"فخلِّد بسعيك مجدًا يدومُ// دوام النجوم بلا جاحد".. هكذا وصف الشاعر الكبير معروف الرُّصافي أصحاب الأعمال العظيمة التي تخلدهم، وهو ما ينطبق على عميد الأثريين المصريين د.سليم حسن (1893- 1961م)، الذي اختارته مؤخرًا اللجنة العليا المنظمة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب بدورته الـ 55 (25 يناير- 6 فبراير 2024م) ليكون شخصية العام بالمعرض، وهو الاختيار الذي صادف أهله تمامًا.
ولا شك أننا جميعًا - كمصريين- مدينون لهذا الرجل بالتعرف على الحضارة المصرية القديمة.. الحضارة الأعظم في التاريخ.. وذلك عبر السلسلة المبهرة "موسوعة مصر القديمة" (18 جزءًا).
عشق سليم حسن التاريخ، وتخرج في قسم الآثار الملحَق بمدرسة المعلمين العليا بالقاهرة عام 1913م، ثم عمل مُدرسًا للتاريخ بالمدارس الأميرية، عُيِّن بعدها في المتحف المصري بعد ضغطٍ من الحكومة المصرية، حيث كانت الوظائف فيه حِكرًا على الأجانب، وهناك تتلمذ على يد العالِم الروسي "جولنسيف".
سافر في بعثة إلى فرنسا عام ١٩٢٥م، والتحق بجامعة السوربون التي حصل منها على دبلومتين في اللغة والديانة المصرية القديمة، ثم على دبلوم اللغات الشرقية واللغة المصرية القديمة من الكلية الكاثوليكية، فدبلوم الآثار من كلية اللوفر، كما حصل لاحقًا على درجة الدكتوراه في عِلم الآثار من جامعة فيينا.
ما بين عامي (29-1939م) مارس سليم حسن أعمالَ التنقيب الأثرية في منطقة الهرم لحساب جامعة القاهرة، وكان من أول وأهم اكتشافاته مقبرة "رع ور"، وليكتشف خلال تلك الفترة حوالي 200 مقبرة، بالإضافة إلى مئات القطع الأثرية والتماثيل ومراكب الشمس الحجرية للملِكَين: خوفو، وخفرع.
عُيِّن وكيلًا عاما لمصلحة الآثار المصرية كأول مصري يتولى هذا المنصب، ويكون المسئول الأول عن كل آثار البلاد، وقد أعاد إلى المتحف المصري مجموعة من القطع الأثرية كان يمتلكها الملك فؤاد، وقد حاول الملك فاروق استعادة تلك القطع، ولكن سليم حسن رفض ذلك، ممَّا عرَّضه لمضايقات شديدة أدَّت إلى تركه منصبه عام 1940م.
في عهد ثورة يوليو المجيدة وعام 1954م، استعانت الحكومة بخبرة سليم حسن الكبيرة فعيَّنته رئيسًا للبعثة التي ستُحدِّد مدى تأثير بناء السد العالي على آثار النوبة. كذلك تم انتخابه عام 1960م عضوًا بالإجماع في "أكاديمية نيويورك" التي ضمت أكثر من 1500 عالِم من 75 دولة.
ولسليم حسن 20 كتابًا: 18 من موسوعة مصر القديمة، وأقسام مصر الجغرافية في العهد الفرعوني، وتاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر، فضلًا عن ترجمته لكتاب "جيمس هنري برستيد" الأشهر "فجر الضمير".
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: سلیم حسن
إقرأ أيضاً:
خطأ الفهم للفلسفة القديمة وأثر هذا في التشظي
مفاهيم مشوهة المعنىعلى الرغم من حرص الأولين إلا أن التقنيات المتاحة لهم ليست كافية، وإن قابليتهم للإصغاء والتصويب لم تك كافية أيضا لذا نرى الانقسامات على أمور جزئية لا تأثير لها أحيانا على واقع الحال، وإنما هي خلافات فلسفية انتقلت إلى الفقه واختلط الفقه الحضاري مع الأمور المدنية كالسياسة، والتي يفترض أنها تراكم للجهد البشري ينقى بالقيم وليس فيه حلال وحرام وإنما صواب وخطأ، أو القول بأنه صالح للحالة أم لا.
