د. سلوى بنت عبد الأمير بن سلطان
جعل الله التزام الحجاب عنوان الفقه، وفرضه على النّساء المؤمنات لحمايتهن، وإظهار عفافهنّ ومنع الفُسّاق من التّعرض لهنّ، ولقطع أطماع مرضى القلوب من الرجال؛ ولذلك ذمّ التّبرج، وعدّه مدعاة للفتن، ومشجّعًا على ارتكاب المعاصي من النّظر المحرّم والقول الفاحش.
وكانت أوّل آية نزلت في الحجاب: الآية (53) من سورة الأحزاب؛ حيث قال جلّ تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا".
ويتكّون الحجاب من الخمار والجلباب؛ فالخمار في الفقه هو: غطاء الرّأس، التي تغطّي به المرأة شعرها وصدرها وعنقها، وقد أمر نساء المؤمنين أنْ يلقين بالخمار إلقاءً محكمًا على المواضع المكشوفة وهي: الرأس والعنق والنّحر والصّدر، وذلك بلفّ الخمار (اللّحاف) الذي تضعه المرأة على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهذا هو التّقنّع.
أمّا الجلباب فهو الثّوب (الرّداء) الذي يستر البدن جميعه، وقال تعالى في محكم كتابه: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". ( النّور : 31)
ومن يسر الإسلام أنّه رخّص للقواعد من النّساء، وهن العجائز اللاتي تقدّم بهن السّن، وقعدن عن الحيض والحمل ويئسن من الولد، أنْ يضعن ثيابهن الظّاهرة من الجلباب والخمار، كاشفات عن الوجه والكفين الظّاهرين من الجسم، ورفع الله الإثم والجناح عنهن، وإنْ كان الاستعفاف خير لهن.
وإذ أكتب هذا المقال، لا أهدف من ورائه للتّقليل من أهميّة الحجاب، ودعوة الإسلام له في القرآن الكريم؛ بل أهدف لأبيّن يسر الإسلام في حكم الحجاب على القواعد من النّساء وهنَّ: اللاتي لا يطمثن ووصلن إلى مرحلة عدم الحمل، وغير راغبات في النّكاح، ولا يرغب أحد في الزّواج بهن، فقد استثناهن الإسلام، وأقول للدّاعيات إلى الحجاب، والشّيوخ (الخطباء) بعدم الغلو في ذلك، ووضع قيود شديدة عندما يصل الموضوع إلى حجاب القواعد من النّساء؛ فالدّين يسر لا عسر فيه.
قال تعالى: "وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (النّور: 60)، فما الذي يصحّ للقواعد من النّساء أنْ يضعن من الثّياب؟
جاءت تعابير في الأحاديث الإسلاميّة حول المقدار من الجسم المسموح به بعدم تغطيته، والمقصود بها الملابس الفوقانية، فعن الإمام جعفر الصّادق عندما سئل: أيّ الثياب يجوز وضعها؟ فأجاب: الجلباب، بينما ذكر آخر الجلباب والخمار.
ويقول الشّيخ ناصر مكارم الشّيرازي في تفسير الأمثل: "ويبدو أنّ هذه الأحاديث غير متناقضة، وتقصد جواز الكشف عن رؤوسهن، وعدم تغطية الشّعر والرّقبة والوجه، وقالت أحاديث أخرى بشمول الاستثناء إلى حدّ الرّسغ"، وفي كلّ الأحوال أن يكنّ غير متبرجات بزينة، وأنْ يخفين الزّينة التي تحت الحجاب؛ بل الواجب إخفاؤها من قبل جميع النّساء"، وعدم ارتداء الثّياب التي تثير انتباه الآخرين.
