لماذا الحُكم الإمامي بيئة خصبة لانتشار الفساد والجرائم؟
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
إضافة لقيام الحوثيين باحتواء الانتهازيين والمجرمين واللصوص وقُطَّاع الطُرُق والمُهرِّبين لزيادة سوادهم وتسريع عملية إخضاع الناس، فقد ساندهم كثير مِمَّن ينتمون إلى السلالة التي قَدِمَت إلى اليمن قديمًا وادَّعت بأنَّها الأحقُّ بحُكم اليمنيين، سواء كانت هذه الأسَر تسكن في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، زيدية أو شافعية أو صوفية أو لادينية.
الحكم الإمامي قائم على سلالة ترى بأنها مُميَّزة بناء على نظرية دينية خاصة بها (الولاية)، وبناء على ذلك فان على اليمنيين أن يُقدِّسوها، ولن ينالوا رضا الله عَزَّ وجَلَّ إلَّا إذا أحبُّوا أفراد هذه السلالة وأطاعوها وفضَّلوها على كُلِّ شيء حولهم. فالسلطة لها بشكل مُطلق، ولها خمس ثروات اليمنيين ومداخيلهم، كما على اليمنيين أن يتبرَّكوا بها ويُميِّزوها في المجالس واللقاءات، ولا يُسْمَح لمَن لا ينتمي إليها بالزواج منها.
يختلف الحكم الإمامي عن النظام الملكي. ذلك لأنَّ الأوَّل حكم ثيوقراطي كهنوتي يستعبد اليمنيين باسم الدين وأكذوبة الحق الإلهي أوَّلًا. ثانيًا لأنَّ الإمامة قائمة على حُكم السلالة العرقية وليس الأسرة. في دول مختلفة، تحكم أسَر ملكية مُعَيَّنة وأعداد مَن ينتمون إليها قليل جدًّا ضِمْن نظام ملكي يُعطي مناصب محدودة للغاية لمَن ينتسب للأسرة المالكة، فيما عدا ذلك يشترك كافة أفراد المجتمع ومُكوِّناته في إدارة وتسيير مؤسسات البلاد. لكن الإمامة في اليمن يعني حُكم الأقلية السلالية بالمُطلق.
بناءً على نظرية البطنين الإمامية في اليمن، فإنَّ كُلَّ فرد من أفراد هذه السلالة هو ملك وحاكم ورئيس وقائد ومدير وصاحب المال والجاه والسلطة في المكان الذي يتواجد فيه وفق معتقدها الديني العنصري. وإذا كان عدد هذه السلالة 200 ألف شخص مثلًا، فكُلُّ فرد منهم يعتبر ملكًا على المنطقة التي يعيش فيها أو المؤسسة التي يعمل بها على أساس إقصاء بقية اليمنيين ليبقوا مجرد تابعين بلا حيلة أو أي تأثير.
ولتبسيط المسألة أكثر.. قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، كانت هذه السلالة مثلها مثل بقية اليمنيين متواجدة في كُلِّ مؤسسات الدولة. وزراء ووكلاء ومدراء إدارات وقيادات عسكرية وصحفيين وتجار ورجال أعمال وأطباء وقيادات حزبية. لم تتعرض للإقصاء، بل رُبَّما كانت أوفر حظًّا في الحصول على المناصب بسبب التعليم العالي الذي حصلت عليه في المراحل السابقة. لكن وبمجرد ما سيطرت على صنعاء عسكريا، قامت بتسريح مَن لا ينتمي لسلالتها من المناصب المدنية والعسكرية العُليا والمتوسطة، وعملت على استهداف مُمنهَج لرجال الأعمال وإنشاء قطاع خاص بها كما أشرنا في الأبواب السابقة، بل استهدفت المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني المحلية التي لا ينتمي أصحابها إلى نفس السلالة في واحدة من أبشع صور الفصل العنصري في الوقت الحاضر.
