مستقبل المؤسسات فـي ظل حوكمة الموارد البشرية
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
نظام الحوكمة لإدارة الموارد البَشَريَّة هو بمثابة حجر الأساس التي ينطلق من خلاله أيُّ نشاط في بيئة العمل؛ فقَدْ يساعد على الالتزام بمعايير الشَّرف والأخلاق للعمل، سواء داخليًّا أو خارجيًّا والامتثال لقوانين العمل، وإعطاء الفرص المناسبة للكوادر البَشَريَّة من تقديم أفضل ما لدَيْهم للمؤسَّسة من خلال تطويرهم وتدريبهم وتنمية الجوانب الإبداعيَّة لدَيْهم، وجذب الموظفين وفقًا لمعايير معيَّنة من خلال تفعيل الرقابة على عمليَّة التعيين واختيار الكوادر، وذلك من خلال المقابلات وتطبيق مبدأ الشفافيَّة، حيث تؤثِّر حوكمة الموارد البَشَريَّة على مستقبل المؤسَّسات وتحقيق الغايات في كافَّة المستويات التي تضعها المؤسَّسة، كما أنَّ مهام الحوكمة تختصُّ بالتأثير على مستقبل المؤسَّسات من خلال تفعيل الأدوار الرقابيَّة الخاصَّة بالرِّضا الوظيفي والحقوق والواجبات الخاصَّة بهم، والتزام المؤسَّسة بها والتي يكُونُ لها الأساس في الانعكاس على أدائهم وتتمثل في الامتثال لقوانين الإجازات والتقاعد والتأمين الصحِّي الذي تكفله المؤسَّسة لهم وأنظمة الاستقالة، وعلاوة على ذلك الحفاظ على حقوقهم في الاستماع إلى شكاوى الموظفين والقدرة على حلِّ المشكلات والتظلُّمات وإدارة الأداء بشكل كامل، وقَدْ يتأثر مستقبل المؤسَّسات من خلال مهام الحوكمة التي تختصُّ بالعمل المستمر على التحليل لكافَّة البيانات الخاصَّة بأداء الموظفين ومستواهم وربطها بالرِّضا الوظيفي، والتأكد من مدى امتثال المؤسَّسة باختلاف العناصر التي ترتبط بها للقوانين على المستوى الداخلي أو الخارجي.
فالمقصود بحوكمة إدارة الموارد البَشَريَّة هي إدارة وتنظيم العناصر المتعلِّقة بالموارد البَشَريَّة كالتخطيط الاستراتيجي، وتوظيف واختيار الموظفين، وتطوير مهاراتهم وتدريبهم، وتقييم أدائهم، وتعزيز رضاهم ومشاركتهم في العمل، وإدارة الأجور والمزايا، وتنفيذ سياسات الموارد البَشَريَّة وتنفيذها، ولعلَّ من أبرز تلك الركائز التي يتمُّ الاعتماد عليها في نظام حوكمة الموارد البَشَريَّة هي الاستقلاليَّة والشفافيَّة والعدل والمساءلة، فهذه الركائز يتمُّ استخدامها لإدارة أنشطة المؤسَّسة وإخضاعها مع الأهداف المنوطة.
ومع العِلم أنَّ التأثير على مستقبل المؤسَّسات في ظلِّ الحوكمة يتطلب استراتيجيَّة فعَّالة أنشطة المؤسَّسة ونظامها والهيكل الوظيفي والإداري والسلوك التنظيمي، وقَدْ تشمل عدَّة آليَّات تبدأ من مرحلة تأسيس لجان مختصَّة تضمُّ خبراء ومتخصِّصين في المجالات المتنوِّعة، وقَدْ يختصُّ عملهم في الإشراف على عمليَّة تطبيق استراتيجيَّة الحوكمة، وذلك من خلال تحديد نقاط رئيسة تتحكم في حوكمة الموارد البَشَريَّة وضمان سَير الاستراتيجيَّة، وفقًا لهذا الاتِّجاه، كما تختصُّ هذه اللجان بعمليَّة رقابيَّة تضْمن المستوى الذي تعمل من خلاله الاستراتيجيَّة واتِّباع الإجراءات اللازمة في كافَّة أنشطة المؤسَّسة واعتماد سياساتها.
وتأتي الاستراتيجيَّة الثانية في إطار تفعيل دَوْر الحوكمة من خلال تحديد الاتِّجاه العامِّ ويكُونُ بمثابة الإطار الذي تنطلق من خلاله الأنشطة الأخرى، ويُمثِّل هذا الإطار نقطة الانطلاق في تحديد الأدوار والمسؤوليَّات والعلاقات والروابط الاتصاليَّة واتِّخاذ القرارات بناء على خطوات منهجيَّة، وهذا يُمكِن تحقيقه من خلال استراتيجيَّة تطبيق نموذج مصفوفة «RACI» التي تحدِّد مهام كُلِّ فرد، واسم الشخص المختصِّ، وتأتي بعد ذلك مرحلة تطبيق استراتيجيَّة تطوير الأنشطة والسِّياسات الخاصَّة بالموارد البَشَريَّة وتنسيقها مع أهداف وغايات المؤسَّسة والامتثال إلى الطبيعة القانونيَّة بما يخدم المؤسَّسة بشكلٍ عامٍّ وعمليَّة اتِّخاذ القرارات.
ولعلَّ من أهمِّ مراحل تطبيق استراتيجيَّات تفعيل دَوْر الحوكمة هي تدريب العاملين بالمؤسَّسة على أهمِّية حوكمة الموارد البَشَريَّة من خلال التدريب على ذلك، والتعلُّم المستمر وتنمية الكفاءات والتدريب على المخاطر وكيفيَّة مواجهة المشكلات وحلِّها بأقلِّ الخسائر وبثِّ روح أهمِّية الامتثال القانوني. وتأتي في المرحلة الأخيرة استراتيجيَّة التقييم لضمان عمليَّة التنفيذ بالشكل السليم في كُلِّ المراحل فيما يتطابق مع الأهداف الخاصَّة بالمؤسَّسة وغاياتها، بما يُسهم في إدخال أيٍّ من التعديلات بما يخدم غرض المؤسَّسة.
ومن الجدير بالذِّكر أنَّ واقع المؤسَّسات يتأثر بحوكمة الموارد البَشَريَّة، إلَّا أنَّه لا يُمكِن إغفال حقيقة أنَّه يوجد العديد من التحدِّيات التي تَحُولُ بَيْنَ تطبيق حوكمة الموارد، وبالتالي التأثير على مستقبل المؤسَّسات وتختلف باختلاف طبيعة عمل المؤسَّسة واختلاف الأنشطة. ولعلَّ من أبرز تلك التحدِّيات هي غياب ثقافة أهمِّية حوكمة الموارد البَشَريَّة في المؤسَّسة وكيفيَّة كونها هي الأساس في تحقيق الأهداف، والتي تؤثِّر على مستقبل المؤسَّسات سلبًا، وتحكم الموارد في تطبيق استراتيجيَّة الحوكمة؛ حيث إنَّ لتطبيق الحوكمة يلزم توافر العديد من الموارد والتي تتمثل في الخبراء المتخصِّصين في المجالات المتنوِّعة والموظفين ذوي الهِمَم والكفاءات، وكذلك الميزانيَّة اللازمة لتحقيق الأهداف، والعامل الزمني؛ فإذا غابت تلك الموارد عن المؤسَّسة فمن الصَّعب تنفيذ عمليَّة حوكمة الموارد البَشَريَّة وبالتَّالي تؤثِّر سلبيًّا على مستقبل المؤسَّسات، علاوة على ذلك أنَّ عمليَّة الاتِّصال لها دَوْر أساسي في المؤسَّسات، فضعف هذه العمليَّة الاتصاليَّة بَيْنَ العاملين في المؤسَّسة والمديرين تؤثِّر بالسلب على أداء الموظفين وعدم مشاركتهم في اتِّخاذ القرار والذي يؤثِّر على مستوى الرِّضا الوظيفي لدَيْهم، وأن لا يتمَّ إغفال مقاومة الموظفين في المؤسَّسة للطريقة المتَّبعة في إدارة المؤسَّسة وعدم تقبُّل أيِّ تغيير قَدْ يَحُولُ بَيْنَ حوكمة الموارد البَشَريَّة وتنفيذ هذه الاستراتيجيَّة أو تطبيق أيِّ سياسات جديدة لرفضهم التغيير؛ لإبعادهم عن الروتين اليومي. ومن هنا تجدر الإشارة إلى ضرورة تنفيذ استراتيجيَّة دَوْر إدارة التغيير من ضِمْن خطط حوكمة الموارد البَشَريَّة للتعامل مع مقاومة الموظفين، والتدريب على أهمِّية هذه الاستراتيجيَّة برفع مستوى الوعي لدَيْهم بتلك العمليَّة، مع ملاحظة أنَّ تطبيق هذه الاستراتيجيَّة يظهر بشكل السَّهل الممتنع.
