لا يزال زعيم فاغنر الراحل يفغيني بريغوجين، يحظى بشعبية كبيرة رغم وفاته في حادث تحطم طائرة، حيث أقام الروس نصباً تذكارياً مؤقتاً فيما يقرب من 20 مدينة في جميع أنحاء روسيا وأوكرانيا المحتلة، في الأيام الأخيرة.

النخبة الروسية مقتنعة بأن وفاة بريغوجين كانت عملية اغتيال أمر بها بوتين

وتمثل شعبية بريغوجين المستمرة تحدياً جديداً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسط الانقسامات داخل النخبة وفي الداخل العسكري فيما يتعلق بسير الحرب.

"The memorials showed Prigozhin’s support in hardline circles, & highlighted the Kremlin’s delicate task of managing potential anger among his supporters, with many convinced Prigozhin’s presumed death was ordered by the Kremlin." @RobynDixon__ https://t.co/rwE8MxjEDx

— Catherine Belton (@CatherineBelton) August 27, 2023 تحدي الغضب

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها، أن النصب التذكارية رغم أنها لا تمثل تدفقاً وطنياً للصدمة والحزن، فإنها أظهرت دعماً لبريغوجين في جميع أنحاء روسيا في الدوائر المتشددة والمؤيدة للحرب، مسلطة الضوء على مهمة الكرملين الدقيقة المتمثلة في إدارة الغضب المحتمل بين مؤيديه.

وأوضحت الصحيفة أن مهمة الكرملين تكمن في إقناع الكثيرين من النخبة الروسية بوفاة بريغوجين المفترضة، في وقت يدعي البعض منهم بأنها كانت عملية اغتيال بأمر من الكرملين. ونفى المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف، بشدة التكهنات حول تورط الكرملين ووصفها بأنها "محض أكاذيب".

وقال المحلل الروسي والصحافي المستقل ديمتري كوليزيف، الذي غادر روسيا بعد غزو أوكرانيا إن: "التحدي الذي يواجه الكرملين هو إدارة غضب أنصار بريغوجين وفاغنر، بما في ذلك ضباط الجيش الصغار والمتوسطين"، وأضاف أن "بريغوجين، على الرغم من إعلان الولاء لبوتين، عرّض نظامه للخطر، وأظهر ضعفه الذي نال بسببه العقوبة الحتمية. أعتقد أن النخب فهمت هذه الإشارة جيداً".

ولاء مستمر

وأوضح كوليزيف "يحتاج بوتين إلى منع الناشطين العسكريين، وأنصار شركة فاغنر والمحاربين القدامى في المجموعة، ومن بينهم الموالين لبريغوجين، من أن يصبحوا معارضين له، وإبعادهم عن الأعمال المتطرفة المحتملة، من خلال تكريم بريغوجين".

ولفتت الصحيفة، إلى أنه لهذا السبب أشاد بوتين ببريغوجين، الخميس الماضي، ووصفه بأنه "شخص موهوب"، و"حقق النتائج الضرورية"، لكنه "ارتكب أخطاء"، في إشارة إلى التمرد، على حد قوله.

وجاءت النصب التذكارية التي تمجد زعيم فاغنر، على الرغم من الحملة الدعائية المنسقة التي قام بها الكرملين في أعقاب التمرد لتشويه سمعة بريغوجين، باعتباره مجرماً جشعاً وخائناً لروسيا.

ووضع الناس الزهور والصور الفوتوغرافية التي كتب عليها "بطل روسيا"، وأعلام وشارات فاغنر، والشموع، والصور الدينية، وحتى آلة الكمان، رمز المجموعة المرتزقة التي أطلقت على نفسها اسم "الأوركسترا"، وأعضائها "الموسيقيين"، كما ارتدى العديد منهم ملابس فاغنر المموهة مع تغطية وجوههم، أو قمصان سوداء عليها شعار جمجمة فاغنر المبتسم.

ووفقاً لاستطلاعات الرأي المستقلة في مركز ليفادا، فإن تحركات الكرملين أدت إلى كبح شعبية بريغوجين الجامحة، والتي وصلت إلى 58% في الأسبوع السابق للتمرد.

