عربي21:
2025-04-27@18:41:59 GMT

تفوُّق قيمة حياة اليهود الصهاينة

تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT

أدانت وزارة الخارجية الأمريكية وعدد من الجماعات اليهودية والإسرائيلية قبل بضعة أيام؛ تصريح وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بأن "حقي وحق زوجتي وحق أطفالي في التنقل بحرية على طرقات يهودا والسامرة أهم من حق العرب في التنقل. آسف يا محمد، لكن هذا هو الواقع". وقد شبّه الأمريكيون خطابه بالتصريحات العنصرية، التي زعموا أنهم يستنكرونها.

كما أدانت جماعات الضغط الصهيونية، بما في ذلك جماعة "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل" و"منتدى السياسة الإسرائيلية"، تصريحات بن غفير ووصفتها بأنها "بغيضة" ومضرّة بصورة إسرائيل في الخارج، كما انضمت الجماعات المناهضة للاحتلال في إسرائيل إلى جوقة الإدانة.

لقد أصبحت مثل هذه الإدانات من طرف الصهاينة الليبراليين والحكومات الغربية المؤيدة لإسرائيل أمراً دارجاً منذ إقرار البرلمان الإسرائيلي لقانون الدولة-القومية في عام 2018، والذي نصّ على أن "الحق في ممارسة تقرير المصير الوطني في دولة إسرائيل هو حق محصور بالشعب اليهودي". ولكن هل هذه القوانين والبيانات الجديدة أكثر عنصرية من تلك التي أصدرتها أي من حكومات إسرائيل منذ عام 1948، أو الحركة الصهيونية منذ ولادتها في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر؟

يعرف المستوطنون اليهود اليمينيون التاريخ الصهيوني والإسرائيلي جيداً. في الأسبوع الماضي، احتجت مجموعة من قادة المستوطنين على العمليات العسكرية "المعتدلة" زعماً؛ التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية اليمينية ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاستعمار الصهيوني، مطالبين الحكومة بنهج أكثر صرامة. وكان أحد قادة المستوطنين، يوسي داغان، أكثر وضوحا: "أدعو حكومة اليمين إلى التعلم من حكومات حزب ماباي كيفية محاربة الإرهاب". وأوضحت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن إشارة داغان إلى حزب ماباي "يشير إلى سلف حزب العمل من يسار الوسط الحالي، الذي حكم البلاد خلال سنواتها الأولى وأشرف على عمليات انتقامية قاتلة رداً على الهجمات عبر الحدود".

إن داغان على حق بالطبع. في الواقع، كان مؤسس الصهيونية نفسه، ثيودور هرتزل، قد أسرّ في مذكراته في عام 1895، أنه يجب على المستعمرين اليهود مصادرة ممتلكات السكان الأصليين "بلطف"، و"محاولة نقل السكان المفلسين عبر الحدود من خلال توفير فرص العمل لهم في الدول المجاورة بينما نحرمهم من أي فرص عمل في بلدنا". وأضاف هرتزل: "سينضم أصحاب الأراضي إلينا"، وأصر بأنه "يجب أن تتم عمليتي المصادرة وتهجير الفقراء بتكتم وحذر".

هذه الاعترافات المبكرة بطبيعة المشروع الاستعماري الذي أقامته الصهيونية وبمشروعية المقاومة الفلسطينية، وإن كان لليهود المستعمرين بحسبها الحق الأخلاقي والمتفوق في قمع تلك المقاومة، سيتم تقييمها بأنها خطيرة للغاية في سياق الخطاب المناهض للاستعمار الذي انتشر في عقد الستينيات وأثار قلق قادة إسرائيل من أنه قد يؤدي إلى تنفير مؤيدي إسرائيل الليبراليين البيض في الغرب. ونتيجة لذلك، أصبح من الضروري اتباع سياسة جديدة تقوم على الإنكار الصريح لما تنطوي عليه الصهيونية بالنسبة إلى الفلسطينيين
لقد كان تفوق الحقوق الاستعمارية اليهودية على حقوق السكان الفلسطينيين الأصليين دائماً السمة المميزة للحركة الصهيونية. وبصفته المحلل الصهيوني الأكثر رصانة لمقاومة الشعب الفلسطيني للصهيونية، فقد شبّه الزعيم الأوكراني للصهاينة الإصلاحيين اليمينيين، فلاديمير جابوتنسكي، الفلسطينيين بجميع الشعوب التي خضعت للاستعمار. أصر جابوتنسكي على أن المشروع الصهيوني واضح: "نحن نسعى لاستعمار بلد ضد رغبة سكانه، أي بالقوة". وفي مواجهة من يرى أن المشروع الصهيوني غير أخلاقي نتيجة استعماره أرض الفلسطينيين، يؤكد جابوتنسكي: "إما أن تكون الصهيونية أخلاقية وعادلة، أو أن تكون غير أخلاقية وظالمة. لكن كان ينبغي علينا أن نحسم جواب هذا السؤال قبل أن نصبح صهاينة. وفي الواقع كنا قد حسمناه، بالإيجاب". وختم: "الصهيونية أخلاقية وعادلة".