وختامًا، يُمكِن التأكيد أنَّ التأثير على مستقبل المؤسَّسات في ظلِّ حوكمة الموارد البَشَريَّة يتطلب استراتيجيَّة عمل ممنهجة وواضحة للحوكمة من البداية، ثمَّ اتِّباع الخطوات والاستراتيجيَّات التي سبق ذكرها والتي تَعُودُ بالنتائج الإيجابيَّة على مستقبل المؤسَّسات. وعلى النقيض من ذلك إذا لَمْ تتغلَّب المؤسَّسات على التحدِّيات التي تقف عائقًا أمام الحوكمة؛ فقَدْ يؤثِّر على صعوبة التنفيذ وعدم القدرة على تحقيق الأهداف بالشكل المثالي والتأثير على استدامة فعاليَّة المؤسَّسة والموارد البَشَريَّة بشكلٍ عامٍّ.
عـاطـف بن محمد الزدجالي
باحث بسلك الدكـتـوراه في العلوم الاقتصادية
مختبر الأبحاث في تدبير المؤسَّسات ـ قانون الأعمال والتنمية المستدامة (LARMODAD)
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: ر على مستقبل المؤس ة من خلال فی المؤس ة المؤس ات التی ة أنشطة
إقرأ أيضاً:
8 التزامات على صاحب المنشأة.. "الموارد البشرية" تطرح تعديلات لائحة نظام العمل - عاجل
طرحت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، تعديل اللائحة التنفيذية لنظام العمل، عبر منصة ”استطلاع“ حيث تضمنت استقرار العلاقة التعاقدية وبيئة عمل تنافسية ودعم أصحاب العمل لتدريب وتأهيل عامليهم وإيجاد منافع لعمل المرأة، وتحسين الظروف المعيشية للوافدين واستقطاب المواهب العالمية المناسبة بصورة فعالة.
وألزمت اللائحة التنفيذية صاحب العمل بإعداد وصف مهني لمهام وواجبات الوظائف لديه والمتطلبات الوظيفية لشغلها وفق التصنيف السعودي الموحد للمهن، والمعايير المهنية الوطنية.
أخبار متعلقة خطبة الجمعة القادمة تُذكر الناس بمكانة المساجد في الإسلام "روح السعودية" تعلن عن تفاصيل مشاركتها في معرض WTM بلندنوأوجبت عليه توفير برامج التدريب والتأهيل للوظائف التي تتطلب مهامها ذلك بما في ذلك البرامج التدريبية، والسعي إلى معرفة ما هو جديد مما يدخل في تأدية المهام والواجبات الوظيفية والعمل على تمكين العاملين لديه من التدريب والتأهيل وفقاً لذلك.التزامات صاحب العملوتتضمن التزامات صاحب العمل إعداد قوائم لبرامج التدريب متنوعة لكل مهنة من المهن التي تحتاجها المنشأة في عملها بحيث تستهدف تلك البرامج رفع كفاءة ومهارة العامل المتدرب المهنية التي يحتاجها صاحب العمل ومحققة لأهدافه، وتقييم المتدرب في نهاية التدريب.
وأكدت على أنه في حال اشتراط المنشأة استمرار عمل العامل بعد انتهاء التدريب يجب أن لا يتجاوز هذا الاشتراط المدة المماثلة لمدة برنامج التدريب الذي خضع له العامل، إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، أو باقي مدة العقد في العقود محددة المدة، وعدم تحميل المتدرب أي نفقات متعلقة بالتدريب.
