عبد المنعم سعيد يكتب: حماس والدولة الفلسطينية.. الحركة نجحت قى تقسيم الشعب الفلسطينى وفصل غزة عن الضفة الغربية
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
حركة الإخوان المسلمين تمثل حركة عالمية فاشية من النوع الذى يستخدم الدين لتبرير العنف والإرهاب والتمكين من رقاب العالم الإسلامى الممتد من إندونيسيا شرقا بين المحيطين الهندى والهادئ إلى المغرب غربا على ضفاف المحيط الأطلنطي. الغرض الأسمى من "أستاذية العالم" الخاصة بالمسلمين تتمثل فى المستقبل "الأعلى" بتحقيق المظلة السياسية للإخوان المسلمين من خلال قيام "الخلافة الإسلامية".
ولذا فإن العدو الأول للجماعة هو الدولة الوطنية القائمة على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب أو اللون أو أيا ما يميز إنسانا عن آخر. الدولة الوطنية فى الأول والآخر تعيش على قطعة جغرافية محددة المعالم، وذات تعريف تاريخى للمصالح "القومية" يربط ما بين الأفراد فى "شعب" واحد.
وكما ذكرنا فى هذا المقام من قبل فإن الإخوان المسلمين سجلوا معاداتهم للدولة الوطنية المصرية منذ خطواتها الأولى فى عهد محمد على فى مطلع القرن التاسع عشر وحتى الآن. وكانت وجهة النظر الإخوانية الدائمة فى مصر أن تاريخها يبدأ مع الغزو الإسلامى بقيادة عمرو بن العاص عام ٦٣٩م، أما ما سبق ذلك من تاريخ عريق فإنه ليس له بال فى تكوين الهوية المصرية.
وما صدق على مصر صدق على كافة البلاد العربية والإسلامية الأخرى حيث لا تاريخ ولا هوية قبل دخول الإسلام؛ وكذلك لا تاريخ أيضا ولا هوية بالنسبة هذه البلدان فى العالم المعاصر خلال القرنين العشرين والواحد والعشرين.
جرى العرف الإخوانى دائما على تعريف قضايا الاستقلال والتخلص من الاستعمار على أساس أنها قضايا دينية تدور بين الغرب "الصليبي" والعالم "الإسلامي"؛ أو أنها فى حالة النضال الفلسطينى فإنها بين المسلمين واليهود، والإسلام واليهودية.
وفى هذه القضية الأخيرة جرى تركيز الإخوان أولا على أنهم أصحاب القضية وأكثر المدافعين عنها منذ تفجر الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام ١٩٤٨ حيث شارك الإخوان فى الحرب العربية الإسرائيلية الأولى من خلال متطوعين تدربوا على البطولة والاستشهاد، والحقيقة أن عدد المشاركين منهم كان ١١١ لم يشكلوا فارقا فى أى من المعارك التى دارت فى الحرب.
المدهش هو أن جماعة من الكتاب العرب تصاب بأنواع من «العمى» الفكرى كلما اقترب الموضوع من القضية الفلسطينية، بعد أن نصبت نفسها وصية ومدافعا أول عن "القضية المركزية". وتكون الحالة حادة عندما يكون الكاتب متعاطفا بشدة وتعصب مع جماعة الإخوان المسلمين، ففى هذه الحالة تصير القضية هى حماس التى لا يقال عنها شيء إلا صار افتراء، ولا ينتقد منها أمر إلا إذا صار نكوصا عن تأييد القضية الفلسطينية.
والجديد فى الأمر هو ما دخل على التقاليد من ظروف جديدة لها علاقة بالإطاحة بحكم «الإخوان المسلمين» فى مصر - وهذا وحده يكفى للجنون من قبل الملتصقين بها - والاتهامات المتزايدة لحركة حماس فى غزة بأن لها أدوارا متعددة فى الثورة المصرية، من أول اقتحام السجون إلى معاونة الإرهاب فى سيناء.
القائلون هنا لهم قدرة هائلة على تبرير كل حدث، أو البحث فى ثنايا الأخبار أو الصحف الإسرائيلية عما يبرئ حركة حماس، والتعميم دائما فى النهاية هو تبكيت المصريين لأنهم لم تعد لهم الحماسة نفسها فى الدفاع عن القضية الفلسطينية، بسبب مؤامرة من نوع ما، أو نتيجة وقيعة قادمة من السلطة الوطنية الفلسطينية، بينما حماس بريئة تماما من كل ذنب براءة الذئب من دم ابن يعقوب!
لكن حماس ليست بريئة من دم ابن يعقوب، لأن هناك وقائع يصعب على العقل البشري، والعقل المصرى خاصة، أن يقبلها، وإذا كان هذا العقل وطنيا فإن تجاهل مجموعة من الحقائق يصبح من قبيل تجاهل ظهور الشمس ساعة ظهر. الحقيقة الأولى أن حماس قامت بتثقيب الحدود المصرية بالأنفاق، من دون اتفاق مع السلطات المصرية، ومن دون إعطاء «الشقيقة» مصر مثلها مثل الشقيقة فلسطين خريطة بتلك الأنفاق وماذا تفعله على وجه التحديد.
فليس سرا على جماعتنا أن الأنفاق صارت صناعة متكاملة تقوم على القيام بكل ما هو غير شرعى أو قانونى أو مقبول فى العلاقات بين الجيران من الدول، لو اعتبرنا سلطة حماس كيانا سياسيا من نوع ما. قامت هذه الصناعة على إفساد جماعات من المصريين لا يمكن الدفاع عنهم نتيجة إهمال السلطات المصرية لهم، لأن هذه السلطات أهملت كثرة من المصريين، ولم يقم هؤلاء ببناء أنفاق أو غيرها من التعامل مع دول أو كيانات خارجية لانتهاك الأمن القومى المصري.
الصناعة ذاتها أفسدت كثرة من الفلسطينيين لتحويل صناعة ادعت أنها للتخفيف عن أعباء الفلسطينيين لكى تصير تجارة هائلة فيها سلع مرفهة مثل عربات «المرسيدس»، بينما تجلس سلطة حماس لكى تجنى الضرائب. هل الأنفاق، وصناعتها، وفسادها، موضع شك؟ وهل هناك فى بلد يحترم نفسه مواطنون يقبلون مثل هذا الانتهاك للأمن القومى المصري؟
الحقيقة الثانية تنطلق من الأولى، وهى أن الأنفاق لم تكن مجرد صناعة يكسب منها المهرب ومحصل الضرائب من دون موافقة أو قبول من السلطات المصرية. كانت الأنفاق وسيلة لإرهاب المصريين قبل الثورة المصرية الأولى فى يناير ٢٠١١، والثانية فى يونيو ٢٠١٣، وبعدهما، بل وأثناءهما.
حوادث الإرهاب التى جرت فى طابا، وشرم الشيخ، ودهب، وقعت وقتلت المصريين والسائحين، ولم تأت هذه العمليات من السحاب، وإنما جاءت من الأنفاق. القول إن جماعة "جيش الإسلام" خارجة عن حماس ينفى أن الحركة سلطة من الأصل، لكنها بملء الفم تعلن أنها سلطة، وأنها هكذا تحل محل السلطة الوطنية الفلسطينية فى التعامل مع قضية المعابر تحت الأرض أو فوقها.
بعد الثورات استمر الأمر، والآن يخوض الجيش المصرى معركة شرف مع جماعة «المجاهدين» التى يدعى مناصروها أنها لا علاقة لها مع حماس، بينما لم تدين هذه الجماعة ولا جماعة الإخوان المسلمين ما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية من قتل وترويع.
تحصيل الحاصل من بيانات الإخوان وحماس لا ينفع كثيرا إذا ما جاءت مصحوبة بتعبيرات «ولكن» التى تجعل الإرهاب فى النهاية مبررا، خاصة أن الإدانة تأتى خالية الدسم عندما لا يذكر الأساس «الشرعي» للإدانة، وعما إذا كان الإرهابيون أبطالا أم خونة، وقتلاهم شهداء أم مجرمين!
الحقيقة الثالثة لا يمكن إنكارها لأنها تتضمن حركة ثلاثة أرباع مليون نسمة من أهل غزة اقتحموا فى يناير ٢٠٠٨ الحدود المصرية من أجل اجتياح سيناء، وبالطبع من دون إذن أو استئذان من السلطات المصرية، وإنما لفرض أمر واقع على الأرض أن من حق الإخوة فى فلسطين أن يقتحموا مصر متى شاءوا وأرادوا.
كان الأمر كله استغلالا غير مقبول للبروتوكول الأمنى لمعاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية، والذى كان التصور أنه يعطى لإسرائيل ميزة عسكرية على مصر فى تحقيق المفاجأة الاستراتيجية، وهو ما أعدت له القوات المسلحة المصرية عدته. لكن المفاجأة جاءت من جانب حماس، وجرى الاقتحام بعد تدمير السور الفاصل على الحدود، بل وقتل جنود مصريين فى الواقعة.
التبرير الشائع لأفعال حماس يقوم على حجتين؛ الأوضاع الإنسانية الصعبة للشعب الفلسطينى فى غزة؛ وأن حماس تمثل «المقاومة» الفلسطينية الممانعة التى سوف تقوم بتحرير فلسطين. المشكلة فى الحجتين بفرض رجاحتهما أنهما تستبعدان مصر من الموضوع، وتلقيان عليها مسئوليات لم يحدث أن قبلتها إلا إذا كان هناك تنسيق أو تفاهم أو اتفاق.
من ناحية أخرى قبلت مصر «عملية السلام» واتفاقيتها مع مصر سواء فى عهد نظام مبارك أو نظام مرسي؛ أما حماس فإنها لم تقبل اتفاقية أوسلو حتى ولو لم تجد غضاضة فى أن تنتخب على أساس بنودها وهى تنوى الانقلاب وفصل غزة عن الكيان الفلسطيني.
ومع ذلك فإن جماعة «المشجعين» لحماس من الإخوان أو غيرهم يغفلون تماما دورها فى إفساد اتفاق «أوسلو» عندما يقومون بسرد ما انتهى إليه أمرها والحالة المزرية التى وصلت إليها القضية الفلسطينية بعد تكثيف حالة الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية.
لقد فشلت اتفاقيات «أوسلو» ليس فقط نتيجة التشدد الإسرائيلى ولكن أيضا لأن حماس أرادت إفسادها من خلال عمليات عسكرية قبل كل جولة من جولات المفاوضات، وعندما انتهى الموضوع كله مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية فى عام ٢٠٠١ لم ينجح منهج حماس لا فى تحرير الأرض الفلسطينية، ولا فى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولا فى رفع الاستيطان عن القدس.
كل ما نجحت فيه حماس هو أن تقسيم الشعب الفلسطيني، وفصل غزة عن الضفة الغربية، وجعلت من الانتخابات الفلسطينية آخر انتخابات كما كان «الإخوان المسلمون» فى مصر، وفى السودان من قبلهم، ينوون فعله. وفى الأمر تفاصيل كثيرة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الارهاب اندونيسيا القضیة الفلسطینیة الإخوان المسلمین السلطات المصریة من دون
إقرأ أيضاً:
انتقادات إسرائيلية لسوء الأداء الإعلامي في الحرب.. حماس نجحت بالدعاية
رغم ما يحوزه الاحتلال من أدوات دعائية واسعة وكبيرة، وشبكة طويلة من العلاقات مع كبرى الشبكات الإعلامية حول العالم، أمام الحصار الذي يفرضه على إعلام المقاومة، لكن خيبة أمل كبيرة رافقته خلال الحرب الأخيرة، ومراسم إطلاق سراح المختطفين من غزة، بسبب قدرة المقاومة على توصيل رسائلها الإعلامية للجمهور الاسرائيلي الذي بات يلتفّ حول الشاشات للاستماع لما يقوله ناطقوها.
أوري يسخاروف، رئيس قسم الأبحاث في حركة "خبراء الأمن"، وجندي احتياطي من الوحدة الاستخبارية 8200، زعم أن "إطلاق سراح المختطفين في الأسابيع الأخيرة وفّر لحماس فرصة ذهبية للدعاية الحية للجمهور الإسرائيلي بتنظيمها عروضاً هوليوودية صادمة، مستوحاة من رموز النضال الفلسطيني، وهدفها إذلال الإسرائيليين من خلال هذه الأداة الإعلامية، وأعلنت بكتابات خلف منصات التسليم بثلاث لغات: "نحن اليوم التالي"، في رسالة موجهة للجمهور الفلسطيني والإسرائيلي والعالمي".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة إسرائيل اليوم، وترجمته "عربي21" أن "حماس تطلّعت لأن تحقق مثل هذه الصور تأثيراً مماثلاً لتأثير عملياتها التفجيرية في أعوام 1994 في قلب دولة الاحتلال، بحيث تسفر عن تراجعها، وتعبها، ورعبها، وإعطاء الحركة كل ما تريده، من خلال متابعتها جيداً للأصوات الداعية اليوم لوقف القتال، ويصفون فكرة "النصر المطلق" بأنها "شعارات فارغة ونكتة حزينة".
