ذكر موقع "المونيتور" أن الولايات المتحدة تعيد النظر في شروطها للتعاون النووي مع السعودية، بسبب توسع نشاط الصين وإيران، وأيضا لتحقيق تقدم في التطبيع بين المملكة وإسرائيل.
وذكر الخبير الاقتصادي، أندرو باراسيليتي، في مقال على موقع "المونيتور"، أن التعاون النووي بين الولايات المتحدة والسعودية "أمر منطقي" بسبب توسع نشاط الصين، وليس فقط بسبب إسرائيل.


وقال باراسيليتي: "عرض الصين لبناء محطة نووية سعودية يشير إلى منافسة واتجاه جديد في المنطقة".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى مقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، قالت فيه، إن الصين تعرض بناء محطة طاقة نووية سعودية، مما يزيد الضغط على إدارة بايدن لتخفيف شروطها الخاصة بالتعاون النووي مع المملكة، ومن بينها التطبيع مع إسرائيل.
ووفقا لباراسيليتي، فإن "الولايات المتحدة محقة في أن تكون المنافسة النووية المدنية في المملكة، حتى من دون احتمال التطبيع الإسرائيلي السعودي. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، تعتبر الطاقة النووية عنصرا أساسيا في توسعها الطموح في رؤية ما بعد الكربون 2030".
مؤكدا أن "هذا ليس بالأمر الفريد من نوعه في المنطقة. سوف يكون الطلب على الطاقة النووية أكبر، وليس أقل، في السنوات والعقود المقبلة، وليس فقط في الشرق الأوسط. ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تترك هذا النفوذ للصين".
ونقل الخبير عن كبير مراسلي "المونيتور" للأعمال في أوروبا، جاك داتون قوله، إن "صفقات المفاعلات النووية طويلة الأمد ومربحة، كما أنها سياسية بعمق".
كما أشار باراسيليتي إلى أن "الولايات المتحدة تتمتع بالتفوق في مجال التكنولوجيا النووية، لكنها تمتلك شروطا وقيودا لمنع المسارات نحو التسلح. وربما تفضل الولايات المتحدة، بما في ذلك الكونغرس، أن تمتنع المملكة العربية السعودية عن تخصيب اليورانيوم محليا، وأن تلتزم المملكة بالتحقق الموسع بموجب البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية".
ولفت الخبير الاقتصادي النظر إلى أن الصين لا تطرح مثل هذه الشروط، وسيكون السعر لديها أرخص، حتى لو لم تكن التكنولوجيا والدعم على مستوى الولايات المتحدة.
وتابع باراسيليتي:، "في حين أن المملكة العربية السعودية قد لا تكون مهتمة بالسعي للحصول على سلاح نووي في هذا الوقت، فإن وضع إيران كدولة على عتبة الأسلحة النووية يجب أن يكون جزءا من الحسابات، بالنسبة لواشنطن والرياض والجميع. ومن جانبها، أقسمت إيران على البروتوكول الإضافي، نتيجة لانهيار خطة العمل الشاملة المشتركة".
وأوضح الخبير أن الحديث برمته عن علاقات أكثر توسعية في مجال الطاقة والأمن مع المملكة العربية السعودية والخليج هو أمر حيوي، وليس فقط بسبب إيران، أو حتى إسرائيل.
كما أشار إلى أن المنطقة، لن تقف في وجه الصين، سوف تنمو علاقات الشرق الأوسط مع بكين، وسيكون هناك احتكاك مع الولايات المتحدة على طول الطريق. موضحا أن إدارة بايدن تتقدم بهذا المنحى، حيث تضع الشروط لمنع المضايقات المتعلقة بعلاقات الشراكة مع الصين من أن تتحول إلى مشاكل نظامية.
وبحسبه، فإن أحد الخطوط الحمراء الواضحة هو "التعاون العسكري أو التكنولوجي الذي يمكن أن يعرض التكنولوجيا الأمريكية الحساسة للخطر". كما أن القواعد الصينية والتعاون العسكري بشكل عام يشكل أيضا نقطة خلاف.
واختتم باراسيليتي قائلا، "لا تزال الصين غير قادرة على منافسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة عند النظر في نطاق وعمق العلاقات العسكرية والدبلوماسية الأمريكية. إذ يتمتع الاقتصاد الأمريكي بمظهر التحوط الاقتصادي الأكثر أمانا على المدى الطويل من الصين، ولم نتحدث عن القوة الناعمة للولايات المتحدة".
كما أشار إلى إمكانية أن تشكل الطاقة البديلة، بما في ذلك تصدير التكنولوجيا والخبرات النووية الآمنة، مصدرا لقوة الولايات المتحدة، وخاصة في ضوء المخاوف بشأن انتشار الأسلحة النووية، فضلا عن قضايا المناخ.
وسبق أن أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن سياسة إسرائيل لا تزال تقضي بعدم امتلاك جيرانها في الشرق الأوسط برنامجا نوويا، تعليقا على تصريحات وزير الشؤون الاستراتيجية.
ومن جهته، أعرب وزير الطاقة الإسرائيلي عن معارضته لفكرة قيام السعودية بتطوير برنامج نووي مدني، كجزء من أي جهد أمريكي لإقامة علاقات إسرائيلية سعودية أوثق.
وقالت إسرائيل إنها تتوقع أن تتشاور معها واشنطن بشأن الاتفاق الأمريكي السعودي، الذي يؤثر على أمنها القومي. ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل، التي ليست طرفا في معاهدة حظر الانتشار النووي ولا تمتلك طاقة نووية، تمتلك أسلحة نووية.
وفي سياق متصل، ذكر موقع "أكسيوس" نقلا عن مسؤولين أمريكيين، بأن البيت الأبيض يشترط على إسرائيل تقديم تنازلات للفلسطينيين لتطبيع العلاقات مع السعودية، وهو ما أثار جدلا في تل أبيب بين مؤيدين ومعارضين.

