استراتيجية الهبوط الناعم: الفكرة والمقترح وكيف تحولت لسبة؟ (3/7)
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
أرسل لي عدد من الزملاء والأصدقاء مقالا للدكتور احمد عثمان عمر بعنوان: " الخلاف بين قوى التغيير الجذري وقحت استراتيجي وليس تكتيكي". وقصدوا من ارسال المقال انني من دعاة تحالف كل القوى المدنية الداعية لإيقاف الحرب، ويجب أن انتبه للخلاف مع قوى قحت. سأكتب مجموعة من المقالات في حوار مع المقال، ليس فحسب، بل ومع الخط السياسي الذي يتبناه المقال وعدد مقدر من الشيوعيين واليساريين.
وصف الدكتور أحمد عثمان عمر استراتيجية قحت بانها مشروع الهبوط الناعم. فقد شهدت السنوات الماضية استخدام تيار معروف، ينتمي لليسار، في الحركة السياسية السودانية كلمة الهبوط الناعم كدليل على الانتهازية السياسية، والركوع امام السلطة ليصبح جزءا منها، ويتم دمجه في النظام، وتبقي مؤسسات وأجهزة الحكم كما هي. واصل الجذريون استخدام المصطلح بنفس تلك الصفات لوصم بعض القوى السياسية الأخرى، بالصفات اعلاه. فرغم ان الاستراتيجية كانت وليدة لحظة تاريخية معرفة، وفي إطار تصور مقصور لحل مشاكل السودان، آنذاك، وفي ظل توازن قوة محدد. الا، انني الاحظ، انها صارت تستخدم خارج سياقها التاريخي واطارها الزمني وأهدافها المعلنة.
فلنبدأ بقراءة ما كتبه الدكتور أحمد عثمان:
(ومفاد ما تقدم، هو ان هناك تناقض جوهري بين مشروع وبرنامج قوى التغيير الجذري ومشروع وبرنامج (قحت)، فالأولى برنامجها ثوري، والثانية برنامجها اصلاحي. والبرنامج الثوري هو برنامج التفكيك والانتقال من دولة التمكين الى دولة كل المواطنين، والبرنامج الاصلاحي هو ابقاء على التمكين مع العمل على اصلاحه وهو غير قابل للإصلاح (هذا هو الهبوط الناعم).
نلاحظ هنا ان الدكتور أحمد وصف برنامج قحت بالإصلاحي، وذلك النعت ، هو في جوهره، امتداد طبيعي، بل تكرار لنفس الطرح القديم، ما قبل ثورة ديسمبر المجيدة، الذي وصم القوى التي شاركت، بشكل أو آخر، في المفاوضات، بأنها ساعية للاندماج في نظام الاسلامويين، مع الإبقاء على كافة مؤسساته.
سأحاول عرض جوهر الاستراتيجية التي أطلق عليها الهبوط الناعم، وهي كانت سياسة محددة ومقترحة آنذاك، كحل لمشكلة السلطة في السودان. لعب السفير برينستون ليمان (وكان مبعوثا خاصا للإدارة الامريكية في السودان) دورا محوريا في صياغة الاستراتيجية. كتب برينستون في ورقة نشرها معهد السلام الأمريكي، حول المشروع، اقتطف منها بعض الفقرات:
(بعد عامين من فقدان السودان لربع عدد سكانه ومساحته، يظل البلد في أزمة كبيرة، لم يسفر انفصال الجنوب عام 2011 عن تسوية النزاعات طويلة الأمد في السودان. فمنذ ذلك الوقت يواجه الرئيس عمر البشير تمردا مسلحا يتزايد قوة، وانقسامات داخلية، ومحاولات للانقلاب عليه من قبل عناصر من الجيش. ولقد حان الوقت لان يشرع السودان في حوار داخلي حقيقي وعملية إصلاحية تؤدي الى حكومة ممثلة لقاعدة واسعة وديمقراطية وقادرة على السعي نحو مصالحة مجدية بين السودانيين)
ويمضي في عرضه:
(يتمثل السبب في الإخفاقات المستمرة لعمليات التفاوض التي أجريت في السودان في الماضي انها غالبا ما كانت تتضمن المتحاربين فقط، أي الحكومة والثوار المسلحين، ولضمان نجاح أي حوار وطني ينبغي اشراك أحزاب المعارضة السياسية التقليدية والمجتمع المدني بطريقة جادة)
ويقول حول انتخابات 2015:
(لا ينبغي النظر الى انتخابات 2015 على انها نقطة النهاية الثابتة للعملية، كما لا ينبغي السماح للنظام باستخدامها لإضفاء الشرعية على حكمه عبر انتخابات يشوبها القصور كما كان الحال في انتخابات 2010 وبدلا من ذلك إذا كانت هناك عملية حوار حقيقية تحظى بمشاركة واسعة وزخم ينبغي التفكير في تأجيل الانتخابات لعامين على الأكثر).
