بقلم: ألكسندر عون يكتب: اتفاقيات سايكس بيكو.. المحسوبية الفرنسية-الإنجليزية على حساب العرب !
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
منذ القرن الـ١٩ كانت الإمبراطورية العثمانية المترنحة والمحتضرة هى "امبراطورية الرجل المريض" وتطلعت فرنسا وإنجلترا إلى بلاد الشام التابعة للإمبراطورية المتراجعة والمنهارة. وعلى مدى عدة عقود من الزمن ظلت أوروبا تقيم اتصالات مع مختلف السكان الأصليين فى هذه المجتمعات لضمان أمنهم.
وبتحالف الامبراطورية العثمانية مع ألمانيا والنمسا والمجر خلال الحرب العالمية الأولى أصبحت تركيا عدوًا حقيقيا لباريس ولندن وبعد مفاوضات طويلة قررت إنجلترا وفرنسا تقاسم المقاطعات العربية فى الشرق الأوسط كل وفقًا لمصالحه.
إمبراطورية مترنحة
منذ نهاية القرن التاسع عشر تقلصت أراضى الإمبراطورية العثمانية إلى حد ضئيل. فبعد خسارة اليونان عام ١٨٣٠ اضطر "الباب العالي" إلى التخلى عن ممتلكاته فى أوروبا باستقلال رومانيا وبلغاريا وصربيا والبحر الأسود.
ولمواجهة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية ومواجهة الأهداف الاستعمارية الأوروبية، اضطرت الإمبراطورية العثمانية إلى التنازل تدريجيًا عن مستعمراتها فى أفريقيا وفقدت على التوالى الجزائر ثم تونس التى أصبحت تحت الحماية الفرنسية، وعام ١٨٨٢، احتلت بريطانيا العظمى مصر وأصبحت ليبيا مستعمرة إيطالية فى عام ١٩١١.حاولت الإمبراطورية السيطرة على بلاد الشام والأناضول ولكن حتى داخل مقاطعاتها العربية نشأ شعور وطنى ضد النير العثماني. وطالبت القوميتان العربية والكردية بمزيد من الحكم الذاتى فى مواجهة السلطة المركزية. عمل الإنجليز والفرنسيون على تأجيج هذا الشعور لتفجير هذه الإمبراطورية المتعثرة.
وإدراكًا منها بالمخططات الفرنسية الإنجليزية فى الشرق الأوسط وأملًا فى استعادة ممتلكاتها السابقة قررت الإمبراطورية العثمانية التحالف مع ألمانيا والنمسا والمجر خلال الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨). وفى الوقت نفسه أطلق السلطان محمد الخامس نداء الجهاد فى نوفمبر ١٩١٤ إلى جميع المواطنين المسلمين لمواجهة القوات الفرنسية البريطانية. إلا أن هذه الدعوة تعارضت مع مطالب القومية العربية بكل طوائفها. والواقع أن الصعوبات الاقتصادية والقمع الوحشى الذى تعرضت له النخبة العربية على يد السلطة العثمانية المركزية (شنق القوميين فى الساحات العامة، والمجاعة فى جبل لبنان، والمجازر المنهجية للمجتمعات المسيحية الأرثوذكسية) دفعت السكان المحليين إلى الاقتراب من لندن وباريس. وفى مقابل هذا الدعم كان هناك وعد قدمته تلك الدولتان بالاستقلال للعرب.
ومع ذلك بناء على هذه الوعود اعتزمت القوتان الأوروبيتان حماية مناطق النفوذ فى الشرق الأوسط. مقابل هذه الوعود باستقلال الجزيرة العربية سعت فرنسا إلى تعزيز هيمنتها فى "سوريا الكبرى" الناطقة بالفرنسية والمحببة للفرنكوفونية. أما الإمبراطورية البريطانية فهى ترغب فى تأمين الطريق إلى الهند وتهتم بالمحافظة على إمدادات البترول فى العراق.
خفايا الاتفاقية
فى نوفمبر ١٩١٥ بدأ الفرنسيون والإنجليز إجراء مفاوضات سرية لتقسيم المقاطعات العربية التابعة للإمبراطورية العثمانية. وبعد عدة أشهر من المراسلات بين الدبلوماسى الإنجليزى مارك سايكس والدبلوماسى الفرنسى فرانسوا جورج بيكو وبالتحديد فى ١٦ مايو ١٩١٦ قام كل من بول كامبون السفير الفرنسى فى لندن وإدوارد غراى وزير الخارجية بالتوقيع على الاتفاقية.
