هل حانت حقبة الشورى المُلزِمة؟
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
د. عبدالله باحجاج
تُسَن الدساتير والأنظمة الأساسية- التي بمثابة دساتير- من أجل عقلنة المعترك الحكومي، وتبرُز أهمية هذه العقلنة عندما تتبنى الحكومات الجبايات/ الضرائب والرسوم؛ كمصادر دخل لميزانياتها، وتفرضها بصورة أحادية- أي منفردة- على المجتمعات، عندها تبرز قضية التشاركية في صياغة التشريعات وتفعيل الأدوات الرقابية المُستقلة؛ إذ لا يمكن للحكومات أن تستفرد بذلك، لتحصيل الأموال من المواطنين، وتفرضها عليهم، فلا بُد من التشاركية لدواعي العدالة والقبول الاجتماعي، وما لها من انعكاسات على مستقبل الاستقرار الاجتماعي على وجه الخصوص.
ومن هذه المقدمة يُقاس مدى وحجم مسار تطور الديمقراطية في بلادنا، وطبيعة التطور ينبغي أن تحكمه ماهية المُتغيِّر الجوهري في دور الحكومة منذ بدء السياسات المالية الجديدة، وتبني نظام الجبايات، وهو توجه استراتيجي؛ أي بعيد المدى، يُؤسس مرحلتنا المالية المستدامة. وقد كانت الأزمتان السابقتان: النفطية وكورونا، سببًا لتطبيقه؛ بل ولانطلاقة مفاهيم جديدة مثل: الاستدامة المالية لميزانية الدولة. ومن بين أهم أدوات تحقيق الاستدامة المالية: إقامة منظومة متكاملة من الضرائب، وفرض الرسوم وزيادتها، وكذلك، تقليل تدخُّل الميزانية العامة للدولة في إيرادات المُحافظات، وفتح الأبواب أمام المحافظات لصناعة إيرادات محلية. وهذا يعني أن دخول المواطنين قد أصبحت مصدر دخل لميزانية الدولة وميزانية المحافظات، تستهدفها بصورة غير مسبوقة، في ظل تراجع الدخول؛ نتيجة لأسباب التقاعد أو الرفع الجزئي للدعم الحكومي عن خدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه.. إلخ.
هنا سنرسم صورة أقرب للواقع لإيرادات الميزانية العامة للدولة، وميزانية المحافظات حتى نقف عند حجم الأعباء التي أصبح المواطنون يعانون منها، وتُسمع صرخات البعض تتعالى يوميًا، وتتصاعد مصادرها فرادى وجماعات، والحكومة صامتة.. لكن؛ إلى متى؟!
أولًا: الإيرادات الحكومية، وأبرزها: ضريبة الدخل على الشركات، والرسوم العقارية، وضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية، والترشيد المُتحقق من الرفع الجزئي للدعم عن الوقود وعن الكهرباء والمياه، والرسوم الجمركية، وعائدات الاستثمارات الحكومية، وقبل كل ذلك عائدات النفط والغاز التي ما زالت تُمثل الجزء الأكبر من الإيرادات العامة.
ثانيًا: إيرادات المحافظات وتتمثل في: المُخصصات المالية من الحكومة، والرسوم، وعائدات الاستثمارات.
هكذا تكون خطة التوازن المالي (2021- 2024) قد حققت النسبة الكبرى من استهدافاتها الجبائية، ونتوقع تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد في آخر سنوات هذه الخطة (أي في 2024)، أثناء الفترة العاشرة لمجلس الشورى التي تجري استعدادات الآن لانتخاب أعضائها. وخارطة الضرائب والرسوم بذلك الحجم لم تبدأ إلّا منذ ثلاث سنوات فقط، وهذا يعكس لنا فعلًا حجم الأعباء الاجتماعية، فإلى متى سيحمل المجتمع هذه الأعباء؟ وهل سيحق لأعضاء مجلس الشورى رفض ضريبة الدخل على الأفراد؟ أو إجراء تعديلات جوهرية عليها؟ وهذا لا يعني أننا ضد هذه الضريبة من حيث المبدأ، وإنما نطرح الفكرة للاقتراب من دور مجلس الشورى في مراقبة المعترك / الميدان الحكومي؛ فالضريبة يُمكن أن تحقق العدالة الاجتماعية، إذا ما استهدفت الدخول المرتفعة، ويمكن أن تُغني عن سياسات مالية أخرى مؤثرة على المجتمع.