ويختم برينستون ورقه بهذه الفقرة:
(إذا بدأت عملية الحوار الحقيقية فسيتطلب الامر من الأطراف المشاركة بشكل مباشر وكذلك الأطراف المراقبة التحلي بالصبر والتسامح للتعامل مع المد والجذر في العملية، وأخطر التهديدات هو محاولة النظام الحاكم استغلالها لأغراضه الخاصة أو احباطها كلية إذا بدأت تتخذ منحى غير مرغوب فيه وسيتطلب الأمر اعداد استراتيجيات للتعاطي مع كلا التهديدين. ومع ان فرص نجاح عملية الحوار والإصلاح الوطني الشامل قد تكون متواضعة فإنها تعد أفضل مسارات التقدم للأمام لدولة لا تجد امامها خيارات جيدة وبدون هذه العملية لن تسنح للسودان فرصة التغلب على دوامة عدم الاستقرار الهدامة.)
هذا تصور واضعي استراتيجية الهبوط الناعم، وهي كانت نتاج لاعتقاد المجتمع الدولي بعدم قدرة المعارضة على هزيمة النظام. كما كانت الأزمة الاقتصادية الخانقة، ومخاطر اندلاع حرب أهلية شاملة، ومن ثم انهيار الدولة السودانية مخاوف حقيقية للمجتمع الدولي. ومثل نجاح اتفاقية السلام الشامل في السودان، وتجربة جنوب افريقيا وبعض اقطار أمريكا الجنوبية دافعا للتفكير في المشروع. وبخبث الاسلامويين المعروف، فقد استغلوا الاستراتيجية لتحسين صورة النظام امام المجتمع الدولي، ونيل بعض المكاسب. فنظموا ما سمي بحوار الوثبة، وسمحوا للمشاركين بطرح آرائهم، واعداد توصيات جيدة، وضعها البشير في ادراجه، عندما سلمت له.
رغم عدم ثقة من صمموا المشروع في قدرات الشعب السوداني، الا انه كان محاولة جادة، افرغها النظام من أي محتوى. ولذلك يصبح، من غير المستحب، ان نستخدمها كسبة نوصم بها الخصوم السياسيين. وصارت مصطلحات كالهبوط الناعم والتسوية السياسية والحل السياسي، تستخدم في غير سياقها التاريخي والموضوعي، وتحولت لأداة لوصف الخصوم السياسية بالسعي للمصالح الذاتية، والتنكر لمصالح الجماهير الشعبية.
ورد في دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (أغسطس 1977)، عندما تم طرح المصالحة الوطنية بين نميري والأحزاب اليمينية، نقدا للطريقة التي تمت بها، وعن أهدافها ومراميها، ولكن لم يرفض مبدأ المصالحة كأسلوب للحل السياسي، ما يلي:
(ما يواجه شعبنا اليوم ليس مصالحة وطنية أو حوارا وطنيا لحل أزمة سياسية، وحماية وطن من أخطار تحيق به، تجارب الشعوب التي دفعتها ظروف الأزمات لأن تسلك طريق المصالحة الوطنية، تؤكد أن المصالحة تبدأ بتغيير أساسي في جهاز السلطة ودستورها وقوانينها. فتتوفر الحريات الديمقراطية الكاملة دون قيود للأحزاب السياسية وللنقابات والمنظمات الجماهيرية والصحف، ليدلي الشعب برأيه ويتقدم كل حزب واتجاه بما يرى من حلول، ويبتعد عن مواقع المسئولية الحكومية كل من أرتكب جرائم في حق الشعب والوطن وقاد الوضع السياسي للأزمة وحافة الانهيار، وتصفى المعتقلات والسجون، وتنشر حيثيات المحاكمات الجائرة تعاد للقضاء استقلاله ولحكم القانون سيادته، وتوضع قواعد ولوائح جديدة لانتخابات عامة، وتطرح للمناقشة والمراجعة أية معاهدات واتفاقيات خارجية مست سيادة الوطن واستقلاله. المصالحة الوطنية في العرف السياسي لتجارب الشعوب، تمثل فترة انتقالية للتصفية النهائية لأشكال الحكم التي قادت للأزمة، وتكوين أشكال جديدة يقننها دستور ديمقراطي تصون حقوق الجميع، ويجنب البلاد كوارث الصراعات الدموية والحروب الأهلية).
