دُوَل كثيرة حوْلنا تسهم الثقافة لديها فى جزء كبير من الدخل القومى، وقد حبانا الله ببيئات ثقافية متعددة؛ فمن يسمع الفنون فى مطروح يجد أنها تختلف عن النوبة والصعيد والدلتا وسيناء، فكل بيئة لها فنون خاصة بها وحِرَفٌ خاصة أيضا، وهذا يجعل القوة الثقافية الناعمة أكثر تنوعا وإدهاشا، ومن الممكن توظيف الثقافة والحِرف والفنون والآداب فى تثقيف شبابنا وجذب السائحين لزيارة هذه المناطق ومشاهدة هذه الفنون التى تحتاج إلى توثيق وتسويق أيضا، كما أن الحِرف التقليدية متنوعة وتشكل اقتصادا ثقافيا نفتخر به؛ لأنها كنوز يحرص السائحون على شرائها وتحمل عبق المكان وحضارته، وقد استوعبَت تونس الشقيقة هذا الأمر؛ ولذا يعمل ستة ملايين تونسى فى الحرف التقليدية ويسهمون بنسبة عالية فى الناتج القومى، وعن استثمار تركيا الثقافى حدّث ولا حرج.
ولو بدأت كل محافظة عندنا بإنشاء قرية للحِرف ومنحت هؤلاء الموهوبين مكانا يحوى موادهم البيئية مع إعطائهم إعفاءً من الضرائب لمدة خمس سنوات على الأقل وأشرفَت وزارتا الثقافة والاقتصاد على هذه البيئات الحاضنة وعمِلتا على تسويق منتجاتهم وتصديرها للخارج فسوف تدرُّ دخلا لذوى الحرف التقليدية وعملةً صعبة للبلد، وأسهمت بتقليل عدد العاطلين ولاسيما من الشباب والنساء؛ لأن حرفا كثيرة تتقنها النساء، وكما أن المحافظة على هذه الجماليات القديمة بالحِرف ليست ترفا بل هى واجب وطنى وقد ورثناها عن أجدادنا وحقّ أولادنا وأحفادنا أن ننقلها لهم، ولو وفّرنا بيئة حاضنة لهؤلاء المَهَرة فسوف نجد أفكارا بنَّاءة تدرّ دخلا كبيرا، وتنقل الخبرة للأجيال؛ فلْتبدأ المحافظات بتوفير هذه البيئة حتى تصل أعمالهم إلى العالم، ولدينا أمثلة كثيرة، فخَزَف قرية جراجوس ماركة عالمية، ومنسوجات نقادة تتزيّا بها جميلات العالم وخشبيات السرسوع بقرية حجازة مطلوبة عالميا، وقصور الثقافة المتخصصة تستطيع توفير احتياجات السوق، ولا يمكن أن نقبل أن نستورد من الصين المسابح ومساند المصاحف وعُلَبها الخشبية ومُجسّمات الأهرام و«أبوالهول» ونفرتيتى وكليوباترا وتوت عنخ آمون وفوانيس رمضان! كم يكلّف هذا من الدولارات؟ نحن فى حَوْج لها، وشبابنا يستطيع أن ينتج أفضل منها وأرخص؛ فلْنبدأ اليوم وليس غدا.
مختتم الكلام
قال المتنبي:
ولَمْ أَرَ فى عُيوبِ الناسِ شَيئًا/ كَنَقصِِ القادِرينَ عَلى التَمامِ
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدخل القومي
إقرأ أيضاً:
"فن تصميم الكتاب" يدعو للعودة إلى القراءة التقليدية في معرض جدة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
اختُتمت ورشة العمل "فن تصميم الكتاب: جمالية الشكل وسحر المحتوى"، التي عُقدت ضمن فعاليات معرض جدة للكتاب 2024 بتنظيم من هيئة الأدب والنشر والترجمة، بتوصية محورية تدعو للعودة إلى القراءة التقليدية للكتب الورقية ومعايشتها بعيداً عن هيمنة الأجهزة الحديثة.
وأكَّد كميل حوا، متحدث الورشة، أن الكتاب الورقي، بما يحمله من جمالية في الشكل وثراء في المحتوى، يظل الوسيلة الأكثر تأثيراً في نقل الأفكار. واستشهد بقول مصطفى العقاد: "أحب الكتاب، ليس لكوني زاهداً في الحياة، ولكن لأن حياة واحدة لا تكفيني".
وأضاف حوا أن الكتاب القيم لديه القدرة على إحداث تحولات عميقة في حياة القارئ، حيث يعود الشخص بعد قراءة كتاب ذي مضمون عميق برؤية مختلفة للعالم. وأشار إلى أن الكتاب الجيد، الذي يُكتب بعناية مرة واحدة، يبقى ثروة خالدة وقيمة لا تفنى، فهو عنصر أساسي في بناء الحضارات وإلهام الأفراد وصناعة المؤلفين.
وفي معرض حديثه عن القيمة الحضارية للكتاب، أوضح حوا أن الكتب كانت دائماً هدفاً رئيسيّاً للغزاة، حيث يرمز تدمير المكتبات إلى محاولة طمس حضارة الشعوب، مثل ما حدث لمكتبة بيت الحكمة في بغداد حين ألقى المغول كتبها في نهر دجلة.
ولم يُغفل حوا الإشارة إلى التحديات التي تواجه القراءة التقليدية في ظل انتشار الأجهزة الحديثة، مشيراً إلى أن قراءة النصوص عبر الشاشات تُضعف التفاعل مع المحتوى مقارنة بالقراءة الورقية، وهو ما أثبتته الدراسات التي تؤكد تفوق الكتاب التقليدي في تعزيز الإدراك والتأثير على القارئ.
كما أشاد حوا بالحراك الثقافي الذي تشهده المملكة العربية السعودية، داعياً إلى زيادة إنتاج الكتب في مختلف المجالات لتعزيز المشهد الأدبي والثقافي ودعم حركة النشر والتوسع.
يُذكر أن معرض جدة للكتاب 2024 يفتح أبوابه يومياً للزوار من الساعة 11 صباحاً حتى 12 منتصف الليل، باستثناء يوم الجمعة حيث تبدأ الزيارة من الساعة 2 ظهراً، ويستمر المعرض حتى 21 ديسمبر الجاري.