طرح الفلاسفة نظريات مستسقاة من الفلسفة اليونانية كالرازي قبل تخليه عنها، حيث طرح نظرية الفيض وهي نظرية لا تتفق والإسلام بل متخلفة جدا. والفلسفة اليونانية في طرحها لتفسير الكون والحياة كانت قاصرة، فهي من طرح تسطيح الأرض وأن القلب الذي في الجوف هو المحرك للجسم، فاختلط التداخل هذا عند العلماء سواء في الرد على الفلاسفة أو في التفاسير لأن المصطلحات دخلت إلى الكلام، والتفكير لهذا نجد معاني قرآنية ليست مستعملة في التفاسير وإنما مصطلحات فلسفية، فالفقهاء في الرد تبنوا المصطلح الذي يردون عليه ودخل عند المقلدين خصوصا أن عبارات ظهرت تمنعهم من فتح كتب الفلسفة أصلا (من تمنطق تزندق) ومن هذه الكلمات التي تشوه معناها القرآني: الروح، النفس، القلب، الفؤاد، العقل.. فالروح في القرآن هي أمر الله بالخلق، أما في الفلسفة اليونانية فهي شيء خارج الجسم يرتبط بالإنسان ويفكر وهو ما نجده في بعض التفاسير وآثار العلماء، فالنفس هي الإنسان في القرآن وهي لها أدواتها في التفكير والعقل فعل وليس اسم، ولم يأت كاسم في القرآن وإنما كان اسما في الفلسفة اليونانية.
هذه المعاني تحتاج إلى تصويب، فهي أوقعت الفكر الإسلامي في مشكلة كبيرة جدا، منها إيقاف التفكير نفسه، والتعامل مع المنطق والفلسفة نتيجة التيه الذي وقع به الأولون فالتجأوا إلى التكفير والرفض وتركوا أثرا يحمل لغة ما رفضوه فضاع من بعدهم أكثر
القلب موطن التفكير في القرآن ليس المضخة التي في الجوف وإنما في الناصية حيث مقدمة الإنسان ومقدمة الشيء صدره، وإن كان موطن الإحساس والتفكير بما هو معروف في التفاسير فهو تأثر بالفلسفة اليونانية، فالقلب مصطلح على مضخة ليس لها توصيف في الإسلام غير هذا والقلب المفكر هو في الناصية كما ذكرنا.
هذه المعاني تحتاج إلى تصويب، فهي أوقعت الفكر الإسلامي في مشكلة كبيرة جدا، منها إيقاف التفكير نفسه، والتعامل مع المنطق والفلسفة نتيجة التيه الذي وقع به الأولون فالتجأوا إلى التكفير والرفض وتركوا أثرا يحمل لغة ما رفضوه فضاع من بعدهم أكثر؛ وعلينا إضافة مفاصل أخرى كالتمييز بين الحضارة (تختص بالفكر والإنتاج الفكري) وبين المدنية (تراكم الجهد البشري).
لقد فقد الناس الذين يلتهمون الغاية من الخلق وفهم الآيات وإدخال تصورات تقرب إلى الخرافات؛ رفضها البعض وقبلتها منظومات التفكير البسيطة والجاهلة، بل الجهل بات يفرض نفسه والطقوس الدخيلة أضحت الدين وليس من صلبه فقط، وعندما حوكم المنطق والفلسفة اتهمت الفلسفة وليس القصور الذهني، بينما الفلسفة هي الحكمة. والله جل وعلا قال: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرا كَثِيرا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ". واللب هو أعمق نقاط الفهم والتفكير، لكنهم قرنوها بالفلسفة المستوردة الوثنية والأسطورية والتي حاول البعض دمج التوحيد معها أو مجادلتها بلغتها وقواعدها وهذا كان الخطأ، فنحن لا نستغني عن الحكمة في استقراء واقعنا ومن ثم استنباط العلاج بدل التقوقع واستنباط قوالب لا تحتوي الواقع وإنما تشوهه.
