فورين أفيرز: عصر الكوارث المناخية بدأ فإما التأقلم أو الهلاك
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
حذرت خبيرة في الطاقة والبيئة من أن العالم قد دخل بالفعل عصر الكوارث الناجمة عن التغير المناخي، وهو ما يتطلب إعداد العدة لمواجهة مستقبل يتسم بظروف جوية شديدة القساوة.
وقالت الخبيرة أليس هيل -في مقال بمجلة فورين أفيرز الأميركية- إن علماء المناخ يعتقدون أن يوليو/تموز المنصرم ربما كان أكثر الشهور سخونة طوال الـ 120 ألف عام الماضية، وعلقت بأنه بالنظر إلى الوتيرة السريعة التي يحدث بها تغير المناخ، فإن الشهر الماضي يعطي لمحة لما ستصل إليه درجات الحرارة من ارتفاع في المستقبل.
ولفتت هيل -وهي باحثة في قضايا الطاقة والبيئة بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي- إلى أن زعماء العالم كانوا قد حددوا عام 2015 هدفا للحفاظ على متوسط درجات حرارة السطح العالمية من الارتفاع بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق درجات حرارة ما قبل عصر الصناعة من أجل تجنب التأثيرات الأكثر كارثية لتغير المناخ.
ويتوقع العلماء أن يكون 2023 العام الأكثر سخونة على الإطلاق. ورغم أن علماء المناخ توقعوا منذ فترة طويلة زيادة في الظواهر الجوية المتطرفة مثل سخونة الأجواء وهطول الأمطار بغزارة "إلا أن البعض أعربوا مؤخرا عن انزعاجهم إزاء السرعة الهائلة التي يتغير بها المناخ".
درجات قياسية
ولعل "الانفجار المفاجئ" -كما تسميه هيل- لدرجات الحرارة القياسية يحمل في طياته نذيرا للبشرية، وهو إما "التأقلم" مع هذه المتغيرات أو "الموت".
وذكرت الباحثة أن حجم الكوارث المناخية طوال هذا العام يؤكد مجددا أنه لم يعد كافيا للحكومات وصناع السياسات التركيز على التخفيف من وطأتها عبر تطوير إستراتيجيات للحد من الملوثات الضارة المنبعثة في الغلاف الجوي، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون والميثان.
بل يجب على العالم أيضا -بحسب مقال فورين أفيرز- إيلاء مزيد من الاهتمام بموضوع التأقلم، وتحديث البنية التحتية والسياسات اللازمة لتحمل الظروف المناخية المتطرفة.
وتحذر الكاتبة من مغبة تقاعس الحكومات والمجتمعات عن القيام بالاستعدادات الكافية، ذلك أن الآثار الضارة لتغير المناخ سوف تزهق الأرواح، وتبدد سبل العيش، وتقضي على المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
وتطرقت في مقالها إلى المؤتمر رقم 28 للأطراف الموقعة لاتفاق الأمم المتحدة الإطاري الخاص بتغير المناخ، المزمع عقده أواخر نوفمبر/تشرين الثاني وحتى أوائل ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري، في الإمارات.
واعتبرت أن انعقاد المؤتمر يبشر بانعطافة فيما يتعلق بجهود الحد من آثار تغير المناخ، بينما لا تزال الكوارث المناخية تفعل فعلها حول العالم، ناصحة الحكومات بأن تتضافر جهودها لاتخاذ إجراءات أشد حزما مما فعلته في القمم السابقة.
التأقلم أو الهلاك
وتنقل الإحصائيات الصادمة لدرجات الحرارة الصورة الكاملة للتأثيرات المناخية، وتقول هيل "ارتفاع درجات الحرارة يعني فيضانات أعنف، وموجات حر أكثر سخونة وأطول مدة، وحرائق غابات أشد تدميرا، وموجات جفاف أعمق، وعواصف أكثر جموحا".
ووفق الكاتبة، فإن الظروف المناخية الأكثر دفئا ورطوبة شكلت بيئة مناسبة لتوالد البعوض مما أتاح لتفشي حمى الضنك بمعدلات غير مسبوقة في بنغلاديش، وقد أسفر عن مقتل المئات وأصاب الكوادر الطبية بالإرهاق.
وأجبر الدخان الناتج عن حرائق الغابات الكندية -التي دمرت منطقة بحجم اليونان- ملايين الأميركيين والكنديين على البقاء في منازلهم تفاديا للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي.
كما دمرت حرائق الغابات، التي ألهبت نيرانها الرياح العاتية، جزيرة ماوي في هاواي، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 114 شخصا، وتدمير مدينة لاهينا التاريخية، ودفع السكان المحليين نحو المحيط هربا من النيران.
وحدثت كوارث مماثلة ناجمة عن هطول الأمطار بغزارة في نيودلهي مما تسبب في انهيارات طينية مميتة وفيضانات مفاجئة. وفي بكين "الجافة عادة" تسببت عاصفة أخرى في يوليو/تموز بسقوط أمطار هي الأغزر منذ 140 عاما.
السياسيون في واد
ويمضي مقال فورين أفيرز إلى التذكير بأن الزعماء السياسيين ما انفكوا حتى الآن يركزون إلى حد كبير -في مناقشتهم لتغير المناخ- على خفض نسب التلوث الضار الناجم عن حرق الوقود الأحفوري.
أما الجانب الآخر من الموضوع المتمثل في التأقلم أو الاستعداد لحوادث مناخية كارثية كتلك التي شهدناها هذا الصيف "فقد ظل يعاني من نقص في الموارد، وشح في التمويل، وغالبا ما يتم تجاهله".
إن تسريع جهود التأقلم أو التكيف مع تغير المناخ يعد -في نظر الباحثة أليس- أمرا بالغ الأهمية، إذ لم تستعد أي دولة حتى الآن بالقدر الكافي لمواجهة هذه الظاهرة، حتى تلك التي قامت بالفعل باستثمارات كبيرة في هذا المجال.
وأشارت الكاتبة بهذا الصدد إلى الجهود التي بذلتها الصين لتحويل 80% من مناطقها الحضرية إلى "مدن إسفنجية" مصممة لزيادة امتصاص وإعادة استخدام مياه الأمطار بحلول عام 2030. وزعمت أن تلك الجهود لم تستطع التصدي لفيضانات هذا الصيف.
أولويات
وخلصت الكاتبة إلى أن هنالك مجالات رئيسية تتطلب اهتماما عاجلا من أجل مواجهة الظروف المناخية المتطرفة، أولها أن على الحكومات العمل على إنشاء أنظمة إنذار مبكر للتحذير من احتمال حدوث كارثة قادمة.
وثانيها أن على الدول أن تعمل على تعزيز قدرات للاستجابة عبر الحدود "فغالبا ما تكون الكوارث المتعلقة بالمناخ دولية، مما يجعل الاستجابة المنسقة للكوارث أمرا ضروريا".
وثالثها أنه يتعين على صناع السياسات أن يلتزموا بسد فجوة الحماية التأمينية، أي الفارق بين ما يحتاج إلى التأمين ضد الكوارث المناخية وما تتم تغطيته فعليا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الکوارث المناخیة درجات الحرارة فورین أفیرز
إقرأ أيضاً:
فورين بوليسي: البحرية الأمريكية و"لعبة الخلد" مع الحوثيين في اليمن (ترجمة خاصة)
انتقدت مجلة "فورين بوليسي"، الأمريكية سياسة الرئيس دونالد ترامب، تجاه الحوثيين في البحر الأحمر، وقالت إن البحرية الأمريكية تمارس لعبة "ضرب الخلد" مع الجماعة المتمردة في اليمن والمدعومة من إيران.
وقالت المجلة في تقرير ترجم أبرز مضمونه إلى العربية "الموقع بوست" إن حرب ترامب على الحوثيين الذي بدأها منتصف مارس الماضي، لا تُجدي نفعًا ولم تُحرز أي تقدم.
وأضافت "يمكن للبحرية الأمريكية أن تُمارس لعبة "ضرب الخلد" مع الحوثيين، لكن هذا لا يُغير شيئًا في الشرق الأوسط، فخلال الأسابيع الخمسة التي انقضت منذ تصعيد إدارة ترامب هجماتها على الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، برزت بعض المشاكل الكبيرة، مما يُبرز مدى صعوبة تحويل خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القوي إلى نتائج ملموسة.
وتابعت "لقد فشلت العملية، التي نوقشت في محادثة عبر تطبيق "سيجنال" شارك فيها صحفي عن طريق الخطأ، حتى الآن في تحقيق أيٍّ من هدفيها المعلنين: استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر وإعادة إرساء الردع."
وأردف المجلة في تقريرها "لا يزال النقل البحري عبر البحر الأحمر وقناة السويس المجاورة مُنخفضًا كالمعتاد، على الرغم من الحملة الأمريكية التي تجاوزت تكلفتها مليار دولار ضد الحوثيين. ويظل المسلحون متحدين كعادتهم، محذرين خلال عطلة نهاية الأسبوع من أن ترامب قد خاض في "مستنقع" وكثفوا هجماتهم على إسرائيل والسفن الحربية الأمريكية في المنطقة".
وأشار التقرير إلى أن هناك نقص صارخ في الشفافية بشأن العملية، وهي أكبر مناورة للقوة العسكرية الأمريكية في ولاية ترامب الثانية. لا تعقد وزارة الدفاع احاطات إعلامية حول الحرب الجارية، وتكتفي القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على العمليات في الشرق الأوسط، بنشر مقاطع فيديو أنيقة لعمليات أسطح الطائرات على وسائل التواصل الاجتماعي، مصحوبة بوسم "#الحوثيون_إرهابيون".
