مع تراجع الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي) في ظل تحول مشهد الطاقة العالمي، بات الاستثمار في سلسلة توريد البطاريات لتخزين طاقة الكهرباء المتجددة ضرورة استراتيجية لدول الخليج العربي من أجل الحفاظ على الرخاء والأمن الوطنيين.

ذلك ما خلص إليه الدكتور يحيى القحطاني، وهو عضو هيئة تدريس وباحث في جامعة هوارد بواشنطن العاصمة، ومتخصص في الطاقة النظيفة ومستقبل صناعة النفط بمنطقة مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم السعودية والإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين.

القحطاني أردف، في تحليل بـ"معهد الشرق الأوسط في واشنطن" (MEI) ترجمه "الخليج الجديد": "تاريخيا، لعبت صناعة النفط والغاز الطبيعي دورا محوريا في الاقتصادات وهياكل السلطة السياسية في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، حيث جنت ثروات من تصدير هذا الوقود الأحفوري، وبالتالي تعزيز نفوذها الدولي".

وتابع: "ومع تحول العالم نحو مستقبل أنظف وأكثر استدامة، تتبنى دول مجلس التعاون الخليجي أيضا هذا التحول العميق، حيث تنتقل من آبار النفط إلى خلايا الطاقة".

و"اليوم، وبسبب التقدم التكنولوجي وحجمه، أصبحت الطاقة الشمسية الوسيلة الأكثر فعالية من حيث التكلفة لإنتاج الكهرباء في أجزاء كثيرة من العالم، متجاوزة الطرق التقليدية، وكذلك تشهد طاقة الرياح انخفاضات كبيرة في التكاليف"، كما زاد القحطاني.

وأضاف: "في الوقت نفسه، تعمل التطورات في تكنولوجيا البطاريات على تغيير قدرتنا على تخزين الطاقة واستخدامها بكفاءة. وقد مهدت هذه التطورات معا الطريق أمام "طفرة البطارية"، حيث توقعت (وكالة) بلومبرج (الأمريكية) زيادة في الطلب العالمي على البطاريات بمقدار عشرة أضعاف بحلول عام 2030، مدفوعة في المقام الأول بسوق السيارات الكهربائية سريعة التوسع".

اقرأ أيضاً

الخليج الأخضر.. هل يقود عمالقة النفط تحول الطاقة في العالم؟

صناعة مزدهرة

و"هذا النمو الوشيك في صناعة البطاريات قدّم مجموعة من الفرص الاقتصادية. ومع ذلك، فإن قطاع البطاريات لا يتعلق فقط بتصنيع الخلايا، فهي سلسلة توريد معقدة، تبدأ من تعدين المواد الخام مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت، مرورا بتصميم وتصنيع خلايا البطاريات إلى إعادة تدوير واستخدام البطاريات المستهلكة"، بحسب القحطاني.

وزاد بأن "دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعتبر تاريخيا من كبار الموردين العالميين للنفط والغاز، اكتسبت نفوذا اقتصاديا وسياسيا كبيرا على مر السنين. ومع إدراكها لحتمية التحول العالمي بعيدا عن الوقود الأحفوري، يتعين عليها أن تنظر إلى صناعة البطاريات المزدهرة باعتبارها محورا استراتيجيا".

وشدد على أن "الاستفادة من رأس مال تلك الدول الكبير ونفوذها الجيوسياسي أمر ضروري كي تنتقل بشكل استباقي في هذا التحول في مجال الطاقة، بدلا من الخضوع له بشكل سلبي".

القحطاني مضى قائلا إن "الاستثمار في سلسلة توريد البطاريات أكثر من مجرد فرصة اقتصادية، فهو خطوة حاسمة لحماية سيادتها السياسية والاقتصادية في المستقبل حيث قد يفقد النفط مركزيته، فهذا التحول ليس مجرد خيار لتلك الدول، بل ضرورة استراتيجية للحفاظ على الرخاء والأمن الوطنيين مع تطور مشهد الطاقة العالمي".

اقرأ أيضاً

ف.تايمز: السعودية تبني مصنعا جديدا لمعالجة الليثيوم لإمداد BMW بالبطاريات

التقنيات الخضراء

وتجسد السعودية، بحسب القحطاني، هذا التحول الجاري بالفعل بين دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتبنى استراتيجيات شاملة تهدف إلى تعزيز اقتصاد أكثر استدامة وتنوعا، وعنصر رئيسي في ذلك هو تطوير قطاع البطاريات المحلي.

وتابع: "كما هو موضح في رؤية 2030 والمبادرات الخضراء في السعودية والشرق الأوسط، تبذل المملكة جهودا متضافرة لتقليل اعتمادها على عائدات النفط وتهدف إلى أن تصبح لاعبا رئيسا في النظام البيئي العالمي للطاقة المتجددة، وهو ما يكمل هدفها المتمثل في زيادة توليد الطاقة من المصادر المتجددة".

