حركة الإخوان المسلمين تمثل حركة عالمية فاشية من النوع الذى يستخدم الدين لتبرير العنف والإرهاب والتمكين من رقاب العالم الإسلامى الممتد من إندونيسيا شرقا بين المحيطين الهندى والهادئ إلى المغرب غربا على ضفاف المحيط الأطلنطي. الغرض الأسمى من "أستاذية العالم" الخاصة بالمسلمين تتمثل فى المستقبل "الأعلى" بتحقيق المظلة السياسية للإخوان المسلمين من خلال قيام "الخلافة الإسلامية".


ولذا فإن العدو الأول للجماعة هو الدولة الوطنية القائمة على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب أو اللون أو أيا ما يميز إنسانا عن آخر. الدولة الوطنية فى الأول والآخر تعيش على قطعة جغرافية محددة المعالم، وذات تعريف تاريخى للمصالح "القومية" يربط ما بين الأفراد فى "شعب" واحد.
وكما ذكرنا فى هذا المقام من قبل فإن الإخوان المسلمين سجلوا معاداتهم للدولة الوطنية المصرية منذ خطواتها الأولى فى عهد محمد على فى مطلع القرن التاسع عشر وحتى الآن. وكانت وجهة النظر الإخوانية الدائمة فى مصر أن تاريخها يبدأ مع الغزو الإسلامى بقيادة عمرو بن العاص عام ٦٣٩م، أما ما سبق ذلك من تاريخ عريق فإنه ليس له بال فى تكوين الهوية المصرية.
وما صدق على مصر صدق على كافة البلاد العربية والإسلامية الأخرى حيث لا تاريخ ولا هوية قبل دخول الإسلام؛ وكذلك لا تاريخ أيضا ولا هوية بالنسبة هذه البلدان فى العالم المعاصر خلال القرنين العشرين والواحد والعشرين.
جرى العرف الإخوانى دائما على تعريف قضايا الاستقلال والتخلص من الاستعمار على أساس أنها قضايا دينية تدور بين الغرب "الصليبي" والعالم "الإسلامي"؛ أو أنها فى حالة النضال الفلسطينى فإنها بين المسلمين واليهود، والإسلام واليهودية.
وفى هذه القضية الأخيرة جرى تركيز الإخوان أولا على أنهم أصحاب القضية وأكثر المدافعين عنها منذ تفجر الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام ١٩٤٨ حيث شارك الإخوان فى الحرب العربية الإسرائيلية الأولى من خلال متطوعين تدربوا على البطولة والاستشهاد، والحقيقة أن عدد المشاركين منهم كان ١١١ لم يشكلوا فارقا فى أى من المعارك التى دارت فى الحرب.
المدهش هو أن جماعة من الكتاب العرب تصاب بأنواع من «العمى» الفكرى كلما اقترب الموضوع من القضية الفلسطينية، بعد أن نصبت نفسها وصية ومدافعا أول عن "القضية المركزية". وتكون الحالة حادة عندما يكون الكاتب متعاطفا بشدة وتعصب مع جماعة الإخوان المسلمين، ففى هذه الحالة تصير القضية هى حماس التى لا يقال عنها شيء إلا صار افتراء، ولا ينتقد منها أمر إلا إذا صار نكوصا عن تأييد القضية الفلسطينية.
والجديد فى الأمر هو ما دخل على التقاليد من ظروف جديدة لها علاقة بالإطاحة بحكم «الإخوان المسلمين» فى مصر - وهذا وحده يكفى للجنون من قبل الملتصقين بها - والاتهامات المتزايدة لحركة حماس فى غزة بأن لها أدوارا متعددة فى الثورة المصرية، من أول اقتحام السجون إلى معاونة الإرهاب فى سيناء.
