إن مستقبل السودان يتشكل بالبنادق والمال، تماماً مثل ماضيه
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
إن مستقبل السودان يتشكل بالبنادق والمال، تماماً مثل ماضيه
نشر في موقع ذا كونفرسيشن
24 أغسطس 2023
أليكس دي وال أستاذ باحث ومدير تنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في مدرسة فليتشر
إعداد الترجمة: حسام عثمان محجوب
مثل أغلب الحروب المعاصرة، لا يمكن اختزال حرب السودان في صراع بين طرفين. هناك أشياء أخرى كثيرة، من بينها "طبقة أصحاب السلاح" المكونة من تحالفات متغيرة باستمرار من المتخصصين في العنف والمتاجرة السياسية الذين يعيشون على التهام المدنيين.
بعد أربعة أشهر من بدء القتال، لم تحقق القوات المسلحة السودانية ولا قوات الدعم السريع نصراً حاسماً في ساحة المعركة. ولا ينبغي أن يفاجئ ذلك أحداً، فإنه لم يحدث أن انتهت أي حرب سودانية بهذه الطريقة من قبل.
بدأت الحرب الحالية في السودان في 15 إبريل، عندما حاول السياسي الأكثر نشاطاً وقدرة في البلاد، الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، الاستيلاء على السلطة. وعلى الرغم من التخطيط الدقيق والمهارة التكتيكية، فشل الانقلاب في القضاء على قيادة القوات المسلحة السودانية، بما في ذلك قائدها الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
وحتى لو نجحت قوات الدعم السريع في نهاية المطاف في السيطرة على العاصمة، فقد فشلت سياسياً. فقد حولت الفظائع التي ارتكبتها – مثل النهب والقتل والاغتصاب – تقدمها في ساحة المعركة إلى كارثة في العلاقات العامة.
بدأ القتال بما يشبه معركة مسدسات بين رجال عصابات حول الكارتل التجاري العسكري الذي سيدير السودان. لكن الزعيمين يفقدان سيطرتهما على الأمور. ويبدو أن حميدتي عاجز جسدياً كما لم يُظهر أياً من الطاقة الشعبوية التي سمحت له بوضع بصمته على الأجندة السياسية. وفي محاولة لتبديد الشائعات التي تفيد بأنه مات أو في العناية المركزة، نشرت قوات الدعم السريع مقطع فيديو لمقاطع مجمعة مع بعضها، وقف فيها حميدتي، متصلباً وشاحباً، يتحدث لمدة 11 ثانية فقط.
لقد خرج البرهان من مخبئه وأصبح أكثر ظهوراً، لكنه ليس أكثر تماسكاً. هو الرئيس الاسمي لعصابة منقسمة من الجنرالات والممولين، كثير منهم من الإسلاميين من الحرس القديم لنظام الرئيس عمر البشير السابق.
لقد ظللت باحثاً في شؤون السودان منذ أربعة عقود. خلال الفترة 2005-2006، تم إعارتي إلى فريق الوساطة التابع للاتحاد الأفريقي لدارفور، ومن 2009 إلى 2013 عملت كمستشار أول للجنة التنفيذ رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي بشأن السودان، أثناء المفاوضات حول استقلال جنوب السودان وتداعياته. أحدث كتاب لي، والذي شاركت في تأليفه مع ويلو بيريدج، وجستن لينش، ورجاء مكاوي، يحكي قصة ثورة عام 2019 المدنية وأسباب فشلها.
إذا نظرنا إلى حرب السودان في سياق تاريخ الدولة السودانية وحروبها، فإن هذه الحرب تبدو مشابهة. إنها ليست نسخة طبق الأصل من الحروب السابقة، ولكن إذا لم يعد التاريخ نفسه، فإنه يتناغم. إذ تحصل الآن عصابة من الجنرالات وسماسرة السلطة الإسلاميين، الذين ازدهروا في ظل النظام السابق للرئيس عمر البشير، على الاعتراف بهم كحكومة. لكن سيطرة دولتهم على الأراضي أصبحت أكثر محدودية وبمؤسسات أضعف من ذي قبل، في حين يتوسع نمط الأطراف شبه العسكري للحكم ــ الذي تمثله قوات الدعم السريع ــ في الأراضي والقدرات.
تخون الدولة السودانية اليوم تاريخها كدولة غنيمة على هامش النظام العالمي. والرجال الذين يتنافسون على السلطة هم سماسرة في هذا النظام الاستخراجي، وليسوا بناة دولة. ولهذا السبب، فإن الجهود الحالية لإيجاد حل وسط بين البرهان وحميدتي ليست أكثر من "شملة كنيزة، هي تلاتية لكن قدها رباعي".
السوق السياسية في السودان
وكان تحالف القوى المدنية إلى جانب بعض جنرالات الجيش في القوات المسلحة السودانية، وأغلبية الدول الأفريقية والغربية، يطمح إلى الانتقال إلى دولة مؤسسية وديمقراطية بعد الإطاحة بالبشير. لكن عشية الإعلان الدستوري في أغسطس 2019، كتبت ورقة تعارض ملخصها المتشائم مع التفاؤل السائد في تلك اللحظة.
وكنت أرى أن القضايا التي كانت قيد التفاوض في ذلك الوقت لم تشمل الهياكل الحقيقية للسلطة في البلاد. لم أكن أرى أن السؤال الرئيسي هو إرساء الديمقراطية، بل ما إذا كان حميدتي – رجل الأعمال السياسي المهيمن – يمكنه الاستيلاء على السلطة بنفسه وتأمين التسوية مع المجموعات السياسية والعسكرية التجارية الأخرى أو ما إذا كان سيكون هناك انقلاب مضاد من تدبير المؤسسة (الدولة العميقة).
وزعمت أيضاً أنه نظراً لأن نموذج حميدتي لم يكن مستداماً، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو تسارع الاتجاه نحو "سوق سياسي" غير منظم وعنيف و"حكم شبه عسكري".
في ذلك الوقت، توصل حميدتي إلى تسوية مع القوات المسلحة السودانية. أولاً، وافق على تولي البرهان رئاسة هيئة الرئاسة الجماعية، المعروفة باسم مجلس السيادة، ثم وافق لاحقاً على الانقلاب في أكتوبر 2021. وكان مثل هذا التواطؤ قابلاً للتطبيق طالما تُركت هياكل قيادة قطاع الأمن دون تدخل ودون حل. لكن سياسة التأخير لم تعد ممكنة مع النص الوارد في الاتفاق الإطاري المبرم في ديسمبر 2022 والذي تتطلب استيعاب قوات الدعم السريع تحت قيادة القوات المسلحة السودانية. لذلك اتخذ حميدتي خطوته.
وبدلاً من استيلاء حميدتي على الدولة، قام بتدميرها. وفي الحرب الدائرة، تكون الخسائر والمكاسب في ساحة المعركة أقل أهمية من القدرة المادية. والأكثر أهمية هي الأموال السياسية لزعماء كل تحالف متحارب. الآن، كما كان الحال في السابق، تتفوق القوات المسلحة السودانية في القدرات المادية بشكل عام، لكن الدخل السياسي المتوفر تحت تصرف قوات الدعم السريع أكبر، وهو الأمر الأكثر أهمية.
الوتد المربع
في الأسابيع الأولى من الحرب، حاول الوسطاء الأمريكيون والسعوديون التوصل إلى وقف مباشر للأعمال العدائية بين القوات السودانية. كان ذلك رد فعل فورياً مبرراً. ولكن بعد مضي أربعة أشهر، فإنه غير مفيد.
ساحة الوساطة مزدحمة الآن. ويتولى الاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) بقيادة كينيا، ومصر قيادة المبادرات. ويقول كل منهم إنه ينسق مع الآخرين. وبغض النظر عما إذا كان هذا صادقاً أم لا، فإن نتيجة القواسم المشتركة الرسمية هي أن يتفق الجميع على أبسط تحليل ممكن، وهو حرب بين جانبين.
بالنسبة لمصر، القضية الأساسية هي الدولة المنهارة أو المتشرذمة. فتماماً كما كانت تخشى أن تؤدي محادثات السلام التي قادتها كينيا منذ عشرين عاماً إلى انفصال جنوب السودان، فإنها تشعر اليوم بالقلق إزاء قيام دولة فاشلة تضم حكومتين متنافستين، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى نزوح الملايين من اللاجئين.
بالنسبة لكينيا، يعد هذا بمثابة انتقال معطل إلى الديمقراطية. ويعمل الأميركيون والسعوديون على إحياء خططهم المشتركة لوقف إطلاق النار، متجنبين التساؤل حول كيفية جعل الدولة السودانية قابلة للحياة. وقد تقترح دول أخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة، منتديات جديدة أو تصر على أن يكون لها دور.
والأمم المتحدة غائبة تماماً.
وعلى النقيض من الصراعات السابقة في السودان، لم يضع المجتمع المدني القومي والمثقفون رؤية لكيفية إنقاذ البلاد من دوامة الموت. ولم يفعل ذلك حتى العلماء والمحللون الأفارقة. قدم علماء السياسة السودانيون قراءات غنية عن الخلل التاريخي الذي تعانيه بلادهم. لقد حان الوقت لإحياء هذه التحليلات ومناقشتها. وفي ظل الفراغ، يتشكل مستقبل السودان بالسلاح والمال.
دولة مكشوفة
قبل ثلاثين عاماً، قال وزير المالية الإسلامي عبد الرحيم حمدي إن الأجزاء الوسطى من السودان تشكل دولة مصغرة قابلة للحياة اقتصادياً. أصبحت المدن والمشاريع الزراعية التجارية الواقعة على مسيرة يوم واحد بالسيارة من الخرطوم تُعرف باسم "مثلث حمدي". وكانت هذه منطقة متوسطة الدخل وموضعاً لمعظم البنية التحتية والاستثمارات. قال حمدي إن هذه المنطقة يمكن أن تزدهر دون الاضطرار إلى إدارة المناطق المزعجة في جنوب السودان ودارفور وغيرها من المناطق النائية التي كانت بمثابة مستودعات لاحتياطي العمالة بشكل رئيسي.
قد تكون ثمرة هذه الحرب شبه مثلث مقطوع في شرق السودان. سيتم إدارة هذا الأمر مثل الاحتكار الثنائي العسكري الإسلامي في سنوات البشير، باستثناء أنه أكثر وحشية وأكثر فساداً، وربما أكثر انقساماً. لقد التف جنرالات وإسلاميون مختلفون حول البرهان كزعيمهم الإسمي، لكن من المرجح أن يظلوا متماسكين فقط طالما شكلت قوات الدعم السريع في الخرطوم تهديداً وجودياً.
ما يزال التنافس بين حميدتي والبرهان في طريق مسدود.
وتحدثت البيانات المبكرة الصادرة عن الوسطاء الأمريكيين والسعوديين عن القوات المسلحة السودانية باعتبارها مجرد طرف محارة، مما وضعها على قدم المساواة مع قوات الدعم السريع. وفي الآونة الأخيرة، أصبح البرهان ومجموعته الآن معترفاً بهم على نطاق واسع كحكومة السودان. هذا على الرغم من أنهم لا يسيطرون على العاصمة. وهم يديرون فقط مقرهم الفعلي في بورتسودان وعدداً قليلاً من المدن الأخرى.
إن قوات الدعم السريع هي بمثابة انتقام من الجموع عديمة القيمة ضد المؤسسة السياسية السودانية التي كانت على استعداد لاستغلالهم عندما احتاجت إلى إنجاز مهمة قذرة. كان لزعيمها حميدتي لمسة شعبوية وعقد تحالفات انتهازية. ارتفعت حظوظه السياسية لأنه كان يتمتع بالطاقة السياسية والمال. ولأنه قدم وعداً بخيار بديل للحرس القديم.
