الجذريون والوقوف عند محطة الشراكة «2- 7»
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
الجذريون والوقوف عند محطة الشراكة «2- 7»
صديق الزيلعي
أرسل لي عدد من الزملاء والأصدقاء مقالا للدكتور احمد عثمان عمر بعنوان: “الخلاف بين قوى التغيير الجذري وقحت استراتيجي وليس تكتيكي”. وقصدوا من ارسال المقال انني من دعاة تحالف كل القوى المدنية الداعية لإيقاف الحرب، ويجب أن انتبه للخلاف مع قوى قحت.
سأكتب مجموعة من المقالات في حوار مع المقال، ليس فحسب، بل ومع الخط السياسي الذي يتبناه المقال وعدد مقدر من الشيوعيين واليساريين.
ستكون مساهمتي في الحوار سبع مقالات، يعالج كل منها واحدا من المواضيع التي وردت في مقال الدكتور أحمد. الهدف من ذلك هو تركيز النقاش، وطرح الرأي حول مسألة محددة. لكن المقالات يجمع بينها خط واضح وتجانس، داخلي، في المحتوى وتواصل في نقد اطروحات دعاة التغيير الجذري، لان الدكتور أحمد عثمان هو أبرز منظريهم. تبدأ المجموعة بمقال عن قضية العدو الاستراتيجي، يعالج المقال الثاني قضية الشراكة، يتمحور المقال الثالث حول مفهوم الهبوط الناعم، المقال الرابع يعالج قضية الاقتصاد والموقف من البنك الدولي ومؤسساته، أما الموقف من الحل السياسي فهو موضوع المقال الخامس، المقال السادس سيناقش الموقف من الحرب، وستكون الخاتمة هي المقال الأخير.
كتب الدكتور أحمد عثمان، في إطار نقده لقحت، وفي إطار وقوفه، مثل كل دعاة التغيير الجذري، عند محطة الشراكة، رغم إجماع معظم القوى على التخلي عنها:
(في المقابل تحديد (قحت) للعدو، الذي أنبنى على ان الثورة يمكن انجازها بالتجزئة والتقسيط المريح، عبر التحالف والشراكة مع اللجنة الامنية للإنقاذ، التي ستسمح للثوار بتفكيك دولة تمكينها، بل وتصبح شريكة في ذلك بشراكتها في سلطة الانتقال، أنتج المشروع والبرنامج الاتي:
١- دولة الانتقال ليست مدنية خالصة، بل شراكة مع اللجنة الامنية للإنقاذ، تم تقنينها بالاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية المعيبة.
٢- الجيش تتم عملية اصلاح له فقط لا اعادة هيكلة، تركت للحركة الاسلامية المختطفة للجيش بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة، اي طلب ممن خرب الجيش ان يصلحه، وأن يتنازل طوعا عن اختطافه له!
٣- جهاز امن الانقاذ يبقى بكامله جهازا خالصا للحركة الاسلامية، فقط يقصر دوره على جمع المعلومات ويترك له امر اصلاح نفسه بنفسه أيضا!
٤ شرعنة الجنجويد بمستوى دستوري، وجعل المليشيا على قدم المساواة مع الجيش، باعتبارهما مكونين متساويين للمؤسسة العسكرية وفقا للوثيقة الدستورية المعيبة. والوقوف مع دمج المليشيا في الجيش بدلا من حلها.
٥- اصلاح الاجهزة العدلية والقضائية بدلا من اعادة هيكلتها، وذلك عبر نصوص دستورية ثبت عدم فاعليتها وخطأها لأنها وضعت على اساس ان المرحلة الانتقالية مرحلة ديمقراطية، وتناست ان السلطة الحقيقية هي اللجنة الامنية للإنقاذ. وذلك يمنع تقديم مجرمي اللجنة الامنية للعدالة ويؤسس مع شراكة الدم للإفلات من العقاب).