القائلون هنا لهم قدرة هائلة على تبرير كل حدث، أو البحث فى ثنايا الأخبار أو الصحف الإسرائيلية عما يبرئ حركة حماس، والتعميم دائما فى النهاية هو تبكيت المصريين لأنهم لم تعد لهم الحماسة نفسها فى الدفاع عن القضية الفلسطينية، بسبب مؤامرة من نوع ما، أو نتيجة وقيعة قادمة من السلطة الوطنية الفلسطينية، بينما حماس بريئة تماما من كل ذنب براءة الذئب من دم ابن يعقوب!
لكن حماس ليست بريئة من دم ابن يعقوب، لأن هناك وقائع يصعب على العقل البشري، والعقل المصرى خاصة، أن يقبلها، وإذا كان هذا العقل وطنيا فإن تجاهل مجموعة من الحقائق يصبح من قبيل تجاهل ظهور الشمس ساعة ظهر. الحقيقة الأولى أن حماس قامت بتثقيب الحدود المصرية بالأنفاق، من دون اتفاق مع السلطات المصرية، ومن دون إعطاء «الشقيقة» مصر مثلها مثل الشقيقة فلسطين خريطة بتلك الأنفاق وماذا تفعله على وجه التحديد.
فليس سرا على جماعتنا أن الأنفاق صارت صناعة متكاملة تقوم على القيام بكل ما هو غير شرعى أو قانونى أو مقبول فى العلاقات بين الجيران من الدول، لو اعتبرنا سلطة حماس كيانا سياسيا من نوع ما. قامت هذه الصناعة على إفساد جماعات من المصريين لا يمكن الدفاع عنهم نتيجة إهمال السلطات المصرية لهم، لأن هذه السلطات أهملت كثرة من المصريين، ولم يقم هؤلاء ببناء أنفاق أو غيرها من التعامل مع دول أو كيانات خارجية لانتهاك الأمن القومى المصري.
الصناعة ذاتها أفسدت كثرة من الفلسطينيين لتحويل صناعة ادعت أنها للتخفيف عن أعباء الفلسطينيين لكى تصير تجارة هائلة فيها سلع مرفهة مثل عربات «المرسيدس»، بينما تجلس سلطة حماس لكى تجنى الضرائب. هل الأنفاق، وصناعتها، وفسادها، موضع شك؟ وهل هناك فى بلد يحترم نفسه مواطنون يقبلون مثل هذا الانتهاك للأمن القومى المصري؟
الحقيقة الثانية تنطلق من الأولى، وهى أن الأنفاق لم تكن مجرد صناعة يكسب منها المهرب ومحصل الضرائب من دون موافقة أو قبول من السلطات المصرية. كانت الأنفاق وسيلة لإرهاب المصريين قبل الثورة المصرية الأولى فى يناير ٢٠١١، والثانية فى يونيو ٢٠١٣، وبعدهما، بل وأثناءهما.
حوادث الإرهاب التى جرت فى طابا، وشرم الشيخ، ودهب، وقعت وقتلت المصريين والسائحين، ولم تأت هذه العمليات من السحاب، وإنما جاءت من الأنفاق. القول إن جماعة "جيش الإسلام" خارجة عن حماس ينفى أن الحركة سلطة من الأصل، لكنها بملء الفم تعلن أنها سلطة، وأنها هكذا تحل محل السلطة الوطنية الفلسطينية فى التعامل مع قضية المعابر تحت الأرض أو فوقها.
بعد الثورات استمر الأمر، والآن يخوض الجيش المصرى معركة شرف مع جماعة «المجاهدين» التى يدعى مناصروها أنها لا علاقة لها مع حماس، بينما لم تدين هذه الجماعة ولا جماعة الإخوان المسلمين ما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية من قتل وترويع.
تحصيل الحاصل من بيانات الإخوان وحماس لا ينفع كثيرا إذا ما جاءت مصحوبة بتعبيرات «ولكن» التى تجعل الإرهاب فى النهاية مبررا، خاصة أن الإدانة تأتى خالية الدسم عندما لا يذكر الأساس «الشرعي» للإدانة، وعما إذا كان الإرهابيون أبطالا أم خونة، وقتلاهم شهداء أم مجرمين!
الحقيقة الثالثة لا يمكن إنكارها لأنها تتضمن حركة ثلاثة أرباع مليون نسمة من أهل غزة اقتحموا فى يناير ٢٠٠٨ الحدود المصرية من أجل اجتياح سيناء، وبالطبع من دون إذن أو استئذان من السلطات المصرية، وإنما لفرض أمر واقع على الأرض أن من حق الإخوة فى فلسطين أن يقتحموا مصر متى شاءوا وأرادوا.
كان الأمر كله استغلالا غير مقبول للبروتوكول الأمنى لمعاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية، والذى كان التصور أنه يعطى لإسرائيل ميزة عسكرية على مصر فى تحقيق المفاجأة الاستراتيجية، وهو ما أعدت له القوات المسلحة المصرية عدته. لكن المفاجأة جاءت من جانب حماس، وجرى الاقتحام بعد تدمير السور الفاصل على الحدود، بل وقتل جنود مصريين فى الواقعة.
التبرير الشائع لأفعال حماس يقوم على حجتين؛ الأوضاع الإنسانية الصعبة للشعب الفلسطينى فى غزة؛ وأن حماس تمثل «المقاومة» الفلسطينية الممانعة التى سوف تقوم بتحرير فلسطين. المشكلة فى الحجتين بفرض رجاحتهما أنهما تستبعدان مصر من الموضوع، وتلقيان عليها مسئوليات لم يحدث أن قبلتها إلا إذا كان هناك تنسيق أو تفاهم أو اتفاق.
من ناحية أخرى قبلت مصر «عملية السلام» واتفاقيتها مع مصر سواء فى عهد نظام مبارك أو نظام مرسي؛ أما حماس فإنها لم تقبل اتفاقية أوسلو حتى ولو لم تجد غضاضة فى أن تنتخب على أساس بنودها وهى تنوى الانقلاب وفصل غزة عن الكيان الفلسطيني.
ومع ذلك فإن جماعة «المشجعين» لحماس من الإخوان أو غيرهم يغفلون تماما دورها فى إفساد اتفاق «أوسلو» عندما يقومون بسرد ما انتهى إليه أمرها والحالة المزرية التى وصلت إليها القضية الفلسطينية بعد تكثيف حالة الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية.
لقد فشلت اتفاقيات «أوسلو» ليس فقط نتيجة التشدد الإسرائيلى ولكن أيضا لأن حماس أرادت إفسادها من خلال عمليات عسكرية قبل كل جولة من جولات المفاوضات، وعندما انتهى الموضوع كله مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية فى عام ٢٠٠١ لم ينجح منهج حماس لا فى تحرير الأرض الفلسطينية، ولا فى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولا فى رفع الاستيطان عن القدس.
كل ما نجحت فيه حماس هو أن تقسيم الشعب الفلسطيني، وفصل غزة عن الضفة الغربية، وجعلت من الانتخابات الفلسطينية آخر انتخابات كما كان «الإخوان المسلمون» فى مصر، وفى السودان من قبلهم، ينوون فعله. وفى الأمر تفاصيل كثيرة.
 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الارهاب اندونيسيا القضیة الفلسطینیة الإخوان المسلمین السلطات المصریة من دون

إقرأ أيضاً:

تادغ هيكي.. كوميدي أيرلندي وظف موهبته لدعم القضية الفلسطينية

واختار الكوميدي الأيرلندي هيكي -الذي عُرف بسخريته السياسية المناهضة للإمبريالية- توظيف موهبته الكوميدية سلاحا للمقاومة، مستهدفا "النفاق الغربي" والدعاية الإسرائيلية، فبعد العدوان على قطاع غزة عام 2021 تحولت كوميديته إلى منصة للتوعية، مقدما تفسيرات ساخرة وعميقة للصراع، مما أكسبه التقدير من جهة والهجمات القاسية من جهة أخرى.

ويتناول هيكي عبر حلقة جديدة من برنامج "وجهات نظر" رحلته التي قادته لدعم القضية الفلسطينية، إذ يصف نفسه بأنه "ناشط ساخر"، ويروي قصة وعيه السياسي منذ طفولته، حيث تشكلت معالم رؤيته في شوارع بلفاست حين رأى الأعلام الفلسطينية ترفرف بجانب الأعلام الأيرلندية، فأدرك مبكرا أن النضال ضد الاستعمار يجمع البلدين، إذ تعرض كلاهما للتهجير والقمع.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4أيرلندا تقر تعيين أول سفيرة فلسطينية لديهاlist 2 of 4مواقف ألمانيا وإسبانيا تكشف تناقضات أوروبا تجاه فلسطينlist 3 of 4البروفيسور ميلر للمقابلة: الإسلاموفوبيا أداة صهيونية لدعم الاحتلال الإسرائيليlist 4 of 4ما علاقة الفلسطينيين بعداء إسرائيل لهذه الدولة الأوروبية؟end of list

ويصف هيكي تجربته المؤلمة بعد انحيازه للقضية الفلسطينية، إذ خسر عمله وتعرض للتهديد، لكنه يؤكد أنه لا يندم، معتبرا أن الوقوف ضد الإبادة الجماعية هو جوهر الإنسانية.

ويكشف هيكي أن اللحظة الحاسمة في وعيه بقضية فلسطين كانت خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2021 ويقول "رأيت أن هذا ليس صراعا، بل استعمار استيطاني يشبه تماما ما عانته أيرلندا تحت الاستعمار البريطاني، الاحتلال الاستيطاني دائما يعتمد على القتل وتشريد السكان الأصليين".

إستراتيجية إفشال

وازدادت قناعاته بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ رأى أن الرد الإسرائيلي الوحشي على الهجمات الفلسطينية لم يكن مجرد رد فعل، بل إستراتيجية لإفشال أي فرصة لتحقيق حل الدولتين، وتساءل "كيف يمكن قبول سلام مع من يقتل عائلتك ويفتخر بذلك على تيك توك؟".

وقرر هيكي استخدام الكوميديا لرفع الوعي بالقضية الفلسطينية، مستشيرا أصدقاء فلسطينيين للتأكد من أن رسائله لا يساء فهمها، ويشير إلى أحد أشهر مقاطعه الساخرة الذي شبه فيه رد إسرائيل على هجوم فلسطيني برد شخص يحرق منزلا كاملا لمجرد لدغة نحلة.

ولم يكن اختيار هذا المسار خاليا من التحديات، فقد تعرض هيكي لانتقادات حادة وتهديدات، مما أثر على صحته النفسية وألحق أضرارا بعائلته، كما فقد فرص عمل عديدة، حيث يقول "لم أعد أتلقى عروضا تمثيلية، لكنني أجد نفسي مفيدا بطريقة لم أشعر بها قط من قبل".

ورغم هذه التحديات فإن هيكي يواصل تقديم عروضه المسرحية والتفاعل مع جمهوره عبر منصة "باتريون"، إذ يحظى بدعم كبير من متابعين يؤمنون برسالته، ويقدم خلال عرضه وجهة نظره رسالة قوية بقوله "إذا لم تكن مع الفلسطينيين فلا أعتقد أنك مرتبط تماما بإنسانيتك".

25/11/2024

مقالات مشابهة

  • بعد فوزه في "القاهرة السينمائي" مخرج "أحلام عابرة": موقف المهرجان من دعم القضية الفلسطينية ليس غريبًا على السينما المصرية
  • عبد المنعم سعيد: روسيا تصعد الحرب مع أوكرانيا لتكون دولية
  • تادغ هيكي.. كوميدي أيرلندي وظف موهبته لدعم القضية الفلسطينية
  • المقاومة الفلسطينية تبث مشاهد لتصدي مقاتليها لقوات العدو الصهيوني في الضفة الغربية
  • مجلس الأمن يعقد اليوم جلسة حول القضية الفلسطينية
  • عدد جديد من «بانيبال» يسلط الضوء على «القضية الفلسطينية في قلب الأدب»
  • اليوم.. مجلس الأمن يعقد جلسة حول القضية الفلسطينية
  • حزب الغد: مواقف مصر تجاه القضية الفلسطينية ثابتة رغم محاولات التشكيك
  • جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية
  • نتانياهو يندد بعنف المستوطنين ضد الجيش في الضفة الغربية