وأوضح جابوتنسكي، تماشياً مع الفلسفة العنصرية للمنظر السياسي الإنجليزي جون لوك، الذي أضفى الشرعية على سرقة المستوطنين البيض أراضي الأمريكيين الأصليين، أن العدالة لليهود تعلو فوق حقوق الفلسطينيين في وطنهم: "إن التربة ليست ملكاً لهؤلاء الذين يملكون الأرض الفائضة، ولكن لأولئك الذين لا يملكون أي شيء. إنه عمل من أعمال العدالة البسيطة أن يتم عزل جزء من أراضيهم عن تلك الأمة التي تعد من بين كبار ملاك الأراضي في العالم، من أجل توفير ملجأ لشعب متشرد ومتجول. وإذا قاومت مثل هذه الأمة الكبيرة المالكة للأراضي، وهو أمر طبيعي تماماً، فيجب إجبارها على الامتثال بالإكراه".

وقد استرشد الزعيم البولندي للحركة الصهيونية في فلسطين ديفيد بن غوريون بنفس مبدأ جون لوك. فبحسب بن غوريون، كان اليهود المستعمرون، بصفتهم أوروبيين حداثيين، يطورون أرض فلسطين التي يزعم أنها كانت بوراً في أيدي السكان الأصليين. ففي عام 1924 أدلى بصراحة: "إن الحكم الذاتي الوطني الذي نطالب به لأنفسنا نطالب به للعرب أيضاً. ولكننا لا نعترف بحقهم في حكم البلاد إلى الحد الذي لا يتم بناء الوطن من قبلهم، بل لا يزال ينتظر من سيبنيه"، أي المستعمرون اليهود الأوروبيون.

وقد سجّل رئيس المنظمة الصهيونية البيلاروسي حاييم وايزمان معارضته لحق الفلسطينيين في تقرير المصير في عام 1930 بينما دعمه لليهود المنتشرين حول العالم، مؤكداً أن "الحقوق التي منحت للشعب اليهودي في فلسطين [بموجب انتداب عصبة الأمم] لا تعتمد على موافقة، ولا يمكن أن تخضع لإرادة، غالبية سكان فلسطين الحاليين". كان وايزمان واضحا في أنه عندما وعد البريطانيون الصهاينة بوطن قومي في فلسطين "لم يطلبوا موافقة العرب الفلسطينيين"، وأضاف أن السبب وراء عدم أهمية الموافقة الفلسطينية هو الطبيعة "الفريدة" لـ"الارتباط" اليهودي بفلسطين. أما بالنسبة إلى الفلسطينيين أنفسهم، فلا يمكن "اعتبارهم مالكين للبلاد بالمعنى الذي يمتلك به سكان العراق أو مصر بلدانهم". فإذا تم منح الفلسطينيين حق تقرير المصير أو الحكم الذاتي أو "مجلس تشريعي"، فسيكون ذلك بمثابة "منح البلاد لسكانها الحاليين".

