سنوات طويلة ارتبطت فيها بحكم العمل بالتردد على منطقة وسط البلد، الأمر الذى ولّد حالة خاصة من العشق- كما غالبية المصريين- لهذا المكان المتفرد فى الجمال اعتدت أثناء مرورى فى الصباح الباكر أن أمعن النظر إلى صفحة النيل العظيم وأن أستنشق هواءه المنعش والندى فى كل الأوقات حتى تلك الأشد سخونة فى أيام الصيف، وأن أتأمل الكباري المتعامدة على النهر والمباني المطلة بشموخ على شاطئيه.
منطقة وسط القاهرة أو وسط البلد كما اعتاد المصريون أن يسمونها، والتى تمتد من كوبري قصر النيل إلى ميدان مصطفي كامل، هى منطقة تزخر بطرز معمارية غاية فى الإبداع والروعة والجمال، تم تصميمها على أيدى كبار المعماريين من اليونان وإيطاليا وفرنسا وغيرهم، وتعود نشأتها الى عهد الخديو إسماعيل وبالتزامن مع افتتاح قناة السويس.
عندما بنى إسماعيل ''القاهرة الخديوية''، كانت المنطقة عبارة عن مجموعة من التلال والبرك، وكان الموقع الذي يشغله الآن البنك المركزي المصري وعمارة الإيموبيليا وسوق الشواربي المقر الرئيسي لمدابغ الجلود في القاهرة.
استعان الخديو إسماعيل بخبرة مهندسين أوروبيين في تخطيط شوارع وميادين القاهرة وكان على رأسهم مهندس نابليون الثالث ويدعى أوسمان الذي وضع المباني الهامة في الميادين وعلى محاور شوارع رئيسية، كما استعان بالمهندسين الايطاليين ''أفوسكاني'' و''أورسيني'' في بناء دار الاوبرا عام 1869 على نمط أوبرا ''لاسكالا'' بميلانو، كما كلف المهندس مارييت بإنشاء المتحف المصري وكلف أيضا ''دي كوريل دل روسو'' ببناء قصر عابدين لينقل مقر الحكم من القلعة إلى وسط القاهرة.
لم تكن منطقة وسط البلد منطقة سكنية فحسب، وإنما شهدت افتتاح مجموعة من المحلات الضخمة برؤوس أموال أجنبية مثل شملا وشكوريل وصيدناوي، وتنافست البنوك على إيجاد مقار لها.
ما يحزنك أن تجد إهمالا وقلة وعي فى التعامل مع ذلك المكان الذى يرتاده الملايين من البشر فيتم القاء القمامة فى الشوارع، ورأيت أطفالا صغارا يحاولون تسلق تماثيل أسود قصر النيل، والتى يعود تاريخها إلى أواخر القرن التاسع عشر، وأبدعها المثال الفرنسى الشهير هنرى جاكمار، وتم وضع أسدين على كل مدخل للكوبري، وعلى الرغم من أنه تم وضع إطار حديدى عند تطوير الكوبري قبل سنوات، إلا أن هناك من يلهو ويتسلق ويجلس فوق التماثيل ويعبث بها، وللأسف يلقون بزجاجات المياه والمشروبات الغازية فوق أعمدة التماثيل، وعندما تمر صباحا فى ميدان التحرير تجد مخلفات "قشر اللب" وقد تبعثرت على السطح الأخضر، دون إدراك أو وعي لمبادئ النظافة العامة.
ليتنا نعلم الأجيال الجديدة كيفية المحافظة على جمال وبهاء شوارعنا ومناطقنا التاريخية، وأن نشعرهم بأن المحافظة على تلك الممتلكات هو جزء من الحفاظ على هويتنا، وأتمنى أن تلعب المدارس دورا فى هذا الشأن.. لتبقي القاهرة التاريخية واجهة مصر الحضارية.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: وسط البلد
إقرأ أيضاً:
المفتي إمام: جمال الاستقلال بانتخاب رئيس للجمهورية
كتب مفتي طرابلس والشمال محمد إمام عبر منصة "اكس": "أجمل كلمة في الأوطان الاستقلال، لكن علينا أن نعيش هذا الجمال في وطننا، وذلك بأن يتجلى جمال الاستقلال بانتخاب رئيس للجمهورية، وبناء وطن المؤسسات والشفافية الذي ينشده الجميع. مسحة الجمال في لبنان أن لا يتعالى أحد على أحد ولا يستقوي أحد على أحد".