تنص هذه الاتفاقية السرية على تقسيم المقاطعات العربية التابعة للدولة العثمانية إلى مناطق نفوذ فرنسى وإنجليزي. وقد حظى هذا التعاون الفرنسى البريطانى بتأييد الإمبراطورية الروسية وإيطاليا. وتم تقسيم الشرق الأوسط إلى خمس مناطق متميزة:
■ منطقة فرنسية تخضع للإدارة المباشرة تضم لبنان وسيليسيا الحالية (مقاطعة تركية)
■ منطقة نفوذ فرنسى تشمل جزءًا كبيرًا من سوريا مع محافظة الموصل
■ منطقة إنجليزية ذات إدارة مباشرة مكونة من الكويت وجزء من العراق حتى بغداد
■ منطقة نفوذ إنجليزى تتكون من الأردن الحالية وفلسطين بالانتداب وجنوب سوريا
■ منطقة إدارة دولية تشمل سان جان داكر وحيفا والقدس
إلا أن هذا الاتفاق لم يظل سرا لفترة طويلة. خلال الثورة البلشفية عام ١٩١٧، كشفت الإدارة الروسية عن أسرار هذه المعاهدة. وفى نفس الوقت أرادت الولايات المتحدة فى عهد الرئيس ويلسون إفشال المخططات الفرنسية الإنجليزية فى المنطقة من خلال التنظير حول حق الشعوب فى تقرير مصيرها. وتم التوصل إلى اتفاقية فى مؤتمر سان ريمو عام ١٩٢٠. وهو المؤتمر الذى تنازلت خلاله فرنسا عن محافظة الموصل للإدارة البريطانية مقابل حصة فى أرباح النفط بمنطقة كركوك العراقية. فى نفس العام خلال معاهدة سيفر كانت الإمبراطورية العثمانية تعيش ساعاتها الأخيرة وتخلت رسميًا ونهائيًا عن مقاطعاتها العربية والمغاربية.
العواقب والتداعيات
وعلى الرغم من وعود الاستقلال وجد عرب المنطقة أنفسهم خاضعين لوصاية قوة ثالثة. لبنان وسوريا تحت إدارة فرنسا والأردن والعراق وفلسطين تحت إدارة بريطانيا العظمى.
اعتزمت الحكومة الفرنسية جعل المحمية السورية اللبنانية جسرا للثقافة واللغة الفرنسية. واعتمدت باريس بشكل رئيسى على الطوائف المسيحية (وخاصة الموارنة) التى أقامت معهم علاقات فى الماضي. وفى عام ١٩٢٠، شاركت فرنسا بنشاط فى إنشاء "لبنان الكبير" المستقل والمتمتع بالحكم الذاتى فى مواجهة جارتها السورية. ونتيجة لذلك واجه الوجود الفرنسى معارضة قوية فى سوريا حيث تم قمع عدة مظاهرات. وقامت باريس بتقسيم المحافظات السورية وفقا لانتماءاتها الدينية. هذه السياسة الاستعمارية الفرنسية محفوفة بالمخاطر إذ وضعت جذور التوترات والصراعات القادمة.
ومن جانبها قامت ما بين الإمبراطورية البريطانية سيدة الأراضى الممتدة من فلسطين إلى الخليج العربي، بنشاط فى إنشاء خط أنابيب ينقل النفط العراقى إلى البحر الأبيض المتوسط. كما أن هذا التواجد فى الشرق الأوسط ضمن ألامان لطريق تجارتها إلى الهند. وقد واجهت القوات الإنجليزية شأنها فى ذلك شأن الفرنسيين ثورات عديدة فقد كان من الصعب إدارة العراق وهو بلد قبلى ومتعدد الطوائف. ونتيجة لذلك تكثف الوجود العسكرى الإنجليزى فى المنطقة. لليهود وقد واجهت السلطات البريطانية تحديات عديدة من السكان الفلسطينيين المحليين منذ معاهدة بلفور عام ١٩١٧ التى نصت على إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين.
إن رسم حدود الشرق الأوسط وتجاهل الأعراق والأديان المختلفة للسكان المحليين يُنظر إليه العرب على أنه إذلال ومهانة بعد أن وعدوا بدولة مستقلة. الحقيقة أن هذه الحقبة كانت فترة الهيمنة الاستعمارية وتقاسم الأراضى بين القوى العظمى والمفاوضات السرية التى تتجاهل رغبات السكان الأصليين. ومثلما فعل مؤتمر برلين عام ١٨٨٥ الذى نص على تقسيم أفريقيا رسمت اتفاقيات سايكس بيكو حدود المنطقة العربية وفقا للمصالح الأوروبية.