و"نتيجة لذلك، تستثمر المملكة أيضا في صناعة البطاريات؛ لأن البطاريات لها دور محوري في تخزين وإدارة هذه الطاقة المتجددة بشكل فعال، مما يجعلها جزءا لا يتجزأ من طموحات البلاد لتصبح رائدة عالميا في التقنيات الخضراء"، كما أردف القحطاني.

وأضاف أن "تقدم صناعة البطاريات في السعودية يوفر أيضا سبلا جديدة للتصدير والاستثمار وخلق فرص العمل، مما يساعد على تنويع اقتصادها بشكل أكبر".

وقال إنه "على الجانب الآخر من الخليج، في الإمارات، تتم تحولات مماثلة على قدم وساق، إذ تهدف المشاريع الطموحة، مثل استراتيجية دبي للتنقل ذاتي القيادة، إلى تحويل 25٪ من إجمالي الرحلات في دبي إلى رحلات تقوم بها المركبات ذاتية القيادة بحلول عام 2030".

وزاد بأنه "بما أن هذه التكنولوجيا تميل إلى الاندماج في المركبات الكهربائية بدلا من المركبات ذات محركات الاحتراق، فمن الطبيعي أن يؤدي الاعتماد على المركبات الكهربائية إلى زيادة الطلب الكبير على البطاريات عالية الأداء".

القحطاني قال إنه "على الرغم من الإمكانات الكبيرة، فإن الرحلة من آبار النفط إلى خلايا الطاقة مليئة بالتحديات، إذ يتطلب توطين صناعة البطاريات استثمارات ضخمة في البنية التحتية ورأس المال البشري والتكنولوجيا".

وأوضح: "مثلا، سوف يتطلب تطوير القوى العاملة الماهرة، وبناء مصانع التصنيع، وتسهيل نقل التكنولوجيا من الشركات العالمية الرائدة، من مئات الملايين إلى المليارات من الدولارات".

كما أن "ضمان سلسلة توريد مستدامة وأخلاقية للمواد الخام للبطاريات، التي يرتبط الكثير منها بقضايا البيئة وحقوق الإنسان، يمثل عقبة أخرى، فمثلا يتطلب تعدين الليثيوم كميات هائلة من المياه، مما يهدد إمدادات المياه المحلية في المناطق القاحلة كالشرق الأوسط، كما أنه تم ربط تعدين الكوبالت بعمالة الأطفال وانتهاكات حقوقية أخرى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أكبر منتج عالمي"، بحسب القحطاني.

اقرأ أيضاً

السعودية وبريطانيا تتفقان على الاستثمار المتبادل في مجال المعادن

المصدر | يحيى القحطاني/ معهد الشرق الأوسط بواشنطن- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية الإمارات الخليج النفط بطاريات كهرباء مجلس التعاون الخلیجی هذا التحول

إقرأ أيضاً:

إعصار هيلين يقطع الكهرباء عن 1.3 مليون منزل في فلوريدا.. ويُغلق مطارات

مقالات مشابهة ما هي أبرز مواعيد مباريات اليوم الجمعة 27 سبتمبر 2024؟

‏30 دقيقة مضت

الهيئة العامة لسكك الحديدية.. توضح قائمة بـ اسعار اشتراكات القطارات

‏46 دقيقة مضت

موعد مباراه الاهلي والزمالك كاس السوبر الأفريقي 2024 والقنوات الناقلة لها

‏51 دقيقة مضت

شركة سوني تكشف رسميًا عن إصدار جهاز ps5 pro بمناسبة الذكرى 30

‏ساعة واحدة مضت

توتال إنرجي تستحوذ على حصة 45% في حقول غاز أميركية

‏ساعة واحدة مضت

البرنامج الموازي الجامعة الهاشمية.. شروط وضوابط جديدة للقبول لعام 2024-2025

‏ساعة واحدة مضت

تسبّب إعصار هيلين في قضاء الملايين من سكان ولاية فلوريدا الأميركية، منذ مساء أمس الخميس 26 سبتمبر/أيلول (2024)، دون كهرباء.

ووفقًا لأحدث بيانات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، انقطعت الكهرباء عن نحو 1.3 مليون منزل، بعد وصول إعصار هيلين إلى الولاية.

وكان أكبر عدد من العملاء تضررًا من انقطاع الكهرباء بسبب الإعصار من نصيب شركة دوك إنرجي (Duke Energy)، إذ ظلّ نحو 308 آلاف و706 عملاء لديها دون كهرباء.

وتبعت شركة فلوريدا باور آند لايت (Florida Power & Light) نظيرتها دوك إنرجي، إذ قُطعت الكهرباء عن 222 ألفًا و516 عميلًا في الولاية، تليها شركة جي إي إيه (JEA) التي قطعت الخدمة عن 131 ألفًا و831 عميلًا، بحسب البيانات الواردة في موقع باور أوتدج الإلكتروني، وهو مشروع مستمر جرى إنشاؤه لتتبع وتسجيل وتجميع حالات انقطاع الكهرباء في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وكانت شركة تراي كانتري إلكتريك (Tri-County Electric Coop) صاحبة أقل عدد من العملاء تأثرًا، إذ قطعت الخدمة عن 20 ألفًا و56 عميلًا، وقبلها في الترتيب شركة سواني فالي إلكتريك (Suwannee Valley Electric Cooperative) التي يوجد لديها 28 ألفًا و848 عميلًا دون كهرباء.