والأمر الأكثر إثارة للقلق -وفق التقرير- هو أن وتيرة العمليات الأمريكية، بما في ذلك الضربات التي تشنها مجموعتان ضاربتان لحاملات الطائرات الأمريكية بالكامل على مدار الساعة، تستنزف ذخائر دقيقة محدودة، يقول العديد من خبراء الدفاع إنها ستكون الأفضل استخدامًا لأي صراع مستقبلي مع الصين. وهذا مهم بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالمخزون المحدود من الصواريخ التي تُطلق من الجو والتي ستكون حاسمة لأي قتال حول تايوان.
وقال أليسيو باتالانو، الخبير البحري في كلية كينجز كوليدج لندن: "إذا كان الأمر يتعلق بحرية الملاحة، فهو غير مجدٍ". وأضاف: "كيف يُمكن دعم فكرة أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ تُمثل الأولوية، ومع ذلك تُسحب عناصر بالغة الأهمية في معركة المحيطين الهندي والهادئ لعمليات في الشرق الأوسط؟"
وحسب التقرير فإنه عندما اختار الحوثيون في البداية استخدام موقعهم الاستراتيجي على شواطئ أحد أهم نقاط الاختناق في العالم، مضيق باب المندب، للضغط على إسرائيل والغرب، استجاب الغرب. أرسلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قوات بحرية لضرب الحوثيين، بينما أرسل الاتحاد الأوروبي فرقته البحرية الخاصة للمساعدة في توجيه السفن التجارية عبر ما سرعان ما أصبح منطقة محظورة.
"ورغم اختلاف أهداف المهمتين الأمريكية والبريطانية والأوروبية قليلاً - إذ سعت الدول الأنجلو-أمريكية إلى "إضعاف" قدرات الحوثيين على البر لاعتراض حركة الملاحة التجارية، بينما اقتربت العملية الأوروبية من عملية حرية الملاحة التقليدية - إلا أن كليهما لم يُجدِ نفعًا يُذكر. وظلت أسعار التأمين مرتفعة للغاية، وانخفضت حركة المرور عبر قناة السويس"، كما في ورد في التقرير.
واستدرك التقرير الذي ترجمه "الموقع بوست" ثم جاءت إدارة ترامب الجديدة، عازمة على تحقيق ما فشلت فيه إدارة بايدن المنتهية ولايتها. كتب وزير الدفاع الأمريكي المحاصر، بيت هيسغيث، في محادثة سيغنال سيئة السمعة، والتي شاركها هو وزملاؤه مع صحفي في الأيام والساعات التي سبقت وخلال هجمات مارس على الحوثيين: "الأمر لا يتعلق بالحوثيين". وأضاف: "أرى الأمر شيئين: 1) استعادة حرية الملاحة، وهي مصلحة وطنية أساسية؛ و2) إعادة إرساء الردع، الذي قوضه [الرئيس جو] بايدن".
وأشار إلى أن فكرة حرية الملاحة مصلحة وطنية أساسية للولايات المتحدة قوبلت برفض من نائب الرئيس جيه. دي. فانس خلال محادثة سيغنال. وكان جميع أعضاء فريق الأمن القومي لترامب يرغبون في ضمان أن تدفع أوروبا بطريقة ما ثمن المغامرة العسكرية الأمريكية غير المطلوبة. وتعتقد القيادة المركزية الأمريكية بالتأكيد أن الأمر كله يتعلق بالحوثيين.
وأكد أن التناقضات الكامنة في سياسات الولايات المتحدة وأولوياتها برزت من خلال الرسائل النصية الخرقاء. وأبرزها: ماذا حدث للتحول نحو آسيا؟ قال باتالانو: "البحرية الأمريكية بارعةٌ جدًا في ضرب الأهداف البرية. لكن النجاح العملياتي والتكتيكي لا يُخفي حقيقة أن التأثير الاستراتيجي لا يزال بعيد المنال، إن لم يكن مُحددًا تمامًا". وأضاف: "إذا كان الهدف من هذا ردع القيادة الصينية تجاه تايوان، فأنا لست متأكدًا من أنها تفعل ذلك بالفعل".
وطبقا للتقرير فإنه "منذ عهد توماس جيفرسون، ناضلت الولايات المتحدة من أجل حرية الملاحة، وأحيانًا في مياه ليست بعيدة عن الصراع الحالي. ما يصعب فهمه الآن هو سبب إنفاقها أموالًا طائلة في محاولة عقيمة لفتح ممر بحري لا يحتاج إلى فتح، في حين أن هناك تحديات أخرى أكثر إلحاحًا. والأسوأ من ذلك، أن سوء استخدام القوة البحرية قد يؤدي إلى نتائج عكسية - إذ يتطلب الأمر الكثير من الوقت والجهد لإقناع الديمقراطيات بدفع مبالغ طائلة مقابل سفن حربية متطورة ضرورية وذات فائدة كبيرة، ولكن ليس هذه السفينة".
وقال باتالانو: "ما أجده أكثر إثارة للقلق هو أنهم يقوضون الفائدة النهائية للقوة البحرية". "في المستقبل، عندما يقول الناس: لماذا نحتاج إلى قوة بحرية؟ لم نفعل شيئًا ضد الحوثيين. سيكونون على حق".