آن الأوان لإيجاد طريقة أفضل للوصول إلى المناصب القيادية
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
عشية المناظرة الأولى للسباق الرئاسي لعام 2024، بلغت الثقة في الحكومة المريكية أدنى مستوياتها التاريخية. وعلى الرغم من أن المسؤولين يبذلون جهوداً حثيثة لحماية الانتخابات من المخالفات، والتأكيد على نزاهتها، إلا أننا إذا أردنا أن تتسم المناصب العامة بالنزاهة، فقد يكون من الأفضل إلغاء نظام الانتخابات بالكليّة.
إن كنت تظن أن هذا يبدو مخالفًا للديمقراطية، ففكر مرة أخرى. لقد اخترع اليونانيون القدماء الديمقراطية، وفي (أثينا) اختير العديد من المسؤولين الحكوميين بالقرعة بين مجموعة من المرشحين. وفي الولايات المتحدة، نستخدم بالفعل نسخة من نظام القرعة لاختيار أعضاء لجنة المُحَلّفين. ماذا لو طبقنا الشيء نفسه في اختيار رؤساء البلديات وحكام الولايات والمشرعين والقضاة وحتى رؤساء الدولة؟
قد تظنّ أن المسؤول الذين يُنتقى عشوائيًا أقلُّ كفاءة من ذلك الذي يُختار بشكل تقليدي. لكن تجارب متعددة أجراها عالم النفس (ألكسندر هاسلام)، أثبتت عكس ما تظن. في الواقع، كانت القرارات أكثر حكمة عندما اختير القادة بشكل عشوائي بمقابل أولئك الذين انتخبهم مجموعة من الناس أو اختيروا على أسس المهارات القيادية.
لماذا كان القادة الذين انتقوا عشوائيا أكثر كفاءة؟ لأن قيادتهم كانت أكثر ديمقراطية من الآخرين. يشير الدكتور (هاسلام) وزملاؤه إلى أن "القادة الذين اختيروا بشكل تقليدي قد لا يحققون أهداف المجموعة"، لأن لديهم ميلا إلى "تأكيد تفوقهم الشخصي"، فعندما يختارك الناخبون، فقد يتبادر إلى ذهنك بسرعة: أنا الشخص المختار.
أما عندما تعلم أنك قد اخترت عشوائيًا، فلن تكون لديك تلك النزعة الفوقية التي تفسد قيادتك. بل ستشعر بإحساس متزايد بالمسؤولية، ولسان حالك يقول: لم أفعل شيئًا لأصل إلى هذا المنصب، لذا أحتاج إلى إثبات وجودي من خلال تمثيل المجموعة تمثيلا جيدًا. وفي إحدى تجارب (هاسلام)، عندما اختير القائد عشوائيًا، كان الأعضاء أكثر ميلًا للوقوف إلى جانب قرارات المجموعة التي يقودها.
خلال العام الماضي، طرحت فكرة القرعة مع عدد من الأعضاء الحاليين في الكونغرس، الذين كان همهم الأول هو الكفاءة، وهم يتساءلون: كيف يمكننا ضمان أن المواطنين الذين اختيروا عشوائيا قادرون على القيادة؟
في أثينا القديمة، كان للناس خيار بالمشاركة في القرعة من عدمها، كما كان عليهم أيضًا اجتياز اختبار لتحديد مقدرتهم على ممارسة الحقوق والواجبات العامة. في أمريكا، تخيل أن أي شخص يريد دخول حمام السباحة يجب عليه اجتياز اختبار التربية المدنية، وهو نفس المعيار الذي يخضع له المهاجرون الذين يتقدمون بطلبات للحصول على الجنسية. لا تدري، فربما بهذا النظام نحصل على قادة يفهمون الدستور.
ومن إيجابيات نظام القرعة أيضًا أنه يحسن احتمالات تجنب أسوأ المرشحين من البداية. عندما يتعلق الأمر بسمات الشخصية القيادية، فإن المسؤولين المنتخبين لدينا لا يتصفون بها جيدا. وأود هنا أن أشير إلى عبارة (ويليام إف باكلي الابن) التي تقول: أفضل أن يحكمني أول 535 شخصًا في دليل الهاتف، ذلك أن الأشخاص الأكثر انجذابًا إلى السلطة هم عادةً الأقل قدرة على إدارتها.
