يستند هذا التحليل الاستشرافي إلى ما صدر من بيانات ومعلومات حَوْلَ مؤشِّرات الإرهاب للفترة من (2021-2023) خصوصًا مؤشِّر الإرهاب العالَمي للعام 2022 و2023 والذي يصدره مركز الاقتصاد والسَّلام في نسخته التاسعة والعاشرة، وتقرير مؤسَّسة ماعت للسَّلام والتنمية وحقوق الإنسان (جمهوريَّة مصر العربيَّة) بعنوان (مؤشِّر الإرهاب في المنطقة العربيَّة خلال العام 2022) حيث يُمكِن إيجاز واقع الإرهاب ومآلاته المستقبليَّة في المنطقة العربيَّة على النَحْوِ الآتي:
أوَّلًا: انخفاض واضح في عدد العمليَّات الإرهابيَّة، وكذلك في عدد الوفيَات الناتجة عَنْها في الفترة من 2020-2023، ويَعُودُ ذلك بحسب العديد من المؤشِّرات إلى الإغلاقات التي تسبَّب بها انتشار وباء كورونا في معظم مناطق العالَم، الأمْرُ الذي ساعد كثيرًا على تحجيم حركة التنظيمات الإرهابيَّة وقدرتها على التنقل والتخطيط والوصول إلى الدوَل المستهدفة، على أنَّ الاحتمال الأكبر هو استعادة تلك التنظيمات لنشاطها الإرهابي خلال الفترة (2024ـ2025).


