"التشدد واحد ولو اختلفت الديانة".. ربما يمكن الاستشهاد بالحالة الإيرانية وعدوتها الإسرائيلية؛ لتأكيد صحة تلك المقولة، فنحن هنا أمام نموذجين على النقيض من بعضهما من الناحية الدينية، والمجتمعية، ولكننا نجد أن التشدد والتطرف في كلا الجانبين يتغذيان من ماعون واحد.

وفي أحدث قضايا هذا التشدد، نجد أنه خلال الأشهر الأخيرة كانت أزمة استهداف النساء في الشوارع من قبل الشرطة الإيرانية محل حديث العالم أجمع، خاصة مع وصول الأمر لقتل فتاة بتهمة عدم الالتزام بالزي المحتشم، ولم يمر وقت طويل على سيطرة المتطرفين اليهود على الحكومة؛ حتى ظهرت ذات الأزمة في وسائل المواصلات.

 

ولا يستطيع التطرف أن يعش بلا معركة، وما تكاد تهدأ معركة السلطة القضائية داخل إسرائيل؛ حتى تفجرت أزمة التعرض للنساء داخل وسائل المواصلات، وبعد أن أصبح الأمر ظاهرة مقلقلة؛ كان في المقابل هناك رد فعل نسائي، أبسطه كان “تظاهرة”؛ للتعبير عن الغضب مما يحدث، وأخطره كان تشكيل ميليشيا؛ لمواجهة تلك الظاهرة، وهو ما يعكس عمق فقدان الثقة فى السلطة الحاكمة، وأن السلطة أصبحت تمثل منهج حاخامات التطرف اليهودي. 

 

6 حوادث في أغسطس فقط .. تفشي الظاهرة 

ربما كانت الظاهرة تنموا خلال الأشهر الماضية، إلا أن توهجها كان في أغسطس الحالي، حيث تم الكشف عن 6 حوادث فيه وحده، تعرض خلالها يهود متطرفون لنساء يهوديات، بحجة أن لباسهن غير محتشم، أو أنهن تجرأن على الركوب في مقدمة الحافلات

آخر هذه الحوادث، الأسبوع الماضي، عندما قام سائق إحدى الحافلات في مدينة أسدود، بإجبار فتيات على وضع بطانيات فوق ملابسهن، بدعوى لباسهن غير المحتشم، ونقلهن إلى مؤخرة الباص وراء الركاب الرجال، حيث كانت الفتيات قد صعدن إلى الحافلة التابعة لشركة «نتيف إكسبرس»، على خط سفر طويل من أسدود في الجنوب إلى صفد في الشمال، متجهات للسباحة في بحيرة طبريا، وقد ارتدين السراويل القصيرة؛ فاعتبرهن السائق «عاريات». 

وتروي إحداهن الحادثة بقولها: «صدمنا وأصبنا بالذهول والرعب، لذلك لم نرد على السائق، وبلعنا الإهانة وسكتنا؛ لكننا لم نستجم ولم نسبح لاحقاُ، فقد جلسنا نبكي على الشاطئ»، وفي مرة سابقة، رفض سائق السماح لامرأة في أواخر الثمانينيات من عمرها بركوب الحافلة؛ لأن غالبية الركاب من الرجال، بينما في حادثة أخرى رفض السائق السماح لشابة بالصعود إلى حافلة بدعوى أنها للرجال.

الشركة المعنية أعلنت لاحقا أنها أوقفت السائق عن العمل؛ لأنه تصرف بشكل مخالف للتعليمات، وقالت في بيان، إن سياسة الشركة ضد التعامل مع الركاب بهذا الشكل، وأنها لا تتخذ موقفاً عدائياً مهيناً كهذا من النساء، ولذلك فهي تستنكر تصرف السائق وستستدعيه إلى «جلسة توبيخ»، وربما ستقرر أن تنهي عمله في حال اتضح أنه تعمد إهانة النساء.

وقالت الشركة المشغلة للحافلات، إنها ستجدد التعليمات للسائقين، بأنه من المحظور التفرقة بين الركاب، لصالح طرف ضد آخر على أي خلفية، سواء كانت جنسية أو عرقية أو قومية، أو على أساس اللباس.

 

مظاهرات نسائية احتجاجًا على التمييز بين الجنسين

 

ولم تنتظر النساء كثيرا للتعبير عن غضبهن، فقد شاركت نساء في إسرائيل نهاية الأسبوع الماضي، في مظاهرات احتجاجا على ما قالوا إنه تزايد الفصل بين الجنسين والتمييز علي أساس الجنس، خاصة في وسائل النقل العام، وجاء الاحتجاج بعد تقارير إعلامية تفيد بأن العديد من سائقي الحافلات في الأسابيع الأخيرة أجبروا النساء إما على الجلوس في الخلف أو ببساطة رفضوا اصطحابهن على متن الحافلة، وهتفت المحتجات في الآراضي المحتلة "لا يوجد شيء اسمه ديمقراطية بدون مساواة" وحمل العديد منهم لافتات كتب عليها "نحن متساوون".

