جريدة الوطن:
2025-07-11@04:39:18 GMT

مستقبل المؤسسات فـي ظل حوكمة الموارد البشرية

تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT

مستقبل المؤسسات فـي ظل حوكمة الموارد البشرية

نظام الحوكمة لإدارة الموارد البَشَريَّة هو بمثابة حجر الأساس التي ينطلق من خلاله أيُّ نشاط في بيئة العمل؛ فقَدْ يساعد على الالتزام بمعايير الشَّرف والأخلاق للعمل، سواء داخليًّا أو خارجيًّا والامتثال لقوانين العمل، وإعطاء الفرص المناسبة للكوادر البَشَريَّة من تقديم أفضل ما لدَيْهم للمؤسَّسة من خلال تطويرهم وتدريبهم وتنمية الجوانب الإبداعيَّة لدَيْهم، وجذب الموظفين وفقًا لمعايير معيَّنة من خلال تفعيل الرقابة على عمليَّة التعيين واختيار الكوادر، وذلك من خلال المقابلات وتطبيق مبدأ الشفافيَّة، حيث تؤثِّر حوكمة الموارد البَشَريَّة على مستقبل المؤسَّسات وتحقيق الغايات في كافَّة المستويات التي تضعها المؤسَّسة، كما أنَّ مهام الحوكمة تختصُّ بالتأثير على مستقبل المؤسَّسات من خلال تفعيل الأدوار الرقابيَّة الخاصَّة بالرِّضا الوظيفي والحقوق والواجبات الخاصَّة بهم، والتزام المؤسَّسة بها والتي يكُونُ لها الأساس في الانعكاس على أدائهم وتتمثل في الامتثال لقوانين الإجازات والتقاعد والتأمين الصحِّي الذي تكفله المؤسَّسة لهم وأنظمة الاستقالة، وعلاوة على ذلك الحفاظ على حقوقهم في الاستماع إلى شكاوى الموظفين والقدرة على حلِّ المشكلات والتظلُّمات وإدارة الأداء بشكل كامل، وقَدْ يتأثر مستقبل المؤسَّسات من خلال مهام الحوكمة التي تختصُّ بالعمل المستمر على التحليل لكافَّة البيانات الخاصَّة بأداء الموظفين ومستواهم وربطها بالرِّضا الوظيفي، والتأكد من مدى امتثال المؤسَّسة باختلاف العناصر التي ترتبط بها للقوانين على المستوى الداخلي أو الخارجي.

ومن مهام الحوكمة أيضًا ربط الأقسام والإدارات معًا من خلال قنوات الاتِّصال بَيْنَ الموظفين والإدارات العُليا لتقوية روح التعاون بَيْنَهم وتكوين بيئة عمل إيجابيَّة، والتأكد من مدى التنسيق بَيْنَ أهداف المؤسَّسة والالتزام بالقِيَم الأخلاقيَّة والمهنيَّة في كافَّة أنشطة الموارد البَشَريَّة بما يضْمَن نجاح المؤسَّسة والتأثير الإيجابي على مستقبلها من خلال تعزيز بيئة عمل إيجابيَّة.
فالمقصود بحوكمة إدارة الموارد البَشَريَّة هي إدارة وتنظيم العناصر المتعلِّقة بالموارد البَشَريَّة كالتخطيط الاستراتيجي، وتوظيف واختيار الموظفين، وتطوير مهاراتهم وتدريبهم، وتقييم أدائهم، وتعزيز رضاهم ومشاركتهم في العمل، وإدارة الأجور والمزايا، وتنفيذ سياسات الموارد البَشَريَّة وتنفيذها، ولعلَّ من أبرز تلك الركائز التي يتمُّ الاعتماد عليها في نظام حوكمة الموارد البَشَريَّة هي الاستقلاليَّة والشفافيَّة والعدل والمساءلة، فهذه الركائز يتمُّ استخدامها لإدارة أنشطة المؤسَّسة وإخضاعها مع الأهداف المنوطة.
ومع العِلم أنَّ التأثير على مستقبل المؤسَّسات في ظلِّ الحوكمة يتطلب استراتيجيَّة فعَّالة أنشطة المؤسَّسة ونظامها والهيكل الوظيفي والإداري والسلوك التنظيمي، وقَدْ تشمل عدَّة آليَّات تبدأ من مرحلة تأسيس لجان مختصَّة تضمُّ خبراء ومتخصِّصين في المجالات المتنوِّعة، وقَدْ يختصُّ عملهم في الإشراف على عمليَّة تطبيق استراتيجيَّة الحوكمة، وذلك من خلال تحديد نقاط رئيسة تتحكم في حوكمة الموارد البَشَريَّة وضمان سَير الاستراتيجيَّة، وفقًا لهذا الاتِّجاه، كما تختصُّ هذه اللجان بعمليَّة رقابيَّة تضْمن المستوى الذي تعمل من خلاله الاستراتيجيَّة واتِّباع الإجراءات اللازمة في كافَّة أنشطة المؤسَّسة واعتماد سياساتها.
وتأتي الاستراتيجيَّة الثانية في إطار تفعيل دَوْر الحوكمة من خلال تحديد الاتِّجاه العامِّ ويكُونُ بمثابة الإطار الذي تنطلق من خلاله الأنشطة الأخرى، ويُمثِّل هذا الإطار نقطة الانطلاق في تحديد الأدوار والمسؤوليَّات والعلاقات والروابط الاتصاليَّة واتِّخاذ القرارات بناء على خطوات منهجيَّة، وهذا يُمكِن تحقيقه من خلال استراتيجيَّة تطبيق نموذج مصفوفة «RACI» التي تحدِّد مهام كُلِّ فرد، واسم الشخص المختصِّ، وتأتي بعد ذلك مرحلة تطبيق استراتيجيَّة تطوير الأنشطة والسِّياسات الخاصَّة بالموارد البَشَريَّة وتنسيقها مع أهداف وغايات المؤسَّسة والامتثال إلى الطبيعة القانونيَّة بما يخدم المؤسَّسة بشكلٍ عامٍّ وعمليَّة اتِّخاذ القرارات.
ولعلَّ من أهمِّ مراحل تطبيق استراتيجيَّات تفعيل دَوْر الحوكمة هي تدريب العاملين بالمؤسَّسة على أهمِّية حوكمة الموارد البَشَريَّة من خلال التدريب على ذلك، والتعلُّم المستمر وتنمية الكفاءات والتدريب على المخاطر وكيفيَّة مواجهة المشكلات وحلِّها بأقلِّ الخسائر وبثِّ روح أهمِّية الامتثال القانوني. وتأتي في المرحلة الأخيرة استراتيجيَّة التقييم لضمان عمليَّة التنفيذ بالشكل السليم في كُلِّ المراحل فيما يتطابق مع الأهداف الخاصَّة بالمؤسَّسة وغاياتها، بما يُسهم في إدخال أيٍّ من التعديلات بما يخدم غرض المؤسَّسة.
ومن الجدير بالذِّكر أنَّ واقع المؤسَّسات يتأثر بحوكمة الموارد البَشَريَّة، إلَّا أنَّه لا يُمكِن إغفال حقيقة أنَّه يوجد العديد من التحدِّيات التي تَحُولُ بَيْنَ تطبيق حوكمة الموارد، وبالتالي التأثير على مستقبل المؤسَّسات وتختلف باختلاف طبيعة عمل المؤسَّسة واختلاف الأنشطة. ولعلَّ من أبرز تلك التحدِّيات هي غياب ثقافة أهمِّية حوكمة الموارد البَشَريَّة في المؤسَّسة وكيفيَّة كونها هي الأساس في تحقيق الأهداف، والتي تؤثِّر على مستقبل المؤسَّسات سلبًا، وتحكم الموارد في تطبيق استراتيجيَّة الحوكمة؛ حيث إنَّ لتطبيق الحوكمة يلزم توافر العديد من الموارد والتي تتمثل في الخبراء المتخصِّصين في المجالات المتنوِّعة والموظفين ذوي الهِمَم والكفاءات، وكذلك الميزانيَّة اللازمة لتحقيق الأهداف، والعامل الزمني؛ فإذا غابت تلك الموارد عن المؤسَّسة فمن الصَّعب تنفيذ عمليَّة حوكمة الموارد البَشَريَّة وبالتَّالي تؤثِّر سلبيًّا على مستقبل المؤسَّسات، علاوة على ذلك أنَّ عمليَّة الاتِّصال لها دَوْر أساسي في المؤسَّسات، فضعف هذه العمليَّة الاتصاليَّة بَيْنَ العاملين في المؤسَّسة والمديرين تؤثِّر بالسلب على أداء الموظفين وعدم مشاركتهم في اتِّخاذ القرار والذي يؤثِّر على مستوى الرِّضا الوظيفي لدَيْهم، وأن لا يتمَّ إغفال مقاومة الموظفين في المؤسَّسة للطريقة المتَّبعة في إدارة المؤسَّسة وعدم تقبُّل أيِّ تغيير قَدْ يَحُولُ بَيْنَ حوكمة الموارد البَشَريَّة وتنفيذ هذه الاستراتيجيَّة أو تطبيق أيِّ سياسات جديدة لرفضهم التغيير؛ لإبعادهم عن الروتين اليومي. ومن هنا تجدر الإشارة إلى ضرورة تنفيذ استراتيجيَّة دَوْر إدارة التغيير من ضِمْن خطط حوكمة الموارد البَشَريَّة للتعامل مع مقاومة الموظفين، والتدريب على أهمِّية هذه الاستراتيجيَّة برفع مستوى الوعي لدَيْهم بتلك العمليَّة، مع ملاحظة أنَّ تطبيق هذه الاستراتيجيَّة يظهر بشكل السَّهل الممتنع.
وختامًا، يُمكِن التأكيد أنَّ التأثير على مستقبل المؤسَّسات في ظلِّ حوكمة الموارد البَشَريَّة يتطلب استراتيجيَّة عمل ممنهجة وواضحة للحوكمة من البداية، ثمَّ اتِّباع الخطوات والاستراتيجيَّات التي سبق ذكرها والتي تَعُودُ بالنتائج الإيجابيَّة على مستقبل المؤسَّسات. وعلى النقيض من ذلك إذا لَمْ تتغلَّب المؤسَّسات على التحدِّيات التي تقف عائقًا أمام الحوكمة؛ فقَدْ يؤثِّر على صعوبة التنفيذ وعدم القدرة على تحقيق الأهداف بالشكل المثالي والتأثير على استدامة فعاليَّة المؤسَّسة والموارد البَشَريَّة بشكلٍ عامٍّ.