وقضية مراقبة المعترك الحكومي تكتسب أهميتها من عدة اعتبارات؛ مثل: ما اتخذته بعض الجهات الحكومية ليس في المجال المالي فحسب، وإنما في مسارات غير محسوبة النتائج، مثل فتح أبواب البلاد أمام دخول استثمارات متعددة الجنسيات؛ في تحوُّل دراماتيكي لكل محاذير خمسة عقود مضت، فقد جنح المسار المالي كثيرًا، وأصبح يُنظر للاستثمارات الأجنبية كمصدر من مصادر الدخل لرفد موازنتي "الدولة والمحافظات"، بالإيرادات في صورة ضرائب أو رسوم؛ دون أن تُحسب تداعياتها الأمنية والسياسية والاجتماعية مستقبلًا، ودون أن تنعكس على تطوير الخدمات الحكومية، وكذلك دراسة تجربة الانفتاح الاستثماري مع دول ذات أطماع جيوسياسية وفكرية تاريخية لا يمكن التخلي عنها بهذه السهولة.. إلخ.
هناك عدة اعتبارات أخرى تستدعي تبني النهج التشاركي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية (أي الشورى)؛ مثل تأثر الطبقة المتوسطة بسياسات مالية مباشرة وغير مباشرة؛ مما قد ينجم عنها المساس بجوهر المواطنة، والتي هي ضمانة الاستقرار؛ ولأنها أهم أسلحة المواجهة الداخلية والخارجية. وأيُ حالة عقلانية سنخرج منها بنتائج فورية مباشرة إذا ما حلَّلنا نتائج/ تداعيات مجموعة سياسات مالية- منها ما أشرنا إليها سابقًا- وربطناها بعملية انفتاح البلاد على الاستثمارات الخارجية؛ سواءً على مستوى الأفراد أو الأنظمة، فإننا قد نكون عرضة لاختراقات أجنبية، مع إيماننا بأن الأطماع التاريخية؛ سواء الفكرية أو الأيديولوجية الإقليمية لم تنتهِ، وإنما ربما دخلت في حقبة التكتيكات المرحلية.
ومن كل ما تقدم، تظهر لنا الحاجة الماسّة لتوسيع وتفعيل صلاحيات مجلس الشورى، فليس من العقلانية الوطنية أن يُترك كل وزير يرسم ويُخطط وينفِّذ لوحده مُستفردًا بالقرار، ولا بُد من مساءلته كلما تقضي الضرورة، ولا بُد من أن يكون لنتائج المساءلة مآلات ملموسة.. وحتى لو كان وراء القرار منظومة وزارية حاكمة لقرارات الوزراء، فمن الحكمة، تطبيق التشاركية، عوضًا أن تستفرد المنظومة الوزارية بالقرارات؟ وهي هنا أحد الفاعلين الأساسيين داخل الدولة؛ لأنها تمثل السُلطة التنفيذية، ومن ثم لا بُد من انعكاسات على مستقبل السلطة التنفيذية بعد هذه المساءلة.
ومجلس الشورى فاعل أساسي آخر يمثل المجتمع، ولا بُد من تمكينه من الفاعلية ما يجعله يُعبِّر عن مصالح المُجتمع والدولة على قدم المساواة مع الجهاز التنفيذي، وبذلك تتكامل المفاهيم والمصالح دون طغيان فاعل على آخر؛ فلدى الدولة استراتيجيات كبرى لا بُد أن تُحققها في آجال زمنية متوسطة المدى وبعيد المدى، فمثلًا: تكوين بناء جيل تقني ومهني للاقتصاد العماني الجديد، مثل الهيدروجين الأخضر، والطائرات المسيرة، والفضاء الخارجي.. إلخ، يستدعي ضرورة تطوير الأدوات الرقابية لمجلس الشورى حتى نضمن نجاح الفاعل الحكومي في تحقيق الأجندات الوطنية في تواقيتها الزمنية، فأي فشل- لا قدَّر الله- لن يكتب لبلادنا التنافسية الإقليمية الآمنة.