لكن حيل حميدتي السياسية الحربائية لم تتمكن من إخفاء الحمض النووي لمصالحه التجارية السياسية العسكرية. وهو ابن ميليشيات الجنجويد، المشهورة بفظائعها في حرب دارفور في الفترة 2003-2005. وقوات الدعم السريع هي أيضاً شأن عائلي، لكن لا يتمتع أي من نواب حميدتي – الإخوة والأعمام وأبناء العمومة – بالكاريزما والمكانة اللازمتين ليحل محله.
إذا انتصرت قوات الدعم السريع، فيجب أن نتوقع أن تصبح الحكومة السودانية، أو ما بقي منها، شركة تابعة مملوكة بالكامل للأجندة التجارية والعسكرية والعرقية لعائلة دقلو وداعميها الأقوياء.
إن التناقض في الحكم شبه العسكري هو قدرته التدميرية. أسلوب عمل قوات الدعم السريع هو مهاجمة ونهب كل شيء – الأسواق والمزارع والمدارس والمستشفيات – تاركين أرضاً يباب. يقوم رجال الميليشيات بطرد السكان المحليين لكنهم لا يستطيعون إعالة أنفسهم إلا من خلال التوجه إلى ضحايا جدد. وفي الوقت المناسب سوف تنتهي المدن التي يمكنهم نهبها.
رابط المقال الأصلي باللغة الإنجليزية:
https://theconversation.com/sudans-future-is-being-shaped-by-guns-and-money-like-its-past-211948
husamom@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
السودان ما بين استبدال القوى السياسية أو استبدال الأمة السودانية
▪️لا شك أن التشكل الأول للقوى السياسية السودانية في القرن العشرين كان بدوافع وروافع أجنبية وغير وطنية .. بدءاً من اليهودي الفرنسي عميل KGP الروسية هنري كوريل مؤسس الشيوعية في مصر (حمتو) والسودان (حستو) ، ومروراً بطائفتي الختمية (مصر) والأنصار (بريطانيا) وجمعية اللواء الأبيض (مصر) وليس انتهاءاً بمؤتمر الخريجين صنيعة الاستعمار البريطاني في الهند والسودان وما نتج عنه من أحزاب ، وعلى ذات الدرب سارت القوى السياسية الإسلامية في بلادنا والتي استلهمت فكرها وتنظيمها من مصر (الاخوان المسلمين) أو من السعودية (أنصار السنة والسلفيين) .. وإن أبرز مثالٍ على الفوضى السياسية في السودان هو أن عدد الأحزاب السودانية ظل دائماً مثاراً للجدل ووجهات النظر ، فقانون تنظيم الأحزاب السياسية صدر لأول مرة في السودان بعد ثورة أكتوبر عام ١٩٦٤م ، وما انفكت الحياة السياسية تعاني فوضى العمل السياسي لوجود غالبية التنظيمات السياسية تمارس العمل السياسي خارج إطار القانون ، ومن أبرزها القوى التي ظلت تتخذ من العمل العسكري وسيلةً لتحقيق أهدافها السياسية ، وقد تعددت في بلادنا مُسميات وأدوار وأطوار الكيانات السياسية في السودان ما بين أحزاب ، وتيارات ، وحركات ، وجبهات ، ومؤتمرات ، ولجان ، ومنظمات ، ومبادرات ، وروابط ، وقوى ، وتجمعات ، وجمعيات ، …الخ ، وبنظرةٍ عجلى على سبيل المثال لمكونات تحالف قحت المكون من ٦٤ اسماً بلا مُسمَّى ، والذين حكموا السودان سنتين … سيتضح حجم الفوضى العمل السياسي التي بدأت بالعمالة وكان لابد لها أن تنتهي بدمار البلاد.
