قصَّة نجاح مبهرة يُسطِّرها شخصيَّة عربيَّة من الكويت، ولو كان بيزوس أو ماسك وزوكربيرك الذي يقف وراء الفكرة وتنفيذها، لانشغلت وسائل إعلامنا بقصَّته ليل نهار، إنَّه رشاد الشوا، الذي حقَّق ريادة متفرِّدة في حقل خطير جدًّا، فقَدْ تمكَّن من تأسيس بنك المياه الدولي تحت مظلَّة البنك الدولي، وتُعدُّ هذه أوَّل مرَّة تتبنَّى فيها هذه المؤسَّسة الدوليَّة مبادرة فرديَّة، إذ إنَّ سياقات تعاملاته ـ البنك الدولي ـ كما هو معروف تتمُّ مع الحكومات والقِطاع العامِّ فقط.
مغرية الرحلة مع عالَم المياه وأزماته رغم أنَّها تزداد تشابكًا وتعقيدًا، وقَبل أكثر من عقدَيْنِ نشرت كتابي بعنوان عدَّه البعض متشائمًا بعض الشيء، إذ جاء العنوان «نيران على ضفاف الأنهر.. الأبعاد السِّياسيَّة لأزمة المياه»، لكن تتأكد مخاوف الكتاب والعنوان يومًا بعد يوم.
وممتع تتبُّع فكرة في غاية الأهمِّية التي نتحدَّث عَنْها، ولمجرّد أن يفكرَ المرء بقضيَّة من هذا النَّوع ويرسم لها مخرجات لَمْ يسبقه لها أحد، ويصر على تنفيذ المشروع الذي ينطوي على الكثير من الصعاب، فإنَّ هذا وحده يحسب بقوَّة لهذا الرجل، ومن خلال بعض لقاءاته في وسائل الإعلام، فإنَّ الشوا أراد لهذا المشروع العملاق أن يخرجَ من عباءة مجلس التعاون الخليجي وينمو ويكبر تحت هذه المظلَّة، ورغم أنَّني لا أعرف التفاصيل، لكن أستطيع الجزم أنَّه قَدْ بذل جهودًا كبيرة في هذا المضمار وطَرق الأبواب ليخرجَ بمشروع يفخر به الجميع، لكن واجهته عقبات كما يبدو، والمُهمُّ أنَّه لَمْ ييأس وواصل طَرق النوافذ والأبواب؛ لأنَّه مؤمن بفكرته وواثق من بلوغها حتى زرع البذر ويرقب النُّمو على طريق النضوج والتفعيل والتوسُّع.
وبنك المياه الدولي يخطِّط للمساهمة في إيجاد الحلول للكثير من المشاكل اليوميَّة والمتصاعدة للمياه، ويرسم الأستاذ الشوا خطوطًا رئيسيَّة لهذا المشروع الواسع والذي ولد والعالَم أحوج ما يكُونُ له، يقول الشوا «أهم شيء أن يكُونَ بنك المياه الدولي المركز والمرجع لتمويل قِطاع المياه دوليًّا، ويعمل على مساعدة وتمويل الشركات الصغيرة وخلق شراكة حقيقيَّة بَيْنَ القِطاع الخاصِّ والعامِّ في هذا المجال». لا أمتلك معلومات تفصيليَّة عن حجم المشاريع وطبيعتها، لكن بالتأكيد ستكُونُ مساهمة بقوَّة في التخفيف من أزمات المياه المتعاظمة في العالَم، وأنَّ العقل الفذَّ لهذا الرجل سيتَّجه صوب المشاكل الكبيرة وتلك التي تعصف بالمناطق الفقيرة، والشعوب التي تئنُّ تحت وطأة الجفاف والمناطق التي تتأثر بقوَّة بموجات الجفاف، كما أنَّ إطلاق هذا المشروع وسط عواصف المتغيِّرات المناخيَّة سوف يكُونُ دافعًا لتعاون الكثير من الحكومات والمنظَّمات الدوليَّة لدعم هذا المشروع، وفي مقدِّمة ذلك الصناديق السياديَّة والبنوك التي يفترض أن تتَّجهَ بقوَّة لخلق شراكات طويلة الأمد مع بنك المياه الدولي. سنراقب الأداء والمشاريع لِنفرحَ بهذا المولود الكبير.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي
wzbidy@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: هذا المشروع
إقرأ أيضاً:
أَعدم الناس وفقا لهذا الكتاب
إحدى الأسئلة المهمة التي طرحت على رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع فـي الأسابيع الأولى بعد سقوط النظام: ما الذي تقرأه وماذا تفضّل من الكتب؟ كان هذا بعد أن انتهى الاجتماع معه وأجاب عن كل الأسئلة التي تتعلق برؤيته لانتقال الحكم، وتعددية المجتمع السوري، والمشاركة فـي الحكم من قبل مؤسسات المجتمع المدني، لكن السائل كان يقصد الكشف عما هو محتجب فـي العادة، مؤمنًا أن ما نفضله من الكتب وما نصرح به حول تفضيلاتنا دون إعداد مسبق قد يكشف عنا شيئًا مهما حاولنا إخفاءه لن ننجح فـي ذلك.