والنّتيجة التي يصل إليها الشّيخ الشّيرازي أنّه يجوز للقواعد من النّساء ذلك بشرط أنْ يكنّ "غير متبرّجات بزينة"، وأنْ يخفين الزينة التي تحت الحّجاب، التي يجب أنْ يخفينها من قبل جميع النّساء، وألّا يرتدين الملابس التي تثير انتباه الآخرين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حكم النقاب.. أمين الفتوى: لو كان فرضا لما منعه النبي فى الحج والعمرة
أكّد الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن هناك خلطًا كبيرًا بين مفهومي الحجاب والنقاب، مشددًا على أن الحجاب فرض شرعي مؤكد، بينما النقاب ليس فرضًا ولا واجبًا، بل هو من العادات أو المباحات التي يمكن للمرأة أن تختارها، دون أن يكون ذلك إلزامًا دينيًا.
وأوضح أمين الفتوى، في فتوى له: "الحجاب الذي يشمل تغطية الجسد كله ما عدا الوجه والكفين هو الفرض، كما هو حال ما ترتديه أغلب النساء المسلمات اليوم، أما النقاب، وهو تغطية الوجه بالكامل، فليس فرضًا شرعيًا، والدليل على ذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين".
وأضاف: "سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة"، والحديث رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهذا دليل صريح على أن تغطية الوجه ليست فرضًا، لأن لو كان النقاب فريضة شرعية، لكان أَولى أن يُفرض في الحج، وهو أعظم عبادة، لكنه منهي عنه للمحرمة".
واستدل كذلك بحديث آخر، جاء فيه أن سيدنا الفضل بن عباس كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت امرأة تسأل النبي، وكانت مكشوفة الوجه، وكان الفضل ينظر إليها، فصرف النبي وجه الفضل عنها ولم يأمر المرأة بتغطية وجهها، ما يؤكد أن كشف الوجه لم يكن مخالفة شرعية.
وأشار إلى أن جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية – في غير قول – والحنابلة في رواية، قالوا إن النقاب ليس بفرض، وأن الوجه والكفين ليسا بعورة، وبالتالي لا يجب تغطيتهما.
وتابع: "الحجاب فرضٌ بإجماع العلماء، أما النقاب فهو اختيار شخصي، ومن اختارته من باب الاحتياط أو الورع فلهن أجرهن، ومن لم تلبسه فلا إثم عليها، بشرط الالتزام بالحجاب الشرعي الكامل".
ما الوقت المناسب لارتداء البنت الحجاب؟.. الأزهر للفتوى يجيب
متى يطالب الأب والأم بناتهم بارتداء الحجاب؟.. عضو العالمي للفتوى يجيب
عباس شومان يرد بالأدلة على فتوى سعد الدين الهلالي: الحجاب فرض على المرأة
هشام ربيع: الحجاب فريضة ربانية وليس عادة اجتماعية ولا يخضع للمزاج
حدد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، 7 نقاط للإجابة عن حكم حجاب المرأة المسلمة، وهي:
1:- حِجاب المرأة فريضة عظيمة، وهو من هدي أمَّهاتنا أمَّهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنَّ زوجات سيِّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
2:- فرضية الحجاب ثابتة بنصِّ القرآن الكريم، والسُّنة النَّبوية الصَّحيحة، وإجماع الأمة الإسلامية من لدن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إلى يومنا هذا.
3- احتشام المرأة فضيلة دعت إليها جميع الشَّرائع السَّماوية، ووافقت فطرة المرأة وإنسانيتها وحياءها.
4-حجاب المرأة لا يُمثِّل عائقًا بينها وبين تحقيق ذاتها، ونجاحها، وتميُّزها، والدعوة إليه دعوة إلى الخير.
5-لا فرق في الأهمية بين أوامر الإسلام المُتعلقة بظاهر المُسلم وباطنه؛ فكلاهما شرع من عند الله، عليه مثوبة وجزاء.
6- حِجاب المرأة خُطوة في طريقها إلى الله سُبحانه، تنال بها أجرًا، وتزداد بها قُربى، والثَّبات على الطَّاعة طاعة.