أسلوب الهروب بالإنكار أوجد فرقا مثل القائلين إن القرآن كاملا فعليه لا يحتاج إلى الحديث، هذا الفهم الناقص يقابله تقديس لرواة أو جامعي الحديث بحيث لا يقبلون المراجعة. وربما هذا التعصب أوجد ذاك الانحراف في الفهم، فالجهاز المعرفي لا يرتكز على المصدر وهو صناعة بشرية، فهو سيحتاج إلى المصدر وأداة التفكير والتحقق وإلى المنظومة العقلية ككل والفهم الذي هو أهم ما في الفكر وموازنته، ثم نرى المخرجات على الواقع ونعايرها مع مهمة الإنسان الأساس، وهي اختبار لمنظومته العقلية وصلاحيتها في الإبداع وهو معنى "علّم آدم الأسماء كلها" والله أعلم.. ثم نرى هل كان هذا مناسبا للمجتمع أم يتطلب مزيدا من الدراسة والفهم للمجتمع وللفكر فيخرج من مثاني القرآن الأجوبة بهذا المنهج.
المسألة أن العلماء في كل عصر يريدون أن يجيبوا على كل الأسئلة وعلم عصرهم ليس كافيا للإجابة على كل الأسئلة فيخرجون بأمور يختلف عليها، أو ينكرون فعل الزمن فيتمسكون بما أنتج السابقون، وهو في الحقيقة أما صواب حل مشاكل عصرهم لا مشاكل عصرنا وتطور المدنية
تشكل الفرق لسوء الفهم بالوهم
الحقيقة أن التعامل مع الفلسفة القديمة كنتاج فكري لم يوضع له منهج واضح لهذا اختلف الباحثون في أسئلة أصلا محلولة في القرآن، ولكنهم اتبعوا منهج ما تبنونه فلم ينتبهوا للحل.. القضاء والقدر أو هل الإنسان مخير أم مسير، لو نظر إليها بمنهج فلسفي صحيح أي بالحكمة القرآنية لما ظهرت الفِرق كالمعتزلة والأشعرية والمرتدية وغيرها، وهي ببساطة على سبيل المثال أن الإنسان في ماهيته التفكير فهو مخير ولأن أساس وجوده على الأرض هو لاختبار منظومته العقلية، فمن العدل أن يكون كامل الأهلية. وهكذا الأسئلة الأخرى التي ناقشناها في مقالات سابقة وفي كتاب "فلسفة منظومة الأخلاق في الإسلام".
المسألة أن العلماء في كل عصر يريدون أن يجيبوا على كل الأسئلة وعلم عصرهم ليس كافيا للإجابة على كل الأسئلة فيخرجون بأمور يختلف عليها، أو ينكرون فعل الزمن فيتمسكون بما أنتج السابقون، وهو في الحقيقة أما صواب حل مشاكل عصرهم لا مشاكل عصرنا وتطور المدنية، أو أنه تيه سرعان ما يكفر كل جديد أنه بدعة وضلالة، أو يستوردون خلافات الماضي لعجزهم عن التفكير في المستقبل لافتقادهم لمنهج التفكير للمستقبل والجهل المركب الذي يتمكن فيفرض عليك نفسه ويعتبر أمل الأمة جهلة بل أعدائها.
إن تخلف الأمم ليس لقلة مفكريها بل لجرأة الجهل وضعف المثقف في الدفاع عن نفسه أمام الجهل وتهوره، فالفهم قائد ومتى ضعف الفهم انحدرت الناس إلى الضلال.