نواصل
siddigelzailaee@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدکتور أحمد فی السودان
إقرأ أيضاً:
معهد أميركي يكشف أسباب الحذر السعودي من الملف اليمني وكيف جعل التصنيف الأمريكي للحوثيين يتخبطون
مثل قرار الرئيس دونالد ترامب بإعادة تصنيف حركة الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية أجنبية لحظة كاملة في نهج واشنطن المتذبذب تجاه الميليشيا المدعومة إيرانياً والذي عكسه فريق الرئيس السابق جوزيف بايدن جونيور بسرعة بسبب تأثيره المحتمل على تسليم المساعدات الإنسانية إلى اليمن.
لكن هذه المرة، يأتي التصنيف وسط مشهد إقليمي مختلف تمامًا بسبب أنشطة الحوثيين الجريئة ضد إسرائيل وتعطيل الأمن البحري في البحر الأحمر.
ولم تضيع الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، بقيادة الرئيس رشاد العليمي، أي وقت في تفعيل هذا التصنيف. ولطالما دعت الحكومة اليمنية إلى تصنيف الحوثيين كإرهابيين من قبل الولايات المتحدة، وترى أن إعادة التصنيف بمثابة انتصار دبلوماسي.وعلى مدى سنوات، استغل الحوثيون الأزمة الإنسانية في اليمن ساعدوا في هندستها من خلال عرقلة المساعدات بشكل منهجي والاستغلال الاقتصادي.
وتمثل الإجراءات الجديدة التي اتخذها البنك المركزي، بدعم من لوائح وزارة الخزانة الأميركية، أول محاولة جادة لتعطيل تمويل الحوثيين منذ اتفاق الأمم المتحدة في يوليو/ تموز 2024 ، والذي رفع القيود الاقتصادية التي فرضها البنك المركزي اليمني على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
إن هذا الاتفاق، الذي أدى فعلياً إلى استنزاف زخم البنك المركزي في حين قدم للحوثيين شريان حياة مالي، يُظهر حدود الإجراءات النصفية.
إن التحديات التي تواجه تنفيذ القيود المصرفية الجديدة المفروضة على الحوثيين متعددة. وفي حين يمتلك البنك المركزي أخيرًا الأدوات اللازمة للضغط على خزائن الحوثيين، فإن التاريخ يشير إلى أن الجماعة من المرجح أن ترد بالتصعيد العسكري بدلاً من الامتثال.
بالإضافة إلى ذلك تواجه حكومة العليمي مهمة مختلطة معقدة: إبقاء الحوثي تحت الضغط مع الحفاظ على استمرار المساعدات الإنسانية، العمل على استقرار الاقتصاد مع تنفيذ العقوبات ضد الحوثيين، استمرار محادثات السلام وفي ذات الوقت التعامل مع جماعة مصنفة إرهابية حديثاً.
وقد تم تكليف لجنة إدارة الأزمات في اليمن، وهي مجموعة داخل الحكومة اليمنية أنشئت لتنسيق وإدارة الاستجابة للأزمة الإنسانية المستمرة في البلاد، بإدارة هذه العملية.
التفاعلات الإقليمية
من غير المرجح أن تقلل إيران من دعمها للحوثيين، في الوقت الذي يعاني فيه وكيلها اللبناني من انتكاسات كارثية. لقد كان رد الفعل تجاه هذا التصنيف من جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مدروسًا. فلقد امتنعت المملكة العربية السعودية، التي نجت من سنوات من هجمات الحوثيين، عن تأييد التصنيف بكل صدق ، على الرغم من ترحيبها به في عام 2021.