يتم التعبير عن تفوق الحقوق اليهودية على حقوق الفلسطينيين فقط من قبل كل مؤسسي الصهيونية دون استثناء، ولكن أيضاً ومنذ عام 1948 من قبل الساسة الليبراليين في إسرائيل، الذين أصروا بدورهم على تفوق الحقوق اليهودية على حقوق الفلسطينيين دون أي شعور بالحرج
إن هذه الاعترافات المبكرة بطبيعة المشروع الاستعماري الذي أقامته الصهيونية وبمشروعية المقاومة الفلسطينية، وإن كان لليهود المستعمرين بحسبها الحق الأخلاقي والمتفوق في قمع تلك المقاومة، سيتم تقييمها بأنها خطيرة للغاية في سياق الخطاب المناهض للاستعمار الذي انتشر في عقد الستينيات وأثار قلق قادة إسرائيل من أنه قد يؤدي إلى تنفير مؤيدي إسرائيل الليبراليين البيض في الغرب. ونتيجة لذلك، أصبح من الضروري اتباع سياسة جديدة تقوم على الإنكار الصريح لما تنطوي عليه الصهيونية بالنسبة إلى الفلسطينيين. لذلك اضطرت غولدا مائير الأوكرانية، كرئيسة للوزراء في عام 1969، لإنكار حتى وجود الشعب الفلسطيني ذاته في مناسبة الذكرى الثانية لاحتلال ما تبقى من فلسطين في حزيران/ يونيو 1967. وقد حظيت مائير آنذاك، كما هو حالها اليوم، بالترحيب الدولي باعتبارها سيدة دولة غربية مستنيرة. أما خطابها البغيض المليء بالأكاذيب الذي أدلت فيه بأنه "لم يكن ثمة شعب فلسطيني هناك ونحن أتينا وطردناه وأخذنا وطنه منه. فهو لم يكن موجوداً"، فلم يقلل من مكانتها في نظر الليبراليين الغربيين المؤيدين للصهيونية.

لكن رغم ذلك، لم يتم التعبير عن تفوق الحقوق اليهودية على حقوق الفلسطينيين فقط من قبل كل مؤسسي الصهيونية دون استثناء، ولكن أيضاً ومنذ عام 1948 من قبل الساسة الليبراليين في إسرائيل، الذين أصروا بدورهم على تفوق الحقوق اليهودية على حقوق الفلسطينيين دون أي شعور بالحرج. ففي عام 1972، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي الليبرالي المولود في جنوب أفريقيا، أبا إيبان، أن "حق تقرير المصير الإسرائيلي يجب أن تكون له الأسبقية الأخلاقية والتاريخية على حق تقرير المصير الفلسطيني، رغم أنه لا يستبعده كلياً".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحقوق التي منحتها الصهيونية لليهود المستعمرين لم تكن تتفوق على حقوق الشعب الفلسطيني فحسب، بل كانت أيضاً تتفوق على حقوق يهود الشتات. ومن الأمثلة المروعة لهذا المنطق رد ديفيد بن غوريون على العرض البريطاني، في أعقاب المذبحة النازية التي ارتكبت في عام 1938 والمعروفة باسم "ليلة تحطيم الزجاج"، بنقل آلاف الأطفال اليهود من ألمانيا مباشرة إلى بريطانيا: "لو كنت أعرف أنه كان من الممكن إنقاذ جميع الأطفال في ألمانيا عن طريق نقلهم إلى إنجلترا، وإنقاذ نصفهم فقط عن طريق نقلهم إلى أرض إسرائيل، فسأختار البديل الثاني، لأنه يجب علينا أن نقيِّم ليس فقط حياة هؤلاء الأطفال، ولكن أيضاً تاريخ شعب إسرائيل".

ما يفعله ويصرح به القادة اليمينيون في إسرائيل ومستوطنوها اليهود بأمانة تامة يفضح تاريخ الصهيونية وإسرائيل برمته على أنه لا يختلف قيد أنملة عن حاضرها العنصري. لكن ثمة قاعدة ليبرالية لدى مؤيدي إسرائيل بضرورة إخفاء التاريخ الاستعماري والعنصري للصهيونية، وهو إخفاء يتم انتهاكه عندما تطلق الحكومة الإسرائيلية اليمينية وبن غفير والمستوطنون هذه التصريحات وتصدر هذه القوانين بصيغتها الفاضحة
هنالك أمثلة لا تعد ولا تحصى على شاكلة هذه التأكيدات عبر التاريخ الصهيوني والإسرائيلي، ناهيك عن العشرات من القوانين التمييزية الإسرائيلية التي تمنح اليهود حقوقاً تفضيلية ومتفوقة على الفلسطينيين، والتي لا يبدو أن أياً منها يسيء إلى مشاعر العديد من الليبراليين الغربيين والإسرائيليين المؤيدين لإسرائيل، بما في ذلك العديد من المنظمات اليهودية الصهيونية الليبرالية. لماذا إذن يبدو أن العديد من هؤلاء يشعرون فجأة بإحساس عميق بالإهانة نتيجة استصدار قانون الدولة-القومية الإسرائيلي، ومن تصريحات بن غفير والمستوطنين اليهود الآخرين؟

