جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-05@05:50:53 GMT

قهوة شوّاخ

تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT

قهوة شوّاخ

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

هكذا كان يُطلق عليها، أما شوّاخ (بتشديد الواو) فهي شيخة بنت علي الصالحية، وهي جدتي من والدي. والجدّة شوّاخ عمياء لكنها تجيد صنع كل ما يلزم المنزل خصوصًا القهوة، تصنع القهوة بكل حب وبراعة ثم تُفرِغُها في الدلّة، وتُقدمها لأهل القرية.

الإقبال المُتزايد على شرب القهوة في المقاهي المختصة حديثًا جعلني أستذكر واقعة القهوة لدى هذه الجدة الطيبة؛ فتوافد أعداد كبيرة لهذه المقاهي أصبح مُلاحظًا، وهو نبض المراكز التجارية والأسواق عمومًا، ومزاجها أصبح عاليًا بين مجموعة من مرتادي هذا النوع من المقاهي، ورائحتها، وطريقة التقديم، والديكور، وحتى صوت الآلة التي تصنع القهوة؛ كلها عوامل ارتياح ومسرّة ونشوة وبشاشة.

عرفت قهوة شوّاخ في كافة أنحاء المكان؛ بل أصبح لها مرتادوها من زوايا القرية بسبب قوامها المتزن وطعمها الذي لا يختلف فيه اثنان، وكذلك بسبب دلّة القهوة نفسها المصنوعة من الفخار، وهي مادة طينية تخضع لعمليات صنع يدوية، وبعض المُعالجات التي تجعلها صلبة ومتماسكة، تعارف الناس على وقت العصر لشرب قهوة شوّاخ كاستراحة بعد عمل اليوم، يفرش البساط/ الحصير خارج المنزل ويتوافد الجيران وبعض المارة المتقصدين لارتشاف قطرات منها.

انتشار المقاهي المختصة في المجتمع أصبح أمرًا متعاظمًا وكثير البروز حتى في القرى البعيدة، وتفنن بعضهم في تحويل البيوت الطينية المهجورة إلى مقاهٍ في غاية الروعة، هذه المقاهي أصبحت أيقونة وشكل ثقافي متفرد ينقصها تقديم القهوة في أوانٍ فخارية تحاكي المبنى، ويستشعر مستخدم هذا المكان بعبق الماضي الجميل بقهوة حديثة مثل: الكابتشينو والأمريكانو واللاتيه والاسبريسو، وڨي سكستي، وكمكس، وسايفون وفلات وايت، وغيرها الفرنسية والصينية والأمريكية والإيطالية والبريطانية والتركية...إلخ.

ليس غريبًا امتهان بعض أبناء المجتمع هذا النوع من العمل، فهو أمان مالي وممارسة راقية وقضاء وقت ممتع في مكان أثيري تستشعره النفس وتهواه، وتعشقه الأيادي الماهرة للذوق والنمنمة، خصوصا إذا وجد الاهتمام الكافي والاعتناء المليء بالمحبة.  

لا نحتاج هنا إلى مكان أو طريقة اكتشافها وإلى أعداد معتنقيها وأعداد المستهلكين، وإلى مقدار الكافيين وأهميته للنشاط والتركيز، ولا عن معرفة أثرها في تغير نمط بعض المجتمعات الغربية بعد انتشارها واضمحلال الحانات، ولا عن استخدامها الطبي وعن استهجان رجال الدين لها في بادئ الأمر، ولا نحتاج إلى التذكير بخطر ارتفاع ضغط الدم وسرعة نبضات القلب والتوتر والصداع والأرق جراء استهلاكها الكبير؛ بل نحتاج إلى حشد مفعولها الذي يعدل المزاج حبًا وتفانيًا، يوثق الاهتمام بالآخرين ويوطّد الحالة النفسية ويساند أصحاب العقول الراقية.

كل شيء يحتاج إلى تطوير وتحسين وابتكار من نوع آخر، إضافة إلى احتفاظها بالنكهة القديمة التي نعرفها، القهوة العربية الخليجية، والقهوة المصرية، والقهوة اللبنانية والسورية، والقهوة المغربية، وغيرها من الأنواع التي تحتاج إلى تجديد وابتكار، هذا التجديد والابتكار ربما يجد طريقةً له بتسجيل علامات تجارية تضاهي "ستاربكس" وغيرها تصدر إلى الخارج؛ فحب التغيير قد يصيب الغرب أيضا كما أصابنا، وتجد قهوتنا لها طريقًا إلى مزاجهم وقلوبهم، والقهوة عمومًا كانت وما زالت لاعبًا أساسيًا في السياسة والاقتصاد في دول عدة منذ زمن طويل وهي من البواعث الاقتصادية الأساسية حتى الآن على مستوى العالم في البرازيل وإندونيسيا وإثيوبيا وغيرها.