فهل ستشهد الفترة العاشرة لمجلس الشورى نقلة تاريخية في صلاحيته التشريعية والرقابية للدواعي الوطنية الداخلية والإقليمية سالفة الذكر؟
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صفقة القرن: اسرائيل تريد ضم الضفة ووادي الأردن في حقبة ترامب
23 نوفمبر، 2024
بغداد/المسلة: تتصاعد النقاشات حول مساعي إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية، وهي خطوة تعكس تغيرات جوهرية في المشهد السياسي والإقليمي منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة. فمنذ توليه رئاسة الحكومة اليمينية المتطرفة، شهدت الضفة الغربية توسعاً غير مسبوق في الاستيطان.
هذا التوجه زاد من مخاوف الفلسطينيين حيال إمكانية القضاء على حلم إقامة دولتهم المستقبلية.
خلال العامين الماضيين، شهدت الضفة الغربية تحولاً في ملامحها الجغرافية والديموغرافية بفعل النشاط المكثف للمستوطنين، والذي غالباً ما ترافق مع تصاعد العنف. وتركز الاهتمام مؤخراً على وادي الأردن، حيث رفع مستوطنون أعلام إسرائيل وأقاموا صلوات على قمم التلال، في إشارة رمزية لرغبتهم في فرض السيادة الإسرائيلية على تلك المناطق.
يترقب أنصار الضم دونالد ترامب كفرصة لتحقيق هذا الهدف. فخلال ولايته السابقة، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وألغى الموقف الأمريكي التقليدي الذي يعتبر المستوطنات غير قانونية. كما دعا إلى خطة سلام تضمنت احتمال إقامة دولة فلسطينية، لكنها لم تلق قبولاً من القيادة الإسرائيلية أو الفلسطينية.
في السياق ذاته، أعرب مستوطنون ومسؤولون إسرائيليون عن تفاؤلهم بإمكانية الحصول على دعم إدارة ترامب المقبلة لخطط الضم. وبرزت تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش كدليل على هذا التوجه، حيث أعرب عن أمله في أن تتمكن الحكومة من فرض سيادتها على الضفة خلال العام المقبل بدعم أمريكي.
لكن هذه الخطوة تواجه تعقيدات كبيرة. إذ إن السعودية، التي تعد عنصراً رئيسياً في جهود تطبيع العلاقات مع إسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهيم، تعارض الضم بشدة. ويُعتقد أن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه قد يعرقل تلك الاتفاقيات ويهدد الطموحات الأمريكية للتوصل إلى اتفاق إقليمي أوسع.
من ناحية أخرى، يرى الفلسطينيون في هذه التحركات تهديداً وجودياً لطموحاتهم الوطنية. فقد أكد واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن أي ضم إسرائيلي لن يغير من حقيقة أن الأراضي المحتلة فلسطينية بموجب القانون الدولي.
على الأرض، يُظهر وادي الأردن مدى التوتر المحيط بالقضية. فقد قاد مستوطنون، بمن فيهم يسرائيل جانتس، صلوات لدعم فوز ترامب، ما يعكس الاعتماد الإسرائيلي على التغيرات السياسية الأمريكية لتحقيق أهدافهم.
ورغم أن ترامب لم يكشف عن خططه المستقبلية، إلا أن التحركات الإسرائيلية تتسارع استعداداً لأي فرصة سياسية سانحة. في المقابل، يواجه الفلسطينيون واقعاً سياسياً معقداً، إذ يطالبون المجتمع الدولي بالتصدي لمخططات الضم التي تهدد بتفجير الأوضاع مجدداً.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author AdminSee author's posts