فمنصب الرئيس والوزير والوكيل والمدير العام ورئيس القسم وقادة الجيش والألوية والكتائب والسرايا وكل المناصب القيادية العسكرية والمدنية والتجارية والثقافية يجب أن تكون أوَّلًا للسلالة، ومَن جاء من خارجها تربطه علاقة مصاهرة أو ولاء مُطلق ليستخدم كغطاء لتمكينها لا أكثر.
تجد مَن ينتمون للسلالة ويسكنون في عواصم المدن أو في جبال المحويت الشاهقة، أو وديان تهامة أو هضاب إب أو تعز أو أقصى الجوف النائية هُم أصحاب المكانة والجاه والسُلطة والأموال والأراضي والمناصب والتجارة، ويتحكمون بكُلِّ صغيرة وكبيرة، مقابل أغلبية اليمنيين الذين ليس لهُم حول ولا قوة، ويعيشون على فتات ما يُرْمَى لهُم، وهذا الأمر لا يمكن أن تراه في أيَّة دولة ملكية. فعدد الأسرة الحاكمة في الدول الملكية قليل جدًّا، وتُعطَى لهُم مهام ووظائف محدودة جدًّا، وتترك باقي مناصب الدولة لبقية مكونات الشعب.
ولأنَّ السُلطة الممنوحة لهذه السلالة تُعتبَر إلهية ومستمدة من الدين بحسب اعتقاد الحوثيين، فإنَّ أتباع هذه الجماعة لا يخضعون لأيَّة عملية رقابية، ولا يقبلون مبدأ الشفافية، ولا يُسْمَح بمحاسبتهم، بالرغم من حديثها المُتكرِّر عن مكافحة الفساد والرقابة والمُحاسَبة. ومَن ينتقدها يُعتبَر عميلًا ومُرتزِقًا وخائنًا وطابورًا خامسًا. وبسبب إضفاء هالة من القداسة على بعض الأشخاص ممن بيدهم مقاليد الأمور، تصبح عملية مكافحة فسادهم كفرا وضلالا بل ومواجهة مع الله تعالى و«ارتهان للشيطان» في نظر أتباعهم.
هذا الواقع الذي يتكرَّر منذ أن جاء يحيى الرَسِّي مع جيش الطبريين إلى اليمن حتى اليوم، وكان من أهم الأسباب التي أدَّت إلى عدم استقرار الفترات التي حكم فيها الأئمة بطبيعة الحال. رُبَّما يتحمّل المواطن فساد النخبة السياسية والحكومات إلى حين، لكنَّهُ لا يستطيع التعايش مع فساد ولصوصية عِرْقية بأكملها تستمر إلى ما لا نهاية تحت تهديد السلاح واستغلال الدين. فالموظف الحكومي يشاهد بأنَّ الوزراء والوكلاء ومدراء العموم ورؤساء الأقسام والوحدات ينتمون لسلالة واحدة.. والجندي يشاهد الوزير والرتب العسكرية والاستخباراتية والأمنية والمواقع القيادية الكبيرة والصغيرة كُلّها تذهب لصالح أفراد من ذات السلالة.. والمواطن في الحي والقرية يشاهد عاقل الحي وشيخ الحارة والأمين الشرعي ومدير قسم الشرطة والمباحث والمسؤول عن توزيع سلعة غاز الطهي وفواتير الكهرباء ينتمون لنفس السلالة أو المقربين منها. والتاجر ورجل الأعمال الذي يشاهد الاستهداف المُمنهَج لهُم من قبل هذه الجماعة لدفعهم للإفلاس أو مغادرة اليمن أو الدخول معهم في شراكة غير عادلة، وفي المقابل مُنِحَ التجار ورجال الأعمال الذين ينتمون للسلالة كُلَّ الامتيازات والتسهيلات والدعم والقروض من أجل تنمية أنشطتهم التجارية المتناسلة. كذلك الحقوقي والإعلامي يشاهد هذه السُلطة السلالية وهي تغلق منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام التي يرأسها يمنيون لا ينتمون لها، ويُنشئون منظمات ووسائل إعلام خاصة بهم.