يعكس موقف الرياض الحذر كلاً من مشاركتها الدبلوماسية المستمرة مع طهران والحذر المحسوب بشأن الضمانات الأمنية الأمريكية ، والذي ينبع جزئيًا من عدم وجود استجابة أمريكية كافية لهجمات سبتمبر 2019 على منشآت النفط في بقيق وخريص.
إن التحوط الاستراتيجي السعودي يؤكد على إدراك إقليمي أوسع نطاقًا بأن التصعيد يحمل مخاطره الخاصة. لم تعلق الإمارات العربية المتحدة، التي قدمت ذات مرة قضية لتصنيف منظمة إرهابية أجنبية في الماضي، على التصنيف أيضًا حيث يبدو أنها تعاير بعناية موقفها العام تجاه الحوثيين .
وتعكس رسائل الحوثيين هذه الديناميكية الإقليمية المعقدة. ففي أول خطاب له بعد التصنيف، تجنب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي المواجهة المباشرة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهو ما يشكل انحرافا عن الخطاب السابق.
وبدلاً من ذلك، لم يقدم سوى تحذيرات غير مباشرة لـ"حلفاء أميركا" مع التركيز في المقام الأول على الولايات المتحدة وإسرائيل، مما يشير إلى إدراك الحوثيين لمصلحتهم في الحفاظ على مساحة للتسوية الإقليمية المستقبلية حتى مع تصعيدهم ضد الأهداف الدولية.
في العلن، يتبنى الحوثيون موقفًا رافضًا تجاه هذا التصنيف. ولم يتطرق عبد الملك الحوثي إلى الأمر بشكل مباشر، مفضلًا إظهار قوته من خلال تقديم ادعاءات غير مثبتة بأن الجماعة أسقطت 14 طائرة مراقبة أمريكية في البحر الأحمر وأجبرت حاملة طائرات أمريكية ( كانت في مهمة مجدولة) على الانسحاب. ويتناقض هذا التباهي العلني بشكل حاد مع الجهود المكثفة التي يبذلها الحوثيون خلف الكواليس للتخفيف من تأثير هذا التصنيف .
لقد أطلق الحوثيون حملة ضغط عدوانية تستهدف المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة، مما يعكس جهودهم الناجحة في عام 2021 للضغط على إدارة بايدن لإلغاء التصنيف. يشير هذا النهج المزدوج - التفاخر العلني - إلى وعي حاد بالتأثير المحتمل لهذا التصنيف.
في غضون ذلك، بدأت وسائل الإعلام الحوثية بالفعل في الترويج لهذا التصنيف باعتباره عقابًا جماعيًا للشعب اليمني، وهو سرد يتطلب مواجهة حذرة من قبل الجهات الفاعلة اليمنية والدولية.
وتؤكد استراتيجية الحوثيين في الرسائل - التي تتأرجح بين التهديدات ضد الأمن البحري والمطالبات بحماية المصالح المدنية - على التحدي المتمثل في تنفيذ التصنيف دون تعزيز السرد الحوثي عن غير قصد .
قد يصعد الحوثيون حملتهم في البحر الأحمر، مما يختبر العزيمة الدولية ويعقد ترتيبات الأمن البحري. ويعكس خطاب عبد الملك الحوثي الأخير نمط الجماعة المستمر في استخدام التوترات الدولية لتبرير استيلاءها على السلطة المحلية، ومحاولة تأطير تعطيلاتها في البحر الأحمر كرافعة للتوسع الإقليمي داخل اليمن. وفي الوقت نفسه، يواجه المدنيون في اليمن، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، احتمالات العزلة والحرمان بشكل أكبر .
يكشف موقف الأمم المتحدة بشأن هذا التصنيف عن تحدي أساسي في الوساطة الدولية. إن سجل الحوثيين في التجنيد القسري وتجنيد الأطفال، وعرقلة تسليم المساعدات ، واختطاف موظفي الأمم المتحدة، يوضح بوضوح نمطًا من الإكراه.