ومنذ ذلك الحين صمدت هذه الحدود "المصطنعة" أمام اختبار الزمن. كما أن القومية العربية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى كان من الصعب محوها. وفى الواقع، فإن الترسيخ السياسى والسيادى لهذه الدول الجديدة هو فى الواقع استكمال للحدود الاستعمارية التى رسمت عام ١٩١٦. وهذه الاتفاقيات "مهددة" من قبل تنظيم داعش فى عام ٢٠١٤ الذى يريد إعادة رسم حدود الشرق الأوسط وفقًا لمفاهيمه ونظرياته الخاصة.
لا تزال اتفاقية سايكس بيكو حتى يومنا هذا موضع انتقادات كثيرة. ويعتقد بعض المحللين أنها السبب فى الفوضى الحالية. وقد صاغ الموقعون عبارة "سلام يشبه الحرب". هذه الحدود الموروثة من الفترة الاستعمارية تخضع لهزات التاريخ. إن الصراعات المتعددة و"الربيع العربي" والتهديدات الإرهابية من شأنها أن تؤدى إلى طى أوراق المكاسب الإقليمية.
معلومات عن الكاتب:
ألكسندر عون صحفى فرنسى لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يأخذنا إلى صفحات من تاريخ العرب ومطامع القوى الاستعمارية التى أدت إلى اتفاقيات سايكس بيكو وتداعياتها التى عانت منها منطقتنا العربية لحقب طويلة من الزمن.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: فرنسا بلاد الشام
إقرأ أيضاً:
الإمارات لاعب رئيسي في المشهد الإعلامي العالمي
دبي: «وام»
أطلقت «كوندي ناست» أربعاً من علاماتها التجارية الإعلامية.. «ڤوغ العربية»، و«جي كيو الشرق الأوسط»، و«أركيتكتشرال دايجست الشرق الأوسط»، و«كوندي ناست ترافيلر الشرق الأوسط»، ذلك من خلال سلسلة من الفعاليات الحصرية في دبي مما يعكس التأثير المتنامي لدولة الإمارات في مجالات الإعلام والموضة والسياحة العالمية.
و«كوندي ناست» شركة إعلام جماهيري عالمية تأسست في عام 1909 وتملكها شركة ادفانس ببلكشن ويقع مقرها الرئيسي في مركز التجارة العالمي في المنطقة المالية في مانهاتن السفلى.
وجاء إطلاق العلامات في إطار توسع «كوندي ناست» في منطقة الشرق الأوسط، بحضور كبار التنفيذيين وقادة التحرير في «كوندي ناست» لمناقشة الرؤية الإستراتيجية للشركة في المنطقة، إلى جانب تكريم الفائزين بجوائز «كوندي ناست ترافيلر» الذهبية لعام 2025: أيقونات الضيافة.
وأكدت آنا وينتور، الرئيسة التنفيذية للمحتوى بشركة «كوندي ناست» ورئيسة التحرير العالمي لفوغ، أهمية وجود «كوندي ناست» في دبي، مشيرة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تدير فيها شركة إعلامية عالمية إصداراتها بالكامل من دبي.
وأوضحت أن المنطقة تتمتع بتقدير عميق للفنون والثقافة والحرف التقليدية، مشددة على أن «فوغ» و«جي كيو» ستعملان على الاحتفاء بهذه العناصر ودمجها في استراتيجيتهما التحريرية.
وقال مانويل أرنو، رئيس المحتوى التحريري لمجلة «ڤوغ العربية»: إن الشرق الأوسط يزخر بمصممين متميزين وحرفية فريدة، مؤكداً أن دمج هذه التقاليد مع منصة «ڤوغ» العالمية سيكون أحد أولويات المجلة خلال المرحلة المقبلة.
أما روجر لينش، الرئيس التنفيذي لشركة «كوندي ناست»، فقد سلط الضوء على النمو السريع الذي يشهده قطاع السياحة في الشرق الأوسط، ما يجعل دبي الموقع الأمثل لاستضافة جوائز «كوندي ناست ترافيلر» الذهبية.
وأضاف: إن هذا التوسع يعزز من حضور «كوندي ناست» في المنطقة، مما يتيح دمج الإبداع الشرق أوسطي ضمن الشبكة العالمية للشركة.