تداعيات الإعصار هيلين

يتجه إعصار هيلين نحو منطقة بانهاندل في ولاية فلوريدا، ما يُنذر باحتمال حدوث عاصفة مدمرة على مساحة كبيرة من الساحل، وفق ما أوردت “رويترز“.

وقال مدير العواصف في شركة دوك إنرجي تود فاونتن، في بيان، إنه من المتوقع أن يتسبّب وصول الإعصار هيلين إلى اليابسة في وقوع أضرار كبيرة للبنية التحتية في منطقتي بانهاندل وبيغ بيند في فلوريدا، ما من شأنه أن يؤدي إلى انقطاعات ممتدة للكهرباء.

إعصار هيلين – الصورة من livescience

وأفاد المركز الوطني الأميركي للأعاصير، أمس الخميس 27 سبتمبر/أيلول، بأن إعصار هيلين اشتد إلى إعصار خطير للغاية من الفئة الرابعة، وهو يقترب من ساحل الخليج الشمالي الشرقي، متوقعًا أن يصل إلى اليابسة في المساء.

وقبيل وصول الإعصار، حذّر حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، السكان من أن أحدًا لم يشهد عاصفة بهذه القوة في هذه المنطقة، في الذاكرة الحديثة.

وصول الإعصار

وصلت سرعة الرياح المصاحبة للإعصار إلى 225 كيلومترًا/ساعة، في حين كان متّجها فوق خليج المكسيك نحو شمال غرب ولاية فلوريدا، وفق متابعة منصة الطاقة المتخصصة.

وقال المركز، إن عين إعصار هيلين دخلت اليابسة في منطقة بيغ بيند عند الساعة (3:10 صباحًا بتوقيت غرينتش)، بحسب بيانات رادار دوبلر التابع لهيئة الأرصاد الجوية الوطنية.

وأضاف المركز الوطني للأعاصير، أن “الجميع على طول ساحل بيغ بيند في ثالث أكبر ولاية أميركية من حيث عدد السكان معرّضون لخطر عاصفة كارثية محتملة”.

وتشعر السلطات بالقلق من خطر ارتفاع مياه البحر التي قد يصل مستواها إلى 6 أمتار على السواحل، إذ غمرت المياه أجزاء من سانت بطرسبرغ ووسط مدينة تامبا وساراسوتا وتريجر آيلاند ومدن أخرى واقعة على الساحل الغربي لولاية فلوريدا.

كما أدت العواصف إلى إغلاق مطاري تامبا وتالاهاسي، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

تأثر إنتاج النفط والغاز

أدت إجراءات مواجهة الإعصار إلى إيقاف 29% من إنتاج النفط في خليج المكسيك الأميركي، بالإضافة إلى 17% من إنتاج الغاز الطبيعي.

وأجلت العديد من شركات النفط، مثل بي بي وشل وإكوينور وشيفرون، موظفيها في منصات النفط البحرية، وأوقفت جزءًا من الإنتاج في خليج المكسيك، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

منصة نفطية بحرية في أميركا – الصورة من سي إن إن

أتت عملية إجلاء الموظفين من 17 منصة إنتاج، تُمثّل 5% من إجمالي 371 منصة في خليج المكسيك.

وأُوقف إنتاج نحو 511 ألف برميل يوميًا من النفط، و313 مليون قدم مكعبة يوميًا من الغاز الطبيعي، منذ يوم الأربعاء 25 سبتمبر/أيلول 2024.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
Source link ذات صلة

مقالات مشابهة

  • البطالة في السعودية تصل إلى 7.1 بالمئة بالربع الثاني من العام الجاري
  • إيران.. عجز الكهرباء يصل إلى 18 ألف ميغاواط خلال 2024
  • السعودية تعلن تشغيل أول مشروع لتخزين الغاز بتقنية الحقن المعالج
  • السعودية.. تشغيل أول مشروع لتخزين الغاز بتقنية الحقن المعالج
  • باحثون يطورون طريقة جديدة لتخزين الطاقة الشمسية
  • “الطاقة”: تشغيل أول مشروع في المملكة لتخزين الغاز الطبيعي عن طريق حقن الغاز المعالج
  • مادة جديدة لتخزين الطاقة بالهواتف والسيارات الكهربائية
  • حصة الطاقة المتجددة في الهند قد ترتفع إلى 35% من مزيج الكهرباء بحلول 2030
  • توقعات مزيج الطاقة العالمي في 2050.. الوقود الأحفوري يسيطر رغم تراجع حصته
  • إعصار هيلين يقطع الكهرباء عن 1.3 مليون منزل في فلوريدا.. ويُغلق مطارات