الجنرال البُرهان، رجاءً: أجنح للسلم و أوقف الحرب
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
"طُوبَي لِصَانِعِي السَّلامِ، لأنَّهُمْ أبْنَاءَ اللهِ يُدْعَونَ"
الكتاب المقدس: إنجيل متي: ٥ آية (٩)
الحرب التي تدور رحاها الان في السودان بين الجيش السوداني و قوات الدمع السريع ، هي في نظري، عبارة عن مواصلة و واقعة لا تتجزأ من النزاعات المسلحة المدمرة، و الانقلابات العسكرية المتعددة، و الانتفاضات الشعبية المتكررة التي مرت علي السودان منذ الثامن عشر من اغسطس عام ١٩٥٥ و حتي الخامس عشر من ابريل من هذا العام ٢٠٢٣.
هذا المقال، ليس محاولة لتحليل مسببات النزاع الحالي، او لكيل اللؤم علي علي أي طرفٍ من أطراف هذا الصراع الدامي، انما نداء شخصي ( رغم ضعف صوتي هذا) اوجهه لقادة السودان و في المقام الأول الجنرال البُرهان و ذلك من اجل الجنوح للسلم و وقف الحرب. عدم استقرار السودان تتأثر به سلباً دول الجوار و لذا نقف مع استقرار الاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية و الأمنية في السُّـودان.
لاحظتُ خلال فترة هذا الاقتتال الضاري بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع، ان الجيش (ممثل الشرعية المركزية حالياً) قد باشر باستنساخ مفردات دعائية قديمة و استعمال لغة التقليل من (الطرف الآخر) بانكار نقاء سودانيته و الشك في وطنيته و نقص ولائه للوطن و دونية قدرته علي التفكير المستقل و عليه فهو مدفوع من قبل قوي اخري خارجية شريرة معادية للسودان!! و هذه هي كنه الدعاية و اللغة التي استخدمت ابان حروب جنوب السودان خلال ١٩٥٥-٢٠٠٥. و تكرار التعاطي و الانسياق مع مثل هذه اللغة و إدارة الحرب الحالية بتلك العقلية و الاستراتيجية التي اعتمدتها نخبة المركز و الحكومات التي تعاقبت علي حكم السودان لمواجهة الحروب و المعضلات التي شهدها السودان منذ الاستقلال عام ١٩٥٦، او طيلة الفترة التي تطلق عليها قوات الدعم السريع (بدولة ٥٦)؛ فإن الجلوس حول طاولة المفاوضات ستكون عصية و بعيد التحقيق! و مفردات علي مثال: متمردون؛ خوارج؛ عملاء؛ خونة؛ أجانب؛ مأجورون؛ أعداء لثوابت الأُمة؛ اعداء الدين و العروبة؛ و دواليك علي هذا المنوال، هذا بلا شك يعمق الجفوة بين المتحاربين و يطول من عمر الحرب و الخراب؛ و علي ضوء هذا يجب أن يبدأ الجنوح نحو السلم بتفادي هذا النوع من الدعاية الحربية.
عند اندلاع احداث جنوب السودان عام ١٩٥٥، فيما عرفت آنذاك لدي نخبة المركز في السودان (بتمرد توريت)، و حتي حرب ١٩٨٣-٢٠٠٥، حاولت هذه النخبة معالجة تلك الاحداث اعتماداً علي دعاية تستند علي المفاهيم و الاعتقادات التي ذكرتها فيما سلف، و هو ما شرع فيه الجيش و كثير من المفكرين والمثقفين السودانيين في إلصاقها و إصباغها علي قوات الدعم السريع و كل سوداني يتعاون او يتعاطف مع الدعم. و انا أري ان هذا النهج غير سلمي و يحمل في طياته نوعاً مستتراً من التعالي يعطي انطباعاً باحادية و حصرية حق إدارة شئون البلاد في يد من يسيطر علي المركز، و قد ساهم هذا النهج و المسميات في توجهات أهل جنوب السودان للابتعاد عن هذا المركز جزئياً او كُليةً!
إطالة مدة الحرب بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع قد تفرز ما قد تهدد وحدة السودان و استقراره، و عليه و بناءً علي ضوء الوضع السياسي في السودان قبل ١٥ أبريل، فإن الجنرال البُرهان هو رأس السلطة التنفيذية في السودان؛ و لذا يقع على عاتقه امور اقرار السلام والامن في البلاد. و البرهان يعرف كيف تصرف البشير نحو اتفاقية السلام الشامل. فرغم العنف المفرط الذي مارسه نظام البشير ضد سكان جنوب السودان لمدة طويلة الا ان البشير اتصف بالشجاعة و الإقدام، و هذا واضح من قراره الا يقاتل و يقود مليشيات المؤتمر الوطني ضد ارادة الشعب السوداني، و قراره قبل ذلك بتوقيع علي اتفاق مهم عرف (باتفاقية السلام الشامل) مع اهل جنوب السودان و تباعاً اعتراف باستقلال دولة جنوب السودان. البُرهان يمكنه الامتثال بالبشير في الجنوح للسلم و المصالحة الوطنية الشاملة.