ساهمت، كما فعل كثيرون، بنقد الوثيقة الدستورية المعيبة، التي انتجت الشراكة. وقد كتبت عن موقف من صاغوها، وقلت انه ناتج عن قلة التجربة، والجهل بتاريخ السودان السياسي، ووصفته بعدم الثقة في الجماهير، والتهيب من العسكر. كما ذكرت ان موقف العسكر هو تكرار ونقل حرفي من محاولة المجلس العسكري الانتقالي، بعد الانتفاضة، بالانفراد بالسلطة كلها، فقاومته الجماهير والتجمع الوطني والنقابي. كما ان ممارسات العسكر خلال الحكومات الانتقالية، أوضحت لكل ذي عينين، ما ينوي عليه ويخطط له العسكر. كما كتبت، قبل انقلاب 25 أكتوبر، بان المكون المدني (في السيادي والحكومة) يتحمل كامل المسؤولية عن تعطيل أهداف الثورة، والسماح للعسكر بتسيير الوطن حسب مخططهم المعادي للثورة. هذا يعني ان قطاع واسع كان ينقد ويحذر قوى قحت من مالات ما يتم آنذاك. لكن في نفس الوقت لا نعتقد انها متآمرة مع العسكر ضد الثورة. يمكننا وصفها بالضعف، أو التكويش وابعاد قوى ثورية مؤثرة وتكبير الكوم، أو أن أحزاب لا وزن جماهيري لها صارت مسيطرة على مفاصل السلطة، أو التعجل للانفراد بالسلطة. ولا نزال ننقد في ممارسات قوى الحرية والتغيير حتى الآن، وندعو للتعلم من كل تلك الأخطاء الكارثية، والعمل على تخطيها، لان ما يهمنا، أولا وأخيرا وطننا وثورتنا.
نقد قحت من لم يأت ممن هم خارجها، أمثالنا، بل حتى من داخلها. قامت جريدة الديمقراطي بالتنسيق مع قحت، بتنظيم ورشة لتقييم المرحلة الانتقالية. وأعتقد انها مبادرة رائدة ومتقدمة. جاء في اعلان اللجنة المشتركة لتنظيم ورشة تقييم تجربة المرحلة الانتقالية (2019-2021م) ما يلي:
(بعد أسابيع من العمل المتصل للجنة المشتركة لتنظيم ورشة تقييم تجربة المرحلة الانتقالية التي تنظم عبر عمل تشاركي بين صحيفة الديمقراطي وقوى الحرية والتغيير، يسر اللجنة أن تعلن لأبناء وبنات شعبنا أن الورشة ستعقد اعتباراً من يوم الاربعاء 20 يوليو 2022م ولمدة خمسة أيام بالخرطوم.
تهدف الورشة لتقييم الأداء السياسي والتنفيذي في الفترة الانتقالية تقييماً نزيهاً وموضوعياً، وتحرص على أن يشارك في التقييم أوسع قطاع من القوى الديمقراطية والمفكرين والمثقفين من أصحاب الآراء الناقدة والمستقلة، بما يوفر معرفة وفهماً أدق لجوانب قصور المرحلة الانتقالية المنقلب عليها، ويشكل تمريناً ديمقراطياً مهماً لتأسيس متين لما سيأتي من تجارب عقب الخلاص من الانقلاب.
تطرح الورشة عدداً من أوراق العمل وتناقشها، على رأسها تقييم الأداء السياسي والتنفيذي للحرية والتغيير، والسلام، والملف الاقتصادي، والوثيقة الدستورية، والعلاقات الخارجية، وتفكيك التمكين وقضايا الإصلاح الأمني والعسكري، وغيرها، وذلك بمشاركة واسعة؛ توجه فيها دعوات المناقشة المفتوحة لكافة قوى الثورة من لجان مقاومة وأحزاب سياسية، ومهنيين، وأكاديميين، ومثقفين).
قدمت أوراق عديدة، كما تمت مناقشات حية ونقد امين وموضوعي من المعقبين الرسميين. ومثل أشياء كثيرة في بلادنا، مرت الورشة بدون الاهتمام الجماهيري اللائق بالجهد الذي بذل فيها. ما يهمنا، في هذا المقال، قضية الوثيقة الدستورية، ثم الإصلاح العسكري. قدم الاستاذ مدني عباس مدني، ورقة بعنوان (الوثيقة الدستورية: منظور نقدي)، كما قدم الأستاذ طه عثمان ورقة بعنوان (الإطار السياسي للوثيقة). وكان لكل ورقة معقب رسمي مكلف، فلنقرأ تعقيب الأستاذة سارة عبد الرحمن دقة:
” لقد تناولت الورقة أكبر خطأين جوهرين في الوثيقة نتجا عن ذهنية معيبة على انها نتاج للعجلة، فالعجلة لا تبرر أخطاء جوهرية. السبب هو الخلل المنهجي في الصناعة الدستورية لوثيقة تؤسس للتحول الديمقراطي، لكنها تتخذ إجراءات غير ديمقراطية ولا شفافة ولم يشارك فيها كل الفاعلين). وبنفس هذا المستوي كانت روح الورشة. والمؤلم اننا، جميعا، لم نتعلم من دروس تلك الورشة.