وقد كان العديد من اليهود المتشددين في بني براك يتابعون المتظاهرين أثناء مرورهم، حيث يشكل اليهود المتشددون أكثر من 10% من سكان الأراضي المحتلة، ومسألة الفصل بين الجنسين ليست جديدة في إسرائيل حيث يلاحظ الكثيرون ممارسات دينية تقيد الاختلاط بين الجنسين، ولكن ناشطين يقولون إن التمييز ضد المرأة لم يتزايد إلا في السنوات الأخيرة مع زيادة حجم مشاركة المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية.

 

"بونوت ألترناتيفا" .. ميليشيا نسائية لصدّ المتطرفين

 

ورغم خروج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واستنكاره لتلك الحوادث، وذلك حين قال في بيان رسمي، إنه “لا يجوز لأحد في إسرائيل أن يقرر- بالنيابة- كيف يظهر، وماذا يرتدي الآخرون، ونحن دولة حريات حضارية متقدمة”، إلا أنه يبدوا أن كلامه لم يكن محل ثقة داخل المجتمع الإسرائيلي مع وجود المتطرفين معه في الحكومة، وكان دلالة ذلك، قيام مجموعة من مجموعة من النساء بتشكيل ميليشيا لصد تلك الظاهرة، وقد ​أعلنت حركة «بونوت ألترناتيفا» (نساء يبنين بديلاً)، في تل أبيب، عن تشكيل ميليشيا نسائية تتصدى لمحاولات المتدينين اليهود المتطرفين فرض «اللباس المحتشم» على النساء والفتيات في حافلات النقل الشعبية.

وذكرت الحركة، أنها ترفض كافة أشكال بيانات الاستنكار، وقالت في بيان، إن «ما جرى في هذه الشركة ليس مجرد خطأ ارتكبه سائق متخلف؛ بل هي سياسة جديدة تتغلغل في المجتمع الإسرائيلي تحت حكم نتنياهو المظلم وحلفائه الظلاميين».

وشددت الحركة على أن الحكومة تدير سياسة تمييز صارخة ضد النساء، ففي الحكومة نفسها 6 وزيرات فقط من مجموع 34 وزيراً، ومن بين 34 مدير عام وزارة، توجد امرأتان فقط (كان عددهن 9 في الحكومة السابقة)؛ لافتة إلى وجود سياسة لدحر النساء جانباً، تتغلغل في المجتمع كله؛ خصوصاً بوجود أحزاب دينية متزمتة في قيادة الدولة، لذلك، فإن ما يجري في الحافلات هو انعكاس لما يدور في السياسة العامة، علماً بأن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن نسبة النساء بين ركاب حافلات السفر الشعبي تتجاوز 61 في المائة من مجموع الركاب.

 

حدث فارق في تاريخ إسرائيل

 

واعتبر سعيد عكاشة، الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية، إعلان تأسيس حركة “بونوت ألترناتيفا”، لميليشيا النسائية التي تتصدى لمحاولات المتدينين اليهود المتطرفين فرض “الزي المحتشم” على النساء والفتيات في وسائل النقل العامة، حدثا فارقا في تاريخ إسرائيل.

وفسر الخبير ذاته، ضمن مقال نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، بعنوان “حدود تهديد اليسار الإسرائيلي بتشكيل ميليشيا لحماية النساء”، غياب التعليق الشعبي أو الإعلامي على إعلان تأسيس ميليشيا “بونوت ألترناتيفا” بكون الأغلبية تتعامل معه على أنه مجرد تصريحات غاضبة تحت تأثير فشل المظاهرات المناهضة لنتنياهو في إيقاف خطة الإصلاح القضائي.