الجواب بسيط، إن ما يفعله ويصرح به القادة اليمينيون في إسرائيل ومستوطنوها اليهود بأمانة تامة يفضح تاريخ الصهيونية وإسرائيل برمته على أنه لا يختلف قيد أنملة عن حاضرها العنصري. لكن ثمة قاعدة ليبرالية لدى مؤيدي إسرائيل بضرورة إخفاء التاريخ الاستعماري والعنصري للصهيونية، وهو إخفاء يتم انتهاكه عندما تطلق الحكومة الإسرائيلية اليمينية وبن غفير والمستوطنون هذه التصريحات وتصدر هذه القوانين بصيغتها الفاضحة. يجب أن نتذكر في هذا السياق أن جميع رؤساء الولايات المتحدة أعلنوا دعمهم للصهيونية، وآخرهم جوزيف بايدن الذي أعلن نفسه "صهيونياً". أما أسوأهم، باراك أوباما، فهو مَن انتقد الفلسطينيين في خطابه سيئ السمعة في القاهرة في عام 2010 لتجرؤهم على مقاومة إسرائيل، وحثهم على الاعتراف "بحقها" المزعوم "في الوجود" كدولة يهودية، و"الاعتراف بشرعية إسرائيل". كما اتهم أوباما الفلسطينيين الذين يهددون بنية إسرائيل وقوانينها العنصرية بالسعي إلى "تدمير" إسرائيل، وأضاف أن "الفلسطينيين"، وليس الإسرائيليين، هم مَن "يجب أن يتخلى عن العنف، فالمقاومة عن طريق العنف والقتل خطأ ولن تنتصر".

إن ما يهدد مثل هذه الاحتفاءات الليبرالية والإمبريالية المؤيدة لإسرائيل هو الصدق النادر لحكومة إسرائيل اليمينية وتصريحات بن غفير والمستوطنين اليهود الآخرين الصريحة والخالية من التزوير. يبدو أن هذا الصدق هو ما يتسبب بالإساءة لليبراليين الصهاينة، وليس العنصرية المناهضة للفلسطينيين والإصرار على تفوق حقوق اليهود المستعمرين على حقوق الفلسطينيين أصحاب البلاد، وهو تفوق لطالما دعمته الجوقة الليبرالية المؤيدة للصهيونية، ناهيك عن الأمريكيين الذين دعموا ورعوا الاستعمار الاستيطاني اليهودي منذ عام 1948، ولطالما قبلوا به ودافعوا عنه دون تحفظ.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليهودية العنصرية إسرائيل الفلسطينيين الليبرالية إسرائيل فلسطين الليبرالية العنصرية اليهود مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی إسرائیل بن غفیر من قبل على أن فی عام یجب أن

إقرأ أيضاً:

الخطة الصهيونية المُعلنة لإبادة غزة أمام القضاء الدولي

 

 

 

د. عبدالله الأشعل **

الإرهاب الأمريكي جعل الدول الأعضاء في محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية تتردد في مواصلة المعركة القانونية ومحاربة الإفلات من العقاب الذي قررته واشنطن ونفذته إسرائيل؛ حيث إن واشنطن شريك كامل لإسرائيل في أعمال الإبادة، وتمد إسرائيل بالسلاح الفعَّال في إبادة الشعب الفلسطيني، وتُغطِّي جرائم إسرائيل دبلوماسيًا وتشجعها على ارتكاب الجرائم، كما تمد إسرائيل بالمال، والأهم من ذلك أنها تُلجِم المنظمات الدولية الإنسانية ومُنظمات حقوق الإنسان، وقد فرض الكونجرس عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لأنها تحدت إسرائيل وأمريكا وأصدرت أوامر الاعتقال لرئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق المُقال.