▪️كان قانون الأحزاب السوداني الصادر عام ٢٠٠٧م والمعدل عام ٢٠٢٠م هو آخر ما صدر لتنظيم النشاط السياسي في البلاد ، وبمراجعة مسيرة الحياة السياسية في السودان وما آلت إليه ، وبالنظر إلى أن البلاد اليوم حرفياً قد عادت إلى ما قبل غزو محمد علي باشا للسودان .. فإنه لا مناص من التفكير في إعادة تأسيس الحياة السياسية في السودان بعد الحرب على أسس وطنيةٍ بحتة من حيث الفكر والتنظيم والممارسة ، وأن تستند في كل ذلك على دستورٍ سودانيٍّ مُتراضىً عليه شرعياً وشعبياً ، وأن ترتكز على قانونٍ يجنبها فوضى التكاثر الأميبي الذي سمح بفسيفسائيةٍ سياسيةٍ مؤذيةٍ عصفت بالبلاد وأهلها ، ويجب إلى جانب القانون أن تُضبط بالوعي العام الذي يُبعد شبح المزالق العرقية والقبلية والمناطقية والعائلية في العمل السياسي.
▪️إن التجربة الإنسانية في عمومها لم تخرج في نشاطها السياسي عن ميولٍ ثلاثة تترجمها في حزبٍ يتخذ أقصى اليسار وآخر في أقصى اليمين وبينهما بضعة أحزابٍ قليلةٍ تمثل الوسط ، وذلك وفق الإطار الدستوري الذي يمثل أعلى معايير القيم الوطنية للشعب ، ويلعب قانون الأحزاب دوراً رئيسياً في ضبط النشاط السياسي على هذه الأسس لتكون هذه القوى السياسية خادمةً لإرادة الشعب ، لا أن تتحول إلى أدوات ابتزازٍ للشعب تحقيقاً لطموحاتٍ انتهازية ، أو مدخلاً لنفوذ قوىً أجنبية ، فالهدف من تشريع قانون للأحزاب السياسية يجب أن يضمن:
١. تنظيم الحياة السياسية.
٢. ضمان التعددية السياسية.
٣. منع التجاوزات.
٤. تعزيز الشفافية والمساءلة.
٥. حماية الحقوق والحريات.
٦. تحقيق الاستقرار السياسي.
٧. تأمين الأحزاب من الاختراق الأجنبي.
٨. منع توظيف الأحزاب لخدمة الأهداف الخاصة باستخدام النفوذ المالي أو العرقي أو غيرها.
٩. ضمان جدية الأحزاب السياسية
١٠. ضمان توافق الأحزاب مع الدستور
١١. منع ظهور أحزاب عنصرية أو جهوية أو مناطقية.
١٢. منع ظهور أحزاب متطرفة دينياً أو علمانياً.
١٣. منع الفسيفساء الحزبية
١٤. ضمان وطنية الأحزاب
▪️يبلغ إجمالي عدد السكان حوالي ٥٠.٧ مليون نسمة وفقا لتقديرات السكان في السودان للعام ٢٠٢٤م ، ونسبة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن ١٨ عاماً تُمثِّل حوالي ٥٣% من إجمالي السكان ، وبناءً على هذه النسبة فيمكن تقدير أن عدد الناخبين في السودان يقارب ٢٧ مليون نسمة ، وعليه فإن شروط تسجيل الأحزاب السياسية الاتحادية في السودان يجب أن تراعي هذه الأرقام من حيث:-
١. اشتراط أن تتضمن عضوية الحزب ٢% على الأقل من الناخبين بما يعادل ٥٣٨.٠٠٠ عضواً.
٢. أن تكون عضوية الحزب موزعة على عشرة ولايات على الأقل عند التسجيل ، بما تشمل كل أقاليم السودان شرقاً وغرباً ووسطاً وشمالاً وجنوباً .. من جملة ١٨ ولاية.
٣. أن لا يقل عدد الأعضاء في كل ولاية عن ٤٠.٠٠٠ عضواً.