عـاطـف بن محمد الزدجالي
باحث بسلك الدكـتـوراه في العلوم الاقتصادية
مختبر الأبحاث في تدبير المؤسَّسات ـ قانون الأعمال والتنمية المستدامة (LARMODAD)

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ر على مستقبل المؤس ة من خلال فی المؤس ة المؤس ات التی ة أنشطة

إقرأ أيضاً:

قنصل فرنسا: الإسكندرية شريك استراتيجي..ونعمل على دعم البنية التحتية

أكدت لينا بلان، القنصل العام لفرنسا بالإسكندرية ومديرة المعهد الفرنسي، أن مدينة الإسكندرية تمثل أهمية خاصة لفرنسا، باعتبارها مركزًا حيويًا للتعاون الثقافي والعلمي، مشيرة إلى أن وجود فرنسا في المدينة يتجلى من خلال مؤسسات فاعلة مثل القنصلية العامة، والمعهد الفرنسي، ومركز الدراسات الاستراتيجية، وجامعة سنجور.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته بلان اليوم الخميس، على هامش الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، حيث شددت على أن العلاقة بين فرنسا والإسكندرية تقوم على شغف السكندريين بالثقافة والمعرفة، مضيفة: "نحن نعتمد على طاقة المجتمع السكندري في تعزيز الحضور الفرنسي، ونسعى لدعم الإبداع المحلي، لا سيما بين فئة الشباب، من خلال مشروع جديد لتعزيز الإبداع السكندري، إلى جانب التحضير لإطلاق مهرجان سينمائي باللغة الفرنسية".

وتطرقت بلان إلى التعاون في مجال التعليم، موضحة أن وزارة التربية والتعليم المصرية جددت مؤخرًا اتفاقًا يتيح وجود متطوعين فرنسيين داخل المدارس لتدريس اللغة الفرنسية، كما أشارت إلى تمويل فرنسا لعدة مشروعات للطاقة الشمسية، في إطار دعم التعليم المستدام وتعزيز الثقافة واللغة الفرنسية في المحافظة.

وفي سياق الاهتمام بالبيئة، أكدت بلان أن القنصلية تنظم مبادرات بيئية بالشراكة مع الطلاب الدارسين للفرنسية والألمانية، أبرزها حملات لتنظيف الشواطئ وجلسات علمية لحمايتها، لافتة إلى أهمية توسيع مشاركة الطلاب والمؤسسات الحكومية في هذه الجهود التوعوية.

وفيما يتعلق بالمشروعات التنموية، أوضحت أن فرنسا تولي اهتمامًا بالغًا بالبنية التحتية في الإسكندرية باعتبارها ثاني أكبر محافظة مصرية، مشيرة إلى متابعة مستمرة من الجانب الفرنسي لمشروعات كبرى، منها مشروع مترو الإسكندرية، وتطوير شبكة الترام، ومحطات تنقية المياه، مؤكدة أن هذه الجهود تأتي في إطار دعم جودة الحياة وتعزيز التعاون الثنائي في الملفات الحيوية.

طباعة شارك الإسكندرية قنصل فرنسا لينا بلان مؤتمر صحفي اليوم القومي

مقالات مشابهة

  • وزارة التنمية الإدارية: نظام ERP لإدارة الموارد البشرية يدخل حيّز التدريب العملي
  • صندوق تنمية الموارد البشرية ومعهد “سباير” يوقّعان اتفاقية لدعم تدريب وتأهيل 875 متدربًا من الكوادر الوطنية في قطاع الطاقة المتجددة
  • قنصل فرنسا: الإسكندرية شريك استراتيجي..ونعمل على دعم البنية التحتية
  • وزير الموارد البشرية يشكر القيادة لموافقة مجلس الوزراء على تولي بنك التنمية الاجتماعية وضع برنامج لكفالة الفئات الأكثر احتياجًا
  • "الموارد البشرية" تقيم غدًا ملتقى تمكين مستفيدي الضمان بمنطقة تبوك
  • الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تقيم بعد غدٍ ملتقى تمكين مستفيدي الضمان بمنطقة تبوك
  • تخرج أوّل دفعة على المستوى الوطني تخصص ماستر إدارة عامة ورقمنة الموارد البشرية بباتنة
  • "العمل" تنظم ورشة لتطوير حوكمة التدريب ورفع كفاءة الموظفين
  • مناقشة المبادرات الناجحة باجتماع قيادات الموارد البشرية في "الصحة"
  • الموارد البشرية في رأس الخيمة تختتم برنامج «القيادات التنفيذية المستقبلية»