثلاثاء، أوضح قائد الفرقة السادسة مشاة، اللواء محمد أحمد الخضر، أن الهجوم الأخير للميليشيا استُخدمت فيه طائرات مسيّرة، ومدفعيات ثقيلة، وعربات مدرعة، مشيرًا إلى أن الجيش كان على أتم الجاهزية للتصدي له. وأضاف أن الهجوم انتهى بالقضاء على التقدم المعادي، مؤكدًا أن القوات المسلحة في موقع قوة، ومستعدة لحسم أي محاولة مماثلة.
وخلّف الهجوم الذي وقع الاثنين 40 قتيلًا مدنيًا، بينهم نساء وأطفال، نتيجة القصف العشوائي للميليشيا على أحياء سكنية. وقد أعلنت قوات الدعم السريع لاحقًا سيطرتها على ستة أحياء داخل الفاشر، موجّهة نداءً إلى عناصر الجيش لإلقاء السلاح ومغادرة المدينة، متعهدة بضمان سلامة من يستجيب. غير أن مصادر ميدانية أكدت تراجع المهاجمين تحت ضربات الجيش والمقاومة الشعبية، في حين أشار حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، إلى أن الهجوم قاده عبد الرحيم دقلو، وانتهى بانسحاب القوات المهاجمة بعد تصدي القوات المشتركة لها.
ويرى خبراء أن التحوّل في تكتيكات الدعم السريع، عبر استهداف منشآت البنية التحتية الحيوية، بهدف إثارة السخط الشعبي وتشتيت تركيز الجيش عن تقدّمه في دارفور. يعكس حالة يأس ميداني للميليشيا بعد خسائر بشرية كبيرة وفقدان كميات كبيرة من العتاد العسكري.
وفي هذا السياق، قصفت الميليشيا بطائرات مسيّرة مصفاة الجيلي شمال الخرطوم، ومحطة بربر التحويلية للكهرباء، ومحطة عطبرة للمرة الرابعة خلال أسبوع، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في مناطق واسعة، وزاد من معاناة المدنيين في ظل وضع إنساني متدهور.
وعلى صعيد الانتهاكات، طالب المرصد السوداني لحقوق الإنسان بفتح تحقيق دولي في مجزرة مروعة وقعت بمنطقة الصالحة جنوب أم درمان، حيث تم إعدام 31 مدنيًا ميدانيًا، بينهم أطفال. وأكد المرصد أن الضحايا كانوا مدنيين عُزّل، وأن قوات الدعم السريع نفذت الجريمة بدافع “الانتقام”. وقد اعترف بذلك قادة في الميليشيا بمقاطع مصوّرة، ما يُشكّل جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي الإنساني.
وفي السياق، قال رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن قتل ميليشيا الدعم السريع للمواطنين في منطقة صالحة جنوبي أم درمان ينم عن كراهيتهم للشعب السوداني، وأضاف في كلمة أمس الثلاثاء أن الحرب الدائرة حاليا ضد ميليشيا الدعم السريع وليست ضد قبيلة، مشيرا إلى أن المرجفين يروجون أن الحرب ضد أعراق محددة، بهدف تحشيد الناس وجرهم للقتل، وتابع بأن “حربنا ضد كل من يحمل السلاح ضد الدولة، وتمرد رئيس القبيلة لا يعني تمرد كل القبيلة، مؤكدًا أنه “لا تفاهم مع هؤلاء المرتزقة بعد كل ما فعلوه وسيذهبون في هذه المعركة حتى الانتصار”.
ويُثبِت المشهد الميداني أن الميليشيات لم تجلب للسودان والمنطقة سوى الدمار والدم، فيما يتجدد الأمل مع صمود الجيش السوداني في التأسيس لمستقبل تستقر فيه البلاد على قاعدة الدولة الوطنية والجيش الواحد.