إلهام لفاغنر

وحسب التقرير، ألهم الولاء رجال بريغوجين لأنهم رأوا أنه يقف إلى جانبهم ضد البيروقراطيين العسكريين المتعنتين، على الرغم من معدلات الضحايا المرتفعة للغاية في فاغنر، وخاصة بين المقاتلين المدانين السابقين، والادعاءات واسعة النطاق بأن أولئك الذين فروا من المعركة تم إعدامهم في كثير من الأحيان.

وكتب أحد مقاتلي فاغنر من سانت بطرسبورغ، بافيل شابرين، قصيدة عن بريغوجين جاء فيها: "لقد كان معنا في الجبهة: في الخنادق، في المخابئ. كان يعرف مشاكلنا ويفرح معنا. كان ينام في الخيام ويأكل عصيدة بالسكين ويضع الشموع للموتى أمام الأيقونات"، وأضاف أن "بريغوجين رفض الابتسام وتملق الغرفة، ومع كل كلمة، كان يقطع الهواء مثل السوط".

وخلال الحرب، زاد بريغوزين من شعبيته من خلال مقاطع فيديو مباشرة ووحشية تم تسجيلها بالقرب من الخطوط الأمامية - بعضها على ما يبدو في باخموت -، حيث وقعت انفجارات في مكان قريب، أثناء زيارته لرجاله في مخابئ تحت الأرض في منطقة الحرب.

ومع تعثر الجهود الحربية الروسية، ظهر في نظر كثيرين باعتباره صادقاً موثوقاً به، وأحد الشخصيات البارزة القليلة المستعدة لتحدي القوانين الروسية ضد تشويه سمعة المؤسسة العسكرية، من خلال فضح الإخفاقات العسكرية والخسائر الفادحة.

"توقع المصير".. فيديو يعزز نظريات المؤامرة حول #بريغوجين https://t.co/xyFjgLDSu9

— 24.ae (@20fourMedia) August 27, 2023 حزن وقلق

وأعربت عائلات جنود فاغنر عن حزنهم وولائهم، عبر محادثات جماعية على تطبيق تليغرام في الأيام الأخيرة، وشعروا بالقلق بشأن ما إذا كانوا سيحصلون على المدفوعات والمزايا المستحقة لهم.

وكتبت أخت أحد مقاتلي فاغنر المتوفى "أن تكون محارباً يعني أن تعيش إلى الأبد!"، وأضافت "بالنسبة لي شخصياً، فهو رجل بمعنى الكلمة، فاز في المعركة أولاً ضد نفسه، وهو الذي أنشأ شركة فاغنر، وهو بلا شك يعتبر الجيش الأكثر استعداداً للقتال في العالم، والذي أصبح عائلة حقيقية للعديد من الرجال".

وتابعت "بريغوجين شخص وطني حقيقي لروسيا، يحب الوطن الأم ويكره جحافل البيروقراطية، التي لا تعد ولا تحصى، ولسوء الحظ لم يتمكن من اختراقها أبداً"، متمنية له "ذاكرة مشرقة وأبدية".

فيما أعربت امرأة أخرى عن مخاوفها من عدم اليقين، بشأن بقاء مقاتلي فاغنر في المستقبل دون حماية بريغوجين، واحتمال إجبارهم على الانضمام إلى مجموعات المرتزقة التي تسيطر عليها وزارة الدفاع أو التسجيل كجنود متطوعين، وقالت: "بدون الصفات القيادية، بدون الاتصالات، بدون سلطة يفغيني بريغوجين، من سيحمي الرجال من توقيع العقود مع وزارة الدفاع؟ ومن سيضمن عودتهم إلى ديارهم؟".

حادث أم اغتيال؟

ووفقاً للمحللين، فإن الكثيرين من النخبة الروسية مقتنعون بأن وفاة بريغوجين كانت عملية اغتيال أمر بها بوتين.

