جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-23@06:23:11 GMT

يُسر الإسلام

تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT

يُسر الإسلام

 

 

د. سلوى بنت عبد الأمير بن سلطان

 

جعل الله التزام الحجاب عنوان الفقه، وفرضه على النّساء المؤمنات لحمايتهن، وإظهار عفافهنّ ومنع الفُسّاق من التّعرض لهنّ، ولقطع أطماع مرضى القلوب من الرجال؛ ولذلك ذمّ التّبرج، وعدّه مدعاة للفتن، ومشجّعًا على ارتكاب المعاصي من النّظر المحرّم والقول الفاحش.

وكانت أوّل آية نزلت في الحجاب: الآية (53) من سورة الأحزاب؛ حيث قال جلّ تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا".

(الأحزاب: 53).

ويتكّون الحجاب من الخمار والجلباب؛ فالخمار في الفقه هو: غطاء الرّأس، التي تغطّي به المرأة شعرها وصدرها وعنقها، وقد أمر نساء المؤمنين أنْ يلقين بالخمار إلقاءً محكمًا على المواضع المكشوفة وهي: الرأس والعنق والنّحر والصّدر، وذلك بلفّ الخمار (اللّحاف) الذي تضعه المرأة على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهذا هو التّقنّع.

أمّا الجلباب فهو الثّوب (الرّداء) الذي يستر البدن جميعه، وقال تعالى في محكم كتابه: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". ( النّور : 31)

ومن يسر الإسلام أنّه رخّص للقواعد من النّساء، وهن العجائز اللاتي تقدّم بهن السّن، وقعدن عن الحيض والحمل ويئسن من الولد، أنْ يضعن ثيابهن الظّاهرة من الجلباب والخمار، كاشفات عن الوجه والكفين الظّاهرين من الجسم، ورفع الله الإثم والجناح عنهن، وإنْ كان الاستعفاف خير لهن.

وإذ أكتب هذا المقال، لا أهدف من ورائه للتّقليل من أهميّة الحجاب، ودعوة الإسلام له في القرآن الكريم؛ بل أهدف لأبيّن يسر الإسلام في حكم الحجاب على القواعد من النّساء وهنَّ: اللاتي لا يطمثن ووصلن إلى مرحلة عدم الحمل، وغير راغبات في النّكاح، ولا يرغب أحد في الزّواج بهن، فقد استثناهن الإسلام، وأقول للدّاعيات إلى الحجاب، والشّيوخ (الخطباء) بعدم الغلو في ذلك، ووضع قيود شديدة عندما يصل الموضوع إلى حجاب القواعد من النّساء؛ فالدّين يسر لا عسر فيه.

قال تعالى: "وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (النّور: 60)، فما الذي يصحّ للقواعد من النّساء أنْ يضعن من الثّياب؟

جاءت تعابير في الأحاديث الإسلاميّة حول المقدار من الجسم المسموح به بعدم تغطيته، والمقصود بها الملابس الفوقانية، فعن الإمام جعفر الصّادق عندما سئل: أيّ الثياب يجوز وضعها؟ فأجاب: الجلباب، بينما ذكر آخر الجلباب والخمار.

ويقول الشّيخ ناصر مكارم الشّيرازي في تفسير الأمثل: "ويبدو أنّ هذه الأحاديث غير متناقضة، وتقصد جواز الكشف عن رؤوسهن، وعدم تغطية الشّعر والرّقبة والوجه، وقالت أحاديث أخرى بشمول الاستثناء إلى حدّ الرّسغ"، وفي كلّ الأحوال أن يكنّ غير متبرجات بزينة، وأنْ يخفين الزّينة التي تحت الحجاب؛ بل الواجب إخفاؤها من قبل جميع النّساء"، وعدم ارتداء الثّياب التي تثير انتباه الآخرين.

والنّتيجة التي يصل إليها الشّيخ الشّيرازي أنّه يجوز للقواعد من النّساء ذلك بشرط أنْ يكنّ "غير متبرّجات بزينة"، وأنْ يخفين الزينة التي تحت الحّجاب، التي يجب أنْ يخفينها من قبل جميع النّساء، وألّا يرتدين الملابس التي تثير انتباه الآخرين.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: الصدق الذي نستهين به هو أمر عظيم

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان سيدنا رسول الله ﷺ أمرنا بالصدق، وسأله أحد الصحابة  : أيزني المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال: أيسرق المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال: أيكذب المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «لا». قد يشتهي الإنسان، فتدفعه شهوته للوقوع في المعصية، أو يحتاج، فيعتدي بنسيان أو جهل. أما الكذب، فهو أمر مستبعد ومستهجن.

واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه عندما التزم الناس بهذه النصيحة، وهذا الحكم النبوي الشريف، عرفوا أنهم لا يقعون في الزنا ولا في السرقة. سبحان الله! لأن الإنسان إذا واجهته أسباب المعصية، وكان صادقًا مع نفسه، مع ربه، ومع الناس، فإنه يستحي أن يرتكب المعصية.

وجاء رجلٌ يُسْلِمُ على يدي رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، أريد أن أدخل الإسلام، ولكني لا أقدر على ترك الفواحش والزنا. فقال له النبي ﷺ: «عاهدني ألا تكذب».

فدخل الإسلام بهذا الشرط، رغم كونه شرطًا فاسدًا في الأصل. وقد وضع الفقهاء بابًا في كتبهم بعنوان: الإسلام مع الشرط الفاسد.

دخل الرجل الإسلام، وتغاضى النبي ﷺ عن معصيته، لكنه طالبه بعدم الكذب. ثم عاد الرجل إلى النبي ﷺ بعد أن تعافى من هذا الذنب، وقال: والله، يا رسول الله، كلما هممت أن أفعل تلك الفاحشة، تذكرت أنك ستسألني: هل فعلت؟ فأتركها استحياءً من أن أصرح بذلك، فالصدق كان سبب نجاته.

الصدق الذي نستهين به، هو أمر عظيم؛ الصدق يمنعنا من شهادة الزور، ومن كتمان الشهادة. وهو الذي ينجينا من المهالك. وقد ورد في الزهد :  »الصدق منجاة؛ ولو ظننت فيه هلاكك، والكذب مهلكة؛ ولو ظننت فيه نجاتك».

وفي إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، رضي الله عنه: كان خطيبٌ يخطب في الناس عن الصدق بخطبة بليغة. ثم عاد في الجمعة التالية، وألقى نفس الخطبة عن الصدق، وكررها في كل جمعة، حتى ملَّ الناس، وقالوا له: ألا تحفظ غير هذه الخطبة؟ فقال لهم: وهل تركتم الكذب والدعوة إليه، حتى أترك أنا الدعوة إلى الصدق؟! نعم، الصدق موضوع قديم، ولكنه موضوع يَهُزُّ الإنسان، يغير حياته، ويدخله في البرنامج النبوي المستقيم. به يعيش الإنسان مع الله.

الصدق الذي نسيناه، هو ما قال فيه النبي ﷺ  :   »كفى بالمرء كذبًا أن يُحَدِّث بكل ما سمع ».

ونحن اليوم نحدث بكل ما نسمع، نزيد على الكلام، ونكمل من أذهاننا بدون بينة.

ماذا سنقول أمام الله يوم القيامة؟
اغتبنا هذا، وافتَرَينا على ذاك، من غير قصدٍ، ولا التفات. لأننا سمعنا، فتكلمنا، وزدنا.

قال النبي ﷺ: «إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

وأخذ بلسانه وقال: «عليك بهذا».
فسأله الصحابي: وهل نؤاخذ بما نقول؟ فقال النبي ﷺ : وهل يَكُبُّ الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم؟ لقد استهنا بعظيمٍ علمنا إياه النبي ﷺ. يجب علينا أن نعود إلى الله قبل فوات الأوان.

علق قلبك بالله، ولا تنشغل بالدنيا الفانية، واذكر قول النبي ﷺ: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل».
راجع نفسك، ليس لأمرٍ من أمور الدنيا، ولكن لموقف عظيم ستقف فيه بين يدي رب العالمين. فلنعد إلى الله، ولا نعصي أبا القاسم ﷺ.

مقالات مشابهة

  • الإسلام ومفهوم المقاومة والثورة
  • سوريا والغرب ونظرية المٌدان تحت الطلب!
  • إيمان أهل غزة يدفع متظاهرة بريطانية لاعتناق الإسلام
  • بلا مجاملة
  • فضل كفالة اليتيم وإكرامه في الإسلام
  • لمحات من حروب الإسلام
  • علي جمعة: الصدق الذي نستهين به هو أمر عظيم
  • ماذا قال «أحمد الشرع» حول «تعليم النساء والسماح بشرب الكحول وفرض ارتداء الحجاب» في سوريا؟
  • سوريا ومحنة النموذج
  • الغيب في الإسلام: بين علم الله وحذر الإنسان