هل نعتبر من يضارب بأسهمه مستثمراً في الأعمال العالية المخاطر شجاعاً أم متهوراً؟ وهل يتحدد مصير استثماراته على أساس مهارته أم أن الحظ هو اللاعب الأهم في ذلك؟ وبالنسبة لعالم فلك مهتم باستقبال موجات فضائية لدراستها، هل ما يستقبله مجرد تشويش أم أنها إشارة ذات معنى؟ يقتضي تفكيرنا قصة تكون أساساً لكل إجابة على هذه الأسئلة، إنها السردية التي تسبق البيانات، تستقبل أدمغتنا في كل لحظة كمية مهولة من المعلومات من البيئة المحيطة بنا من خلال الحواس، وحيث أن تلك المعلومات تكون منفصلة عن بعضها فإن أدمغتنا تحولها إلى قصة متسقة تساعدنا على تنظيم وتفسير البيانات ومن ثم إضفاء معنى عليها، وفي مسعاها لذلك تكون معرضة للخلط بين الفوضى والمعنى، بين الأنماط التي لا توجد إلا في تفسيراتنا للواقع وبين الأنماط الموضوعية التي يمكن إثباتها تجريبياً.
القصص ممتعة، ولكن المتعة وحدها لا تفسر توق أدمغتنا للقصص، ولذا بحث العلماء في أهميتها من الجانب البيولوجي التطوري ليخلصوا إلى أنها كانت أساساً لإنشاء الروابط الاجتماعية، ومنذ فجر التاريخ قامت المجتمعات الغابرة على الفهم المشترك لغاية الوجود من خلال سردية متفق عليها، تختلف من مجتمع لآخر، لكنها تتجلى لجميع أفراد مجتمع ما صحيحة كصحة نور الشمس إنما في عقولهم وحسب، وهي مبعث لاستقرار المجتمعات وثباتها، أما على مستوى التفكير فهي تساعد على تشكيل الذاكرة البيئية للإنسان، فكم سيكون مرهقاً إذا فهم الإنسان وتذكر كل مكون من مكونات بيئته على نحو منفصل، ولذا فإن سردية واحدة يمكنها أن تغرس في عقله تفاصيل جمة عما يحيط به من موارد ومواقع ومخاطر، ما يمكّنه من البقاء، وهناك ما هو أكثر تعقيداً من مكونات البيئة واستغلالها وأكثر عمقاً، أي الثقافة التي تعطي الفرد هويته بكل ما تحويه من معتقدات وطقوس وأخلاق وعناصر مادية، وليتأتى تمرير الهوية الثقافية إلى الأجيال التالية تبرز الحاجة إلى السردية، لتغدو الوعاء الضامن لها.
لكن التوق إلى القصص وطريقة اعتماد الدماغ عليها تجعل وجودها مقدم على موضوعيتها أو قدر توافقها مع الواقع أو صحة ما يدعمها من أدلة، ولذا يقع البشر في مغالطة "السردية" التي طرحها عالم الإحصاء نسيم طالب في معرض سعيه لتأسيس متانة إحصائية للتعامل مع الأحداث بعيدة الاحتمال، تشير هذه المغالطة إلى نزعة التفكير البشري إلى تفسير المعلومات بجعلها عناصر من قصة أكبر أو نمط سبق معرفته، وهي مغالطة لأنها تمنح تأكيداً للمعتقدات وتدفع إلى الاسترشاد بما هو متوفر أصلاً من معلومات، وهي قصة أيضاً، فهي تتضمن أحداثاً متسلسلة تحدث في زمن معين، وفي هذا لا يميز العقل بين سردية خيالية روائية أو أي حدث سياسي أو عسكري أو اقتصادي يحدث فعلياً في الحاضر أو حدث في التاريخ، وما أبسط أن يفهم طالب في مقتبل عمره أسباب حدث تاريخي محوري بالغ التعقيد كالحرب العالمية الثانية، أو حدث اقتصادي مؤثر كالركود الاقتصادي العالمي، لمجرد أن السردية التاريخية المتوفرة والتي اكتسبها من التعليم تفسر له الحدث من خلال أسباب يظن أنها وحدها العلة الفعلية للحدث، بينما لا تتعدى تلك التفسيرات أن تكون جزءاً من مشهد أكثر تعقيداً لعوامل أكثر عشوائية مما يدركه إنسان يحلل الأحداث بعد وقوعها بفترة.
