هل ينجح الحوثيون في طمس ثورة 26 سبتمبر من ذاكرة اليمنيين؟.. تقرير
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
تقوم جماعة الحوثي الانقلابية بجهود حثيثة لطمس ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 من الوعي الجمعي لليمنيين، فالجماعة التي انقلبت على الدولة في 21 سبتمبر 2014، عملت جاهدة، منذ انقلابها، على الغاء ذكرى ثورة سبتمبر 1962التي أطاحت النظام الإمامي وأعلنت قيام النظام الجمهوري.
الجماعة وعقب انقلابها في 2014، قامت بإلغاء أهداف الثورة من الصفحة الأولى لصحيفة الثورة الرسمية واستبدلتها بمقولات لقيادات حوثية.
ألغت الجماعة أخيراً الاحتفال بذكرى الثورة ضمن التقويم الدراسي المعتمد، واستبدلتها بمناسبات طائفية
إلغاء الاحتفال بذكرى ثورة سبتمبر
تمادي الجماعة بعدائها لثورة 26 سبتمبر جعلها أخيراً تلغي الاحتفال بذكرى الثورة ضمن التقويم الدراسي المعتمد، واستبدلتها بمناسبات طائفية باعتبارها مناسبات وطنية، مثل "الذكرى السنوية للشهيد" و"ذكرى استشهاد حسين الحوثي" و"يوم القدس العالمي" و"ذكرى الصرخة" و"يوم الصمود" و"ذكرى استشهاد الصماد" و"ذكرى رحيل بدر الدين الحوثي".
ونقل موقع"العربي الجديد"عن الكاتب صدام ابو عاصم قولة بإن طبيعة وسلوك أي مليشيا هو العمل من أجل أجندتها الخاصة، وهي تنتهج كل السلوكيات للوصول إلى هدفها.
وأضاف: "الجميع يدرك أن لجماعة الحوثي مقاصد نابعة من وهم السلالة، وفي حين أن أهم هدف لثورة سبتمبر 1962 كان إلغاء هذه الفوارق، كان متوقعاً أن تقوم الجماعة بسلوك كهذا عبر إلغاء المناسبات الوطنية،وفرض بقوة السلاح مناسبات دينية أخرى تهمها فقط".
وتابع: "هذا التصرف هو من صميم عمل المليشيا الخارجة على الدولة، والمؤسف هو العمل على غسل أدمغة الأجيال القادمة، إذ يجرى العبث بالمناهج الدراسية، وتنشئة جيل جديد يعادي الجمهورية والمدنية وكل قيم التسامح والديمقراطية والسلام".
وأكد أبو عاصم أنه لا يمكن أن تتوقف هذه التصرفات الحوثية إلا بإزالة هذه الجماعة من سدة الحكم في شمال اليمن، مضيفاً: "كيفية وتوقيت ذلك مرتبطان بنوايا الأطراف التي تقف في الضفة الأخرى لجماعة الحوثي، فحين تصبح الحكومة الشرعية والتحالف العربي ومعهم الأمم المتحدة جاهزة لوقف هذا العبث، وإيجاد حل وتسوية للأزمة في اليمن، بإمكاننا حينها الحديث عن حل يوقف العبث الآخر في جوانب الحياة الأخرى، في الأمن والصحة والغذاء والتعليم".
تغيير أسماء مدارس ومنشآت يمنية
وعمل الحوثيون على تغيير أسماء المنشآت والمدارس التي تحمل أسماء مناسبات وطنية، أو شخصيات وطنية وتاريخية، واستبدالها بأسماء قيادات الجماعة وأسماء طائفية لها علاقة بفكر ومنهج الجماعة.
على سبيل المثال، جرى تغيير اسم ميدان السبعين إلى ميدان الصماد (نسبة لصالح الصماد القيادي في الحركة والذي شغل منصب رئيس المجلس السياسي وقُتل بغارة جوية للتحالف العربي في إبريل/نيسان 2018).
وفي صنعاء أيضاً، استبدل الحوثيون اسم مستشفى 7 يوليو إلى مستشفى الشهيد الملصي (نسبة لحسن الملصي القيادي في مليشيا الحوثي الذي قتل في عام 2016 على الحدود السعودية اليمنية).
وفي مديرية بلاد الروس التابعة لمحافظة صنعاء، جرى تغيير اسم "مدرسة الشهيد علي عبد المغني"، قائد الضباط الأحرار ومهندس ثورة 26 سبتمبر، إلى "مدرسة الحسن بن علي".