إن أخطر سمات القائد هي ما يسميه علماء النفس بالثالوث المظلم من سمات الشخصية: النرجسية والميكافيلية والاعتلال النفسي، وهي سمات يجمعها عامل واحد وهو الرغبة في استغلال الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية. إن الأشخاص أصحاب سمات الثالوث المظلم يطمحون أكثر من غيرهم فالوصول إلى المناصب السياسية، فهم ينجذبون إلى السلطة لأجل السلطة، لكننا كثيرا ما نقع تحت دعاياتهم كما حصل مع جورج سانتوس. (سياسي أمريكي اشتهر بالكذب).
في دراسة أجريت على الانتخابات في جميع أنحاء العالم، كان أداء المرشحين الذين صنفهم المختصون أنهم يعانون من درجات عالية من الاعتلال النفسي أفضل في صناديق الاقتراع. في الولايات المتحدة، كان الرؤساء الذين وصفوا أنهم ذوو ميول سيكوباتية ونرجسية أكثر إقناعًا للجمهور من أقرانهم. أحد التفسيرات الشائعة هو أن هؤلاء يملكون جرأة وثقة ومظهرا خارجيا جاذبا يجعلهم يسيطرون على عقول الناخبين الذين يخلطون بين الثقة بالنفس والكفاءة للمنصب. للأسف، فإن هذه الفكرة تبدأ في المراحل العمرية الأولى، فالأطفال الذين يظهرون سمات الشخصية النرجسية يحصلون على فرصة أكبر للترشح إلى المناصب القيادية، ويدّعون أنهم الأفضل للقيادة، وهم ليسوا كذلك.
إذا فاز الثالوث المظلم في الانتخابات، فسنخسر جميعا. عندما قام علماء النفس بتقييم أول 42 رئيسًا أمريكيًا، كان النرجسيون أكثر من دخل في مغامرات ذات عواقب وخيمة، واتخذ قرارات غير أخلاقية، وتعرض للعزل. أضف لمسة من المكيافيلية وقليلًا من الاعتلال النفسي، وستحصل على عدد من الرؤساء المستبدين حول العالم.
إذا استبعدنا نظام التصويت، فسيقل احتمال ترشح أصحاب سمات الثالوث المظلم، وبالتالي سيقل احتمال وصولهم إلى المناصب العليا. وبطبيعة الحال، هناك أيضًا خطر أن يحرمنا نظام القرعة من فرصة اختيار قائد يتمتع بمهارات مميزة، ولكنها مخاطرة أنا على استعداد لخوضها في هذه الأوضاع التي نمر بها، وعلى الرغم من أن أمريكا كانت محظوظة باعتلاء الرئيس لينكولن رأس السلطة، فالأهم لدينا أن نمنع ترشح شخصيات سيئة بدلاً من المخاطرة على أمل العثور على الأفضل، فدفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
علاوة على ذلك، لو كان الرئيس (لينكولن) على قيد الحياة الآن، فمن الصعب تصور أنه كان سيدخل المنافسة لأننا في دولة مليئة بالانقسام والسخرية، إذ تشير الأدلة إلى أن أعضاء الكونجرس يكافأون بشكل متزايد على فظاظتهم، وهم يعرفون ذلك جيدا.
من شأن نظام القرعة أن يمنح فرصة عادلة للأشخاص الذين لا يملكون صفات مثل الذكورة أو طول قامة كافٍ للفوز. كما أنه سيفتح الباب أمام الأشخاص الذين ليست لديهم علاقات أو ليسوا بذلك الثراء الذي يؤهلهم للترشح، فنظام تمويل الحملات الانتخابية لدينا يسمح للأثرياء وأصحاب النفوذ بشراء مسارهم في المنافسات بينما يمنع الأشخاص الذين لا يملكون المال أو النفوذ من الترشح، بالرغم من أن هؤلاء قد يكونون مرشحين أفضل، إذ تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين نشأوا في أسر منخفضة الدخل يميلون إلى أن يكونوا قادة أكثر كفاءة وأقل احتمالية أن يغشوا، لأنهم أقل عرضة للنرجسية والشعور بالاستحقاق التي يشعر بها أصحاب الدخل المرتفع.
التحول إلى نظام القرعة سيوفر الكثير من المال أيضًا، إذ تبلغ تكلفة انتخابات 2020 وحدها ما يزيد عن 14 مليار دولار، وفي حالة عدم وجود حملات انتخابية، فلن يكون هناك منافع شخصية يحصل عليها المترشحون.
وأخيراً، فإن عدم وجود نظام التصويت يعني أيضاً عدم وجود تلاعب بالدوائر الانتخابية وعدم وجود هيئة انتخابية يمكن الاعتراض عليها، وبدلاً من التحقيق في ما إذا كانت الملايين من بطاقات الاقتراع قد أحصيت بدقة أم لا، يمكننا مشاهدة القرعة مباشرة، كما يحدث مع قرعة فرق الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين.