التساؤلات التي أود إثارتها في هذا الصدد، هل يرث الأبناء المزاجات كما يتوارثون الأمراض عن آبائهم وأجدادهم؟ هل يدخل المزاج في جينات البشر فيتحول إلى موروث جيني لدى الأبناء؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه أسلوبًا عصريًا، وذوقًا عامًا له زمنه وينتهي؟

تساؤلات قد تكون لها إجابة، وقد لا تكون لكنها، مع ذلك، لا بد أن تبقى موجودة في فضائنا، طرحت هذه التساؤلات عند شعوري بتمثلاتها مع أحد أبنائي حيث لا تحلو له القهوة إلا بتحضيرها يدوياً من خلال آلته التي اشتراها خصيصا لذلك.

قهوة شوّاخ كـ"اسم" يصلح لعلامة تجارية؛ فقد دخلت في مزاج الشاب وكبير السن وكان لها شهرة وتوافد جيد خصوصًا من أصحاب الذاكرة والتاريخ الحي في قريتنا، وحسب روايتهم فإن قهوة شوّاخ لا يضاف لها شيئًا يذكر كالهيل والزعفران وغيره، تبدو رائعة بدون تلك الإضافات (ربما بسبب الحالة الاقتصاية)، هي ثقافة شكلت مجتمعًا جديدًا تعزز حضورها فيه، أصبح المكان مجلسا عاما يتبادل فيه أهل القرية أخبارهم ويبثون فيه رجاءاتهم وأمنياتهم القريبة والبعيدة، الجدة لم تستغل ذلك ماديًا كـ"روزيه" البريطاني الذي لم يعجبه استضافة الناس بمنزله وقام بتقديم القهوة في ممر ضيق بجانب كنيسة "سانت مايكل" منذ زمن بعيد جدًا؛ حيث جنى منها أرباحًا كبيرة في ذلك الوقت، أفكار الجدة لم تخرج عن كونها عادةً وطبعًا عُمانيًا كريمًا.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عمره مئات السنين.. كيف أصبح هذا الحي القديم رمزا مهيبًا في الهند؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كان حي"تشاندني تشوك" ذات يوم من الأحياء التي يتحدث عنها الناس بدهشة في الهند.

ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ17 على يد الإمبراطور شاه جهان، وقد عكس ثروة الإمبراطورية المغولية العظيمة ذات يوم، وسرعان ما أصبح واحدا من أكثر المناطق المرغوبة في الهند، حيث أقام الأثرياء داخل منازل أنيقة.

واليوم، تتمتع هذه الزاوية من المدينة التاريخية المسورة، أي دلهي القديمة، بأجواء مختلفة، إذ تجذب الزوار إلى مشهد طعام الشارع النابض بالحياة. ولا تزال التذكيرات المعمارية تبرز بمجدها السابق، لكن منازل الأثرياء الفخمة لم تعد موجودة، نظرا لأن العديد منها تحوّل إلى فنادق أو منشأت تجارية أخرى، ورحل عنها سكانها منذ فترة طويلة، باستثناء شخص واحد، وهو أجاي بارشيد.

يجلس أجاي بارشيد في فناء منزله التقليدي الفخم الذي يضم 120 غرفةCredit: Aishwarya S. Iyer/CNN

ويجلس بارشيد، الذي يبلغ من العمر 80 عاماً، في فناء قصره الضخم الذي يضم 120 غرفة، وهو آخر من تبقى في "تشاندني تشوك"، متمسكاً بروعة عصر مضى.

وقال بارشيد، وهو من نسل تشونا مال، الذي كان تاجرا بنى المنزل في عام 1864، وفقاً للوحة ذهبية منقوشة داخل رواق المبنى إنه "القصر الوحيد الحيّ في شارع تشاندني تشوك التاريخي".

يأتي الناس من أميال بعيدة للصلاة في معبد "Shri Digambar Jain Lal" المكرس للديانة الجاينيةCredit: Aishwarya S. Iyer/CNN

وبعد مرور 160 عاماً، ورغم تمسك بارشيد بإرث أسلافه، إلا أن الكثير من بريق القرون السابقة قد اختفى، حيث أُغلقت غالبية غرف القصر، فيما تراكم الغبار على التحف الموجودة بداخلها.

ومن بين ورثة تشونا مال البالغ عددهم 32 فردا، لم يبق سوى بارشيد وعائلته المكونة من 10 أفراد، إذ أوضح أنه الوحيد الذي يرغب بالاحتفاظ بالمكان، قائلًا: "تخطط الأسرة لبيعه (القصر)، لكنني ضد ذلك. لقد كنت أحاول أن أجمعهم على الطاولة ذاتها". 

ويأمل بارشيد بعدم تحويل أحد القصور الخاصة القليلة في المنطقة إلى فندق.