يختلف الأمر عند ترامب وحاشيته، إذ إن تفضيلهم لكتاب «Unhumans: The Secret History of Communist Revolutions (and How to Crush Them)» معلن. هذا الكتاب الذي يعتمد فـيه الكاتب على نماذج أبرزها فرانثيسكو فرانكو وأوغستو بينوشيه اللذان سحقا شعبيهما وتعاملا بعنف مع المعارضين والمنشقين. يعتقد الكاتب أن على ترامب وحكومته أن يتعاملا بالمثل مع اليسار الأمريكي، أو المنشقين مهما كان اللواء الذين ينضوون تحته. لا يعني هذا قتل واستبعاد المعارضين بحسب أفعالهم بحسب، بل وحتى بسبب «الأيدلوجيات» التي يؤمنون بها.
يجد الكاتب الأمريكي حي ناثان روبنسون ذلك مثيرًا للقلق، فكيف لكتاب كهذا أن يكون شعبيًا ممن هم فـي السلطة التنفـيذية. ويجعلنا نتساءل معه عن الحدود التي يستطيع أن يتخذ فـيها ترامب قرارات بهذا الصدد، إذ إن حكم البلاد الجمهوري الذي يعتمد على الدستور يقلص من إمكانية أن يتصرف الرئيس من تلقاء نفسه. أنا نفسي مع كل ما يحدث فـي أمريكا الآن بحثت عن مذكرات دراستي الجامعية عندما درسنا فـي قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت نموذج الحكم الجمهوري والنموذج الأمريكي بشكل خاص، مع ذلك يبدو أن فهمنا للسياسية يجري الآن غربلته وإعادة موضعته إزاء كل ما يحدث.
قابل جي ناثان روبنسون كاتب هذا الكتاب وسأله عما يفكر فـيه، وإلى أي مدى ينبغي أن يكون ترامب ديكتاتوريًا ومن هم هؤلاء الأشرار الذين ينبغي عليه استبعادهم بل وقتلهم إن اقتضى الأمر. لكن إجاباته بحسب روبنسون كانت مبهمة ومع ذلك لا يمكن إلا أن تشعر بوقع الشؤم فـيها.
يستخدم الكتاب حجة أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية، أي الغوغاء، وأن نماذج كتلك التي أسلفت بالإشارة إليها أعلاه رأت أن الديمقراطية لا تنجح فـي حماية الأبرياء، لقد سمحت الديمقراطية بحسب إيمان الكاتب لكثير من العصابات بنهب وتخريب البلاد فـي إسبانيا وباريس دون أن يكون ذلك خرقًا للقانون.
توقفتُ عند هذا التصريح كثيرًا، إذ إن السؤال المهم فـي هذه الحالة هو المساحة التي سيتحرك فـيها اليمين الشعبوي فـي العالم كله ما لم يكن النظام ديمقراطيًا، والحدود التي نادى بها اليسار بالمناسبة وفـي سياقات عديدة، بين ميوعة حرية التعبير والفهم الحقيقي لهذه الحرية وأخلاقيات التعبير التي لا ينبغي أن تُطبع مع خطابات الكراهية مثلًا، تساءلت ترى ما الذي سيحدث لو كان هنالك حرية تعبير لا على مقاس السوق الحرة وإنما وفقًا للأدبيات التي لطالما ناقشها اليسار العالمي، الذي ينبغي أن ننزع عنه اليوم الديمقراطية بحسب الكاتب متهمين إياها لا اللاعبين والفاعلين الذين استغلوها لوصول وتكريس أنفسهم. هل يا ترى يحمل هؤلاء بذرة موتهم؟
وهكذا وبدلًا من نقد الديمقراطية وحكم الأقلية فـيها حتى وإن ادعت العكس أي أنها تمثيل للغالبية، ينبغي وحصرًا بعد وصول اليمينين المتشددين أن تُلغى وأن نعتمد على مواقفهم للانطلاق منها فـي حكم البلاد. ألا يبدو هذا تهريجًا؟ لكنني بالمناسبة لا أنفر من هذا التهريج، إن أهم ما تقدمه لنا هذه الأطروحة ومن يقف وراءها أنها تشكل نموذجًا متناغمًا بشدة مع طبيعة العالم الوحشي الذي نعيش فـيه. هذا ما يليق بهذا العالم فـي هذه اللحظة التاريخية. إن عالمًا شهدنا فـيه القتل العلني وتبخير الجثث فـي غزة لا يمكن أن ينتج عنه إلا حكما «كاريكتوريًا» كهذا، وشخصيات «كرتونية» أفضل من هذه التي نراها.
ومع ذلك لا يكف الكاتب فـي لقائه مع روبنسون للتمييز بين موقفه ومن يسميهم «اليمين الرجعي» الواضح فـي عنصريته، حتى وإن لم يكن هنالك ما يشير بوضوح للفرق بين موقفه وموقفهم. مرة أخرى يستغل هؤلاء إذن انعدام «ردلكة/ جذرية» الفضاء العام الذي يتحرك فـي سماء السوق الحرة المفتوح بلا نهاية، لإيهامنا بشيء ما، والتصرف بعكسه.
لم يمض وقت طويل على صدور هذا الكتاب، تُرى هل سيترجم للعربية، وكم واحدًا من أولئك الذين نعرفهم سيحمله بين يديه، مستخدمًا إياه لمزيد من التسلط والعنف الذي تمارسه الدول بحق الشعب وأفكاره وروحه وما يتطلع إليه. لا شك بأنهم كثر أولئك الذي يقولون على غير استحياء فـي مجالسنا الخاصة «لسنا مستعدين للديمقراطية... ليس بعد». فالتنويعات على ترامب ومن يشبهونه قريبة بشكل قد لا نتخيله أحيانًا.