لقد تم تقويض قدرة الأمم المتحدة على العمل كوسيط موضوعي ، على الرغم من خضوعها لمثل هذه الضغوط، بشكل منهجي. وبالإضافة إلى التأثير الذي يخلفه الإكراه، فإن الوضع يكشف عن سؤال أوسع نطاقا حول فعالية الأطر الدبلوماسية التقليدية عند التعامل مع الجهات الفاعلة التي تستغل البعثات الإنسانية للضغط وتختطف رواية البعثة الإنسانية لأغراضها غير المشروعة.
تفعيل التصنيف
على الجانب الإيجابي من الأجندة، تترك تحديات الأمم المتحدة فرصة لدول الخليج للعب دور أكبر في تهدئة الوضع في اليمن. ومع ذلك، فإن الموقف الحذر من قبل حلفاء اليمن الخليجيين التقليديين يخلق تحديًا إضافيًا لحكومة العليمي.
ففي حين ترى الحكومة التصنيف كأداة دبلوماسية للضغط على الحوثيين، يجب عليها معايرة استجابتها بعناية لتجنب تجاوز شهية شركائها الإقليميين للتصعيد. إن إعادة المعايرة الاستراتيجية لدول الخليج مع إيران تضع فعليًا سقفًا لمدى قدرة اليمن على تنفيذ التصنيف بشكل عدواني.
إن البعد الدولي الأوسع يفرض تحديات أكثر تعقيدا. ففي حين يمنح هذا التصنيف الحكومة اليمنية نفوذا إضافيا، فإنه يعقد عملية التفاوض على السلام الصعبة بالفعل.
وتشعر المنظمات الإنسانية، التي أصيبت بالشلل البيروقراطي الذي أعقب التصنيف في عام 2021، بالقلق إزاء قدرتها على العمل في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون. ومع ذلك، فإن الحوثيين غير مهتمين بمثل هذه المخاوف، مما يؤدي إلى تفاقم هذه التحديات من خلال خلق بيئة معادية للمنظمات الإنسانية.
فقد اختطف الحوثيون أكثر من 20 عامل إغاثة، بتهمة تجسس كاذبة، مما جعل ثمن الخدمة وجوديا بالنسبة لعمال الإغاثة اليمنيين. ومن خلال فرض السيطرة على عمليات تسليم المساعدات، حول الحوثيون الوصول الإنساني من حق أساسي إلى سلاح قوي للسيطرة ووسيلة مساومة في حملتهم الأوسع نطاقا للحصول على النفوذ الإقليمي.
ومع ذلك، فإن القوة الحقيقية لهذا في قدرته على إحداث عواقب قانونية ومالية محددة تقيد عمليات الحوثيين. ومن خلال استهداف شبكات تمويل الحوثيين وتجريم دعم عدوانهم البحري، يوفر التصنيف آليات ملموسة للتحرك الدولي.
ويتعين على المؤسسات المالية الآن أن تعمل بنشاط على حجب أصول الحوثيين بينما تواجه شركات الشحن وشركات التأمين التزامات قانونية جديدة في عملياتها في البحر الأحمر. وبالنسبة لحكومة اليمن، توفر هذه القيود الملموسة أداة عملية لإعادة تأكيد السيادة وبناء إجماع دولي ضد زعزعة الحوثيين للاستقرار.
إن فعالية هذا التصنيف سوف تتوقف في نهاية المطاف على مدى قدرة الحكومة اليمنية على التعامل بمهارة مع القيود المتعددة: شهية الحلفاء الإقليميين للمواجهة، والضرورات الإنسانية، والمهمة المعقدة المتمثلة في التنفيذ.
وسوف تتحدد النتيجة، كما هو الحال في اليمن، من خلال التفاصيل الدقيقة للتنفيذ التي تتبع الخطوط العريضة لسياسة التصنيف والعقوبات. وسوف يتطلب النجاح التنقل على مسار حذر بين الضغط والدبلوماسية، والحفاظ على الدعم الإقليمي والدولي الأوسع، مع تخفيف المخاطر الإنسانية وضمان استمرار التركيز على العراقيل والتلاعب من قبل الحوثيين الذين يتسببون في حدوثها.
المصدر: معهد دول الخليج العربي بواشنطن