وقالت المحللة الروسية، تاتيانا ستانوفايا، المقيمة في باريس إن: "التعليقات العامة لشخصيات بارزة اتبعت خطى بوتين"، لكنها أشارت أيضاً إلى عدم ارتياحهم بشأن الحادث. وأضافت "كل هذا، بالطبع، ذاتي للغاية، لكن يمكن الآن فهم مشاعر الأشخاص مثل حاكم تولا، والرئيس السابق لأمن بوتين، أليكسي ديومين؛ فهم يعتقدون أن شخصيات مثل بريغوجين على الرغم من أخطائهم، لا تستحق مثل هذا الموت".

وبدوره، قال المحلل كوليزيف إن "تعليقات ديومين تشير إلى انقسامات داخل النخب بشأن عقوبة بريغوجين"، مشيراً إلى أن ديومين، الذي يبدو أنه ينصب نفسه وزيراً للدفاع في المستقبل، يحتاج إلى ضمان ولاء الضباط الصغار والمتوسطين، الذين من المرجح أن ينظروا إلى مقتل بريغوجين بشكل سلبي.

BORIS JOHNSON: That tumbling plane, and Prigozhin's televised immolation, are the ultimate proof there can never be a negotiated peace with Putin in Ukraine https://t.co/6zq5Y0dcXe

— Melissa ???????????????? (@Melissa5857) August 25, 2023 تكهنات غربية

ومن جهته، أعرب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، عن قناعته بأن بوتين أمر باغتيال بريغوجين، في مقال بصحيفة "ديلي ميل"، وهو البيان الأكثر صراحة حول الحادث من أي سياسي غربي حتى الآن.

وقال: "بينما نشاهد اللقطات المرعبة لتلك الطائرة وهي تتجه نحو الأرض، فإننا نشهد شيئاً تاريخياً. هذه هي التصفية العنيفة – على شاشة التلفزيون – لأعدائه على يد رئيس دولة حالي"، وأضاف "لا أستطيع أن أفكر في مثال آخر لمثل هذه الوحشية المتفاخرة وغير المقيدة من قبل زعيم عالمي - ليس في حياتنا"، وتابع "العالم يريد أن يعرف أن بوتين هو المسؤول".

ويرى محللون غربيون للصحيفة، أن السبب الحقيقي وراء تحطم الطائرة قد لا يعرف أبداً، نظراً لنظام التحقيقات المسيَس في روسيا، حيث أن وسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة، والموالية للكرملين، ركزت على التحقيق الرسمي في الحادث، وتكهنت بأن الطائرة دمرت على يد مخربين أوكرانيين أو عملاء استخبارات أجانب.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الحرب الأوكرانية روسيا يفغيني بريغوجين مجموعة فاغنر على الرغم من

إقرأ أيضاً:

أيقونة الزمن الآتي ودماء الفلسطينيين واللبنانيين والروس تفتح أبواب العالم الجديد

سبتمبر 29, 2024آخر تحديث: سبتمبر 29, 2024

رامي الشاعر

كاتب ومحلل سياسي

بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منتصف الأسبوع الماضي، المعالم الرئيسية لوثيقة “العقيدة النووية” المحدثة، في اجتماع مع أعضاء اللجنة الدائمة للردع النووي بمجلس الأمن الروسي.

وقد حددت التعديلات الجديدة للعقيدة النووية الروسية حالات واضحة ومحددة يصبح من حق الدولة الروسية حينها استخدام الأسلحة النووية، ومن بينها العدوان على روسيا من قبل أي دولة غير نووية، ولكن بمشاركة أو دعم دولة نووية، وهو ما ستعتبره روسيا بمثابة هجوم مشترك على أراضيها، وفي حالة الهجمات الجوية بأسلحة هجومية عند عبورها حدود الأراضي الروسية، بما في ذلك باستخدام الطائرات الاستراتيجية أو التكتيكية وصواريخ كروز والطائرات المسيرة والأسلحة فرط الصوتية وغيرها من الأجسام الطائرة، وكذلك في حالة العدوان على أراضي بيلاروس، التي تربطها وروسيا “دولة الاتحاد”.

وأكد الرئيس الروسي أن مسودة العقيدة النووية المحدثة تعمل على توسيع فئة الدول والتحالفات العسكرية التي يتم تطبيق مظلة الردع النووي عليها، حيث تابع: “نحن نحتفظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية في حالة العدوان على روسيا وبيلاروس كعضو في دولة الاتحاد، بما في ذلك عند استخدام العدو للأسلحة التقليدية وتشكيله تهديداً خطيراً لسيادتنا”.

وشدد بوتين على أن روسيا تتبع نهجاً مسؤولاً تجاه قضية الأسلحة النووية، وتسعى إلى منع انتشارها حول العالم، مؤكداً على أن الثالوث النووي الروسي يظل أهم ضمان لأمن الدولة الروسية وسلامة مواطنيها، وأداة فعالة للحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي وتوازن القوى في العالم.

على الجانب الآخر، تقدم الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي لرعاته في واشنطن بما أسماه “خطة النصر”، والتي كانت بمثابة قبعة تسول الصدقات والمنح من الغرب، حيث يتوهم الممثل الكوميدي الذي ضل طريقه إلى السلطة في أوكرانيا أنه من الممكن “إجبار روسيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات العام المقبل” من خلال “تسريع إدارة بايدن شحنات الأسلحة وإعطاء الضوء الأخضر لضربات صاروخية ضد عمق الأراضي الروسية”.

لم ينجح زيلينسكي في هذه الزيارة بإقناع المسؤولين الجمهوريين، لا سيما أنه انجرف إلى المعركة الحزبية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بانحياز فج لصالح الحزب الديمقراطي، وهو ما دفع رئيس لجنة الرقابة والمساءلة في مجلس النواب جيمس كومر (الجمهوري من ولاية كنتاكي) فتح تحقيق رسمي في زيارة الرئيس الأوكراني إلى بنسلفانيا، والتي يرى أعضاء الحزب الجمهوري أنها كانت بمثابة “فعالية انتخابية” بأموال دافعي الضرائب، وفقا لتعبير مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، حيث استخدم زيلينسكي في الزيارة طائرة نقل عسكرية من طراز C-17 تابعة للقوات الجوية الأمريكية، وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون (الجمهوري من ولاية لويزيانا)، في رسالة إلى زيلينسكي، إن الزيارة تمت “على خلفية معركة سياسية جدلية يقودها بديل سياسي كبير لكامالا هاريس، وفشلت في ضم جمهوري واحد لأنه لم تتم دعوة أي جمهوري عمداً”.

وأرسل جيمس كومر رسائل إلى البيت الأبيض ووزارة الدفاع ووزارة العدل يطالب فيها بمعلومات عن الزيارة، وقال إن تحقيقه سيصل إلى حقيقة ما إذا كان هناك “إساءة استخدام للموارد الحكومية سمحت لزيلينسكي بالتدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2024”.

إن “خطة النصر” المزعومة من قبل زيلينسكي هي نسخة معدلة من “خطة السلام” لزيلينسكي، والتي تحمل أوهاماً وأسئلةً أكثر من الوقائع والأجوبة على أرض المعركة، حيث ينتقد الخبراء العسكريون والمحللون السياسيون مغامرة كورسك غير المحسوبة من قبل زيلينسكي، والتي أقال من أجلها رئيس أركانه زالوجني، الذي تجرأ وطرح سؤالاً منطقياً:

“ماذا سيحدث في اليوم التالي؟”، وهو السؤال الذي يتعين على زيلينسكي وأعوانه الآن في كييف الإجابة عليه أمام الشعب الأوكراني الذي يدفع فواتير هذه المغامرات الرعناء والطائشة.

أما عن الاتحاد الأوروبي، الذي يهذي بما يسميه “إشارات قوية” لبوتين، استنادا لتعبير وزير الدفاع الألماني أمام مجلس النواب في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، حيث قال إن “أمن ليتوانيا هو أمن ألمانيا” احتفاء بنقل لواء ألماني إلى ليتوانيا، فيصرح هذا الاتحاد بعدم قبوله تهديد من روسيا، لكنهم في الاتحاد الأوروبي وفي “الناتو” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يستقبلون زيلينسكي، ويعلنونها بالفم الملآن أنهم يريدون “هزيمة روسيا استراتيجيا في أرض المعركة”، بل إن مناقشة “خطة النصر” لزيلينسكي في حد ذاتها ليست سوى إعلان حرب على روسيا، في الوقت الذي يندهشون فيه من تعديل روسيا لعقيدتها النووية، لحماية سيادتها ووحدة أراضيها وسلامة مواطنيها.