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: الولایات المتحدة العربیة السعودیة الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

هل تستفيد أمريكا والصين من كارثة تصاعد العداء الأنجلو-ألماني؟

ترجمة - نهى مصطفى -

في كتابه صعود العداء الأنجلو-ألماني، 1860-1914، أوضح المؤرخ البريطاني بول كينيدي كيف انتهى الأمر بشعبين صديقين إلى دوّامة من العداء المتبادل الذي أدى إلى الحرب العالمية الأولى.

وكانت القوى الرئيسية التي قادت المنافسة بين ألمانيا وبريطانيا: الضرورات الاقتصادية والجغرافيا والأيديولوجية.

وأدى الصعود الاقتصادي السريع لألمانيا إلى تغيير ميزان القوى ومكّن برلين من توسيع نطاقها الاستراتيجي في مناطق كانت لبريطانيا فيها مصالح استراتيجية عميقة وراسخة.

وكانت القوتان تنظران إلى بعضهما البعض باعتبارهما على طرفي النقيض أيديولوجيا، وتبالغان إلى حد كبير في تجسيد خلافاتهما. فقد صوّر الألمان البريطانيين على أنهم مستغِلون ينتهكون أموال العالم، وصوّر البريطانيون الألمان باعتبارهم مجرمين مستبدين عازمين على التوسع والقمع.

وبدا أن البلدين يقتربان من الصدام، ويتجهان مباشرة نحو الحرب. لكن لم تكن الضغوط الرئيسية سالفة الذكر، على الرغم من أهميتها، هي التي أشعلت شرارة الحرب العالمية الأولى. فقد اندلعت الحرب بفضل القرارات الطارئة التي اتخذها الأفراد والافتقار العميق إلى الخيال على كلا الجانبين.

وربما لم تكن الحرب لتقع لولا أن قادة ألمانيا، بعد المستشار أوتو فون بسمارك، لم يكونوا على هذا القدر من الجرأة فيما يتصل بتغيير توازن القوى البحرية. واحتفلت ألمانيا بهيمنتها على أوروبا وأصرت على حقوقها كقوة عظمى، رافضة المخاوف بشأن قواعد ومعايير السلوك الدولي. وقد أثار هذا الموقف قلق دول أخرى، وليس بريطانيا فقط.