وخير مثال على مغالطة السردية، هي قصص النجاح الباهرة والتي تروى لتصبح كتباً هي الأكثر مبيعاً، وأساطير تحكى في بيئة الأعمال والشركات، ومن تلك السرديات الشائعة قصة تأسيس شركة جوجل وهي القصة التي استشهد بها دانيل كينمان في معرض حديثه عن "وهم الفهم"، فالسردية تتحدث عن شابين متوقدي الذكاء يتخليان عن مواصلة الدراسات العليا في جامعة ستانفورد ليتفرغا لتأسيس شركة تقنية تعتمد على خوارزمية بحث متفوقة ابتكراها، ومن ثم تتواصل السردية من نجاح إلى آخر لتصل إلى ما عليه الشركة الآن بقيمة سوقية تتجاوز تريليون و600 مليار دولار، لكن بمجرد أن تعرف أن المؤسسين سبق وأن عرضا الشركة للبيع بعد سنة وحسب من تأسيسها وبأقل من مليون دولار، وأن الحظ حالفهما إذ رفض المشتري الصفقة بحجة ارتفاع السعر، يمكنك حينها فهم نوعية الأحداث التي لا تذكر في السرديات حتى لا تفقد بريقها الساحر، فالغاية من السردية تمجيد الذكاء الفائق والعمل الجاد لكنها تغفل عامل الصدفة، ما يجعلنا نعود لرسم الأحداث وفق ما تمليه المغالطة لا وفق ما يعكسه الواقع.
تكمن خطورة مغالطة السردية في أنها تقتضي الإيمان بالقصة، هناك توق قاهر لدى البشر لإضفاء معنى على حياتهم، يفوق إدراكهم للواقع وحاجتهم إلى الدليل، فكان أن خلقوا واقعهم استناداً إلى رغباتهم، فالحكاية عن أصلهم ألهبت الاعتزاز بالحياة، ولكل مجتمع أسطورة تمجد أصله، كالأسطورة اليابانية التي ترى في الربة أماتيراسو إلهة الشمس أصلاً ينحدر منه أباطرة اليابان وغيرها من أساطير النشأة الأولى، وهناك سرديات قومية وقبلية أخرى يتسع مجال تأثيرها ويضيق، ويبرز ويخفت، وفق مقتضيات التمدن وشروطه، لكنها قد تغدو سبباً لتشويه التفكير المؤسس على السبب والأثر، أو تقود إلى تنبؤات مضللة حول المستقبل.
تبسط السردية الواقع المعقد، فهي ضرب من ضروب الاختصارات التي يمارسها الدماغ لفهم العالم. يبحث الدماغ باستمرار عن الأنماط، وبمجرد العثور عليها، سيحاول دمج كل أمر ممكن في ذلك النمط. وأخيرًا، تسمح لنا البنية السردية بالحفاظ على أغلى مورد نمتلكه وهو الانتباه، ذلك أن التفكير الجديد مكلف من الناحية البيولوجية، وإذا لم تكن لدينا طريقة للحفاظ على انتباهنا، فسيصعب علينا تخيل أمكانية إنجاز أي شيء. إن ميل الدماغ البشري إلى البحث باستمرار عن الأنماط يفسر سبب سعينا للحصول على تفسيرات لكل شيء. وليست المغالطة السردية سوى نتيجة ثانوية لهذا النمط من النزعة البحثية، تتملك تفكيرنا الغريزي، ولذا علينا أن نتملك ناصية العقل بإدراك عيوبها ومساءلة افتراضاتها.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
صحابيات الرسول| عسراء اللسان.. تعرف عليها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
متابعة لصحابيات الرسول، نتابع الصاحبية الملقبة بموالاة الرسول صلي الله عليه وسلم وأم ظباء المعروفة بأم أيمن.