والطريف أن محكمة العدل الدولية لا تزال تبحث عن أدلة تثبت أن إسرائيل تتعمد الإبادة. ولعلم المحكمة أن الخطة الأمريكية التي تنفذها إسرائيل تحت حراسة أمريكا وتدخلها المباشر تتكون من خمسة عناصر.

وتقضي خطة الإبادة الإجرامية إلى ارتكاب الجرائم الآتية:

1-    العودة إلى الإبادة انتهاكًا لاتفاق وقف إطلاق النار.

2-    تشديد الحصار على القطاع واستخدام التجويع سلاحًا للإبادة.

3-    القضاء على المقاومة ونزع سلاحها ومغادرة غزة لتأمين جرائم إسرائيل.

4-    تكثيف الهجمات الجوية على المخيمات وسط خرائب غزة في الإغلاق والحصار؛ وذلك انتقاما من سكان غزة على تحديهم ترامب ورفض التهجير القسري.

ترامب يرى أن من يخاف من الإبادة المباشرة عليه أن يرحل إلى خارج غزة وإفراغ فلسطين من أهلها، بحيث يمكن للصهاينة أن يحلوا محلهم تحت ستار "لحين إعمار غزة". ويرى ترامب أن نزوح الأهالي في هذه الحالة هو فرار من الموت، وهي هجرة وليس تهجيرًا، علمًا بأنَّ إجبار السكان على النزوح هو تهجير قسري.

صحيحٌ أن التهجير القسري معناه تجميع السكان رغمًا عنهم وشحنهم إلى الخارج دون عودة، وإرغام للسكان عن طريق الإبادة ودفعهم إلى الفرار من الموت. ويرى ترامب أنها هجرة طوعية وهذا وَهْمٌ كبير. وهكذا قررت واشنطن أن فلسطين ملك كلها للصوص الصهاينة يتقدمهم ترامب. ويريد ترامب تأمين إسرائيل في فلسطين فلا تؤرقها مقاومة أو سيف القانون الدولي وسط بيئة عربية وإسلامية ساكنة، مع إفلات إسرائيل وأمريكا من العقاب وإهدار هيبة القانون الدولي. وأخيرًا الجريمة المُركَّبة وهي القضاء على المقاومة وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه: الحق في مقاومة الاحتلال والإبادة والطرد من الوطن، وحق العودة، إضافة إلى الحقوق السياسية، وأهمها احترام سيادة الدولة الفلسطينية والانسحاب من أراضيها.

فكيف تعلن أمريكا وإسرائيل علناً خطة الإبادة بقصد التهجير ولم يتحرك أحد في الوسط العربي والإسلامي والدولي، وماذا ينتظرون بعد حصد الإبادة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، إضافة إلى اغتيال قيادات المقاومة وترديد الأكاذيب الصهيونية وهي أن إسرائيل تقوم بالإبادة لأن المقاومة تهدف إلى القضاء على إسرائيل، لكن الحقيقة أن الإبادة انتقام من أهل غزة عقابًا لهم على تمسكهم بالأرض وعدم تحميل المقاومة مأساتهم. وأهم الأكاذيب أن حركة حماس هي التي جلبت الانتقام الصهيوني بهجومها يوم 7 أكتوبر 2023، كما لو كان إسرائيل قبلها حملًا وديعًا ولم تتحد الأمم المتحدة وتنسحب من أراضي الدولة الفلسطينية؛ بل وأخذ المقاومة معها خلال الهجوم رهائن من المدنيين والعسكريين أسرى.

وردًا على كذبة إسرائيل الكبرى أن هجمة حماس على إسرائيل 7 أكتوبر 2023 هي عدوان على إسرائيل استوجب انتقام إسرائيل من العرق الفلسطيني بسبب عملية المقاومة. وقد تطاول نتنياهو على المحكمة العالمية التي قررت أن إسرائيل دولة محتلة بأن فلسطين كلها ملك لإسرائيل وأن القانون الإسرائيلي يحظر إقامة دولة فلسطينية في فلسطين، لأنَّ إسرائيل تستحوذ على كل فلسطين.

