ليتهم عطلوكم .. ليتهم أطلقوا الرصاصة الأولى في الخرطوم !
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
▪️ في الماضي القريب كانت أحزاب قحت تقول للناس إن معاناتهم المتضاعفة، وما حدث من توقف التنمية وتدهور الخدمات في فترة حكمهم ليس نتيجة لروشتتهم الاقتصادية القاسية وفشلهم وقلة كفاءتهم، وإنما نتيجة “تعطيل” الكيزان لسياستهم الاقتصادية، ومع ذلك لم يشيروا إلى تعطيل محدد لتنفيذ أي بند من بنود سياستهم .
▪️ لا أحد يملك إجابة واضحة و”دوغرية” للسؤال : كيف أصلاً يؤدي تعطيل سياسات تقوم على رفع الدعم ومضاعفة الضرائب والجمارك والرسوم إلى مضاعفة المعاناة ؟ .
▪️ الآن يقدمون خدمة توفير الشماعة لحليفهم المتمرد، وبتشابه يكاد يصل إلى درجة التطابق مع فكرة شماعتهم القديمة، فهم يعفون الدعم السريع من أكثر المسؤولية، ويقولون للناس إن ما تتعرضون له من قتل وخطف ونهب واحتلال منازل واغتصاب .. إلخ، ليس حرباً مقصودة عليكم من الدعم السريع، وإنما هو آثار جانبية للحرب، والدعم السريع قد يُلام على بعض التجاوزات لكن ليس على الحرب، فهذه لها مدان جاهز يُستَدعَى في كل كارثة، وهو ( الطرف الثالث) خرافي القدرات !
▪️ ما دامت قناعتي أن غزوة مروي تمثل شروعاً في الانقلاب، وأن الدعم السريع ما كان ليردعه شيء عن إكماله، فعن نفسي أقول : ليت الجيش كان فعلاً في حالة تأهب قصوى، واستبق ساعة صفر الانقلابيين، وقام باحتجاز عدد من قادة الدعم السريع، وأسر قواتهم الموجودة في القصر والإذاعة والتلفزبون والقيادة وغيرها، باختصار أقول : ليت الجيش كان صاحب رصاصات الردع الأولى ولم يُباغَت في الخرطوم بعد أن بوغت في مروي، فأرواح كثيرة كانت قد حُفِظت، وتخريب كثير قد عُطِّل، ونهب كثير قد مُنِع، وهزيمة أسرع للمتمردين قد تحققت .
إبراهيم عثمان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الرصاصة الأولى في السودان ونظرية (الطرف الثالث)..!
-١-
في سبتمبر 2011، اشتعل القتال في منطقة أبيي بين الجيش السوداني وجيش الحركة الشعبية عقب انفصال الجنوب.
كان الطرفان قبل ذلك يرفعان درجة الاستعداد العسكري، كلٌّ منهما لا يريد أن يُفاجأ بالرصاصة الأولى.
وحينما انطلقت تلك الرصاصة، اندلعت المعركة على أشدّها، وبرز سؤال ملحّ:
من الذي بدأ الحرب أولاً؟
خرج الجيش الشعبي لوسائل الإعلام ليقول إنّ جندياً مُنفلتاً تسبّب في اندلاع المعركة، بعد أن قرّر بمفرده، في لحظة فقدان وعي، أن يطلق الرصاصة الأولى.
بسبب تلك الرصاصة، خرج الجيش الشعبي من المنطقة التي دخلها مبتهجاً بموجب بروتوكولات نيفاشا، ليغادرها مهزوماً بتصرّف طائش من أحد جنوده!
-٢-
وفي ذات العام، اندلعت الحرب في ولاية النيل الأزرق، وتساءل الناس: هل كان ما حدث مُخطّطاً له بتوقيتٍ ولحظةٍ صفرٍ اختارها أحد الطرفين، أم أنّه جاء بمحض الصدفة؟
آنذاك، أوردت صحيفة (الأخبار) أنّ جندياً مجهول الهوية أطلق الرصاص على عربة رفضت التوقّف عند نقطة تفتيش!
وهكذا، برصاصات اعتراضية من جندي مجهول، انتقلت ولاية النيل الأزرق إلى مربع الحرب المفتوحة.
-٣-
قبل 48 ساعة من اندلاع الحرب الأخيرة بين الجيش ومليشيا الدعم السريع المتمرّدة، كتبت على صفحتي بـ”فيسبوك”:
“كل الأشياء هناك قابلةٌ للاشتعال، وفي انتظار شرارةٍ ما أو رصاصة طائشة. الآذان تسترق دبيب النمل، والأعين المتوترة تبحث عن خيط المؤامرة الأسود في عتمة الظلام، والأنوف المتوجّسة تتفحّص الروائح.
وفي مثل هذه الحالة فقط، تخرج الحرب من غرف الكبار لتجلس على فوهة كلاشنكوف جندي صغير!”
-٤-
ما حدث في أبريل من العام الماضي، يختلف عمّا جرى في 2011 في أبيي والنيل الأزرق. لم تكن المسألة مرتبطة فقط برصاصة جنديٍّ مجهول.
لقد فعلت المليشيا كل ما من شأنه إشعال الحريق:
• تقدّمت بمدرعاتها نحو مطار مروي، دون إذن الجيش أو التنسيق معه.
• فرضت حصاراً محكماً على مطارات الأبيض، الفاشر، ونيالا.
• أدخلت المئات من سيارات “اللاندكروزر” المعزّزة بالراجمات ومضادات الطيران إلى العاصمة الخرطوم، ونشرت قواتها في المواقع الحيوية.
• وفي ليلة 14 أبريل، ألقت القبض على قائد لواء الباقير، مأمون محمد أحمد، بحسب تسجيل بثّته المليشيا لاحقاً.
• وحشدت نحو 600 سيارة عسكرية وحفارات “بوكلين” قرب منزل البرهان، استعداداً لهدم الجدار الفاصل بين مسكن قائد الجيش ومسكن قائد المليشيا، ترقّباً للحظة الصفر.
-٥-
من هنا بدأت الخطوات الأخيرة للانقضاض على قيادة الجيش، في عملية أرادت المليشيا أن تكون خاطفة وسريعة، تُمكّنها من السيطرة على السلطة، وفرض حكم آل دقلو على البلاد.
كانت المليشيا تطمح إلى أحد خيارين:
1. إرغام قيادة الجيش على توقيع الاتفاق الإطاري، الذي يتيح لها البقاء كقوة مستقلة موازية طوال المرحلة الانتقالية، تحت مظلة مدنية شكلية لسنوات طويلة.
2. وإذا تعذّر ذلك، فالخيار الآخر – حسب مصادر مطلعة – أن يُلقى القبض على قيادة الجيش وتُزج في السجون، كما أخطر حميدتي بذلك ممثلي بعض الدول الأوروبية.
وفي أول ظهور تلفزيوني له يوم اندلاع الحرب، قال قائد المليشيا: “خلال ساعتين إما أن يُقتل البرهان أو يُقبض عليه، وكل المطارات قد تم تحييدها!”
-٦-
لو كان الجيش هو من أراد بدء الحرب، لكانت درجة الاستعداد القصوى قد فُعلت في كل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية.
ولو كان هو البادئ، لما تمكّنت المليشيا من أسر المئات من قادته في الساعة الأولى من المعركة.
ولو كان الجيش هو من بدأ، لما ترك ضباطه أسرهم في حي المطار، بالقرب من منزل قائد المليشيا المدجج بالسلاح والمكتظ بالقوات، ليكونوا رهائن في مرمى قبضته.
ولو كان الجيش هو من بدأ، لما انتظر قائده حتى تقتحم المليشيا غرفة نومه، ولولا بسالة حراسه لكان اليوم بين قتيل أو أسير!
-٧-
أما “نظرية الطرف الثالث”، فهي محاولة قديمة مكرورة مستهلكة، مستعارة من أرشيف السياسة السودانية، وبالتالي فهي غير قابلة للترويج.
• عندما أُعدم كبار ضباط الجيش في بيت الضيافة عام 1971 خلال انقلاب هاشم العطا، قيل إن “طرفاً ثالثاً” هو من فعلها، رغم أن كل الأدلة والاعترافات أكدت أن التصفية تمت بأوامر مباشرة من أبو شيبة، قائد الحرس.
• وعندما قُتل شباب الاعتصام أمام القيادة العامة ليلة العيد في 2019، قيل إن “طرفاً ثالثاً” هو من فعلها، رغم أن كل الفيديوهات والمعلومات أثبتت أن فضّ الاعتصام تم بتخطيط وتنفيذ من قوات الدعم السريع، وبإشراف مباشر من عبد الرحيم دقلو.
-٨-
• لو كان الإسلاميون يريدون إشعال الحرب، لما اكتفوا بإطلاق رصاصة واحدة في المدينة الرياضية، بل لحاصروا المليشيا في كل مواقعها.
• ولو كانوا هم البادئون، لرتبوا لتأمين قياداتهم مسبقاً، ولما أُلقي القبض بسهولة على أنس عمر والحاج آدم في منزليهما، والأخير أُطلق سراحه بعد وساطة قبلية.
• ولو كان الإسلاميون وراء الحرب، لفرّوا بقياداتهم من السجون والمستشفيات بالتزامن مع انطلاق الرصاصة الأولى، لا أن يبقوا في أماكنهم لأكثر من عشرة أيام!
• ولو كان الجيش أو الإسلاميون هم من بدأوا الحرب، لكان من المنطقي أن يُهاجم حميدتي في منزله وغرفته، لا البرهان!
والأهم من ذلك أن تبنّي رواية “الطرف الثالث”، يعني عملياً نفي رواية المليشيا وحلفائها بأنّ علي كرتي هو من يحرّك الجيش، لأن الرجل – وفق هذه الرواية – ليس بحاجة لطرف ثالث لينفّذ ما يريد طالما أنّه يملك القرار!
لكن يبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة واضحة من قيادة الجيش:
رغم كل هذه المؤشرات على نوايا المليشيا، لماذا بقي الجيش في حالة استعداد منخفضة؟ وعلى أي رهانات خاسرة كان يعوّل؟
-أخيراً-
لكل ما سبق، تتراجع أهمية ما حدث في المدينة الرياضية أمام التحركات الحربية الواضحة التي قامت بها المليشيا.
فالحرب، في تعريفها البسيط، تتكوّن من أربعة أركان:
تقدّم، هجوم، دفاع، وانسحاب.
لذا، فإن محاولة تصوير أن الحرب بدأت من المدينة الرياضية، ليست سوى محاولة احتيالية لصرف الأنظار عن المخطط الإجرامي الذي بدأه آل دقلو في صبيحة 15 أبريل.
ضياء الدين بلال ضياء الدين بلال