قدم اللواء (م) كمال إسماعيل أحمد ورقة بعنوان: (الإصلاح الأمني والعسكري خلال الفترة الانتقالية: الطموحات والواقع والاخفاقات)، قدم فيها عرضا تفصيلا للمسألة. واقتطف هنا من تلخيصه لأبرز أوجه القصور:
(1) عدم استفادة الحرية والتغيير من ميزتها التفضيلية بوجود عسكريين سابقين كمستشارين لإعداد رؤى فنية احترافية.
(2) عدم وجود رؤية للحرية والتغيير لإجراءات ومراحل عملية اصلاح المؤسسات العسكرية.
(3) ترك عملية اصلاح المؤسسات العسكرية للمكون العسكري وحده بدون وجود أجهزة دستورية تتولى متابعة تنفيذ إجراءات الإصلاح.
(4) مواصلة الانسحاب من عملية الإصلاح بعد اتفاقية جوبا وترك الامر كله للمكون العسكري
(5) عدم الاستفادة من تجارب السودان فيما يتصل بعلاقات المؤسسات الدستورية بالقوات النظامية
(6) غض النظر عن استيلاء القوات المسلحة على الشركات الاقتصادية التابعة لجهاز الامن او حزب المؤتمر الوطني
(7) غياب الرؤية حول كيفية توظيف النص الوارد في الوثيقة الدستورية حول ارجاع المفصولين
(8) عدم إيلاء إجازة قانون الامن الداخلي وتكوين جهاز الامن الداخلي الاهتمام الكافي.
قال المعقب الرسمي السيد عمر محمد عثمان:
(فشلت الحكومة في احداث أي تغيير حقيقي أو اصلاح في الأجهزة الأمنية، بل لم تقترب من ذلك والسبب يعود الي أربعة أمور أساسية هي:
(1) الوثيقة الدستورية المعيبة والمختلة
(2) مقاومة التغيير من قوى نافذة داخل الأجهزة الأمنية
(3) المكون العسكري لم يبد الحماس واتسم تحركه بالبطء والتلكؤ
(4) كانت الإرادة السياسية للمكون المدني اما غائبة او ضعيفة تجاه اصلاح أجهزة الامن وتفكيك التمكين داخلها.
اما تكرار القول بان الحرية والتغيير ستواصل الشراكة، فاقتطف هذا النص من الاطاري، رغم كل عيوبه وتحفظاتنا تجاه طريقة اعداده. فقد ورد:
( التأكيد على جيش مهني قومي واحد، ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة، وقائم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي، الالتزام بمبدأ العمل السياسي السلمي، ورفض وادانة وتجريم كافة أشكال اللجوء إلي العنف والتطرف والانقلابات العسكرية، او الخروج على الشرعية الدستورية وتقويض النظام الديمقراطي، اعتماد سياسة خارجية متوازنة، تلبي مصالح البلاد العليا وتجنبها الإنحيازات، وتدعم السلم والامن الاقليمي والدولي، وتقوم على محاربة الارهاب وحسن الجوار، مكافحة الفساد وإرساء مبادئ الشفافية والمحاسبة.
السلطة الانتقالية سلطة مدنية ديمقراطية كاملة دون مشاركة القوات النظامية).