وفي محافظة صنعاء أيضاً، جرى تغيير اسم "مدرسة خالد بن الوليد" إلى "مدرسة الإمام الهادي"، وتغيير اسم "مدرسة الفاروق" إلى اسم "مدرسة الإمام زيد بن علي"، و"مدرسة بابل" إلى "مدرسة 21 سبتمبر".
وكشفت وثيقة صادرة عن علي عبدالله القطيب، مدير مكتب التربية والتعليم في محافظة حجة، شمالي اليمن، توجيهاً بتغيير أسماء عدد من المدارس الحكومية، إذ جرى تغيير اسم "مدرسة النور الأساسية" إلى "مدرسة الصماد"، و"مدرسة الفلاح" إلى "مدرسة الإمام الحسن بن علي"، و"مدرسة 7 يوليو" إلى "مدرسة علي بن أبي طالب"، و"مدرسة الشهيد الخادم الوجيه" إلى "مدرسة الإمام الحسين بن علي"، و"مدرسة الوحدة بالغرابي" إلى اسم أحد قتلى الجماعة المدعو أبو عمار القادمي. كما جرى تغيير اسم "مدرسة الوحدة" في عبس إلى "مدرسة الملصي"، وتغيير ملحق "مدرسة النور" إلى "مدرسة النصر".
كما كشفت وثيقة صادرة عن مكتب التربية والتعليم بمديرية الشاهل في محافظة حجة، عن تغيير أسماء 12 مدرسة واستبدالها بأسماء مثل "الشهيد الصمام"، "الإمام الهادي"، "الإمام زيد بن علي"، "مالك الأشتر"، "الشهيد ابو تراب"، "21 سبتمبر"، "الإمام الحسن بن علي"، "السيدة زينب بنت علي"، "الشهيد القائد"، "آمنة بنت وهب"، "بلال بن رباح"، "الشهيد القاضي أحمد الجرب".
الكاتب همدان العلي قال لـ"العربي الجديد" إن من الطبيعي أن تقوم جماعة الحوثي بحذف ذكرى ثورة 26 سبتمبر من قائمة الأعياد الوطنية وإضافة ما يخصها من أيام طائفية وعرقية، لأن هذه الجماعة أصلاً في مضمونها وجوهر فكرها تعادي ثورة 26 سبتمبر.
من جهته، قال الصحافي مصطفى غليس، إن "اليمنيين يرفضون هذا التوجّه الحوثي، ويمكننا ملاحظة ذلك في ما ينشره سكان مناطق سيطرة الحوثي على مواقع التواصل الاجتماعي من آراء واعتراضات على خطوة كهذه واستهجانها".
وتابع: "كما يمكننا قراءة ذلك الرفض علناً وبطريقة غير مباشرة في تفاصيل المناسبات الاجتماعية كحفلات الزواج، أو التخرج، التي باتت تُفتتح دائماً بالسلام الجمهوري، وفي الخلفية تظهر صورة الطير الجمهوري وهو الشعار الرسمي للجمهورية اليمنية، وبالمثل، نجد اللغة اليمنية القديمة وقد أردفت بالعربية على حوائط وأعمدة قاعات الاحتفالات، وهذه ظاهرة جديدة لم تكن موجودة قبل احتلال مليشيا الحوثي لصنعاء وسيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد".
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: ثورة 26 سبتمبر مدرسة الإمام ثورة سبتمبر بن علی
إقرأ أيضاً:
الأدب يهزم القُبح.. ويبقى ذاكرة للحروب (2)
الصادق أحمد عبيدة / باريس
———————————-
تحت هذا العنوان تناولتُ في الأيام الماضية فوز الكاتب كمال داؤود بجائزة (الغونكور) الأدبية الفرنسية كأول كاتب جزائري يفوز بها، عن روايته "الحوريات" التي إستدعى فيها فظائع الحرب الأهلية في الجزائر.
هيمنت ثيمة الحروب وقبحها على المشهد الأدبي كأروع ما كُتِب هذا العام! ووصلت رواية "جَاكَراندا" Jacaranda للكاتب الرواندي الفرنسي Gaël FAYE غاييل فآي إلى القائمة القصيرة (للغونكور) منافِسةً "لحوريات" داؤود. ثم تُوِّجت بعد ذلك رواية "جاكَراندا" بجائزة (رونودو) Renaudot التي لا تقل ألَقاً ولا بريقاً من سابقتها. وقد إستدعى فيها الكاتب واحدةً من أقبح حروب القرن.. وهي مذبحة التوتسي في رواندا في 1994.
