نوافذ... جدرانٌ مجازية لصدِّ عنف الوالدين!
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
حكت لي قريبتي عن الأمّ الغاضبة التي أهانت ابنتها أثناء حفل تكريمها أمام حشد من المعلمات والطالبات، لمجرد أنّ ترتيبها بين الأوائل قد تراجع قليلا. وحكى لي أبنائي عن طلبة يرتجفون خوفا فلا يقبضون دموعهم عند حدوث تراخٍ ضئيل في حصيلة درجاتهم، وربما أنهى بعضهم حيواتهم خشية إخفاق يُواجه بلومٍ حاد!
بصورة مؤسفة يظن بعض الآباء والأمهات أنّ الضرب أو الشتم نابع من محبة عارمة ورغبة في جعل الأبناء في صيغة أفضل باعتبارهم نُسخا مُحسنة أو أفرعا ممتدة لجذورنا، فلا يمكنُ لهؤلاء الأبناء أن يكونوا شيئا خارج أمانينا.
هذا هو تفسيري لموجات العنف التي يُمارسها بعض الأهالي لا سيما بعد صدور نتائج الدبلوم العام، مُدعين أنّ الحبّ والخوف على مستقبل الأبناء هو ما يجلب الصراخ وفوران الانفعالات اللامحدود. تلك المحاولة المستشرسة ليقدموا أنفسهم كمثال لا تشوبه شائبة، فكيف للأبناء أن يخذلوا أحلامهم، وكيف ينحدروا إلى القاع الأليم؟ وليس هم الآباء وحسب من يفعل ذلك بل يُعاضدهم المجتمع الذي يُعمل فضوله فيدخل في نسيج العائلة ثمّ يُصدر أحكامه ومفاضلاته.
من المخزي حقا أنّ الكثير من الأبناء غير مرئيين من قِبل ذويهم إلا باعتبارهم أرقاما ودرجات، ومن المحزن في تلك السن الغضة والهشة أن تكون أكبر مُعضلة تواجههم هي الأحكام الجاهزة بأنّهم عديمو القيمة والنفع، وهم الذين لا تعدو خبراتهم بعدُ حدود بيوتهم الصغيرة.
وبصورة مؤسفة لم ينجح التعليم في إضاءة الأبناء -إلا في حدود ضئيلة- من وجهات نظر أخرى باعتبارهم مخترعين وقارئين ورسامين وعازفين وممثلين ومصورين، فلم تُفتش المدرسة عن الأماكن الأكثر خصوبة لإعطائهم قيمة إضافية.
قد لا يُمارس البعض العنف بالمعنى الجسدي إلا أنّهم يُطفؤن روح الأبناء بتلك النبرة المُتعالية، بتلك الأوصاف القميئة التي يُلصقونها بهم مُتناسين الفروقات الفردية بين الأقران!
"يعرفُ دماغك وأنت صغير ما يجب أن يفعله لكي يحميك، يُشيد جدارا مجازيا لصد مشاعرك عن والديك". هذا ما تقوله الأخصائية النفسية جونيس ويب والتي نشرت كتابا بعنوان: "لا سير بلا وقود بعد اليوم". لكن وإن كانت هذه الحركة التلقائية تجدي ونحن صغارا، فقد تجعلنا نعاني كثيرا عندما نكبر!
وتؤكد جونيس ويب أن خبراتنا الأولى بالحبّ والتفهم والتعاطف تنبع من والدينا، وبغض النظر عن جودة هذه العواطف وثرائها أو اكتمالها إلا أنّها بطريقة أو بأخرى تنصهر فينا. فالأطفال الذين ينشأون في بيوت مُختلة عاطفيا يُعيدون إحداث ذلك في حياة أبنائهم مستقبلا، فيما لو لم ينتبهوا لأهمية أن ينقطعوا عن ذلك الماضي.
فمهما تبدت النوايا الطيبة إلا أن الأفعال والكلمات ستترك أثرا لا يُمحى بل قد ينتقل من جيل لآخر.
يُشير الكتاب إلى أنّ أدمغتنا مُصممة منذ الولادة على انتظار اهتمام والدينا وتفهمهما. وتُميز جونيس الآباء والأمهات الأسوياء باعتبارهم أولئك الذين يشعرون بمشاعر ابنهم، الأمر الذي يجعلهم يضعون أنفسهم مكانه في أي ظرف ليتمكنوا من إعطائه ما يحتاجه من الدعم. فحتى وإن رافقهم الخذلان وارتكبوا بعض الأخطاء، فالأبناء يُدركون عاطفة الآباء بحدسهم، فيكبر هذا الطفل متمتعا بأحاسيس عميقة مُتعاطفا مع ذاته. هنالك من يقلل من أهمية هذا المطلب، لكن لا أحد ينجو من هذا الاحتياج، فقد يتبنى الأبناء الذين يُكابدون الإهمال العاطفي أو التعنيف استراتيجية التأقلم أو إخفاء احتياجاتهم أو حتى إنكارها ولكن الأمر لا يتعدى الخدعة.
وباعتبار أنّ الآباء والأمهات شئنا أم أبينا يتركون بصماتهم علينا، فماذا سيرثُ الأبناء المعنفين عدا شعور مريع بالذنب والخذلان. فالابن قد يبدو أحيانا عاجزا عن فهم توقعات العائلة منه!
"تتطلبُ العلاقة إدراكا عاطفيا مُتبادلا وكافيا لجعل الطرفين يشعران بأنّهما مفهومان ويحظيان بالتقدير والقبول".
وفي الحقيقة، لا ندري كيف ستبرأ جراح التعنيف،"فتلك المشاعر المكبوتة ستظهر في وقت قد لا نتوقع ظهورها". وبما أنّ الوالدين أو أحدهما "يُربكان علاقة الابن بالعالم بشكل مُبكر"، فتضميد الحزن سيحتاج أوقاتا متفاوتة من سنوات العمر، وربما تحتاج إلى رقم خط ساخن للإبلاغ عمن يمثلون مصدر الحماية الأول، قبل أن تقذف بهم الظنون والحسرة إلى تخوم لا عودة منها!
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
التعليم تسمح بإعادة ترشح رؤساء ووكلاء لجان النظام والمراقبة الذين أمضوا ثلاث سنوات بالمشاركة في امتحانات الثانوية
أصدر الدكتور محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، قرارًا يسمح بإعادة ترشح رؤساء ووكلاء لجان النظام والمراقبة الذين أمضوا ثلاث سنوات في عملهم للمشاركة في امتحانات الثانوية العامة. كما أعلن الوزير فتح باب الترشح لمن يرغب في العمل كرئيس أو وكيل للجان النظام والمراقبة، وذلك عبر الموقع الإلكتروني للوزارة، ابتداءً من يوم الخميس 26 ديسمبر وحتى الخميس 2 يناير 2025.
وفي سياق متصل، أوضحت الوزارة أن امتحانات الثانوية العامة للعام الدراسي 2024-2025 ستبدأ يوم 14 يونيو 2025، على أن يتم الإعلان عن الجداول التفصيلية لاحقًا.