تاريخيًّا، كانت هذه الممارسات العنصرية وعمليات السطو على مُقدَّرات اليمنيين أحد أسباب الغضب الشعبي المُتكرِّر والذي كان يتحوَّل إلى ثورات مُستمِرَّة ضد الحكم الإمامي، ولهذا لم تستقر اليمن منذ فترة طويلة. وقد أشارت المؤرخة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا لهذه المسألة باقتضاب شديد في سياق حديثها عن دوافع الشعب اليمني لإنجاز ثورة 26 سبتمبر 1962م، ضد نظام الحكم الإمامي العنصري بقولها: «وكان أحد الأسباب التي أدَّت إلى الثورة في البلاد، تطلُّع طبقات المجتمع اليمني المختلفة إلى اجتثاث سُلطة الأئمة الأوتوقراطية الإقطاعية، وطغمة السادة التي أعاقت تطوُّر الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والتي أبقت البلاد في مستوى البلدان الأكثر تخلُّفًا، والدول العتيقة في العالم»( ).
ما سبق بعض الأسباب التي تجعل استقرار سيطرة الحكم السلالي مسألة صعبة للغاية.. لأن الاستقرار مرتبط بالحفاظ على كرامة اليمني وليس توفير الرغيف وحسب.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصة
مقال ممتاز موقع ديفا اكسبرت الطبي...
مش مقتنع بالخبر احسه دعاية على المسلمين هناك خصوصا ان الخبر...
تحليل رائع موقع ديفا اكسبرت الطبي...
[أذلة البترول العربى] . . المملكة العربية السعودية قوة عربية...
معي محل عطور. فيـ صنعاٵ...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: هذه السلالة فی الیمن ن ینتمون
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تمدد الحماية المؤقتة للمهاجرين اليمنيين
يمن مونيتور/ ترجمة خاصة
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تمديد الحماية المؤقتة للمهاجرين اليمنيين على أراضيها، سبب الظروف التي تعيشها اليمن.
وقال وزير الأمن الداخلي للولايات المتحدة، إنه بعد التشاور مع الشركاء بين الوكالات، قرر إعادة تصنيف اليمن لمدة 18 شهرًا بالنسبة لوضع الحماية المؤقتة أمر ضروري لأن الصراع المسلح المستمر والظروف الاستثنائية والمؤقتة لا تزال تدعم تصنيف اليمن بالنسبة لوضع الحماية المؤقتة، وأن التمديد وإعادة التصنيف لا يتعارضان مع المصلحة الوطنية للولايات المتحدة.
وقال مايوركاس: “لقد عانت اليمن من حالة من الصراع المطول على مدى العقد الماضي، مما أدى إلى الحد بشكل كبير من قدرة المدنيين على الوصول إلى المياه والغذاء والرعاية الطبية، ودفع البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي، ومنع المواطنين اليمنيين الذين يعيشون في الخارج من العودة بأمان إلى وطنهم”.
وأضاف: “إن الخطوات التي اتخذتها وزارة الأمن الداخلي اليوم ستسمح لبعض اليمنيين المقيمين حاليًا في الولايات المتحدة بالبقاء والعمل هنا حتى تتحسن الظروف في وطنهم”.
وحسب موقع وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، فإن من شأن إن إعادة تصنيف اليمن لبرنامج TPS أن يسمح لحوالي 1700 مواطن يمني (وأفراد ليس لديهم جنسية وكانوا يقيمون بشكل معتاد في اليمن آخر مرة) والذين كانوا يقيمون بشكل مستمر في الولايات المتحدة منذ 2 يوليو 2024 بتقديم طلبات أولية لبرنامج TPS، إذا كانوا مؤهلين بخلاف ذلك.