ثانيًا: أبرز التنظيمات التي استمرَّت في نفوذها وقوَّتها خلال الأعوام (2020ـ2023) هي تنظيم «داعش» وتنظيم طالبان وتنظيم الشَّباب وتنظيم جماعة نصرة الإسلام والمُسلِمين، بَيْنَما تُعدُّ هذه الأخيرة الأكثر انتشارًا ونُموًّا، الأمْرُ الذي يُعزِّز فرص عودة الإرهاب إلى المناطق العربيَّة الإفريقيَّة القريبة من نفوذ هذه التنظيمات في إفريقيا، بالإضافة إلى الدوَل التي تتركَّز فيها قوَّة تنظيم «داعش» وطالبان في الحدود العربيَّة خلال الفترة (2024ـ2025).
ثالثًا: أبرز عمليَّات الإرهاب خلال الفترة من 2020ـ2023 تمَّت عَبْرَ الأعمال المُسلَّحة، ثمَّ استخدام المتفجِّرات والقصف بالقنابل، ويُعدُّ هذا التكتيك الأخير هو التكتيك الأكثر شيوعًا على مستوى العالَم، حيث شكَّل ما نسبته 67% من مجمل العمليَّات الإرهابيَّة.
رابعًا: تبقى دوَل النزاع المُسلَّح وعدم الاستقرار السِّياسي والفوضى الأمنيَّة هي الحلقة الأضعف والبيئة الأكثر تضررًا من العمليَّات الإرهابيَّة خلال الأعوام 2020ـ2023، وكان أبرزها عربيًّا: العراق، الصومال، سوريا، اليمن، ففي الدوَل الأربع فقط وقعت 499 عمليَّة في العام 2022، إلَّا أنَّ العراق كان الأكثر تضررًا. وتشير التقارير إلى أنَّ ذلك يَعُودُ إلى ردود الأفعال على أنشطة الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، والمتوقَّع استمرار الأنشطة الإرهابيَّة في هذه الدوَل خلال الفترة القادمة لبقاء العوامل المحفِّزة لها، مع احتمالات توسُّع تلك الأنشطة الإرهابيَّة في دوَل عربيَّة أخرى نتيجة استعادة التنظيمات الإرهابيَّة لأنشطتها، خصوصًا في الدوَل العربيَّة الإفريقيَّة، بالإضافة إلى بعض الدوَل العربيَّة.
خامسًا: مجمل العمليَّات الإرهابيَّة التي وقعت في المنطقة العربيَّة تركَّزت في الدوَل التي تعاني من عدم الاستقرار السِّياسي. بالإضافة إلى انخراطها في صراعات داخليَّة، وعدم حصر السِّلاح في يد الدولة، واستفحال خطابات الكراهية في أوقات الأزمات والاضطرابات، لذا إن كان من أسباب رئيسة لعودة الإرهاب والتنظيمات الإرهابيَّة في المنطقة العربيَّة خلال الفترة 2024ـ2025 فستكُونُ بسبب الأسباب والعوامل سالفة الذكر، خصوصًا في حال ظلَّت الأوضاع الاقتصاديَّة في التردِّي.
سادسًا: أهمُّ الأسباب وراء قدرة تلك التنظيمات على توحيد وتنظيم صفوفها والقيام بأنشطتها في المنطقة العربيَّة يَعُودُ إلى عدم توحيد المؤسَّسات الأمنيَّة والعسكريَّة العربيَّة، وهذا السبب تم التأكيد عليه في أكثر التقارير الخاصة بمؤشِّرات مكافحة الإرهاب، الأمْرُ الذي يثير بعض الأسئلة حَوْلَ أسباب ذلك، وما هي المعوِّقات التي تحُولُ دُونَ توحيد الجهود العربيَّة حيال مكافحة الإرهاب؟
سابعًا: تركَّزت العمليَّات الإرهابيَّة في المنطقة العربيَّة بشكلٍ أكبر على اختيار أهداف ذات رمزيَّة مرتفعة على عكس ما هو مفترض، أي أهداف ذات رمزيَّة منخفضة مِثل المراكز التجاريَّة والأسواق، حيث تمَّ استهداف الجيوش الوطنيَّة وقوَّات الأمن، وهو دليل على امتلاك تلك التنظيمات الإمكانات والقوَّة اللازمة لاستهداف هذا النَّوع من الأهداف التي يفترض أنَّها حصينة، على أنَّ المتوقَّع أن تتراجعَ هذه التوجُّهات خلال الفترة القادمة باتِّجاه اختيار أهداف أكثر ضعفًا وأقلّ حصانة.
ثامنًا: تحوُّل دوافع الإرهاب من دوافع دينيَّة بشكلٍ أكبر في الفترة (2015ـ2017) إلى دوافع أيديولوجيَّة في الفترة من (2018ـ2021) إلى إرهاب سياسي (2022ـ2023)، حيث تضاعفت الهجمات الإرهابيَّة ذات الدوافع السِّياسيَّة إلى خمسة أضعاف مقارنة بعدد الهجمات ذات الدوافع الأيديولوجيَّة (40 مقابل 3)، الأمْرُ الذي يؤكِّد إمكان استغلال الظروف الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة العربيَّة خلال الفترة 2024ـ2025 لتوسيع دائرة الأنشطة الإرهابيَّة في المنطقة العربيَّة. أو بمعنى آخر، أنَّها ستكُونُ الأسباب الأكثر استغلالًا من قِبل التنظيمات العربيَّة لتجنيد الناقمين والسَّاخطين على دوَلهم.
تاسعًا: استمرار قدرة التنظيمات الإرهابيَّة على إعادة التمركز، وإيجاد بدائل جغرافيَّة لها للتمركز وإعادة التنظيم ولرفع قدرتها التشغيليَّة خلال الأعوام 2020ـ2023، الأمْرُ الذي يؤكِّد كذلك استمرار قدرة التنظيمات الإرهابيَّة على استعادة مناطق أنشطتها الإرهابيَّة أو التوسُّع بها خلال الأعوام القادمة.
عاشرًا: أشَرتُ سابقًا إلى أنَّ انخفاض معدَّل الإرهاب خلال الأعوام 2020ـ2021 يَعُودُ إلى الإجراءات الاحترازيَّة التي ارتبطت بجائحة «كوفيد19» والتي قيَّدت حركة التنقل والسَّفر والتجمُّعات، إلَّا أنَّ هذا الأمْرَ أسهمَ في تعزيز قدرة تلك التنظيمات على استخدام البدائل الإلكترونيَّة وتوظيف الإنترنت عَبْرَ نشْرِ الإشاعات والمعلومات المضلِّلة وتضخيم خيبة أمل الشعوب العربيَّة من تحسُّن الظروف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. أخيرًا: رغم تراجع معدَّلات الإرهاب والوفيَات الناتجة عن العمليَّات الإرهابيَّة كما سبقَ وأشَرنا خلال الفترة من 2020ـ2023، إلَّا أنَّ شكْل تلك العمليَّات وحدَّتها ما زال مرتفعًا، كما أنَّ التهديد الإرهابي ما زال مستمرًّا ومتغيِّرًا في طبيعته، حيث يزداد ارتباط الإرهاب بمناطق الصراع، مع التأكيد على ارتفاع معدَّلات الإرهاب المحلِّي وتركيز العمليَّات الإرهابيَّة على دوافع سياسيَّة، مع اتِّساع دائرة العلاقة والارتباط والتعاون بَيْنَ التنظيمات الإرهابيَّة والشبكات الإجرامية الدوليَّة مِثل تجارة المخدرات والمافيا.

محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة فی المنطقة العربی خلال الأعوام خلال الفترة ات الإرهاب الفترة من ة العربی الدو ل الذی ی ة خلال الأم ر

إقرأ أيضاً:

من هي الدولة العربية التي يُريد لبنان مشاركتها في مراقبة “أي اتّفاق”

هذا السؤال ردّده دبلوماسيون غربيون في العاصمة الأردنية عمان خلال الساعات الماضية على هامش محاولات متابعة الإعلانات الأمريكية التي تتحدث عن قرب التوصل إلى إتفاق وأن مهلة نهائية طرحت بين يدي الحكومة اللبنانية فيما بدأت حكومة إسرائيل تجهز نفسها لإبرام الصفقة.

تقارير وكالات الأنباء تحدّثت عن خمسة دول ستراقب الالتزام بتطبيق ألإتفاق المزمع عقده.

وسبق للمفاوض اللبناني أن تحفّظ على مشاركة بعض الدول الأوروبية في مثل هذا الإطار الرقابي مُصِرًّا على أن قرارات الشرعية الدولية لا تتضمّن بروتوكولات مراقبة للاتفاق.

لكن الأهم يترقّب المعنيون إعلان صيغة الاتفاق بعد مشاورات مكثفة مع عدة أطراف وقد تشمل الدول الضامنة للالتزام حسب آخر المعلومات دولة عربية واحدة على الأقل طلب لبنان وجودها.

 

راي اليوم

مقالات مشابهة

  • من هي الدولة العربية التي يُريد لبنان مشاركتها في مراقبة “أي اتّفاق”
  • الجامعة العربية تؤكد على أهمية التكامل العربي لضمان سلامة الغذاء وتحدياتها في المنطقة العربية وسبل التغلب عليها
  • طارق رضوان: استبعاد 716 اسما من قوائم الإرهاب يأتي بعد الوصول للاستقرار السياسي والأمني
  • صباغ : سورية تجدد إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية السافرة على دول المنطقة وشعوبها، وإدانة جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني
  • انطلاق أعمال المؤتمر العربي الأفريقي لمنظمي الطاقة 2024 بالجامعة العربية
  • رمضان 2025| تفاصيل مسلسل "قهوة المحطة"
  • بيومي فؤاد يستعد لبدء تصوير مسلسل «قهوة المحطة» للموسم الرمضاني 2025
  • بحضور أبو الغيط.. انطلاق فعاليات الأسبوع العربي للتنمية المستدامة بجامعة الدول العربية
  • المشاط: التحديات الجيوسياسية بالدول العربية تُعوق مسيرة التنمية في المنطقة والعالم
  • عقد الاجتماع الثاني للمكتب التنفيذي للمجلس العربي للسكان والتنمية خلال العام 2024 بالجامعة العربية