وأوضح أن "هذ الصور القادمة من غزة بمثابة المسمار الأخير في نعش فكرة الحلّ السياسي، لأن "طقوس الإذلال" التي ترافق عمليات الإفراج عن المختطفين تحقق النتيجة المعاكسة تماماً لما تأملته حماس، لأنها في 2025، لن تلتقي مع "إسرائيل" السابقة، المستعدة لإجراء محادثات متسرّعة في طابا، أو تجميد الاستيطان مقابل الدخول في المفاوضات، أو إطلاق سراح ثلاثين أسيرة مقابل فيديو لاختطافهن".
وأشار أنني "ألتقي بقطاع واسع من الجمهور الذي يعيش "حرب البقاء"، يلعق جراحه، ويشعر بالاشمئزاز من هذه الصور، وغاضب من أي صور تعيده لما قبل السابع من أكتوبر، ويفهم جيدًا ثمن الإنكار الذي سمح لحماس بخداع صناع القرار، ومنح تقييماتها الاستخبارية شعورا زائفا بالهدوء".
وختم بالقول أنه "سيكون من الصعب مجددا بيع الإسرائيليين ذات "منتج" لما قبل هجوم السابع من أكتوبر، وقبول تنظيم وتسليح جيشها على بعد مئات الأمتار من الكيبوتسات تحت ستار أننا "سنردّ في المكان والزمان المناسبين"، لأن هذه العلامة التجارية لهذا المنتج كانت خدعة كبيرة".
درور إيدار خبير الشئون الدعائية، أكد أن "الإعلام الإسرائيلي يفقد طريقه بتغطية الحرب، لأن استخدامه المتلاعب للمشاعر العامة وذكريات الهولوكوست يشوّه خطابه العام، مما يستدعي التحذير من تحويل الصور الدعائية الحاضرة اليوم لتاريخ من الهستيريا، في ضوء استخدام حماس لوسائلنا الإعلامية بكل صراحة، التي تستسلم لها، من خلال بث الوضع المسرحي للمختطفين، مروراً بالتغطية التي تتكرر دون تجديد لساعات طويلة حتى تصبح "مخدّرة" للعقل، وانتهاءً بالعرض الثنائي الأسود والأبيض للموقف من الصفقة عموما".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة إسرائيل اليوم، وترجمته "عربي21" أن "وسائل الإعلام مسؤولة عن نقل الواقع إلى جمهورها الاسرائيلي، لكنها بدلاً من ذلك تعمل على تفكيك وعيه، وهذا أمر خطير دائماً، وأثناء الحرب الوجودية يصبح الأمر خطيراً بشكل مضاعف، وهو ما يتكرر في بث مشاهد المختطفين على منصة المسرح في غزة، مع أن مثل هذه المشاهد تكتسب اليوم زخماً في ظل التغطية الإعلامية الواسعة".
وأوضح أن "حماس تراقب وسائلنا الإعلامية ونحن نلقي اللوم على بعضنا، وتبقى فقط مشاعر العداء تجاه قيادتنا، وليس تجاه العدو الحقيقي، ويبدو أن نفس التنمّر السياسي الذي عرفناه في عام الانقلاب القانوني عاد ليطلّ برأسه على الشاشات، وهكذا يراقبنا الفلسطينيون، ويفركون أيديهم معًا، فيما فقدنا أعصابنا في عيونهم، تمامًا كما تنبّأوا عندما اختطفونا، وأدركوا التعبئة الأحادية الجانب التي قامت بها أغلب وسائلنا الإعلامية لصالح التنازلات والاستسلام".
وأشار أنه "في كل هذه الحالات لم يكن هناك مكان مناسب في الخطاب الإعلامي لصوت عقلاني آخر، يفحص الأمور بمعزل عن العاطفة، ويأخذ في الاعتبار الاعتبارات المستقبلية مثل إهمال حياة الإسرائيليين ، وتشجيع العمليات المسلحة في ضوء غسيل الأدمغة الإعلامي الذي أطلق على معارضي الانقلاب القانوني وصف "أعداء السلام والشعب" والفاشيين ومحرّضي الحرب والمتطرفين والمسيحانيين والنازيين اليهود".