ويكمل عكاشة،: "مع الأخذ في الاعتبار أن تعبير “ميليشيا” في عمومه يشير إلى حركة مسلحة تنتهج العنف كأسلوب لتحقيق أهدافها، وتكسر، في أغلب نماذجها، مبدأ “احتكار الدولة للعنف”، بأن تنشط في مواجهة الدولة ذاتها؛ فإن الأمر في سياق الثقافة اليهودية، والإسرائيلية من بعدها، يبدو مختلفا، فاليهود لهم تاريخ ممتد منذ أواخر القرن التاسع عشر في تشكيل ميليشيات مسلحة لمواجهة حوادث الاعتداء على الطائفة في بعض الدول الأوروبية، كما ظهرت ميليشيات في إسرائيل مثل “الهاجاناه” (تحولت لاحقا بعد قيام الدولة إلى جيش الدفاع الإسرائيلي)، ومنظمة “الأرجون” التي كان يقودها مناحم بيجن، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، ومنظمة “شتيرن” التي كان يقودها يتسحاق شامير، رئيس الوزراء الأسبق". 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: بین الجنسین فی إسرائیل فی الحکومة

إقرأ أيضاً:

غير قانونية.. إيران تندد بالعقوبات الأمريكية الجديدة المتعلقة بـ«النفط»

نددت إيران، اليوم الجمعة، بالعقوبات المالية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على كيانات متهمة ببيع النفط الإيراني للصين واصفة إياها بأنها “غير قانونية” و”غير مبررة”.

وقالت وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا” إن طهران نددت بتحرك واشنطن لفرض عقوبات جديدة تتعلق بالشحن وقالت إن من شأن هذا الإجراء أن يحرمها من التجارة المشروعة مع شركائها.

ونقلت وكالة الأنباء عن المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي قوله “قرار الإدارة الأميركية الجديدة ممارسة الضغط على الشعب الإيراني من خلال منع إيران من التجارة المشروعة مع شركائها الاقتصاديين هو عمل غير شرعي وغير قانوني”، بحسب ما ذكرت رويترز.

وأضاف أن طهران “تحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن عواقب وتداعيات مثل هذه الإجراءات أحادية الجانب والمتغطرسة”.

وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية يوم الخميس عقوبات على أفراد وناقلات بترول تساعد في شحن ملايين البراميل من النفط الخام الإيراني سنويا إلى الصين.

وأوضحت الوزارة في بيان: “الخزانة الأمريكية تستهدف شبكة نفطية تجلب مئات الملايين من الدولارات للجيش الإيراني، حيث تجلب طهران مليارات الدولارات كل عام من خلال مبيعات النفط لتمويل أنشطتها ودعم حماس والحوثيين وحزب الله”.

وأضافت الخزانة الأمريكية أنه “تم شحن النفط نيابة عن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية (AFGS) وشركتها الواجهة الخاضعة للعقوبات، وهي شركة Sepehr Energy Jahan Nama Pars (Sepehr Energy)”.

وهذه هي أول عقوبات أميركية على النفط الإيراني منذ تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الأسبوع بخفض صادرات النفط الخام الإيرانية إلى الصفر، في إطار السعي لفرض قيود على قدرات البلاد النووية.

وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت: “لا تزال طهران تركز على الاستفادة من عائداتها النفطية لتمويل تطوير برنامجها النووي، وإنتاج صواريخ باليستية”.

وأضاف: “الولايات المتحدة ملتزمة باستهداف أي محاولة من جانب إيران لتأمين التمويل لهذه الأنشطة”.

هذا وحذرت إيران من أن فرض عقوبات أحادية الجانب على منتجي النفط الخام من شأنه أن يزعزع استقرار أسواق الطاقة.

كما قلل الرئیس الإيراني مسعود بزشكيان في وقت سابق، من شأن أثر العقوبات على بلاده. وصرح بأن “الأمريكيين يظنون أن كل ما تقوم به إيران يعتمد على النفط لذلك يريدون وقف صادراتها النفطية”، مشيرا إلى أن “هناك العديد من الطرق لتحييد أهدافهم”.

مقالات مشابهة

  • حزب المؤتمر الوطني يرد برسائل عنيفة على البرهان ويكشف خطوته القادمة.. أحمد هارون : المعركة لم تنته بعد
  • غير قانونية.. إيران تندد بالعقوبات الأمريكية الجديدة المتعلقة بـ«النفط»
  • إيران تندد بالعقوبات الأمريكية الجديدة على الشحن: "غير شرعية"
  • إيران: العقوبات الأمريكية الجديدة "غير شرعية وغير مبررة"
  • هكذا اغتال الاحتلال التاريخ والتراث في غزة.. أبرز المواقع المدمرة (خريطة تفاعلية)
  • إسرائيل تعلن العثور على مجمع أثري في صحراء النقب عمره 2500 عام.. مصدره الوحيد اليمن وسلطنة عمان (ترجمة خاصة)
  • إيران تهدد إسرائيل بـرد قاس على أي هجوم يستهدف النووي
  • الحرب في ولاية الخرطوم محسومة تماماً، قبل ما تبدا المعركة الفاصلة
  • المتطوع صهيب الرومي: النساء والشابات لعبن أدوارًا كبيرة في العمل الخيري
  • تقرير استخباراتي أمريكي : صواريخ إيران الجديدة تهدد إسرائيل