نواصل
siddigelzailaee@gmail.com
د. أحمد عثمان عمر وحيثيات رفض التحالف مع قحت
الوسومأحمد عثمان عمر الإنقاذ الجذريون الجيش الحركة الإسلامية السودان الشراكة الوثيقة الدستورية د. صديق الزيلعي مليشيا الجنجويدالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أحمد عثمان عمر الإنقاذ الجيش الحركة الإسلامية السودان الشراكة الوثيقة الدستورية مليشيا الجنجويد المرحلة الانتقالیة الحریة والتغییر اللجنة الامنیة أحمد عثمان
إقرأ أيضاً:
تونس: الأزمات الاجتماعية والتأزيم السياسي
في عالمنا الموسوم بـ"النامي" أي المتخلف، ترتبط كل المسائل الاجتماعية بالسياسة، إذ تشتغل عليها السلطة كما المعارضة، فلا يُنظَر للخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات على أنها من حقوق المواطن من ناحية ومن واجبات السلطة من ناحية أخرى، إنما يُنظَر إليها على أنها شهادة إيجابية لصالح السلطة، فيشتغل عادة مسؤولون كبار وصغار في التعريف بتلك الإنجازات؛ يريدون بها كسب مقبولية أوسع لدى عموم الناس لتلك السلطة.
في المجتمعات المدنية، حيث الحق والواجب وحيث القانون والعدالة وحيث المسؤولية مشتركة بين الجميع في خدمة البلاد وفي تحقيق أكبر قدر من عوامل الرفاه والأمان والسلام، لا يشتغل الإعلام في خدمة السلطة وفي التعريف بإنجازاتها، وإنما يُترَك الأمرُ لتقييمات المواطن الذي يعيش تفاصيل حياته في بيئة يجد فيها راحته أو تتسبب له في أتعاب، ذاك المواطن هو الذي سيعبّر لاحقا عن موقفه من تلك السلطة أو من مسؤول معين في محطة انتخابية قادمة.
في مجتمعات متخلفة، كما تشتغل الأنظمة على توظيف إنجازاتها توظيفا سياسيا، فإن معارضيها من السياسيين هم أيضا يوظفون مظاهر تقصيرها أو فشلها توظيفا سياسيا، فلا يكتفون بممارسة نقد هادئ ولا يقدمون مقترحات، لأنهم يرونها خادمة لتلك السلطة، وإنما يحرصون على الربط بين كل أزمة أو كارثة (حتى طبيعية) وبين الحكم على تلك السلطة بكل ما يعيبها من فشل وفساد وعدم مسؤولية، بل قد يذهبون إلى المطالبة برحيلها ويحرّضون الناس ضدّها، مستثمرين في حالات الفقر والحرمان والأحزان التي تنتجها حوادث ووقائع سواء كانت طبيعية أو بشرية.
هذا ما عايشناه خاصة بعد انتخابات 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، إذ اشتغل سياسيون مؤدلجون واشتغل إعلاميون مكلّفون واشتغلت نخبة تافهة في تنظيم هجمات مكثفة على حكومة "متربّصة" يصمونها بالفشل ويُحَمّلونها حتى مسؤولية الزلازل والفيضانات وحوادث الطرقات وطَفْح السدود وانتحار اليائسين وفقدان مواد في غير مواسمها، بل ويصطنعون أزمات وكوارث حتى يجدوا ما يشنّعون به على أولئك الحكام المتربصين.
نعم، إن الناس لا تعنيهم أفكارُ من يحكم ولا يهتمون بثقافته ومؤلفاته، ولا تعنيهم نظافته ما لم يجدوا أثرَ صِفاتِه تلك في معيشتهم، وليسوا معنيين كثيرا بمعارك السياسيين خاصة إذا ما طال أمدُها وكانوا هم ضحايا، لذلك نجح معارضو الحكام المتربصين في إفقادهم توازنهم وفي تدويخهم حتى لم يعودوا يعرفون ماذا يفعلون، ثم كانت عملية إخراجهم من المشهد سهلة ولم يجدوا عموم الناس (من غير المُسيّسين) يدافعون عنهم.
قيس سعيد نفسه، برّر إقدامه على فرملة مسار "التدريب الديمقراطي" بعدة عوامل سلبية عرفها ذاك المسار، منها: فوضى البرلمان، وخدش جبين نائب (قال دماء تسيل)، وانقطاع الماء صيفا على بعض سكان قفصة، وتأخر تلقيح كورونا، وغيرها من النقائص وفيها ما هو حقيقي وما هو مفتعل أو مبالغ فيه.