في دول أخرى، هناك أمل بدأ باستعمال نظام القرعة، فقبل عقدين من الزمن، بدأت المقاطعات الكندية والحكومة الهولندية إنشاء مجموعات من المواطنين عن طريق القرعة مهمتها تقديم أفكار لتحسين الديمقراطية في البلاد، وفي الأعوام القليلة الماضية، أجرت الحكومات الفرنسية والبريطانية والألمانية عمليات قرعة لاختيار مواطنين للعمل على وضع سياسات تغير المناخ. وقد جربت آيرلندا نموذجاً هجيناً، فجمعت 33 سياسياً و66 مواطناً اختيروا عشوائياً لحضور مؤتمرها الدستوري في عام 2012. وفي بوليفيا، تعمل مؤسسة (الديمقراطية الواقعيّة) غير الربحية في المدارس لاستبدال انتخابات مجالس الطلاب بالقرعة عن طريق الترحيب بمجموعة واسعة من الطلاب لتولي زمام القيادة ولحل المشكلات الحقيقية في مدارسهم ومجتمعاتهم بدلاً من الاعتماد على المرشحين المعتادين.
تستعد الولايات المتحدة للاحتفال ببلوغ 250 عاماً من عمرها، ولذلك فربما يكون الوقت قد حان لإعادة التفكير وتجديد الطريقة التي نختار بها من يتربعون على كرسي المسؤولية. إن شريان حياة الديمقراطية هو المشاركة الشعبية النشطة، إذ لا يوجد شيء أكثر ديمقراطية من منح كل مواطن فرصة متساوية للحصول على منصب قيادي.
* د. آدم غرانت، كاتب رأي مساهم، وهو عالم نفس في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، ومؤلف كتاب "فكر مرة أخرى" ومضيف بودكاست تيد "إعادة: التفكير".
** خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلى المناصب إلى أن
إقرأ أيضاً:
عاصم الجزار: الحزب الجديد يسعى لإيجاد أرضية مشتركة تجمع كل التوجهات لمواجهة التحديات الراهنة
أكد الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان السابق، أنه على مدار أسبوعين تم عقد سلسلة من اللقاءات تحت عنوان «نلتقي.. نتحاور.. نتشارك.. من أجل مصر»، مع عدد من رموز النخب السياسية والوطنية والعلمية والاقتصادية وأيضا رموز القبائل وكبار العائلات المصرية والكوادر السياسية الشبابية الوطنية، وكذلك رموز الفن والثقافة والإعلام، بهدف الاستماع إلى مختلف الرؤى والأفكار والتوافق حول أولويات العمل الوطني والمصالح الأساسية والعليا للشعب المصري.
وأضاف «الجزار»، أنه جار حاليا الانتهاء من الأعمال التحضيرية للتوافق حول أعضاء الهيئة التأسيسية وإعداد الرؤى والأهداف لحزب سياسي يهدف إلى إثراء الحياة الحزبية بمنظور جديد وأكثر فاعلية قوامه التنوع في الأفكار والتوجهات، وهو الأساس الذي تقوم عليه الجمهورية الجديدة.
كما أكد الدكتور عاصم الجزار أن الحزب الجديد يسعى لإيجاد أرضية مشتركة تجمع كل التوجهات والأطياف لمواجهة التحديات الراهنة وإعلاء المصلحة العليا للوطن، وسيكون بيتا للخبرة من خلال ضمه لمجموعة متميزة من الخبراء والمتخصصين في كافة المجالات والقضايا.
كما أن الحزب يسعى للانخراط في المجتمع والوصول لكل مصري في مختلف المحافظات حتى يتسنى له التعبير عن آراء وطموحات ومتطلبات كل مواطن على أرض مصر.
وأوضح وزير الإسكان السابق أن الحزب الجديد يؤسس رؤيته على نهج متوازن يحتفظ فيه بمسافة واحدة بين الموالاة والمعارضة، ويكون صوت العقل والحكمة الذي يحقق المصلحة العليا للوطن، وكذلك الاستناد على نهج يقوم على واقعية الطرح والصدق في الوعود.
كما أشار الدكتور عاصم الجزار إلى أن حالة الرضا الشعبي عن الحياة السياسية وخصوصا الحزبية بمصر ليست كما يجب أن تكون، وتحتاج إلى جهد سياسي كبير حتى تحقق طموحات ومصالح المواطنين وزيادة المشاركة الفاعلة، وهو ما يسعى الحزب الجديد لتحقيقه تفعيلا للمادة الخامسة من الدستور التي جاء بها أن النظام السياسي يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية.