طفل سوداني: لا أستطيع التواصل مع أهلي ولا يعلمون مكاني
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
بي بي سي نيوز عربي
من بين آلاف القصص المأساوية التي يحملها النزوح والنزاع، تبرز قصص بعض الأطفال الذين يواجهون هذه الظروف الصعبة بمفردهم بعيدا عن ذويهم. فمع اندلاع القتال في مناطق مختلفة من السودان، اضطر العديد من الأطفال للفرار وحدهم بحثا عن ملاذ آمن.
علام أدم، وهو طفل يبلغ من العمر 12 عامًا، كان يحلم بتعلم القرآن فترك قريته، أم دخن، بجنوب دارفور وسافر للخرطوم ليلتحق بمدرسة لتعليم القرآن في منطقة الصالحة.
تم تسجيل علام أدم في ولاية القضاريف ضمن الأطفال فاقدي السند ويقيم حاليا مع أحد شيوخ المدينة يدعى الشيخ آدم حسن.
تمكن صديق الطفل علام من التواصل مع أهله ولُم شملهم، ولكن علام لم يتمكن من الوصول لذويه.
"لا أتواصل مع أهلي ولا أعرف رقم هاتفهم وهم لا يعلمون أين أنا"، بهذه الكلمات استهل علام حديثه مع برنامج للسودان سلام.
وعندما سألته إذا كان يشعر بالأمان في مكان إقامته حاليا رد: " أنا اسكن مع عم أدم .. أنا مرتاح وآكل جيدا".
سألته إذا كان يريد العودة للخرطوم: " أفتقد المدرسة .. مدرسة أستاذ أحمد حيث أتعلم القرآن الكريم".
الأطفال الأكثر تضررا من الحرب
يوجد بمراكز إيواء القضاريف حاليا أكثر من 4 آلاف طفل، منهم 4 أطفال بدون ذويهم أحدهم يبلغ من العمر 7 سنوات، بحسب تصريحات آسيا عبد الرحمن حسين، أمين عام رعاية الطفولة بولاية القضاريف خلال حديثها لبرنامج للسودان سلام.
وأضافت آسيا: " يتم الاهتمام بهم مثل الأطفال الاخرين دون تمييز، سواء في الغذاء أو الكساء أو الدعم النفسي، كما نحاول التقصي عن أماكن ذويهم والتواصل معهم للم شملهم. لدينا طفل من خارج الحدود وقد تواصلنا مع الصليب الأحمر للمساعدة في الوصول لأسرته."
منذ بدء الحرب كان الأطفال هم الفئة الأكثر تضررا دون غيرهم كما تبين الأرقام. فقد وثقت منظمات محلية مقتل عشرات الأطفال الرضع بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترة طويلة عن دار رعاية الأيتام التي كانوا يقيمون فيها في الخرطوم، وذلك بعد شهر من اندلاع الحرب.
يوجد بمراكز إيواء القضاريف حاليا أكثر من 4 آلاف طفل
التعليق على الصورة،
يوجد بمراكز إيواء القضاريف حاليا أكثر من 4 آلاف طفل
"أكثر من 700 طفل نازح جديد كل ساعة"
وتعكس معاناة علام أدم والأطفال الآخرين في مراكز الإيواء واقعًا يعيشه أكثر من مليوني طفل نزحوا منذ بداية النزاع قبل أربعة أشهر فقط كما تظهر إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). وتعرب المنظمة عن قلقها حيث تشير معدلات النزوح إلى وجود أكثر من 700 طفل نازح جديد كل ساعة.
ومع استمرار العنف في تدمير البلاد، تشير التقديرات وفق اليونيسف إلى أن أكثر من 1.7 مليون طفل يتنقلون داخل حدود السودان وأكثر من 470 ألف طفل عبروا إلى البلدان المجاورة.
وقالت مانديب أوبراين، ممثلة اليونيسف في السودان: "مع نزوح أكثر من مليوني طفل من ديارهم خلال أشهر قليلة فقط بسبب النزاع، ووقوع عدد لا يحصى في قبضته القاسية، نؤكد كثيراً على الحاجة الملحة للاستجابة الجماعية".
وناشدت اليونيسف جميع أطراف النزاع إعطاء الأولوية لسلامة الأطفال، وضمان حمايتهم، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المناطق المتضررة.
"وضعت حملي وواصلت السير هرباً من القتال في السودان"
24 يوليو/ تموز 2023
وعلى عكس ما يعيشه السودان، فالوضع ليس مشابها في أوكرانيا، حيت تقديم الدعم أسرع، بحسب ما يراه عمال الإغاثة.
وقال مدير مجلس اللاجئين النرويجي (إن آر سي) في السودان، وليام كارتر، إن نظام التمويل الإنساني العالمي "عنصري بشكل صارخ"، كما هو الحال في نظام الحماية الدولية.
وقارن كارتر عبر حسابه في إكس (تويتر سابقا)، بين الاستجابة المختلفة للحرب بين السودان وأوكرانيا، مشيرا إلى أنه في أوروبا يتم الترحيب باللاجئين الفارين من الهجوم الروسي، وقُدِّمت مليارات المساعدات، لكن في السودان تحتاج منظمات الإغاثة إلى "التوسل" لأشهر للحصول على ملايين الدولارات من المساعدات، ولا يُرحب باللاجئين.
وأضاف "أما الأخرى في أفريقيا. نحن بحاجة إلى التوسل لأشهر من أجل ملايين الدولارات من المساعدات للاستجابة. واللاجئون غير مرحب بهم، وجوازات سفرهم ممزقة والتأشيرات لم تصدر، وإقامتهم القانونية في بلدان أخرى تقلصت، ويواجه اللاجئون عمليات الإعادة والترحيل، ولا تتوفر وسيلة أو مساعدة للخروج من منطقة القتل".
//////////////////////ش
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان أکثر من 4
إقرأ أيضاً:
عن الحرب في السودان
بقلم: ماد قبريال
عندما اِنهمرتِ أصوات الرصاص في الخامس عشر من أبريل 2023 في العاصمة السودانية الخرطوم، لم يدور بخلد المراقبون آنذاك، بأنهم سيشهدون تكرار مآسي السودان مرة أخرى. من قتلٍ، تهجير، لجوء، نهب، واغتصاب، بهذه الصور المفزعة، التي انعدمت فيها كافة الصفات الإنسانية الحميدة. أغلب الظن وقتها بأنها ستكون اشتباكاتٍ محدودة الأثر، سيتم احتوائها، وإيجاد تسويةً ما، عملت عدة أطراف على تحقيقها في الساعات الأخيرة قبل الحرب.
منذئذ، تُذكر تقارير المنظمات الدولية والإغاثية أرقامًا عن المتأثرين بالحرب، أضحى فيها الشعب السوداني، يعاني من ويلاتها داخل البلاد وخارجها، آلاما و جراحا عميقة الجذور. ملايين النازحين واللاجئين الذين فقدوا كل ما يملكون، ولم يعد بأيديهم شيئًا، سوى الدعاء واستلهام الإرادة الشعبية الجماعية مثلما حدث في ثورة ديسمبر ضد استبداد الطغمة الحاكمة وقتئذ.
كانت تجربة الحروب الأهلية السودانية، في جنوب السودان (قبل استقلالها) 1955 – 2005، وفي إقليم دارفور، مناطق جنوب كردفان، والنيل الأزرق، تمثل عناوين الأزمة السودانية في الحديث عن أهوال الحرب، ومآسيها. كُتب عنها، ومنها ما لم يُكتب بعد. ولا أود في هذه المساحة تكرار ما كُتب، في سياق حرب 15 أبريل الراهنة. ولكن يرمي هذا المقال إلى إبراز التداعيات الأخرى لهذه الحرب، التي ما تزال تحصد أرواح السودانيين، مدنيين وعسكر وأفراد مليشيا تحارب من أجل الغنائم، حيث تمثل الحرب الذاكرة الأليمة لجراح المجتمع، حاضرًا ومستقبلًا.
يشهد السودان جميع أشكال التدمير المفجعة، الدمار الذي شهدته العاصمة، وبعض مناطق السودان الأخرى، يشبه ما حدث عند غزو بغداد، يوم هاجم هولاكو. لم ينتهي الأمر بإلحاق الهزيمة بالدولة العباسية، بل قام المغول بتدمير ماضيها ومستقبلها، برمي كتب ببغداد في نهر دجلة. هذا الفكر الذي لا يبالي سوى بتحقيق الأهداف الذاتية، يمثل تراجعا عن كل القيم الإنسانية إلى البدائية العقيمة. فقد استباحت المليشيا معاهد التعليم والجامعات ومخطوطات المتاحف، بصورة تجاوزت مظاهر العقل المتمدن إلى جنون الفعل الإنساني.
لسنوات طوال كنت أمنى النفس بزيارة الخرطوم لشراء بعض إصدارات مكتباتها ومراكزها البحثية، مثل مركز عبد الكريم ميرغني، ومركز محمد عمر بشير بالجامعة الأهلية بأمدرمان. غير أن الأقدار شاءت عكس ذلك، فتعذر الزيارة، وغدت هذه الأمكنة الآن خرابا أحدثته المليشيا في جسد الذاكرة التوثيقية السودانية.
بينما يأمل المراقبون خفوت أصوات الرصاص، يبقى التحدي الأكبر في كيفية تجاوز هذه الآثام الفظيعة، وأن يعود السودان كما كان، بفضائله وشيمه، متجاوزا آثار الحرب. لا يملك المرء حين يشاهد مثل هذه المآسي سوى الدعاء والتضرع إلى الله وطلب الرحمة والمغفرة للموتى وتمنى الشفاء للجرحى والمصابين وتلمس شفاء الأنفس المتضررة من ضحايا هذه الحرب من السودانيين. هذا البعد الإنساني والروحي أقوى ما يمكن أن نفعله كمراقبين للأحداث من الخارج. الفاجعة الكبرى أكبر مما نتصور، وأهوالها لم تخرج كلية ًبعد. لم يعافى منها الكثيرون أيضًا. شخصيًا، لم أستطع منذ بدء الحرب إكمال مسودة مقالات كنت قد شرعت في كتابة أسطرها الأولى. في معظم هذه الأوقات، منعتني مشاهد الدمار الهائلة من إكمال ما أود كتابته. صور الجرحى وجثث الموتى وشظف عيش المحتاجون، مشاهد تؤرق المرء وتعدم رفاهية الكتابة. وأنا من الفئة التي تحتاج وقتًا أطول للتعبير في مثل هذه الأوضاع.
m.gatwech55@gmail.com