7- لا يعلم منازل العِباد عند الله إلَّا الله سُبحانه، ولا تفاضل عنده عزّ وجلّ إلا بالتقوى والعمل الصَّالح، ومَن أحسَنَ الظَّنَّ فيه سُبحانه؛ أحسَنَ العمل.
الحجاب فرض ثبت وجوبُه بنصوص قرآنيةقال مركز الأزهر العالمي الفتوي الإلكترونية: إن الحجاب فرضٌ ثبت وجوبُه بنصوص قرآنيةٍ قطعيةِ الثبوتِ والدلالة لا تقبل الاجتهاد، وليس لأحدٍ أن يخالف الأحكام الثابتة، كما أنه لا يُقبل من العامة أو غير المتخصصين - مهما كانت ثقافتهم- الخوض فيها.
واستشهد ببعض من الآيات القرآنية قطعية الثبوت والدلالة التي نصت علىٰ أن الحجاب فرضٌ علىٰ كل النساء المسلمات، قول الله تعالى: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ…» [المؤمنون: 31]، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا» [الأحزاب: 59].
وأوضح أن المتأمل بإنصافٍ لقضيةِ فرضِ الحجابِ يجدُ أنه فُرض لصالح المرأة؛ فالزِّيُّ الإسلامي الذي ينبغي للمرأة أن ترتديه، هو دعوة تتماشىٰ مع الفطرة البشرية قبل أن يكون أمرًا من أوامر الدين؛ فالإسلام حين أباح للمرأة كشفَ الوجه والكفين، وأمرها بستر ما عداهما، فقد أراد أن يحفظ عليها فطرتها، ويُبقي علىٰ أنوثتها، ومكانِها في قلب الرجل.
وواصل: كذلك التزامُ المرأة بالحجاب يساعدها علىٰ أن يُعاملها المجتمع باعتبارها عقلًا ناجحًا، وفكرًا مثمرًا، وعاملَ بناءٍ في تحقيق التقدم والرقي، وليس باعتبارها جسدًا وشهوةً، خاصةً أن الله ﷻ قد أودع في المرأة جاذبيةً دافعةً وكافيةً لِلَفت نظر الرجال إليها؛ لذلك فالأليق بتكوينها الجذاب هذا أن تستر مفاتنها؛ كي لا تُعاملَ علىٰ اعتبار أنها جسدٌ أو شهوةٌ.
ولفت إلى أن الطبيعة تدعو الأنثىٰ أن تتمنع علىٰ الذكر، وأن تقيم بينه وبينها أكثرَ من حجاب ساتر، حتىٰ تظل دائمًا مطلوبةً عنده، ويظل هو يبحث عنها، ويسلك السبل المشروعة للوصول إليها؛ فإذا وصل إليها بعد شوق ومعاناة عن طريق الزواج، كانت عزيزة عليه، كريمة عنده.
وأفاد: من خلال ما سبق أن الذي فرضه الإسلام علىٰ المرأة، من ارتداء هذا الزي الذى تستر به مفاتنها عن الرجال، لم يكن إلا ليحافظ به علىٰ فطرتها.
وأهاب مركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية، بمن يروِّجون مثلَ هذه الأحكام والفتاوىٰ أن يكفُّوا ألسنتهم عن إطلاق الأحكام الشرعية دون سند أو دليل، وأن يتركوا أمر الفتوىٰ للمتخصصين من العلماء، وألا يزجّوا بأنفسهم في أمور ليسوا لها بأهل، وأن ينتبهوا لقول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰل وَهَـٰذَا حَرَام لِّتَفۡتَرُوا۟ عَلَى اللهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡتَرُونَ عَلَى اللهِ ٱلۡكَذِبَ لَا یُفۡلِحُونَ» [النحل: 116]، ولقول بعضِ السلف: «أجرؤكم علىٰ الفُتيا أجرؤكم علىٰ النار» أخرجه الدارميُّ في سننه.