وبالنسبة لرامين خان، وهو مؤسس شركة "City Tales" التي تنظّم جولات ورحلات تراثية في دلهي وخارجها، فإن أهمية هذا الشارع تمتد إلى ما هو أبعد من عروضه المادية.

وفي حديثه عن مجد الشارع، أشار خان إلى أنه كان هناك في السابق مسبح مثمن الشكل يعكس صورة القمر في مياهه ويتلألأ. ومن هنا جاء اسم "تشاندني تشوك"، أي "المعبر المضاء بالقمر".

سائقو عربات "الريكشا" يستريحون على طول أحد شوارع "تشاندني تشوك" في دلهي القديمة، بتاريخ 6 أغسطس/ آب 2023Credit: Pradeep Dambarage/Nurphoto/Getty Images

وخلال أيام إمبراطورية المغول، التي تأسست في القرن الـ16 وازدهرت لتسيطر على جزء كبير من شبه القارة الهندية قبل أن تتلاشى وتتفكك في عام 1857، اكتسب التراث الثقافي والمعماري في الهند العديد من الهياكل الأيقونية.

وفي دلهي، تشمل هذه الأماكن ضريح "هميون"، والمسجد الجامع، والقلعة القديمة. كما حصلت مدينة أغرا المجاورة على ضريح تاج محل، الذي يُعد واحدا من عجائب الدنيا السبع، ويجذب الآلاف من الزوار كل يوم.

ويُضاف إلى هذه المعالم شارع "تشاندني تشوك"، الذي بُني كجزء من العاصمة الجديدة للإمبراطور شاه جهان، التي تُعرف اليوم باسم دلهي القديمة.

وتعرضت أجزاء عديدة في هذا الشارع للتدمير عندما ثار السكان ضد الاحتلال البريطاني في عام 1857. وقام البريطانيون بإنهاء التمرّد، وبالتالي أنهوا حكم المغول في دلهي، وشكّلوا بداية الحكم البريطاني.

ومع ذلك، لم يتم المساس بالقصور مثل القصر الذي تملكه عائلة تشونا مال، حيث ذكر بارشيد: "كان تشونا مال مؤيدًا للبريطانيين. لقد استمتعنا بالكثير من الامتيازات بسبب ذلك"، لافتًا إلى أن جدّه عيّن كأول مفوض بلدي لدلهي القديمة.

واليوم، أصبح قصر بارشيد رمزًا لمجد القرن الـ17، حيث تتناقض الرحابة الكئيبة داخل القصر المترامي الأطراف بشكل صارخ مع شارع "تشاندني تشوك" الحديث بالخارج.

ويبدأ أقدم شارع في المنطقة، في قلب دلهي، عند مدخل القلعة الحمراء التي تعود إلى عصر المغول، حيث يُرفع علم يوم الاستقلال السنوي تحت إشراف رئيس وزراء الهند، ويمتد لمسافة 1400 ياردة إلى مسجد "فاتحبوري" الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السابع عشر.

هذا الشارع الذي يعج بالتجّار وعربات "الركشا"، والمتسوقين الذين يأتون لشراء الملابس، والمجوهرات، أو تناول الطعام اللذيذ، يجذب الآلاف من السياح والزوار كل يوم.

في الشارع لا تتشابك عصور متعددة من التاريخ فحسب، بل تتعايش العديد من دور العبادة، منها معبد هندوسي، ومسجد، ومزار سيخي، وكنيسة معمدانية.

وقال خان: "هذا يدل على قدرة الهند للتعايش السلمي كدولة علمانية، رغم التحديات العديدة".

وأكدّت شيتال ساكسينا، البالغة من العمر 23 عامًا، وهي ربة منزل ومقيمة محلية، إن الشعور بالمودة لا يزال قائمًا بين المجتمعات المختلفة هنا، موضحة: "حقيقة أن هذا المكان يستوعب الجميع  تجعله رمزًا حقيقيًا في الهند".

الهندنشر الجمعة، 04 أكتوبر / تشرين الأول 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • مارك يتفوق على بيزوس.. أصبح ثاني أغنى شخص في العالم
  • المقاهي بديل المدارس.. الهروب من الحصص الدراسية مشكلة بلا حل في الدقهلية
  • عضو بالمركزي الأوروبي: التضخم أصبح قريبًا من المستهدف
  • عمره مئات السنين.. كيف أصبح هذا الحي القديم رمزا مهيبًا في الهند؟
  • ‏حل الدولتين أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى
  • «الشارقة للتراث» يحتفي باليوم العالمي للقهوة
  • الممنوعون من تناول القهوة .. خطيرة على صحتهم
  • ماذا يحدث في جسمك عندما تتوقف عن تناول القهوة فجأة؟.. لن تتوقع النتائج
  • كيف أصبح التعليم في غزة بعد عام من حرب الإبادة الإسرائيلية؟
  • 3 فناجين قهوة يومياً تقينا الإصابة من أمراض القلب