عندما رفعت الجبهة الوطنية السلاح ضد الحكومة المركزية ايام جعفر نميري، و لان قادة الجبهة الوطنية آنذاك كانوا من نخبة المركز، سميت حركتهم (بالمعارضة المسلحة) و كانت الحركة المسلحة في الجنوب تسمي بحركة (التمرد او الخوارج) و (عملاء الاستعمار) و بلا شك هذا التمييز في النعوت التي تطلق علي أناس يقومون بنفس العمل او النشاط يخلق بالضرورة شعرين مختلفين نحو الحكومة المركزية. صاحب الشعور الاول يكون علي استعداد لقبول اي شروع في محادثات لانه يشعر بوجود قواسم مشتركة بينه و المركز في حين ان الاخر يشعر بانعدام روابط مشتركة بينه و المركز و لذا يتجه نحو الابتعاد النهائي عن المركز، لو امكن ذلك، بالاستماتة و الاستمرار في استخدام العنف و الحرب.
و البُرهان، و هو مسلح بهذه الخلفية، اتوقع ان يدعو لوقف فوري لاطلاق النار و وقف العدائيات و وقف الحملات الاعلامية و توجيه الوحدات و الكيانات الحكومية الرسمية علي كل المستويات ان تتخلي عن استخدام لغة التعالي فيما يختص بالحرب الحالية و اعتبارها حرباً اهليةً سودانيةً يتقاتل فيها سودانيون متساوون في الحقوق و الواجبات و اختلفوا في قضايا ادارة شئون السودان. هذا سوف يؤكد لقادة الدعم السريع اعتراف الطرف الاخر بالانتماء المتساوية لكيان واحد هو السودان بثوابته و موروثاته. هذا سيمهد الطريق نحو طاولة المحادثات بدون مرارة.
تكرار ما اثبت الزمن خطله يكبل تقدم و ازدهار اي كيان، و يطول بل و يجدد و يؤجج النزاعات و الصراعات ضد المركز، و يمكن تفادي ذاك بالجنوح للسلم و عدم اطالة مدة الحرب. افرازات الحرب كثيرة من بينها دمار البنية التحتية و كما ان نزوح المواطنين من مدنهم و مساكنهم ينتج عنه عدة مشكلات اجتماعية يصعب علاجها عند عودة هؤلاء لمناطقهم الاصلية.
اتمني وقف الحرب في السودان و استتاب الامن وان يسود السلام الشامل لان السودان هو صمام الامان في هذه المنطقة، خصوصاً بنسبة لاريتريا و اثيوبيا و جنوب السودان و أفريقيا الوسطى و تشاد. المجد لله في العليا و علي الأرض السلام.
anyangjok@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع جنوب السودان فی السودان
إقرأ أيضاً:
نشطاء يكشفون مقتل العشرات رمياً بالرصاص على يد قوات الدعم السريع في السودان
أعلن ناشطون سودانيون، الأربعاء، عن مقتل 42 شخصا رميا بالرصاص على أيدي قوات الدعم السريع بقرية ود عشيب بولاية الجزيرة وسط البلاد.
جاء ذلك في بيان لـ"مؤتمر الجزيرة" (كيان مدني يضم ناشطين)، وسط اتهامات محلية ودولية للدعم السريع بـ"ارتكاب انتهاكات وجرائم قتل جماعية" بحق المدنيين بالولاية، دون تعليق من تلك القوات حتى الساعة 18:25 تغ.
وتجددت الاشتباكات بين "الدعم السريع" والجيش السوداني بولاية الجزيرة في 20 تشرين الأول / أكتوبر الماضي، على خلفية انشقاق القيادي بقوات الدعم أبو عاقلة كيكل، وهو من أبناء الولاية، وإعلان انضمامه إلى الجيش.
وفي كانون الأول / ديسمبر 2023، سيطرت "الدعم السريع" بقيادة كيكل، على عدة مدن بالجزيرة بينها "ود مدني" مركز الولاية.
وتسيطر "الدعم السريع" حاليا على أجزاء واسعة من الولاية عدا مدينة المناقل والمناطق المحيطة بها حتى حدود ولاية سنار جنوبها، وغربا حتى حدود ولاية النيل الأبيض.
وقال "مؤتمر الجزيرة": "ارتفع عداد الشهداء الذين سقطوا على أيدي الدعم السريع بقرية ود عشيب شرق الجزيرة إلى 69 شهيدا".
وأضاف: "قتلت الدعم السريع، مساء الثلاثاء وصباح الأربعاء 42 رميا بالرصاص، بينما توفى 27 آخرون جراء الحصار وانعدام العلاج".
وأشار إلى أن أفرادا من تلك القوات "هاجموا القرية الخميس الماضي ونهبوا وروعوا السكان وفرضوا عليهم حصارا محكما".
وأمس الثلاثاء، أعلن ناشطون سودانيون، عن وفاة 25 شخصا جراء انتشار أوبئة ونقص الأدوية والغذاء في "ود عشيب" التي تحاصرها الدعم السريع.
ومنذ منتصف نيسان / أبريل 2023، يخوض الجيش و"الدعم السريع" حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وما يزيد على 13 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.