• فاي :
ولد غاييل فاي عام 1982 في بوجومبورا عاصمة بورندي حيث نزحت والدته من رواندا عقب حملة التطهير العرقي الأولى ضد قبيلتها التوتسي، ووالده فرنسي الجنسية.
عندما إندلعت الحرب الأهلية في بورندي في عام 1993، وتصاعدت وتيرة المذابح ضد قبيلة التوتسي في رواندا عام 1994، كان الصبي غايبل آنئذٍ في الثالثة عشر من عمره. فتم تسجيل إسمه في قائمة الفرنسيين المرشحين إلى الإجلاء إلى فرنسا فراراً من الحرب. وصل الصبي إلى فرنسا ومعه أخته الصغيرة ، وتم إيداعهما، بواسطة مؤسسة رعاية الطفولة، في كَنف أسرةٍ حاضنة إلى أن التأم شملهما مع والدتهما التي إستقرت بهما في ضاحية فيرساي Versailles، حيث عاش الجزء الثاني من شبابه ، ودرس المرحلة الثانوية. ساعدته موهبته وإهتمامه بالموسيقى على تخطي آلام الغربة وفَقْد الأحبة ومرتع الصِبا.
واصل تعليمه العالي حتى نال درجة الماجستير في دراسات التأمين في المدرسة الوطنية للتأمينات. وعمل بعد ذلك في كبرى الشركات في لندن، ثم إستقال من منصبه ليتفرغ للكتابة والتأليف الموسيقي.
أصدر في العام 2016، روايته الأولى Petit Pays "بلدٌ صغير" إستدعى فيها أحداث الحرب الأهلية في رواندا، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي صدر في 2020 بنفس الإسم، و قد ساهم هو في كتابة سيناريو الفيلم..يمكن مشاهدة الفيلم الآن عبر منصة النيتفيليكس.
• جاكَراندا :
تتناول الرواية، الصادرة عن دار "غراسيه"، قصة حياة الصبي "ميلان" وهو فرنسي من جهة الأب، رواندي من جهة الأم، نشأ في مدينة فيرساي ، يكتشف عبر التلفزيون مأساة التطهير العرقي في رواندا عام 1994، وتهيمن على عقله قصص ذلك البلد الصغير، وتلِحُ عليه
الأسئلة، ويقرر البحث عن حقيقة ماجرى لأسرة والدته هناك..لكن أمه التي تنتمي إلى قبيلة التوتسي ، كانت تتهرب طوال سنوات من الإجابة على هذا السؤال إذ أنها دفنت تلك الأحداث في أعماقٍ سحيقةٍ من سراديبِ الذاكرة ، و كغيرها من ضحايا الحروب، ضربت علي نفسها جداراً سميكاً من الصمت .
وخلال 25 عام قام ميلان بالبحث عن ما جرى ، وذلك من خلال رحلاته المتعددة إلى رواندا وإستنطاقه للشجر، والحجر، والطير، حتى الأموات وما تبقى من الأحياء المكفنين بالصمت..
أراد الكاتب من خلال رواية الجاكراندا أن يحكي لهذا الجيل قصة هذا (البلد الصغير) الذي عاش أسوأ الظروف ، وأبشع الفظائع، ومع ذلك استطاع أن يحقق التصالح والوحدة، وينهض من رماده، ويتكاتف أبناؤه ليصبح بعد ثلاثين عاماً بالتمام والكمال (1994-2024) واحداً من أكثر الدول الحديثة إزدهاراً وتقدماً..
إذن هي قصة نهضة رواندا وإزدهارها خلال ربع القرن الذي مضى حيث بلغت نسبة النمو فيها أكثر من 7 في المائة .
وقد فسر الكاتب إختياره لإسم شجرة (جاكراندا) عنوانا لروايته، بأنها الكلمة الفرنسية المحببة لنفسه، ولأنها الشجرة التي تحمل كثيراً من الأسرار وترمز إلى رواندا التي تحمل سر البقاء ، حيث تمر السنوات ولكنها تبقى شاهدة على كل ما مرت به من أحداث .
- الحروب :
وهكذا، مرة أخرى ، في عالم اليوم الذي انطمست فيه الحدود الفاصلة ما بين الحروب الإفتراضية عبر لعبة البليستيشن، والدمار الحقيقي الذي نعيشه أصبح التعايش مع القبح روتيناً يومياً أو كاد.. وهنا تأتي عبقرية الأدب الذي يقبض على هذه اللحظات الهاربة مع الزمن ليبقيها ذاكرةً "إبداعية" للأجيال.
elsadiq007@gmail.com