كما يسمح تمديد برنامج الحماية المؤقتة لليمن لنحو 2300 مستفيد حالي بالاحتفاظ بالبرنامج حتى 3 مارس 2026، إذا استمروا في تلبية متطلبات أهلية البرنامج. لا ينطبق هذا التمديد وإعادة التعيين على أي شخص لم يكن موجودًا بالفعل في الولايات المتحدة في 3 يوليو 2024.
يقدم إشعار السجل الفيدرالي المقابل معلومات حول التسجيل في برنامج الحماية المؤقتة كمستفيد جديد أو حالي بموجب تمديد وإعادة تسمية اليمن. يشرح إشعار السجل الفيدرالي معايير الأهلية والجداول الزمنية والإجراءات اللازمة للمستفيدين الحاليين لإعادة تسجيل وتجديد تصاريح العمل، وللمتقدمين الجدد لتقديم طلب أولي بموجب إعادة التسمية والتقدم بطلب للحصول على تصاريح عمل.
يرافق هذا الإعلان إشعار إغاثة طلابي خاص للطلاب غير المهاجرين من فئة F-1 الذين بلد جنسيتهم هي اليمن، أو الأفراد الذين ليس لديهم جنسية والذين كانوا يقيمون بشكل معتاد في اليمن آخر مرة، بحيث يمكن للطلاب المؤهلين طلب تصريح عمل، والعمل لعدد متزايد من الساعات أثناء انعقاد المدرسة، وتقليل العبء الدراسي مع الاستمرار في الحفاظ على وضع F-1 خلال فترة تعيين TPS.
يجب على المستفيدين الحاليين من برنامج الحماية المؤقتة الذين يرغبون في تمديد وضعهم حتى 3 مارس 2026 إعادة التسجيل خلال فترة إعادة التسجيل التي تبلغ 60 يومًا من 10 يوليو 2024 حتى 9 سبتمبر 2024، لضمان احتفاظهم ببرنامج الحماية المؤقتة وتصريح العمل.
وذكرت الوزارة، أنه ليس كل المسجلين الجدد قد يتلقون وثيقة تصريح عمل جديدة قبل انتهاء صلاحية تصريح العمل الحالي الخاص بهم، وتمدد تلقائيًا حتى 3 سبتمبر 2025 صلاحية تأشيرات العمل الصادرة سابقًا بموجب تصنيف برنامج الحماية المؤقتة لليمن.
ووفقا لموقع الوزارة، فإن خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية ستواصل معالجة الطلبات المعلقة المقدمة بموجب تصنيفات TPS السابقة لليمن.
ولا يحتاج الأفراد الذين لديهم نموذج I-821 معلق، طلب الحصول على وضع الحماية المؤقتة ، أو نموذج I-765 ذي الصلة، طلب تصريح العمل ، اعتبارًا من 10 يوليو 2024 إلى تقديم أي من الطلبين مرة أخرى. إذا وافقت USCIS على نموذج I-821 معلق أو نموذج I-765 مقدم بموجب التصنيف السابق لـ TPS لليمن، فستمنح USCIS الفرد TPS حتى 3 مارس 2026، وتصدر EAD صالحًا حتى نفس التاريخ.
بموجب إعادة تسمية اليمن، يمكن للأفراد المؤهلين الذين ليس لديهم وضع الحماية المؤقتة تقديم نموذج I-821 الأولي، طلب الحصول على وضع الحماية المؤقتة ، خلال فترة التسجيل الأولية التي تمتد من 10 يوليو 2024 حتى 3 مارس 2026.
كما يمكن للمتقدمين أيضًا التقدم بطلب للحصول على تصاريح عمل متعلقة بوضع الحماية المؤقتة وتصاريح السفر.
ويمكن أيضا للمتقدمين طلب تصاريح عمل عن طريق تقديم نموذج I-765 المكتمل، طلب الحصول على تصريح عمل ، مع نموذج I-821 الخاص بهم، أو بشكل منفصل لاحقًا.