ولم يقل لنا نتنياهو منذ متى فلسطين ملكاً لإسرائيل وليس دولة محتلة، هل بعد السابع من أكتوبر 2023 فقط؟

وسبق للمحكمة أن قررت أن علاقة إسرائيل بفلسطين أنها سلطة احتلال، وقررت ذلك في الرأي الاستشاري في قضية الجدار العازل عام 2004، ومن قبله، قرار مجلس الأمن 242/ 1967.

وفي الملاحظات الآتية نردُ على الفرية الصهيونية حول السابع من أكتوبر:

أولًا: أن إسرائيل منذ القرن التاسع عشر حتى قبل قيام إسرائيل كانت تجسيدا للمشروع الصهيوني وخدعت العالم كله.

ويقضى المشروع الصهيوني بالانفراد بفلسطين كلها ولذلك رفضت إسرائيل قرار تقسيم فلسطين وعندما رفضه العرب اتهمتهم بأنهم لا يريدون السلام. والسلام عند إسرائيل يعنى الاستسلام لمخططها وإفراغ فلسطين من أهلها، فضلًا عن التمسح باليهودية واسرائيل في الواقع سكانها هم أنصار المشروع الصهيوني فليسوا مدنيين. والحق أن مقاومة الفلسطينيين بدأت منذ وصول الهجرات الأولى للمستعمرين الصهاينة، حتى نجحت المؤامرة وقامت إسرائيل كراس حربة لتنفيذ المشروع،

ثانيًا: أن سلوك إسرائيل منذ قيامها هو الإرهاب والمذابح وطرد السكان أصحاب الأرض. ولم تتوقف المذابح والابعاد وحصار غزة يومًا ولذلك فإن عملية أكتوبر كشفت إسرائيل وبدا سلوكها الإجرامي بعدها صريحًا.

ثالثًا: أن المقاومة مشروعة مادام الاحتلال مستمرًا؛ فالاحتلال عدوان دائم خاصة أن المشروع الصهيوني يقضى بإبادة أهل فلسطين ثم جلب صهاينة العالم تحت ستار حق العودة المزعوم. وقد فشلت كل محاولات المجتمع الدولي والقضاء الدولي في ردع إسرائيل ومكنتها واشنطن من إهدار هيبة القانون الدولي والتباهي بجرائمها.

رابعًا: يُباح للمقاومة استخدام أي سلاح كما يُباح لها أخذ الرهائن قدر المُستطاع بموجب اتفاقية نيويورك 1979 خاصة المادة 12، كما إن أخذ الرهائن مشروع وله دافع أخلاقي وهو إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين المحكوم عليهم بالسجن والإعدام، علمًا بأن القضاء الإسرائيلي ليس له سلطة محاكمتهم أو تطبيق القانون الإسرائيلي عليهم. وقد قارنتُ في مقال سابق بين السلوك الحضاري للمقاومة والسلوك البربري لإسرائيل في السجون الصهيونية.

وهذا الواقع الصحيح يفهمه العالم لأول مرة ويمثل مسمارًا في نعش إسرائيل التي أُصيبت بحالة من الهياج الناجم عن استشعار الخطر بالنهاية للظاهرة الإسرائيلية؛ فسلوك إسرائيل الهمجي هو تنفيذ للمشروع الصهيوني ولا علاقة له بهجوم حماس، لكن هذا الهجوم كشف الجيش الذي لا يُهزم وعوار الأجهزة الأمنية التي تدَّعي الكمال.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • «وقفة».. أهداف الصهاينة في الفترة القادمة «٢»
  • الصحة في غزة تعلن ارتفاع عدد ضحايا الإبادة الصهيونية إلى 169882 شهيداً وجريحاً
  • هآرتس: التحريض على إبادة الفلسطينيين سائد في إسرائيل
  • الخطة الصهيونية المُعلنة لإبادة غزة أمام القضاء الدولي
  • عائلات الأسرى الصهاينة تؤكد: الضغط العسكري بغزة يقتل أبناءنا!
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • شهداء وجرحى في اليوم الـ 40 لتجدد حرب الإبادة الصهيونية على غزة
  • فوق السلطة: يهود سيقتلون اليهود والإكثار من أكل البطيخ يدخل الجنة
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • سفيرة الجامعة العربية أمام جثمان البابا فرانسيس: «تأثرت بشدة وذكرت اللحظة التي تحدثت فيها عن معاناة الفلسطينيين»