ماماتي، هل تذكرين أحاديثي عن الاستقلالية، والحياة المنفردة، وحلمي باقتناء بيت منعزل أسكنه بمفردي، وأستمتع بالوحدة، والتخلص من عبء مسئوليات المشاركة والتزاماتها؟ هل تذكرين جولاتي ورحلاتي واستمتاعي بالسفر وحيدة، وردك المعتاد أن الوحدة راحة مؤقتة، و(الحياة من غير ناس ما تنداس)؟
كنت محقة كعادتك يا أمي، لقد صفعتني الحياة صفعة قاسية لأكتشف كم كنت ساذجة حينما اعتقدت أن راحة البال في الوحدة والانعزال، وتعلمت أن الواقع يختلف عن الصورة الخيالية الطفولية الراسخة في ذهني، وأدركت أن الوحدة وجع لا يشفى، وجرح لا يندمل، وأن السعادة هي الحياة مع الأسرة، والهدوء الحقيقي هو سكينة الذات رغم ما قد يحيطها من صخب، واطمئنان النفس لا يأتي إلا بوجود الأحباء.
أعترف لك أني كنت مخطئة يا ماما حينما تخيلت نفسي وحيدة في ترحالي لمجرد التنقل بمفردي، لم أنتبه إلى أن ثقتي بذاتي، وتولي مسئولية نفسي، وقدرتي على التصرف في مختلف المواقف، ومواجهة المشاكل، تنبع من اطمئناني إلى وجودك وأبي وأشقائي، وإحساسي أنكم الوتد والدرع والسند، لقد كنت في الحقيقة أستمد شجاعتي في مواجهة الدنيا منكم، اتصالاتنا المستمرة على مدار اليوم طوال فترة غيابي عن البيت، ومتابعتكم لكل أموري، ويقيني أنكم قادرون على تذليل أية عقبات، وتهوين كل صعب قد أتعرض له، كلها أشياء تمنحني الأمان، وتجعلني أكثر جرأة في تخطي الصعاب، كنت أدرك لا شعوريًا أنكم (ظهر أتسند عليه)، ولكن الغفلة جعلتني أظن أني شامخة بمفردي.
لقد آلمني رحيلك عن دنيانا يا أمي أشد الألم، فالحياة دون وجودك لا معنى لها يا حبيبتي، لقد صرت وحيدة تعيسة تائهة بائسة مسكينة، لا أستمتع بأي شيء، لا يتمكن أحد من إدخال السرور إلى قلبي المكسور، علمني رحيلك معنى الوحدة الحقيقية، وكم هي شاقة قاسية موجعة لا علاج لها.
متعك الله بصحبة الأنبياء والصالحين في الجنة بإذن الله، حتى نلتقى لك منا كل الحب.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً: