ليوناردو دينى يكتب: وهم أوكرانيا.. والناتو.. قمة فيلنيوس.. من أحلام دخول أوكرانيا للحلف إلى الأبواب المفتوحة أمام فنلندا والسويد
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
ربما أصبحت الأزمة الأوكرانية بعد قمة فيلنيوس تشكل أزمة لكل أوروبا: فى ٢٨ يوليو، أعلن ديميترى ميدفيديف، رئيس الوزراء الروسى السابق أن "الرد الروسى على انضمام فنلندا والسويد للناتو سيكون متناسقا”. كشفت قمة فيلنيوس عن خدعة الناتو: نعم لفنلندا والسويد، لا لأوكرانيا على الرغم من حسن نواياها.
وفى الوقت نفسه، فى المنطقة المسماة ممر سوالكى الواقعة بين بولندا وبيلاروسيا، تسلل رجال ميليشيا فاجنر الروسية وكانوا على استعداد لتنفيذ هجمات مفاجئة وغارات على بولندا.
كان رد بوتين على قمة فيلنيوس سريعًا وتمت صياغته فى اجتماع مجلس الأمن الروسى فى موسكوفى ٢١ يوليو: قال الرئيس الروسى إن أى تهديد أو هجوم من جانب بولندا ضد بيلاروسيا سيعتبر هجومًا على روسيا وسترد موسكو عليه بكافة الوسائل المتاحة، كما اتهمت بولندا بالرغبة فى استعادة بعض الأراضى البيلاروسية البولندية السابقة الواقعة فى غرب بيلاروسيا.
الوهم والحقيقة
خلال القمة يومى ١١ و١٢ يوليو ٢٠٢٣، احتج الرئيس الأوكرانى علنًا على وعود الناتو الزائفة أو ما يسمى بسياسة “الأبواب المفتوحة” والتى هى فى الواقع شبه مغلقة مما يجعل من انضمام أوكرانيا إلى الناتو أمرًا خياليا وأملا مثالى خاصة فى ظل حرب تبدو فى الواقع لا نهائية.
تعامل الحلف الأطلسى بعد قمة فيلنيوس رسميًا مع فنلندا والسويد بشكل جيد للغاية من خلال فتح الأبواب أمامهما ولكن من الواضح أنه رفض فتح تلك الأبواب أمام أوكرانيا التى يتم استغلالها من قبا الناتو لإضعاف الروس.
فى ٢٨ يوليو، ذكّر ميدفيديف حلف الناتو بنفاقه تجاه أوكرانيا وشدد على الخطر الجسيم المتمثل فى التصعيد الناجم عن انضمام فنلندا والسويد. ومع ذلك، علينا أن نعترف بأنه كان على حق على الرغم من أننى أدافع عن أوكرانيا وقضيت للتو معظم وقتى هناك منذ الحرب.
وفى الواقع، لم تتجاهل قمة الناتو فى فيلنيوس الآمال الأوكرانية فى الحصول على عضوية رسمية فى الحلف فحسب بل كرست أيضًا عدم اليقين الاستراتيجى تجاه قرارات دول الناتو. وفى الواقع، منذ ٨ يوليو٢٠٢٣، تم تفعيل الرؤوس الحربية النووية الروسية الموضوعة مسبقًا فى بيلاروسيا فى بريست، على مدى قصير على حدود دول الناتوو على وجه الخصوص بولندا.
وباستثناء الهجمات المتفرقة على شبه جزيرة القرم وجسورها وعلى عكس ما تردده كييف، فإن هجومًا روسيًا غير متوقع يتطور بالفعل فى كوبجانسك وهى منطقة تضم أكثر من ١٠٠ ألف جندى روسى نشط، فى الوقت الذى نرى زعيم الناتو، النرويجى ستولتنبرج ما زال يعطى آمال كاذبة للأوكرانيين.
علاوة على ذلك، أعلن الأوكرانيون أنفسهم وذلك على هامش قمة فيلنيوس، أن قواعد الانضمام إلى الناتو- بالرغم من القواعد الصارمة ولكن الواضحة للانضمام للاتحاد الأوروبي، فإنها ضبابية وغير مفهومة وغير واضحة بالنسبة للأوكرانيين.
الخطاب الروسى والغرب
لم ينكر جوبايدن أصوله الأيرلندية فى قمة فيلنيوس حيث ألقى خطابًا شديد الوضوح بل ويعد متطرفا ضد "الاستبداد العسكرى لبوتين" مؤكدا: سندافع عن الحرية اليوم وغدا وفى أى وقت. "إن الولايات المتحدة متشددة من أجل المعركة المستقبلية" وأن فكرة أن الولايات المتحدة يمكن أن تزدهر بدون أوروبا هى فكرة غير معقولة.
إذا تم إخراج هذه الجمل من سياقها فبالتأكيد ستجعك تفكر: ما هى المعركة المستقبلية التى كان يشير إليها بايدن، وهويستعد الآن للسلام أو على الأقل للهدنة؟ هل تدافع الولايات المتحدة عن أوروبا أم ستدافع عنها إذا اعتبرت حقًا أنه من الضرورى أن تكون قوية وحرة؟
سؤال مهم آخر: كيف ستستطيع أمريكا تجنب الانخراط بشكل مباشر عاجلًا أم آجلًا فى حرب عالمية ساخنة وبالتالى مباشرة، تلك الحرب التى لم تعد باردة وغير مباشرة؟
شهدنا فى فيلنيوس الخلاف الداخلى الأول فى أوروبا والذى شهد تمييزًا، فى مواجهة القوى الأكثر "عقلانية"، لتحالف جديد تم تشكيله خلال أشهر الحرب فى أعقاب اجتماعات القمة الثنائية بين رؤساء دول بولندا وأوكرانيا وليتوانيا. من الناحية العملية، يبدو أن الخط الدفاعى الحقيقى لحلف الناتو يعبر عن نفسه بقوة أكبر وإرادة سياسية وعسكرية مع دول البلطيق وبولندا فى مواجهة تدفق الوسائل والموارد على الحدود الشرقية للناتو والتى لا تزال غير كافية.
دروس التاريخ القديم
فى هذا الصدد، تتحدث دروس التاريخ عبر القرون بوضوح: لا الرومان القدماء قبل ٢٠٠٠ سنة فى مواجهة هجمات الغزاة البرابرة من الشرق، ولا البيزنطيين فى مواجهة غزوات الأتراك (فى العصور الوسطى)، ولا أوروبا التى واجهت غزوات الألمان من هتلر وروس ستالين خلال الحرب العالمية الثانية، لم تنجح أبدًا أيا منها فى احتواء الهجمات القادمة من الشرق. ونتيجة لذلك، فإن الاعتماد على الدفاع عن الدول المجاورة لحلف الناتو يعنى الاعتماد على خطاب خطير وغير واقعى مثل تهديدات ميدفيديف أوبريجوزين. لم يتم تنظيم الدفاع عن أوروبا هيكليًا على المستوى القارى ولم تستطع إنشاء جيش أوروبى مستقل عن أمريكا وإنجلترا.
وبالتالي، فإن معقل الدفاع الأوروبى يكمن اليوم أكثر من أى وقت مضى وأكثر من أى شيء آخر، فى الدفاع الذى يتصوره دول البلطيق وبولندا وأوكرانيا على الرغم من أن أوكرانيا تخاطر بالتعرض لهجمات بربرية جديدة قادمة من الشرق مرة أخرى.
واقع جيوسياسى وعسكرى وسياسى جديد
يشمل هذا التحالف الدفاعى الجديد فى الشرق أيضًا لاتيفيا وإستونيا وهويمثل نوعًا من جدار ادريان الجديد أو حتى نهر الراين الذى فصل بين الرومان القدماء والبرابرة الجرمانيين. من المؤكد أن القوات العسكرية على حدود أوروبا الشرقية ليست متساوية: إن شجاعة وعناد البولنديين ودول البلطيق لم تستطع فى حروب الماضى إيقاف التوسع الروسى ويعد أحدث مثال على ذلك هوالتقدم الروسى خلال نهاية الحرب العالمية الثانية الذى أدى إلى ظهور جيب كالينينجراد الحالى على أرض مأخوذة من جنوب شرق بولندا.
وفى رأيي، يبدو أنه من الضرورى أخذ هذه الحقائق التاريخية فى الاعتبار من أجل فهم التطورات المستقبلية. شكلت بولندا وليتوانيا أيضًا لفترة من الوقت دولة واحدة مع بيلاروسيا الحالية: دوقية ليتوانيا وبولندا الكبرى والتى أصبحت فيما بعد مملكة بولندا، وهى دولة كان لها دور مركزى فى المنطقة بينما لا تزال فى منافسة مباشرة مع الروس.
احتل الروس أراضى بولندية كبيرة فى عدة مناسبات: فى عام ١٧٠٠ مع حرب الخلافة على العرش البولندى (١٧٣٣-١٧٣٨) والتى انتهت بمرور كورلانديا بحكم الأمر الواقع إلى السيطرة الروسية. كذلك فى عام ١٨٠٠ بحجة الانتقام من الغزوات النابليونية مع تقسيم بولندا بين مملكة الكونجرس وضم روسيا لدوقية وارسو.
وفى عام ١٩٣٩ مع اتفاقية Ribbentrop-Molotov السرية وتقسيم الأراضى البولندية بين الألمان والروس والتى منحت جزءًا من بولندا للروس (نصت الاتفاقية فى الواقع على أن يُعهد غرب بولندا إلى الألمان وشرق بولندا إلى الروس). وأخيرًا، فى عام ١٩٤٥ تم تسليم أراضى بولندية تاريخية كاملة مثل مملكة جاليسيا السابقة إلى الاتحاد السوفيتي.
وفى الحقيقة، تاريخيًا، تعد المدن البولندية مثل ليفيف كمدن حدودية للإمبراطورية السوفيتية السابقة، كما برر كل من ميدفيديف وبوتين، وأنه بناء على ذلك، يجب إعادة احتلالها (من قبل الروس). وبين إقليم ما يسمى بروسيا الجديدة أوروسيا العظمى والجزء الشرقى من أوروبا، لا يزال هناك تنافس كبير وتحد متبادل يجعل الروس والبولنديين فى مواجهة دائمة.
ومع ذلك وحتى عام ١٦٠٠، لم يكن البولنديون أكثر قوة من الناحية العملية من الروس. فمنذ عام ١٧٠٠، انعكست الأدوار وكانت بولندا تخشى دائمًا الهيمنة الروسية. ومنذ عام ١٩٤٦ ولأكثر من أربعين عامًا، أصبحت بولندا فى وقت معاهدة وارسو، دولة تابعة للاتحاد السوفيتى وبالتالى أصبحت محمية روسية تقريبًا.
فقط مع المعارضة، من عام ١٩٨٠ إلى ١٩٨٨، بين الحكومة البولندية التى يسيطر عليها الاتحاد السوفيتى وليش فاليسا، ذلك النقابى الذى أصبح رئيس بولندا المحررة من السلطة السوفيتية، ظهر الاستقلال النهائى لبولندا فى الأفق بالتزامن مع نهاية الاتحاد السوفياتى والهيمنة السوفيتية الكاملة على كل أوروبا الشرقية فى عام ١٩٩١.
وفيما يتعلق بالإطار الجيوسياسي، نلاحظ أنه عندما نقتبس من نظرية هارتلاند حول التطويق التدريجى لروسيا من قبل الأمريكيين أو الناتو وأوروبا، فإننا غالبًا لا نأخذ فى الاعتبار الأحداث التى وقعت بعد صياغة هذه النظرية بعد الاحتلال والسيطرة الروسية على دول أوروبا الشرقية.
الأمر الذى يفسر ويبرر بشكل وافٍ الانضمام غير المشروط للدول التابعة للاتحاد السوفيتى إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى اليوم.
كل هذه الدول، بدءًا من بولندا، قد عانت من ديكتاتوريات شيوعية لم يختاروها فرضها ستالين. لذلك، منذ عام ١٩٨٩ هبت رياح الحرية التى يمكن أن ترتبط شرعيًا برياح فرنسا عام ١٧٨٩ فى الثورة الأولى.
ومع ذلك، لا يمكن لأى تحليل موضوعى أن يفلت من حقيقة أن سيادة فيكتور أوربان فى المجر وأندريه دودا فى بولندا وبالتالى الحكومات ذات النزعة القومية القوية فى أوروبا الشرقية، قد أنتجت جنبًا إلى جنب مع الاقتصاد ”الأوروبي” والثقافة ونمط الحياة “الأمريكي” نوعا من الاستعمار القسرى للمجتمعات الشرقية ذو تأثير سلبى مضاعف.
خطر البلقنة
نرى اليوم فى الواقع أن أوروبا الشرقية تمثل اتجاهًا موضوعيًا للبلقنة، أى أنها تخاطر بأن تصبح مكانًا للمواجهة السياسية العسكرية الدائمة بين الشرق والغرب، بين المصالح الروسية والأمريكية.
أوضح مثال على ذلك هو العداء بين بولندا والمجر تقريبًا فى كل قضية تتعلق بالسياسة الخارجية أو الاقتصاد. ومثال آخر يتم تقديمه من خلال التناقض الملحوظ بشكل متزايد بين الدول الأوروبية الموالية لروسيا من ناحية مثل صربيا والمجر، التى تقف إلى جانب "خط أوربان"، مع بلغاريا. ومن ناحية أخرى، الدول الموالية للغرب مثل بولندا ودول البلطيق (لاتيفيا وإستونيا وليتوانيا، وقريبة جدًا من هذا المحور الأطلسى الموالى لروسيا، جمهوريات التشيك وسلوفاكيا ورومانيا).
من الغريب أنه فى إطار هذا الوضع السائل المرن كما يصفه عالم الاجتماع زيجموند بومان، نجد أنه نشأ نوع من الجدال بين البولنديين والأوكرانيين، مهما كان تحالفهم وثيقًا، وكان ذلك حول مشكلة تصدير المنتجات الزراعية الفائضة الأوكرانية نحو بولندا أو عبورها عبر هذا البلد مما سيكون من شأنه الإضرار بالاقتصاد الزراعى البولندي.
أصبحت الأراضى التى تمتد من ليتوانيا وبحر البلطيق فى الشمال، إلى رومانيا وإلى البحر الأسود فى الجنوب الشرقي، منطقة ملغومة جاهزة للانفجار نتيجة الاحتكاكات والحروب التى دمرت منطقة البلقان مع تفكك يوغوسلافيا التى بدأت فى التسعينيات. لذلك، يتم خلق نوع من عدم الاستقرار تدريجيًا فى جميع أنحاء أوروبا الشرقية بغض النظر عن نتيجة الحرب فى أوكرانيا والتى يمكن أن تستمر لفترة طويلة.
الجانبان العسكرى والجيوسياسي
يمكننا الانتقال إلى البعد العسكرى للتفكير فى هذه المشكلة على أساس الاعتبارات التى تحدثنا عنها للتو بشأن عدم الاستقرار فى المنطقة مع التذكير بالاستقرار السابق المذكور أعلاه لمنطقة أوروبا الشرقية والذى كانت تضمنه دوقية بولندا الكبرى وليتوانيا ومن خلال بلغاريا ورومانيا كقوى محلية مستقلة.
إذا كان ستالين قد سأل فى ذلك الوقت وبصورة استفزازية للغاية، "كم عدد الانقسامات فى الفاتيكان؟ فإن بوتين يجب أيضا أن يسأل كم عدد الانقسامات فى بولندا ورومانيا ودول البلطيق والتشيك والسلوفاك، كل تلك الدول التى كانت تتبع السيادة السوفيتية والتى سترفض دائمًا العودة إلى وضع الناتو كما كان قبل عام ١٩٩٧.
ولا يمكن تفسير ذلك بأنها ستكون متحمسة جدًا لأمريكا ولكن لأن هذه الدول لم تعد ترغب فى الخضوع لروسيا والدكتاتوريات الشيوعية العنيفة التى عانت منها بين عامى ١٩٤٥ و١٩٩١.
إن بولندا هى بلا شك الدولة الأكثر تقدمًا عسكريًا وأفضل البلدان تنظيمًا فى وسط وشرق أوروبا كما ظهر مؤخرًا بوضع خط ترسيم حدودى كامل فى ٢٠٢٢-٢٠٢٣ بينها وبين بيلاروسيا مع سيطرة مزدوجة من الشرطة العسكرية كما رأينا ذلك فى الأسابيع الأخيرة، مع إرسال وحدات شرطة ووحدات عسكرية ضخمة إلى الحدود مع بيلاروسيا وحتى وحدات مضادة للصواريخ إلى الحدود ردًا على الأحداث الأخيرة والتهديدات التى وجهها بريجوجين وميدفيديف وبوتين إلى بولندا فى عدة مناسبات.
فى الواقع، قامت بولندا بتركيب صواريخ باتريوت على الحدود مع أوكرانيا ومواقع مضادة للصواريخ على الحدود مع بيلاروسيا منذ شهور بعد تفعيل صواريخ إسكندر الروسية ذات الرؤوس النووية فى مدينة بريست فى الثامن من يوليو مباشرة، والتى تستهدف بوضوح بولندا وفقًا لوارسو.
لذلك عززت بولندا قوتها العسكرية فى وقت قصير جدًا ردًا على مخاطر تلك الهجمات وبالتالى نشرت جميع قواتها المتقدمة تقنيًا على الجانب الشرقى وقامت بالاستعداد بوضوح لحرب محتملة مع روسيا وبيلاروسيا.
الإنفاق العسكرى الكبير لبولندا
زادت بولندا إنفاقها العسكرى بنسبة ٤٪ من ناتجها المحلى الإجمالى وبذلك أصبحت فى عام واحد فقط، هى أقوى جيش فى أوروبا الشرقية وأحد أقوى الجيوش فى أوروبا من حيث العدد ومتفوقة أيضا من حيث العدد كل جيوش الناتو. وأنشأت وارسو فى غضون أشهر قليلة جيشًا قتاليًا غير مسبوق. ويهدف هذا الأمر إلى مواجهة التدريبات المشتركة المكثفة على مسافة ٤٠ كم بين الجنود البيلاروسيين والقوات شبه العسكرية الروسية من فاجنر بالقرب من الحدود البولندية.
ومع ذلك، ووفقًا للخبير البولندي Andrzej Kinski، فإن رجال فاجنر البالغ عددهم ٣٠٠٠ جندى وحتى لو تمت إضافتهم إلى البيلاروسيين، فلن يشكلوا تهديدًا حقيقيًا بل ستكون قبل كل شيء مجرد عملية دعاية إعلامية لإظهار إمكانيات تلك المجموعة ونوع من الترويج لبريجوجين الذى مر بوقت عصيب بعد الانقلاب الفاشل فى يوليو٢٠٢٣.
وللعودة إلى موضوع الحماية العسكرية البولندية فى مواجهة التهديدات من الشرق، أصدر برلمان وارسو العام الماضى قانونًا بشأن الدفاع عن الوطن: "أوستاوا أوبرونى أوجكزني" الذى أطلق عليه هكذا من قبل الوزير الأول كاتشينسكي، الذي كان لسنوات عديدة يشكل خطا سياديا قوميا متطرفا.
وقد كشف عن نفسه بأنه أكثر ملكية من الملك، أكثر من المستشارين الأمريكيين والضباط العسكريين أنفسهم الذين كانوا موجودين فى بولندا على وجه الخصوص من خلال القاعدة الأمريكية جاريسون فى بوزنان وقاعدة الناتو فى ريزلو. وفى ضوء التجنيد الأخير وبفضل هذا القانون، أصبح للجيش البولندي، الذى كان يضم فى عام ٢٠٢١، ١٢٠ ألف جندي، أصبح اليوم يضم ٢٠٠ ألف جندى نشط.
الخاتمة: خطر انتشار الحرب الأوكرانية فى بولندا
لذلك، وبناءً على هذا التحليل، يمكننا أن نرى أنه كما فى حرب الثلاثين عامًا (١٦١٨-١٦٤٨) التى انتهت بسلام ويستفالى التاريخي، يمكن لهذه الحرب فى أوروبا أن تنتقل من الحرب الأولية فى أوكرانيا إلى مرحلة تالية من الحرب فى بولندا.
ومن ناحية أخرى، وانتقاما للهجمات الأوكرانية على بلجوجراد وشبه جزيرة القرم، سيكون من السهل على الروس دفع رجال ميليشيات فاجنر إلى الأراضى عن طريق مفاجأة بولندا بالتوغلات فى منطقة كراكوف أولوبلين، ثم تقوم، كدولة روسية، بالبعد وإنكار مثل هذه الأعمال التى ارتكبها رجال فاجنر، وبالتالى تتجنب الأعمال العسكرية من قبل الناتو أو حتى من قبل الولايات المتحدة بصورة مباشرة.
إن هذه الغارات التخريبية التى يرتكبها رجال ميليشيا فاجنر ستسمح للحرب بالاستمرار بوسائل أخرى. ومع ذلك وكما يحدث دائمًا فى جميع السيناريوهات الجيوسياسية، فإن التاريخ سيكتب الكلمة الأخيرة فى المواجهة البولندية الروسية فى القرن الحادى والعشرين.
معلومات عن الكاتب:
ليوناردو دينى مفكر وفيلسوف من أصل إيطالى.. كانت أطروحته للدكتوراة حول نظرية السياسة وفلسفة القانون، له العديد من الكتب والدراسات، كما كتب الرواية إلى جانب القصائد الفلسفية.. يقدم من وجهة نظره تحليلًا شاملًا لقمة فيلنيوس التى عقدها قادة حلف الناتو الشهر الماضى.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الأزمة الأوكرانية قمة فيلنيوس أوروبا الولایات المتحدة أوروبا الشرقیة فنلندا والسوید دول البلطیق قمة فیلنیوس فى مواجهة فى أوروبا من الشرق الحرب فى أکثر من على ذلک من خلال ومع ذلک فى عام من قبل
إقرأ أيضاً:
أشرف غريب يكتب: أطفالنا والعملية التعليمية
لا يستطيع أحد أن ينكر النقلة التعليمية الهائلة التى خطتها وزارة التربية والتعليم خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة فى عهد وزيرى التعليم السابقين طارق شوقى ورضا حجازى، وما يستكمله الآن وزير التعليم الحالى د. محمد عبداللطيف، لم يكن أحد من الراغبين فى الارتقاء بالعملية التعليمية متحمساً للإبقاء على أسلوب التلقين العقيم الذى كان معمولاً به فى مدارسنا لعشرات السنين.
ولذلك استبشرنا خيراً حينما اعتمدت الوزارة أسلوباً قائماً على الفهم والاستيعاب والاستنباط والاستدلال إلى آخر ما يمكن أن ينمى القدرة على الفهم والابتكار بدلاً من الحفظ الببغائى وحشر المعلومات فى أدمغة الطلبة لمجرد إفراغها فى ورقة الامتحان، ثم لا تلبث أن تتبخر بعد الخروج من اللجنة دون أن يحولها الطالب إلى معلومات معرفية متراكمة، لا سيما مع استحداث الاعتماد على التابلت عند بداية المرحلة الثانوية وما أحدثه ذلك من طرق متنوعة ومتجددة فى الحصول على المعلومة وفتح آفاق جديدة فى الوصول إلى المعرفة والانفتاح على العالم من حولنا.
كل هذا جميل ورائع، وتوجُّه محمود يصب فى صلب السياسة التعليمية الجديدة التى انتهجتها وزارة التربية والتعليم، ولكن ماذا عن التطبيق العملى على أرض الواقع؟ أستطيع أن أتفهم تماماً حرص الوزارة حالياً على ربط الطالب طيلة الوقت بالمعلومة والدرس، وخاصة مع اعتماد أسلوب تكاملية المواد الدراسية، لكن على وزارتنا العزيزة أن تدرك أن أى شىء إذا زاد عن الحد انقلب إلى الضد، خاصة فى المرحلة الابتدائية، مرحلة التكوين الذهنى والمعرفى وترغيب الطلاب فى طقس المذاكرة والارتباط الإيجابى بالمدرسة وبالعملية التعليمية بوجه عام، فبعد مرور خمسة أسابيع تقريباً على بدء العام الدراسى الجديد 2024- 2025.
وإقرار الوزارة فكرة الامتحانات الأسبوعية ثم الشهرية بات التلميذ الصغير مطالباً كل يوم بأداء امتحان فى مادة معينة، وأصبح لزاماً عليه أن يبقى طوال الأسبوع من لحظة انتهاء اليوم الدراسى إلى صباح اليوم التالى منكبا على الكتاب يحاول أن يلاحق ما سوف يمتحن فيه داخل الحصة الدراسية، بل إن مدة الحصة نفسها لم تعد كافية للامتحان والشرح معاً، فتكون النتيجة تأخر كثير من المدرسين فى شرح مناهجهم الدراسية أو (كروتتها) رغبة فى الالتزام بالتوقيتات الموضوعة سلفاً حتى الانتهاء من شرح المواد الدراسية على مدار العام الدراسى.
أما الطفل المسكين طالب السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية الذى من المفترض أن يعيش طفولته، ويجد فيها وقته لممارسة هواياته، وتنمية مدارك أخرى بخلاف التعليم والاستذكار فلم يعد أمامه إلا العكوف على الكتاب آناء الليل وأطراف النهار يلهث وراء ما سوف يمتحن فيه كل يوم وكل أسبوع وكل شهر، فتكون النتيجة عدم تأصيل المعلومة الدراسية وثباتها فى ذهن الطالب، وضياع كل هذا الجهد فى الشرح والتحصيل، وتبخر المعلومة بعد أن كتبها فى ورقة الامتحان هذا إذا تذكرها أصلاً فى ظل كل هذه الضغوط والأعباء الملقاة عليه بشكل يومى ودائم، فنصبح فى النهاية أمام نفس النتيجة التى كنا نريد تجنبها جراء النظام التقليدى الذى كان معمولاً به فى عهود سابقة.
ثم ماذا عن طفولة هؤلاء؟ عن إحساسهم بمتع المرحلة السنية التى يعيشونها؟ عن حيويتهم وانطلاقهم وهواياتهم فى ظل هذا الكبت الدائم والضغط المستمر؟ وماذا عن حبهم للمدرسة؟ عن رغبتهم فى التعليم؟ عن ارتباطهم النفسى بمدرسيهم؟ لقد اشتكت لى إحدى الأمهات بأن ابنها الذى يدرس فى الصف الثالث الابتدائى لم يعد راغباً من الأساس فى الذهاب إلى المدرسة بعد أن كان متفوقاً ومحباً لها، وأنها حينما توقظه فى الصباح يقوم مفزوعاً من نومه وهو يردد حتى من قبل أن يفتح عينيه: «لا مش ح أكتب الدرس، أنا تعبت».
لقد باتت الواجبات والدروس تلاحقهم فى نومهم قبل يقظتهم، وتفسد عليهم طفولتهم.. نحن لا نريد أن تتحول العملية التعليمية إلى كابوس يطارد أطفالنا، أو عبء نفسى وذهنى وبدنى يفقدهم الحماس نحو التحصيل الدراسى، نريدهم أن يستمتعوا بدراستهم، ويحبوا الطقس ذاته، ويسعوا إلى الذهاب إلى المدرسة بفرح ورضا، أنا لا أريد أن أحدثكم عن تجربتى وأنا وفى مثل سن هؤلاء الأطفال وفى ظل النظام العقيم الذى كان يحكم العملية التعليمية كنت أجد وقتاً لحفظ القرآن الكريم والاشتراك فى مسابقاته، وممارسة الرياضة والموسقى والتمثيل والصحافة المدرسية والرحلات جنباً إلى جنب مع التحصيل الدراسى، بل إن تلك الأنشطة كانت تزيد من حماسنا نحو الاستذكار والتفوق.
أعود وأكرر إننا جميعاً مع تطوير العملية التعليمية ومع الخطوات المخلصة التى تقوم بها الوزارة، وندعم تماماً جهودها فى سبيل ذلك، لكن أسلوب التطبيق بحاجة إلى مراجعة وإعادة نظر وتقييم الغايات والوسائل من أجل الوصول إلى أهدافنا النبيلة التى نتشارك فيها جميعاً نحو أبنائنا الصغار، ولنتذكر دائماً أن التربية تسبق التعليم فى مسمى وزارتنا العزيزة.