وفي هذا التقرير نتعرض لكل ما يتعلق بحياه ومكانه الصاحبيه الجليله " أم أيمن الملقبة بعسراء اللسان عند رسول الله صلي الله عليه وسلم، إذ بشرت بأنها من نساء الجنه .
وعن حياتها ونسبها واسمها الحقيقي
اسمها بركة بنت ثعلبة الحبشية حاضنة رسول الله ومربيته ورثها النبي عن أبيه بعدما كانت من أحد السبايا التي غنمتها قريش مع من جاءوا لهدم بيت الله اذ صارت مولاة لعبد الله بن عبد المطلب والد سيدنا محمد.
وعلى ذلك ورثها وعاشت معه إلا أنه أعتقها عند زواجه من السيده خديجة، ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل بقيت بجوار رسول الله اذ لم تكن فحسب مولاة لرسول الله بل كانت مربيته وحاضنته كما عرفت بأم الظباء وأم حب رسول الله.
ولدت بالحبشة وبدأت قصتها مع الرسول عندما اغتنمها قريش مع من جاءوا لهدم البيت اذ صارت مولاة لعبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صلي الله عليه وسلم ومنذ هذة اللحظه بدأت حياتها بمكه اذ عاشت فيها طول حياتها الا ان توفاها الله.
مولدها
لم يحدد سنه مولدها ولكن عن حياتها قيل انها بدأت مع وفاة عبد الله وانجاب السيدة “أمنه رضي الله عنها” لسيدنا محمد اذ كانت الحاضنه له والمربيه له وبقيت مع رسول الله حتي تزوج من سيدة خديجه ثم اعتقها و لكن بقيت معه حاضنه له كأمه . وذلك بترديد قوله لها صلي أم أيمن أمي بعد أمي .
كنيتها ولقبها
اشتهرت بأم ايمن كما كنيت "بأم ظباء " كما لقبت بالعيد من الالقاب من بينها "مولاة الرسول صلي الله عليه وسلم ،وحاضنه الرسول صلي الله عليه وسلم وأمة الرسول صلي
زواجها
تزوجت بدايه من “عبيد الخرزجي” وقد استشهد وبعد استشهاد ه زوجها النبي اذ قال صلي “من سره أن يتزوج من امرأة من أهل الجنه فليتزوج من ام ايمن” وعلي ذلك تزوجها زيد بن حارثه الذي أنجبت منه أسامة بن زيد
اسلامها
قيل عن اسلامها انها أسلمت قبل السيدة خديجة رضي الله عنها اكما بايعت الرسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم البيعة وكانت مع المهاجرين من المسلمين
أعمالها
تنوعت أعمالها العظيمه التي كشفت عن حنكتها وايمانها وصبرها وعقلها الراجح اذ انها في غزوة أحد خرجت لسقايه الماء ومدواة الجرحي كما كانت تنثر التراب في وجوه الذين فروا من القتال كما انها دافعت عن النبي محمد صلي بالسيف عندما رات الناس يفرون من حوله وايضا من أعمالها انها دافعت عن السيدة عائشه في واقعة الافك عندما قالت لرسول الله صلي الله عليه وسلم عن "عائشه رضي الله عنها وارضاها "حاشي سمعي وبصري أن أكون علمت أو ظنيت بها قط الا خيرا ".ولم تقتصر أعمالها علي ذلك بل كانت ثابته مع الرسول صلي وصامده وتجلي ذلك عندما أخبرت بشهادة ابنها اسامه في حنين فكانت صابره محتسبه وصامده ثم زوجها الثاني وبقيت بجوار الرسول الله صامده صغبره محتسب حتي نزل قوله تعالي "لقد نصركم الله في مواطن كثيره يوم حنين اذا اعجبتكم كثرتكم فلك تغني عنكم شئ وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين "
صافتها
اتصفت بأنها “عسراء اللسان” وذلك عندما تنبه العباس بن عبد المطلب من حديثها في تلك الواقعه في غزوة حنين اذ قالت سبت اقدامكم فقال النبي اسكتي يأم ايمن فانك عسراء اللسان .