وكان من الصعب على ألمانيا أن تدعي، كما فعلت، أنها تريد إنشاء نظام عالمي جديد أكثر عدلًا وشمولًا، في حين أنها تهدد جيرانها وتتحالف مع الإمبراطورية النمساوية المجرية المتدهورة، التي عملت جاهدة على إنكار التطلعات الوطنية للشعوب الموجودة على حدودها.

وكانت هناك رؤية قاصرة مماثلة سادت على الجانب الآخر. في عام 1913، استنتج ونستون تشرشل، قائد البحرية البريطانية، أن مكانة بريطانيا العالمية البارزة «غالبا ما تبدو أقل منطقية للآخرين وليس كما نراها نحن».

وكانت وجهات النظر البريطانية تجاه الآخرين تميل إلى الافتقار إلى هذا الوعي الذاتي. ووجّه المسؤولون والمعلقون انتقادات لاذعة لألمانيا، وهاجموا بشكل خاص الممارسات التجارية الألمانية غير العادلة. ونظرت لندن إلى برلين بحذر، وفسّرت كل تصرفاتها على أنها دليل على النوايا العدوانية، وفشلت في فهم مخاوف ألمانيا على أمنها في قارة كانت محاطة بأعداء محتملين. وبطبيعة الحال، أدى العداء البريطاني إلى تعميق المخاوف وإذكاء الطموحات الألمانية.

وأعرب كينيدي عن أسفه قائلا: «يبدو أن قليلين فقط امتلكوا البصيرة اللازمة للسعي إلى تحسين العلاقات الأنجلو-ألمانية».

واليوم، يبدو أن هذه الفطنة مفقودة إلى حد كبير في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. وكما هي الحال بالنسبة لألمانيا وبريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى، يبدو أن الصين والولايات المتحدة عالقتان في دوامة، وهي دوامة قد تنتهي بكارثة لكل من البلدين والعالم ككل. وكما كان الوضع قبل قرن من الزمان، فإن المنافسة الاقتصادية، والمخاوف الجيوسياسية، وانعدام الثقة العميق، تزيد من احتمالات الصراع.

وكما هو الحال مع العداء بين ألمانيا وبريطانيا منذ أكثر من قرن من الزمان، فإن العداء بين الصين والولايات المتحدة له جذور عميقة، ويمكن إرجاعه إلى نهاية الحرب الباردة. وفي المراحل الأخيرة من ذلك الصراع الكبير، كانت بكين وواشنطن حليفتين من نوع ما، حيث كانت كلتاهما تخشى قوة الاتحاد السوفييتي أكثر مما تخشى كل منهما الآخرى. لكن انهيار الدولة السوفييتية، عدوهما المشترك، كان يعني على الفور أن صناع السياسات ركزوا أكثر على ما يفصل بين بكين وواشنطن أكثر من تركيزهم على ما يوحدهما.

وقد استنكرت الولايات المتحدة بشكل متزايد الحكومة الصينية القمعية. واستاءت الصين من الهيمنة العالمية المتطفلة التي تمارسها الولايات المتحدة.

هذا التصاعد في وجهات النظر لم يؤدِ إلى تراجع فوري في العلاقات الأمريكية-الصينية. في العقد ونصف العقد الذي أعقب نهاية الحرب الباردة، اعتقدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أنها ستكسب الكثير من تسهيل تحديث الصين ونموها الاقتصادي. وكما هو الحال مع البريطانيين، الذين تبنوا في البداية توحيد ألمانيا في عام 1870 والتوسع الاقتصادي الألماني بعد ذلك، كان الأمريكيون مدفوعين بالمصلحة الذاتية لتشجيع صعود بكين. وكانت الصين سوقًا هائلة للسلع ورؤوس الأموال الأمريكية، وعلاوة على ذلك، بدت الصين عازمة على ممارسة الأعمال التجارية على الطريقة الأمريكية، واستيراد عادات المستهلكين الأمريكيين وأفكارهم عن عمل الأسواق بالسهولة نفسها التي احتضنت بها الأساليب والعلامات التجارية الأمريكية.

على المستوى الجيوسياسي، كانت الصين أكثر حذرا تجاه الولايات المتحدة. كان انهيار الاتحاد السوفييتي بمثابة الصدمة لزعماء الصين، كما أوضح لهم النجاح العسكري الأمريكي في حرب الخليج عام 1991 أن الصين أصبحت تعيش في عالم أحادي القطب، حيث تستطيع الولايات المتحدة أن تنشر قوتها متى شاءت. وكما هو الحال مع ألمانيا وبريطانيا في ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر، بدأت الصين والولايات المتحدة تنظران لبعضهما البعض بمزيد من العداء، بالرغم من توسع التبادلات الاقتصادية بينهما.

إن ما غيّر الديناميكية بين البلدين حقًا هو النجاح الاقتصادي الذي لا مثيل له الذي حققته الصين: في أواخر عام 1995، كان الناتج المحلي الإجمالي للصين حوالي عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وبحلول عام 2021، نما إلى حوالي 75% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وفي عام 1995، أنتجت الولايات المتحدة نحو 25% من الإنتاج الصناعي في العالم، وأنتجت الصين أقل من 5%. ولكن الآن تجاوزت الصين الولايات المتحدة. في العام الماضي، أنتجت الصين ما يقرب من 30% من الإنتاج الصناعي في العالم، وأنتجت الولايات المتحدة 17% فقط. هذه ليست الأرقام الوحيدة التي تعكس الأهمية الاقتصادية لدولة ما، ولكنها تعطي إحساسًا بثقل الدولة في العالم وتشير إلى القدرة الصناعية، بما في ذلك المعدات العسكرية.

على الصعيد الجيوسياسي، بدأت نظرة الصين تجاه الولايات المتحدة تصبح قاتمة في عام 2003 مع غزو واحتلال العراق. وعارضت الصين الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة، حتى لو لم تهتم بكين كثيرا بنظام الرئيس العراقي صدام حسين. والأكثر من القدرات العسكرية المدمرة للولايات المتحدة، فإن ما صدم القادة في بكين حقًا هو السهولة التي يمكن بها لواشنطن أن تتجاهل مسائل السيادة وعدم التدخل، وهي مفاهيم كانت من العناصر الأساسية للنظام الدولي ذاته الذي أقنع الأمريكيون الصين بالانضمام إليه. ويشعر صناع القرار الصينيون بالقلق من أنه إذا تمكنت الولايات المتحدة بسهولة من انتهاك المعايير نفسها التي توقعت من الآخرين أن يلتزموا بها، فلن يقيد سلوكها المستقبلي أي شيء.

تضاعفت الميزانية العسكرية للصين في الفترة من عام 2000 إلى عام 2005، ثم تضاعفت مرة أخرى بحلول عام 2009. وأطلقت بكين برامج لتحسين تدريب قواتها العسكرية، وتحسين كفاءتها، والاستثمار في التكنولوجيا الجديدة، أحدثت ثورة في قواتها البحرية والصاروخية. وفي وقت ما بين عامي 2015 و2020، تجاوز عدد السفن في البحرية الصينية عدد السفن في البحرية الأمريكية.

يرى البعض أن الصين كانت ستوسع قدراتها العسكرية بشكل كبير بغض النظر عما فعلته الولايات المتحدة قبل عقدين من الزمن. وهذا هو ما تفعله القوى الصاعدة الكبرى مع تزايد نفوذها الاقتصادي. قد يكون هذا صحيحًا، ولكن التوقيت المحدد لتوسع بكين كان مرتبطًا بشكل واضح بمخاوفها من أن القوة المهيمنة العالمية لديها الإرادة والقدرة على احتواء صعود الصين إذا اختارت ذلك.

وإذا كان هناك أي مثال على الغطرسة والخوف داخل القيادة نفسها، فقد قدمته ألمانيا في عهد القيصر فيلهلم الثاني. واعتقدت ألمانيا أنها في صعود لا مفر منه، وأن بريطانيا تمثل تهديدًا وجوديًا لصعودها. وكانت الصحف الألمانية مليئة بالافتراضات حول التقدم الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري الذي حققته بلادها، وتنبأت بمستقبل تتفوق فيه ألمانيا على الجميع. وزعموا أن بريطانيا ليست قوة أوروبية حقيقية، وأصروا على أن ألمانيا أصبحت الآن أقوى قوة في القارة، وأنه ينبغي تركها حرة في إعادة ترتيب المنطقة بشكل عقلاني وفقًا لواقع قوتها.

وتظهر الصين اليوم العديد من علامات الغطرسة نفسها والخوف التي أظهرتها ألمانيا من قبل.

كان قادة الحزب الشيوعي الصيني يشعرون بفخر كبير بإدارة بلادهم خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وتداعياتها بمهارة أكبر من نظرائهم الغربيين.

ورأى العديد من المسؤولين الصينيين أن الركود العالمي في تلك الحقبة لم يكن مجرد كارثة صنعتها الولايات المتحدة فحسب، بل كان أيضًا رمزًا لانتقال الاقتصاد العالمي من القيادة الأمريكية إلى القيادة الصينية.

لقد أنفق القادة الصينيون، بما في ذلك أولئك الذين يعملون في قطاع الأعمال، قدرا كبيرا من الوقت وهم يشرحون للآخرين أن صعود الصين العنيد أصبح الاتجاه المحدد في الشؤون الدولية. وفي سياساتها الإقليمية، بدأت الصين تتصرف بشكل أكثر حزما مع جيرانها: سحقت حركات تقرير المصير في التبت وشينجيانج وقوّضت الحكم الذاتي في هونج كونج. وفي السنوات الأخيرة، أصرت على حقها في الاستيلاء على تايوان، بالقوة إذا لزم الأمر، وبدأت في تكثيف استعداداتها لمثل هذا الغزو.

وفي الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة تطوير سياسة تجاه الصين تجمع بين الردع والتعاون المحدود، على غرار ما فعلته بريطانيا عندما طورت سياستها تجاه ألمانيا في أوائل القرن العشرين. وفقًا لاستراتيجية الأمن القومي التي أقرتها إدارة بايدن في أكتوبر 2022، إن جمهورية الصين الشعبية لديها النية، والقدرة على نحو متزايد، على إعادة تشكيل النظام الدولي لصالحها.

وعلى الرغم من معارضتها لإعادة التشكيل هذه، فقد شددت الإدارة على أنها «ستكون دائمًا على استعداد للعمل مع جمهورية الصين الشعبية حيثما تتوافق مصالحنا».

في العلاقة البريطانية-الألمانية، أدت ثلاثة شروط رئيسية إلى تحول العداء المتزايد إلى الحرب: الأول هو أن الألمان أصبحوا مقتنعين بشكل متزايد بأن بريطانيا لن تسمح لألمانيا بالصعود تحت أي ظرف من الظروف. والثاني هو أن الجانبين يخشيان إضعاف مواقفهما المستقبلية. ومن عجيب المفارقات أن هذا الرأي شجّع بعض القادة على الاعتقاد بأن عليهم خوض حرب عاجلًا وليس آجلًا. أما السبب الثالث فكان الافتقار شبه الكامل إلى التواصل الاستراتيجي. في عام 1905، اقترح ألفريد فون شليفن، رئيس هيئة الأركان العامة الألمانية، خطة معركة من شأنها أن تضمن نصرًا سريعًا في القارة، حيث كان على ألمانيا أن تحسب حسابًا لكل من فرنسا وروسيا. والأهم من ذلك، أن الخطة تضمنت غزو بلجيكا، وهو العمل الذي أعطى بريطانيا سببًا فوريًا للانضمام إلى الحرب ضد ألمانيا.

كل هذه الشروط متوفرة في العلاقات الأمريكية-الصينية: إن الرئيس الصيني شي جين بينج وقيادة الحزب الشيوعي الصيني مقتنعون بأن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو منع صعود الصين مهما كانت الظروف. وعلى الصعيد الداخلي، يشعر القادة الصينيون بقلق بالغ إزاء تباطؤ اقتصاد بلادهم وإزاء ولاء شعبهم. وتشير جميع الأدلة الحالية إلى أن الصين تضع خططًا عسكرية لغزو تايوان يومًا ما، مما يؤدي إلى حرب بين الصين والولايات المتحدة تمامًا كما ساعدت خطة شليفن في إنتاج حرب بين ألمانيا وبريطانيا.

وتشير أوجه التشابه إلى مستقبل قاتم من المواجهة المتصاعدة. لكن يمكن تجنب الصراع إذا كانت الولايات المتحدة تريد منع الحرب، فيتعين عليها إقناع القادة الصينيين بأنها ليست عازمة على منع التنمية الاقتصادية في الصين في المستقبل. الصين بلد هائل، لديها صناعات تتساوى مع تلك الموجودة في الولايات المتحدة، ولكن مثل ألمانيا في عام 1900، فإن لديها أيضًا مناطق فقيرة ومتخلفة. ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تكرر للصينيين ما فهم الألمان أن البريطانيين يقولونه لهم قبل قرن من الزمان: «إذا توقفتم عن النمو الاقتصادي فلن تكون هناك مشكلة».

ومن ناحية أخرى، لا يجوز للصناعات الصينية أن تستمر في النمو دون قيود على حساب الجميع. إن أذكى خطوة يمكن أن تتخذها الصين بشأن التجارة هي الموافقة على تنظيم صادراتها بطريقة لا تجعل من المستحيل على الصناعات المحلية في البلدان الأخرى التنافس في مجالات مهمة مثل السيارات الكهربائية أو الألواح الشمسية وغيرها من المعدات اللازمة لإزالة الكربون. وإذا استمرت الصين في إغراق الأسواق الأخرى بنسخها الرخيصة من هذه المنتجات، فإن العديد من البلدان، بما في ذلك بعض البلدان التي لم تشعر بقلق مفرط إزاء نمو الصين، سوف تبدأ في وضع قيود على وصول السلع الصينية إلى أسواقها.

الحروب التجارية غير المقيدة ليست في مصلحة أحد. وتفرض بلدان العالم بشكل متزايد تعريفات جمركية أعلى على الواردات وتحد من التجارة وحركة رأس المال. ولكن إذا تحول هذا الاتجاه إلى طوفان من التعريفات الجمركية، فإن العالم سيواجه مشكلة على المستوى الاقتصادي، وكذلك السياسي. ومن عجيب المفارقات أن الصين والولايات المتحدة ربما تكونان من أكبر الخاسرين إذا فرضت سياسات الحماية سيطرتها في كل مكان.

إن كبح جماح المواجهة الاقتصادية وتخفيف نقاط التوتر الإقليمية المحتملة يشكل ضرورة أساسية لتجنب تكرار السيناريو البريطاني-الألماني، يمكن للقادة أن يتعلموا من الماضي بطرق إيجابية وسلبية، عما يجب عليهم فعله وما لا يجب عليهم فعله. لكن عليهم أن يتعلموا الدروس الكبرى أولا، وهو كيفية تجنب الحروب المروعة التي تحول إنجازات أجيال إلى ركام.

أود آرني ويستاد مؤرخ نرويجي متخصص في الحرب الباردة وتاريخ شرق آسيا المعاصر، وأستاذ للتاريخ والشؤون العالمية في جامعة ييل، وفي كلية جاكسون للشؤون العالمية.

الترجمة خاصة لـ«عمان» عن Foreign Affairs

مقالات مشابهة

  • إسطنبول (رويترز) – صرح يوسف جيلان المسؤول الكبير في وزارة الطاقة التركية يوم الثلاثاء بأن تركيا تجري محادثات مع الولايات المتحدة بشأن بناء محطات طاقة نووية كبيرة ومفاعلات نمطية صغيرة. وقال جيلان لرويترز في مؤتمر عن محطات الطاقة النووية “الولايات المتحدة ت
  • اتفاق بين مجموعة ترامب ومطوّر عقاري سعودي لبناء برج شاهق في جدّة
  • اتفاق بين "مجموعة ترامب" ومطور عقاري سعودي لبناء برج شاهق في جدة
  • هل تستفيد أمريكا والصين من كارثة تصاعد العداء الأنجلو-ألماني؟
  • من الحروب التجارية إلى الذكاء الاصطناعي: المنافسة الأمريكية- الصينية
  • محادثات أميركية تركية حول بناء محطات طاقة نووية
  • روسيا ترسل لمصر قطعة نووية جديدة
  • القوة والنفوذ في آسيا: من سيفرض هيمنته؟
  • مصر تعلن وصول ثالث معدة نووية طويلة الأجل لمفاعل الضبعة
  • 1 يوليو 2024.. المملكة العربية السعودية وجهة سياحية رسمية للسياح من جمهورية الصين الشعبية