 

بنفس الكيفية، تمرح إسرائيل وترتكب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في فلسطين ولبنان والعالم يشهد على ذلك دون أن يعبر حتى عن “قلقه العميق والبالغ”، أو حتى يشجب تصرفات الدولة المحتلة في عرف القانون الدولي وباعتراف الأمم المتحدة. وما باليد حيلة فجميع الدول العربية والشرق أوسطية استقبلت رسائل واضحة، من خلال قنوات مختلفة، تهددها باستخدام إسرائيل للسلاح النووي حال تعرضها للخطر، ويقف وراء ذلك بالطبع البيت الأبيض، الذي يستخدم ذراعين أحدهما في أوروبا (أوكرانيا)، والآخر في الشرق الأوسط (إسرائيل) لتنفيذ مخططاته الخبيثة الهادفة للإبقاء على الهيمنة الأمريكية والغربية على مقدرات الدول والشعوب.

إلا أن ما يزيد من هستيريا الغرب اليوم هو إدراكه، استنادا للمعارك الضارية التي تجري على الأرض، لاستحالة إضعاف روسيا بهزيمتها عسكرياً، لهذا يلجؤون إلى إغلاق كافة المنافذ الإعلامية، وتهديد كل من تسول له نفسه التعامل معها، ومحاولة حصار كل من يتعامل معها.

ولا شك أن ما صرح به الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب بقدرته على “إنهاء الأزمة الأوكرانية” أو “الحرب في غزة ولبنان” ليس سوى اعتراف واضح أن الولايات المتحدة هي من يقف وراء تلك الأزمات ويتحكم في مسارها. وهل ننسى أن ترامب كان الرئيس الأمريكي الذي أعلن ضم القدس إلى إسرائيل ونقل السفارة وأعلن الجولان أراض إسرائيلية وأعطى بذلك الضوء الأخضر للقيادة الصهيونية الفاشية للبدء بتصفية الشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه.

إن الفرق بين بايدن وترامب بسيط، فالأول يداه ملطختان بدماء الشعب الأوكراني والفلسطيني واللبناني، بينما خطط الأخير، بخبث ودهاء، لكل ما سبق ذلك من أحداث أدت لكل هذه المآسي والكوارث الإنسانية المفجعة، والآن يستخدم ترامب الدماء التي تلطخ يدي بايدن في تشويه سمعة إدارته، في حين أن الإدارتين مذنبتان تقريباً بنفس القدر، وعلى نفس الدرجة من الإجرام والغطرسة الأمريكية.

لقد أصبح واضحاً للعيان الآن أن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق العالمي هو تحول العالم إلى عالم التعددية القطبية، لا سيما بعد أن اتضح لكل دول العالم، وخاصة الجنوب العالمي الذي ذاق مآسي الحروب الأهلية والصراعات والانقلابات، فشل السياسات الأمريكية في أوروبا والشرق الأوسط وفيتنام وأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن وجميع أنحاء العالم. ولن ينقذ الولايات المتحدة لا ترامب ولا هاريس ولا الحزب الجمهوري أو الديمقراطي. إنما سينقذنا جميعاً عالم متعدد الأقطاب، ونظام عالمي جديد يحقق العدالة والمساواة لجميع الدول ذات السيادة.

إن تاريخ المنطقة، منطقة الشرق الأوسط، وتاريخ شرق أوروبا والعالم يتشكل الآن بدماء الفلسطينيين واللبنانيين والروس، ولعل الجميع يدرك الآن حجم المعركة الكبرى التي تخوضها البشرية دفاعاً عن مستقبلها، بعد أن أصبحت على شفا حفرة من الحرب العالمية الثالثة والصدام النووي الذي لن ينجو منه أحد. الآن أصبحنا نرى جميعاً أن نتنياهو كفأر مذعور يسعى بكل قواه وطاقته ودماء أبنائه للاستمرار في الحرب وتوسيع رقعتها من أجل توريط الولايات المتحدة بها، وأن زيلينسكي فأر مذعور آخر يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يقحم الولايات المتحدة و”الناتو” في حرب نووية مع روسيا، لهذا أتمنى أن يكون الجميع على قدر من الوعي والمسؤولية والإدراك لأهمية المرحلة الحساسة والحاسمة التي تمر بها البشرية، ولنحاول جميعاً أن ننقذها من هيمنة اللوبي الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي، ومن سيطرة اللوبي الأوكراني الأهوج، الذي يحاول برعونة وطيش أن يقنع “الناتو” والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأن روسيا “تهدد بالعصا النووية وهي لا تقدر على استخدامها!”، فما ندفعه كشعوب في الشرق الأوسط وفي روسيا من دماء غالية زكية لا شك سيفضي في نهاية المطاف إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، واستعادة لبنان لكامل أراضيها وحريتها غير المنقوصة، وتحرير الأراضي الروسية المحتلة من قبل النازيين الجدد في أوكرانيا، وإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب ينعم فيه الجميع بالازدهار والتنمية والحق في الأمن والاستقرار والحياة.

وأثناء الانتهاء من كتابة هذه المقالة، جاء خبر استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وقد كان هذا الاغتيال متوقع أن يحدث، خاصة بعد أن تم تجنيد كل الأجهزة والامكانيات الأمريكية الصهيونية والغربية الخاصة لتنفيذ عمليات تصفية الشخصيات القيادية لمحور المقاومة وتحرير فلسطين وجميع الأراضي العربية المحتلة والسيد حسن نصرالله ورفاقه الذين مضوا معه كانوا يعلمون أنهم سيلتحقون بقافلة الشهداء وعملية الاغتيال هذه والتي استخدمت فيها أشد وأقوى الصواريخ الأمريكية اختراقاً وتدميراً، لا يجوز ابداً تقيمها على أنها انتصار لإسرائيل، بل عكس ذلك سيزداد محور المقاومة قوةً و إصراراً في الكفاح وسيزداد توسعه وتأييده من قبل الملايين من أجل تحرير فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

يبقى أملنا أن يستوعب الأعداء بعد ادخال التعديلات على العقيدة النووية الروسية والتي سيتم تبنيها رسمياً خلال الأيام القريبة القادمة أنه لا يجوز استباحة أمن وسيادة أي دولة في العالم. وأنا على أمل أنه في المستقبل القريب ستشارك روسيا دول حليفة أخرى إلى جانب بيلاروسيا لتكون فعالية التعديلات للعقيدة أشمل وسوف تشمل منطقة الشرق الاوسط أيضاً بالإضافة إلى مناطق أخرى.

مقالات مشابهة

  • الكرملين: ليس لدى بوتين خطط للاتصال بنتنياهو حاليا
  • الخارجية الروسية: خطط إستونيا وفنلندا لإغلاق الخليج تعد انتهاكا للقانون
  • الكرملين: العملية العسكرية الروسية ستنتهى عندما تتحقق جميع أهدافها
  • الكرملين يسعى لتهدئة المخاوف بشأن العقيدة النووية الروسية الجديدة
  • بوتين يؤكد عزم روسيا على تحقيق أهدافها في أوكرانيا ويصف ضم المناطق الأربع بـ"الحدث المصيري"
  • بوتين: جميع أهداف العملية العسكرية الروسية ستتحقق
  • "الاختراق العميق" يضع خليفة نصر الله أمام مأزق وجودي
  • أيقونة الزمن الآتي ودماء الفلسطينيين واللبنانيين والروس تفتح أبواب العالم الجديد
  • الكرملين: يعلن قرب اعتماد العقيدة النووية الروسية المحدثة
  • الكرملين:تعديلات على العقيدة النووية الروسية