صبرها ورابطة جأشها
وصفت بالصبر والعزيمة عند وفاة زوجها الأول عبيد بن الحارث كما تجلي صبرها عندما استشهد ابنها بغزوة حنين كما ظهر اكثر صبرها عند استشهاد زوجها الثاني زيد بن خارجه بغزوة مؤته حينها قالت احتسب الله وقد اطلق عليها ام ايمن لاستشهاد زوجها الأول عبيد بن الحارث الخرزجي والد ايمن بغزوة خبير .
وفائها للنبي
تجلي وفائها للنبي حينما توفي صلي الله عليه وسلم فارثته قائله حزينه علي فراقه وحبا له كأبن لها ربته واحتضنته بعد وفاة والداته امنه رضي الله عنها "عين جودي فإن بذلك للدمع شفاء فأكثري من البكاء " وذلك لخبها للرسول الله صلي
مظاهر ودها للرسول الله صلي الله عليه وسلم
تجلي مظاهر ود ها للرسول صلي الله عليه وسلم لها في الكثير من المظاهر اذ تجلت في ممازحته وزيارته لها صلي ومشاركت لها في الطعام والشراب
اولا : ممازحته لها صلي الله عليه وسلم اذ كان يمازحها دوما اذ جاء عنه يوما صلي انها قالت لرسول الله" احملني" فقال لها صلي “ أحملك علي ولد الناقة ”فقالت انه" لا يطيقيني ولا أريده" فقال رسول الله ضاحكا لها عليه الصلاة والسلام “لا أحملك عليه فمازحها فقال لها الناس ” وهل الإبل الا ولد النوق "
ثانيا :اعتاد النبي صلي الله عليه وسلم علي زياراتها دوما اذ كان يأكل معها الطعام حتي روي عنه ان النبي انه قام بزيارتها كعادته فقدمت له الطعام والشراب فكان صائم ولم بشرب فجعلت تخاصمه اي تقول له كل .
مكانتها عند رسول الله
اعتبرها من أهله اذ ورد حديث عنه صلي رواه ابن سعد والمحاكم ان النبي صلي كان يقول لها "ام ايمن امي بعد أمي " وعلي ذلك كان يقول لها ياامة اي يا أهل بيتي
كان يعدها الرسول مربيته وحاضنته فضلا عن انها كانت من السباقات في دخول الإسلام اذ بايعت الرسول يوم البيعة كما تجلت مكانتها عند رسول الله من مشاركتها في العديد من الغزوات مما عزز مكانتها عند رسول الله اذ كانت بجوراه الصامدة والمدافعه عنه صلي وعلي ذلك بشرها الرسول بأنها من نساء الجنه فضلا عن مكانتها عند رسول الله التي تجلت في ايمانها واحتسابها لله وصبرها عندما لاحظ رسول الله صلي صمودها وصبرها حينما استشهد زوجها الأول ثم زوجها الثاني
وفاتها
تعددت الروايات في وفاتها فهناك روايه تقول بأنها توفت بعد رسول الله صلي بخمسة أشهر وهناك من يقول انها توفت بعد وفاة الرسول صلي بسته أشهر وهناك من يقول انها توفت بعد مقتل خليفه المسلمين عمر بن الخطاب وهناك طبقا لقول الذهبي في “سير اعلام النبلاء” وايضا" مستدرك الحاكم" بأنها توفت بعد أول خلافة لعثمان بن عفان بأرض البقيع .
فهي بركة بنت ثعلبة حاضنة رسول الله ام ايمن الصابره مربيه رسول الله المدافعين عن رسول الله من من نساء أهل الجنة اللاتي استبسرهن الرسول بدخولها الجنة فاللهم اجعلنا من اللاتي نقتدي بهن في ذلك الشهر ليكون لنا حظا جميعا وافر من الجنة.