m.elgizouli@gmail.com
مع كتاب دانييل بن سعيد "ماركس لزماننا" (دار فيرسو، ٢٠٠٩)، الفصل الرابع: "الطبقات أو الفاعل المفقود”
١
يشغل الصراع الطبقي موقعا مركزيا في فكر ماركس، لكن ما هي هذه الطبقة؟ ستجد قارئة ماركس "الطبقة" مبثوثة في نصوصه الكثيرة، ويمكن جمع مادة حول الطبقة من هذا الاقتباس أو ذلك، لكن لا تجد علما نصيا مانعا بالطبقة.
وماركس عدو النظرة الأولى إذ يحيط نفسه بالنقد مباشرة: "ولكن، ومن وجهة النظر هذه، سيؤلف الأطباء والموظفون، على سبيل المثال، أيضا طبقتين، لأنهم ينتمون إلى مجموعتين اجتماعيتين متمايزتين، فيلما يتلقى أعضاء كل واحدة من هاتين المجموعتين إيراداتهم من المصدر الواحد نفسه. ولسوف ينطبق نفس الشئ ذاته على تشعب لا نهائي في المصالح والمراتب يؤلفه تقسيم العمل الاجتماعي بين العمال وكذلك بين الرأسماليين والملاك العقاريين – فالأخيرون مثلا ينقسمون إلى مالكي مزارع كروم، مالكي حقول زراعية، مالكي غابات، مالكي مناجم، مالكي مصائد أسماك." وهنا تنقطع المخطوطة(كارل ماركس ١٨٩٤. رأس المال المجلد الثالث. ترجمة فالح عبد الجبار. دار الفارابي. ص ١٠٨١)، تسكت شهرزاد، بنت البلد، عن الكلام المباح.
لا يبدو إذن من النظرة الأولى أن ماركس أفصح عن مفهوم حسن التطويق للطبقة، والمسألة عماد في فكره، وربما أجل هذه المهمة أو لم تتضح جوانبها في ذهنه. لكن مثل هذا النقد لشغل ماركس قد يصح على مسائل أخرى لم يفصح فيها ماركس عن تصورات متكاملة، فهو لم يتطرق بتفصيل لمفهوم الأزمة عنده أو لمفهوم الزمان وهو مدار التاريخ. ففيما كان يزجي ماركس وقته إذن؟ كان يعالج قروحه المتكررة، ويصد عن رقبته الدائنين وهو الفقير إلى الله حقا، ويسعى رزقا قليلا بوسيلة مقالاته الصحفية، ويحلحل مشاكل أسرته ويكتب سيلا من الخطابات يبثها عبر العالم، ويتآمر لنصرة الطبقة العاملة، وقبل كل شيء يكتب ويعيد كتابة وينقح ويحرر ويجلي كتابه "رأس المال".
وما النظرة الأولى؟ أسراب يحسبه الظمآن ماء؟ فعلم ماركس عن الطبقة ببسطامه السياسي. الثابت أن ماركس لم يركن إلى التبسيط في شأن الطبقة ولم يجمد مفهومها بتجريد صوري تصبح به كما في البدعة السوفييتية أو بهذا القياس في فقه العوضرازقية، قديمة أو جديدة، جدول تصنيف. تستفيد قارئة أعمال ماركس السياسية ("الصراعات الطبقية في فرنسا"، "الثامن عشر من برومير"، "الحرب الأهلية في فرنسا") مفهوما شبكيا للطبقة كنظام من العلاقات قوامه الصراع، وليس جدولا لعناصر ذات جوهر ثابت. الطبقة عند ماركس علاقات اجتماعية وليست هدية، وشرط المفهوم أن تدرك المتأملة دلالة "علاقة" في إعلان المغنية ندى القلعة الوقائي: "اللكزس هدية ما علاقة شخصية". أحلت المغنية صنف الهدية وحرمت العلاقة التي قد تحيط به، والطبقة كذلك علاقة صراعية تنشأ عنها مفردات مادية. لا يصح إذن ابتسار مفهوم ماركس للطبقة إلى جملة خصال تسم الوحدات المكونة للطبقة أو إلى جملة هذه الوحدات، فهي كل علائقى، وليس حساب إجمالي.
البرجوازية والبروليتاريا طبقتان اجتماعيتان، نعم، لكن الطبقة ليست صنفا وليست سمة، ومن ثم فمن التزوير تصوير البرجوازية أو البروليتارية كأنها سمة لشخص بعينه. البروليتاريا مجموعة من الناس، كينونة مركبة، البروليتاري الفرد فيها وحدة تكوينية لنظام شمسي، كما أفراد النحل وحدات تكوينية لخلية النحل. لكن تربط الناس الذين يكونون طبقة اجتماعية بعينها ببعضهم البعض علاقات اعتماد متبادل على خلاف الوحدات غير الحية أو حتى الحيوانات، علاقات اعتماد ذات طابع اجتماعي، علاقات إنس. والعلاقة بين الطبقة الاجتماعية وبين أعضاء هذه الطبقة علاقة بين كينونة مركبة والعناصر المكونة لها. فهل الطبقة إذن حقيقة عليا عابرة لأفراد هذه الطبقة؟ أذا صح ذلك، فهي فاعل أسطوري أو تكاد. يتهم ماركس غريمه برودون صراحة بهذه الدروشة ويقول خطأه أنه "شخصن الموضوع"، اتخذ من المجتمع أو من الطبقة شخصا، ويتذمر شديد التذمر من كل من "يجعل من الكلمات أشياء". يرفض ماركس تصوير الطبقة كشخص أو فاعل واعي موحد الذات على طراز الفاعل العاقل في علم النفس. وأفرد لذلك نقدا في هوامش كتابه "الآيديولوجيا الألمانية". وقال عيب الفلاسفة الألمان الذين وجه إليهم نقده أنهم اتخذوا مفهوما صوريا للطبقة، أي جعلوا محل المفهوم شيئا، كأنهم قوم موسى اتخذوا العجل إلها وقت أعجزهم مفهوم الإله. قال ماركس ابتسروا الأفراد إلى عينات حية للمفهوم المجرد، جنس دروشة! من ذلك توبيخ ماركس لماكس شتيرنر الذي أكد في أكثر من موقع أن كل فرد هو ما هو عليه بعلة الدولة، كما أن البرجوازي هو عينة من البرجوازية، فكأنما البرجوازية كانت موجودة قبل وجود الأفراد المكونين لها. الطبقة عند ماركس توجد فقط في إطار العلاقة الصراعية مع الطبقات الأخرى، علاقة وليست هدية، وتماسك الطبقة كمفهوم لا يمكن رده إلى إجمالي الأفراد، فالطبقة لا هي فاعل فوق الفاعلين، سوبر مان اجتماعي، ولا هي علاقات بينية، حيته ما حياني!
ومن هذا التخليط الذي بهدل بعلته ماركس غريمه برودون يتسرب التصور الفاشي الذي يوحد بين الفرد والمفهوم، بين عجل قوم موسى والإله. وترجمة ذلك على سبيل المثال التوحيد بين الرأسمالية بنت الكلب واليهود الأفراد في دعاية الاشتراكية القومية، النازية الألمانية، وهو توحيد دعائي انتهى إلى المقتلة المعلومة. ومن ذلك أيضا ما تسرب إلى وجدان مقاتلي مليشيا الدعم السريع في رد مظلمة اجتماعية الخصم فيها طبقة "الكيزان" أو "الجلابة"، وهي طبقة اجتماعية، إلى أفراد. من ثم، جاز بهذا التصور هدم دارهم وسلب مالهم وإهدار دمهم ولو كان نصيبهم من عز الجلابة بيت جالوص بالإيجار في أم بدة كرور. هذا بينما فلتت "العلاقة" من هذا الإعدام الميداني، وتجددت، كما نشأت أول مرة في حزام الاسترقاق على يد مثل الزبير باشا رحمة الجلابي الكبير صاحب المليشيا التي فتكت بسلطنة دارفور، في هيئة شركة الجنيد وغيرها لصاحبها محمد حمدان دقلو، أكبر جلابي فيك يا بلد.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: رأس المال
إقرأ أيضاً:
هل أخذ قرض من البنك يجلب الخراب والفقر؟.. انتبه لـ5 حقائق
لعل السؤال عن هل أخذ قرض من البنك يجلب الخراب والفقر كعقوبة دنيوية من الله تعالى ؟، ينبع من تلك الاعتقادات الشائعة لدى الكثيرين بأن القروض سبب المصائب والبلاء، مستندين إلى تلك الدعاوي بأن القروض حرام ، من هنا تأتي ضرورة الوقوف على حقيقة هل أخذ قرض من البنك يجلب الخراب والفقر بالفعل أم ليس له علاقة ؟.
كيف يعد الشيطان المؤمن بالفقر؟.. احذر 10 أمور تحرمك العيش بسلامهل الذنوب تنقص الرزق وتسبب الفقر؟.. 10 أمور تنغص حياتك فاجتنبهاهل أخذ قرض من البنك يجلب الخراب والفقرقال الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الابتلاءات والمصائب لا علاقة لها بأخذ القروض من البنوك ، منوهًا بأن الكثير من الناس يربطون بين أخذ القروض من البنوك وبين المصائب والابتلاءات التي قد تواجههم في حياتهم.
وأوضح " كمال" في إجابته عن سؤال : هل أخذ قرض من البنك يجلب الخراب والفقر ؟، أن الناس يقولون لي إن القروض سبب في الوقوع في البلاء، وأن أي مشكلة أو ابتلاء يواجهونها بعد أخذ قرض ما هو إلا عقاب من الله بسبب هذه القروض، ولكن هذا ليس صحيحاً.
وأشار إلى أن الابتلاءات التي تصيب الإنسان لا علاقة لها بأخذ المال من البنك أو عدمه، نحن نربط بين المصائب وبين القروض بشكل غير دقيق، الابتلاء قد يحدث لأي شخص، سواء أخذ قرضاً أو لم يأخذ، وهذه من قدر الله سبحانه وتعالى.
وأضاف أنه يمكن أن يقع الإنسان في بلاء بسبب أسباب أخرى لا علاقة لها بالمال، مشيرًا إلى أن القروض البنكية، في حال كانت لأغراض مشروعة كتمويل مشروع أو استثمار، هي جائزة ولا حرج فيها.
وتابع، قائلاً: لو أخذت أموالاً من البنك بهدف الاستثمار أو لتطوير مشروع، فهذا جائز شرعًا ولا يعتبر من المحرمات، مؤكدًا أن الابتلاء ليس علامة على وجود ذنب أو عقاب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاءً الأنبياء"، وبالتالي فالمصائب والابتلاءات هي جزء من الحياة ويمر بها جميع الناس، وهذه الأمور لا علاقة لها بالأموال أو القروض.
حكم أخذ القرضوأفاد الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى في دار الإفتاء، بأن القرض ليس ربا، ما يقترض أحد قرضا ليترفه به، فلا يسأل أحد عن حكم القرض ليخرج به في فسحة وإنما لعمل شيء ضروري في حياته وسد أمامه السبل فيلجأ إلى القرض، فهذا ليس ربا.
وأكد أن الربا معروف، ولكن هذا القرض الذي يحتاج إليه المسلم ويلجأ إليه لعمل مشروع أو توسعة باب رزق عليه أو شراء شقة أو سيارة للعمل بها ويسترزق منها فهذا ليس ربا.
حكم القرضوبين الشيخ محمد عبد السميع أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن هناك أشكالاً متعددة للقروض ومنها أخذ المال من البنك لشراء سيارة أو شقة وفي تلك الحالة السلعة هنا تتوسط بين المشتري والبنك كأن يوكلك البنك للشراء ثم ينقل لك الملكية مقابل السداد، وهذا ليس محرماً، موضحاً أن البعض يقدم دراسة جدوى للحصول على مال لأجل مشروع ما ومن الخطأ أن نصف ذلك بالقرض بل هو تمويل، مشدداً على أن هناك قروض منزوعة الحرمة كالتي تؤخذ للضرورة ومنها المريض وخلافه.
ولفت إلى أن القرض الحرام هو ذلك القرض الذي يجلب لصاحبه المصائب كمن يأخذ مالاً لا يستطيع الوفاء به للبنك ويتسبب في سجنه بعد ذلك.
حكم القرض البنكي للتجارةوفرق الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بين أن يأخذ الإنسان قرضًا شخصيًا وليس في حاجة إليه، وبين أن يأخذ قرضًا من البنك "التمويل" الذي يكون في حاجة إليه لعمل شيء فارق في حياته.
ونبه إلى أنه طالما أن هذا تمويل أي أنك تأخذ المال لأجل تشغيله واستثماره لعمل مشروع ونحو ذلك فهذا لن يسمى قرض ولكنه يسمي تمويل والتمويل حلال، فيجوز القرض التمويلي، أي بتقديم دراسة جدوى للبنك، وبناءً على ذلك يعطيك القرض على جهة التمويل وكأن البنك شريك معك في هذا المشروع.
ونوه بأنه يجوز أن يحصل الشخص على قرض من البنك، من أجل توسعة التجارة، موضحا أن بعض الفقهاء أجازوا القرض من أجل التجارة، وذهبوا إلى أن القرض للتجارة يُدر ربحًا، وتكون الفوائد البنكية جزءًا من هذا الربح، فكأن البنك شريكًا له في هذه التجارة، وفائدة البنك إنما هي حصته من مشاركته له في هذه التجارة.