طبعا، من يحكم يتحمّل دائما المسؤولية، والناس لا يبحثون له عن أعذار ولا يقولون "لم يتركوه يعمل"، حتى وإن كان التعطيل حقيقيا أو كان التوظيف مبالغا فيه.
بالمعايير الأخلاقية، لا يليق استثمار الكوارث والمصائب في الصراعات السياسية، وبالمعايير الوطنية أيضا، كل استثمار سياسي في الأزمات هو تعميق لها، وهو إشاعة لروح اليأس والتخاذل بين الناس، لقد رأينا زمن الترويكا من يعرض صغاره للبيع وتلك جريمة لم تحترم الدولة نفسها حين لم تحاكمه، كما رأينا وسمعنا من يصرخ ملء الشاشة قائلا "أنا جيعان"، وما تربّينا على سماع هذه الكلمة لا من رجل أو من امرأة ولا من كهل، إلا أن نقولها لأمهاتنا حين نطلب ما نأكل عند الحاجة إلى الأكل.
لقد أساء سياسيون كثيرون إلى صورة بلادنا وإلى السياسة بما هي أرقى الفنون، كما أساؤوا إلى رصيدنا الأخلاقي حين مارسوا أسلوب "تطييح القدر" فكانوا أسوة سيئة لغيرهم من عموم الناس ومن المراهقين، لم نتعوّد النيل من أعراض الناس علانية وفي وسائل مقروءة ومشهورة، سواء كانوا في السلطة أو خارجها؛ لأسباب سياسية متخلفة ولأطماع في حقائب ومناصب لا تصدر إلا عن ضعاف النفس وفاقدي الهمّة وساقطي الأخلاق.
هل ننظر إلى ما يحدث اليوم من تعامل مع الأزمات والفواجع، خارج أزمة مجتمعنا الأخلاقية والسياسية؟
الاستثمار في انقطاع الماء والكهرباء، وفي حوادث شاحنات عاملات الحقول، وفي فواجع جرائم القتل، وفي سقوط جدار معهد، وفي انتحار عدد من اليائسين، هو نفس الأسلوب الذي اعتدناه منذ صارت السياسة متاحة للصادقين كما للمنافقين، ومنذ أصبحت الدولة رقعة شطرنج يتساوى فيها وعليها حدَثُ سقوط بيدق أو سقوط ملك أو احتراق كل قطع الخشب.
وحتى يكون "الفاعلون" في المشهد منسجمين مع أنفسهم، عليهم اعتمادُ وحدة المعايير، فلا يُبيحون لأنفسهم ما يعيبونه على غيرهم، ولا يُدينون غيرَهم بما يمتدحون به أنفسهم.
وكما أفشلت البيئة السياسية الرديئة مسار التدريب الديمقراطي، فإنّ نفس هذه البيئة التي لم تتعاف، سيتعطل فيها مسار ما بعد 25 تموز/ يوليو 2021، ولن يتساءل الناس إن كان السبب عدم كفاءة أم كانت عرقلة داخلية وخارجية، لأن الناس لا ينظرون إلى أي سلطة إلا على أنها خادمة لهم ولا يقيسون جودة خدمتها وصدق عزمها إلا بما يتحقق في معاشهم الذي هو واقع وليس وعودا.
والذين يستعجلون نهاية "فصل" في المشهد، عليهم أن يتساءلوا إن كان تغيّر شيء في "العمق"، أي في أعماق الذوات سواء كان في عالم السياسة أو عالم "النخبة" أو عوالم الناس، وهل إن الوصفات الخارجية أو "أصابعها" ضامنة لحصول نقلة نوعية باتجاه مستقبل يجعل عموم الناس يشعرون بالتفاؤل في بلدهم، فتثور عزائمهم فيبدعون ويبتكرون ليقتربوا من مفهوم السيادة في عالم يحكمه قانون الغلبة؟
إنّ الفقر، فقر الأفراد أو فقر الدول، لا يُمِيتُ الشعوب، وإنما تُميتُها الأحقاد والأنانية، ويُميتها الكذب والنفاق، والأكثر مرارة أنها لن تكون إلا موتة خارج فلسفة الحياة وخارج ملحمة الموت..Bottom of Form
x.com/bahriarfaoui1