وأجازت اللائحة لصاحب العمل أن يجري التدريب في مقر العمل في حال توفر مدربين معتمدين من جهة الاختصاص سواء كان ذلك من عاملين المنشأة أو خارجها، أو أن يعهد به إلى أحد المراكز أو معاهد التدريب المعتمدة من الجهة المختصة، ويمكن أن يكون التدريب خارج المملكة أو داخلها.
وأضافت اللائحة التنفيذية لنظام العمل المادة 15 مكرر والتي تنص على إلزام صاحب العمل بالإفصاح عن بيانات التدريب سنويا وتوثيقها على المنصة الالكترونية التي تحددها الوزارة، والالتزام بتدريب عماله السعوديون وفق النسب والآليات التي يحددها الوزير بقرار منه.
ووفقا للمادة في حال أكمل العامل دراسته وتم منحه إجازة دراسية من قبل المنشأة دون أن تحسم من أيام الاجازة السنوية، أو قيام صاحب العمل بدفع تكاليف التعليم للعامل فإن العامل يحتسب ضمن النسبة المقررة للتدريب والتأهيل من عمالة المنشأة السعوديين. متى يتحمل العامل نفقات تدريبه؟وحددت اللائحة 3 حالات يتحمل العامل نفقات تدريبه أو تأهيله التي صرفت عليه إذا قرر العامل المتدرب إنهاء التدريب، أو التأهيل قبل الموعد المحدد لذلك دون عذر مشروع، أو إذا تم فسخ العقد أثناء فترة التدريب أو التأهيل، أو إذا استقال العامل من العمل، أو تركه لغير الحالات الواردة.
وشدد على صاحب العمل بإعداد خطة وبرنامج لتدريب الطلاب والخريجين تتناسب مع تأهيلهم العلمي أو المهارات المطلوبة للمهنة التي يتدربون عليها، وتحديد متطلبات وإجراءات التقديم للتدريب، وإعلان شروط التدريب والمزايا والفرص.
وألزمت صاحبالعمل بإبرام عقد تدريب بين المتدرب والمنشأة موضح فيه مدة التدريب وتواريخ بدء وانتهاء التدريب والمهنة أو المهارة المراد التدريب عليها، والأدوار والمسؤوليات والالتزامات المنوطة بكلا الطرفين، وللمنشأة أن تقدم مكافأة للمتدرب، مع عدم تحميله نفقات التدريب.
وأكدت اللائحة على منح المتدرب شهادة تدريب توضح اسم المنشأة ومقرها ومدة التدريب والمهنة والمهارة ذات الصلة بالتدريب وسنة التدريب ودرجة التقييم الإجمالية للمتدرب، وعدم إلزام المتدرب بالعمل في المنشأة بعد إتمام التدريب.
ونصت اللائحة التنفيذية لنظام العمل على التزامات المتدرب منها الالتزام بمدة التدريب، والمسارات والبرامج التدريبية المنصوص عليها في العقد، والحفاظ على أسرار المنشأة وأدواتها وممتلكاتها وقواعد الصحة والسلامة المهنية.
وأوجبت على صاحب العمل الالتزام بتحرير عقد عمل مع العامل؛ بحيث يتضمن عقد العمل البنود الإلزامية المنصوص عليها في النموذج الموحد كحد أدنى. ويجوز إضافة أي بنودٍ أخرى للعقد، بما لا يتعارض مع أحكام النظام، وهذه اللائحة، والقرارات الصادرة تنفيذًا له، وتوثيق عقود العاملين إلكترونياً عبر المنصة المعتمدة من الوزارة.
ونصّنت أحكام المواد 22,23,24 من النظام على التنسيق المشترك بين الوزارة وصندوق تنمية الموارد البشرية من أجل تفعيل ودعم قنوات التوظيف التابعة للصندوق للقيام بدورها في توظيف الأيدي العاملة الوطنية، وتأهيلها وتدريبها، وإحلالها محل العمال غير سعوديين.
وأكدت المادة 13 على أنه لا يُعد العامل غير السعودي الذي تُقر الوزارة عمله عبر إجراءات برنامج ”أجير“ مُخالفا لحكم المادة.