وبذلك لا يتم تسجيل إلا الأحزاب ذات الثِّقل والانتشار الحقيقي ، والتي هي فعلاً تمثل شرائح الشعب على المستوى القومي ، ولا يمنع ذلك من إمكانية أن يسمح الدستور بإنشاء أحزابٍ سياسيةٍ على المستوى الولائي بما يتوافق ولائياً مع ما ورد بعاليه ، فيكون لها حق ممارسة نشاطها السياسي ولائياً دون المستوى الاتحادي.
▪️إن قانون الأحزاب السياسية ضرورةٌ قصوى لضمان أن يجري النشاط السياسي بشكلٍ مُنظَّمٍ وطنيٍّ وقانوني ، ويجب الانتباه لعدم الخلط ما بين حرية ممارسة العمل السياسي بشكلٍ قانوني ، وما بين حرية الرأي والتعبير التي تمكّن الأفراد من المشاركة في هذا النشاط عبر التعبير عن آرائهم والمساهمة في صنع القرار بشكلٍ قانونيٍّ كذلك ، والقانون هو الذي يفصل ما بين سوء الفهم في التفريق ما بين حرية الفرد التي تنتهي عندما تبدء حرية الآخر ، وما بين الفوضى التي هي عربدةٌ لا تُفضي إلى خيرٍ مُطلقاً.
▪️لضمان نزاهة ووطنية الأحزاب ، ولتجنب عمليات استحواذ النفوذ من قبل الأشخاص والعائلات وغيرها .. يجب أن يتضمن قانون الأحزاب :-
١. ضمان تمويل الأحزاب وطنياً.
٢. تقديم تقارير مالية دورية عن التبرعات والنفقات.
٣. تقديم دستور وهيكل اداري وتنظيمي مُنتَخب للحزب بعد اجازتهما ديمقراطياً بحضور مسجل الأحزاب.
٤. تحديد مسئول مالي مؤهل للحزب.
٥. يجب ان يكون للحزب برنامج سياسي واضح يتوافق مع الدستور.
٦. أن تكون رئاسة الحزب لدورتين انتخابيتين متتاليتين فقط كحد أقصى.
٧. أن يُسمح للاحزاب بتأسيس الشركات في مجالات يُحدِّدها القانون كالاعلام والطباعة والخدمات والاستثمارات البنكية ، ويجب أن تكون خاضعة لقواعد الشفافية والرقابة القانونية ، وأن يكون نشاطها داخل السودان فقط ، ويُمنع انخراطها في أي ارتباطات خارج السودان.
٨. أن يتم تحديد سقف أعلى للتبرعات.
⚫إن الولاء الأعمى لكيانٍ سياسي أو انتماءٍ حِزبيٍّ أو فِكريٍّ يمنع الحاجة لدى الإنسان للتفكير ، وهذا لا يعني انعدام الوعي فقط ، بل إنه يقضي تماماً على إنسانية الإنسان نفسه ، والإنسان السَّويُّ لا ينبغي له المساومة في الانحياز لانتماءٍ ما يتناقض مع ضميره الإنساني والوطني ، ولقد كثر القول بأن الشعوب التي تسمح للفاسدين والانتهازيين والمُستبدِّين بأن يكونوا نُخباً تتسيَّد المشهد السياسي لا يمكن اعتبارهم ضحايا بحال ، بل هي شعوبٌ شريكةٌ في الجريمة دون شكٍّ حين سمحت باستخفافها فأطاعت فاستحقت أن تكون شعوباً فاسقة ، *وخير ما نقوله للقوى السياسية اليوم سواءً شاؤوا أم أبوا .. هو أن يجتهدوا في إحسان خاتمتهم ، فإن بعض الخير الذي سيعقب مكاره القتال إن شاءالله .. هو دفن صفحة القوى السياسية السودانية قاطبةً ، واستشراف فجرٍ جديدٍ بأجيالٍ جديدةٍ وأحزابٍ جديدة ووعيٍ جديد.*
اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
إنضم لقناة النيلين على واتساب