رسخت دولة الإمارات خلال الأعوام الماضية مفهوم الاستدامة في جميع القطاعات، ونجحت في إرساء بنية تحتية متكاملة لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع المحافظة على سلامة البيئة، حتى بات التوجه نحو الاستدامة وحماية البيئة نمط حياة لدى مجتمع دولة الإمارات، وهو ما انعكس بوضوح على صناعة الأزياء التي اتجهت نحو الاستدامة بشكل كبير وسط سعي المستهلكين إلى اتخاذ قرارات واعية بيئياً بخصوص صناعة الملابس.


وتعد دولة الإمارات وجهة رئيسة لاستثمارات العلامات التجارية الفاخرة في مجال الموضة والأزياء، لما تتمتع به من تطور فريد وبنية تحتية راقية ساهمت في احتضانها الكثير من المتاجر والعلامات العالمية وترسيخ مكانتها كوجهة مفضلة لعشاق الأزياء في العالم، وثمرة لذلك ترسخت صناعة الأزياء المستدامة كممارسة معنية بالجودة والتأثير البيئي والحفاظ على الموارد، حيث تعتمد هذه الصناعة على استخدام المواد المحلية والموسمية لتصنيع الملابس، في حين تركز صناعة الأزياء السريعة على الإنتاج السريع والأسعار المنخفضة.
ويبرز محور “صناعة مستدامة” ضمن حملة “استدامة وطنية”، التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لاستضافة دولة الإمارات للدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، في الفترة من 30 نوفمبر المقبل وحتى 12 ديسمبر المقبل في مدينة إكسبو بدبي، جهود الشركات والمؤسسات في دولة الإمارات في استخدام مواد مستدامة تراعي الحفاظ على البيئة، ودورها في تعزيز الاقتصاد الدائري، الذي يقوم على استخدام مواد خام محلية وتبني الحلول التكنولوجية المبتكرة للطاقة النظيفة.

( أزياء صديقة للبيئة )
وتُعد صناعة الأزياء المستدامة صناعة واعدة وطموحة، تستهدف حماية البيئة و خفض البصمة الكربونية من خلال اعتماد نظام تصنيع صديق للبيئة ويقلص الاعتماد على الأجهزة والمواد الضارة بالمناخ وبالسلامة البيئية. كما تعرف صناعة الأزياء المستدامة باستخدام نوعية خاصة من المواد غير الضارة، وتفادي الأقمشة المصنوعة من المواد البتروكيماوية، فضلاً عن تجنب المواد البلاستيكية في عمليات التغليف والتعبئة.
وتعتبر صناعة الأزياء من بين أسوأ الملوثات في العالم، حيث تؤثر بشكل مباشر على جودة الهواء والماء، فضلاً عن إنتاج قدر كبير من النفايات الصلبة، وقد اعتبر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) صناعة الأزياء ثاني أكثر الصناعات تلويثاً في العالم، حيث تستخدم سنوياً نحو 93 مليار متر مكعب من المياه تكفي لتلبية احتياجات خمسة ملايين شخص، ويتم إلقاء كمية من الألياف الدقيقة تعادل 3 ملايين برميل من النفط في المحيط كل عام، كما أن صناعة الأزياء مسؤولة عن انبعاثات كربون أكثر من جميع الرحلات الجوية الدولية والشحن البحري مجتمعين .
حلول مبتكرة للتحديات البيئية
وتقود المخاوف المتزايدة بشأن تأثير صناعة الأزياء على تغير المناخ إلى ضرورة تحول نموذجي أكثر استدامة في الصناعة، وانطلاقاً من هذه الأهداف، يسعى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP28” إلى توفير منصة فعالة لتشجيع الشركات والعلامات التجارية والأفراد على إتباع سلوك إيجابي مستدام للتقليل من البصمة الكربونية الضارة، إضافة إلى إيجاد حلول مبتكرة للتحديات البيئية والتشجيع على الاستهلاك والإنتاج المستدامين من أجل حماية مستقبل كوكبنا.
ويمثل “COP28” دفعة جديدة للجهود العالمية الحالية لمواجهة قضايا التغير المناخي، كما يشكل نقطة تحول رئيسة نحو تعزيز الشراكات وتفعيلها، إضافة إلى كونه فرصة مهمة لاستعراض منجزات دولة الإمارات ومبادراتها الرائدة في العمل المناخي.

( مهرجانات وفعاليات دولية )
ونجحت العديد من العلامات التجارية الإماراتية بتطبيق مفهوم الاستدامة في إنتاج أزيائها، من أجل حماية الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية، وذلك تماشياً مع توجهات الدولة البيئية ومساعيها المستمرة لتقليص البصمة الكربونية وحماية المناخ في مختلف الصناعات وكافة القطاعات والمجالات.
كما قامت مجموعة واسعة من مصممات الأزياء الإماراتيات بإدخال العديد من الممارسات المستدامة والمواد الصديقة للبيئة والقابلة للتحلل في إنتاج قطع أزياء مبتكرة سواء في الملابس الرياضية أو الفساتين أو العباءة الإماراتية وغيرها، حيث يركزن في عملهن على استخدم الأقمشة القطنية أو تلك المصنوعة من مواد عضوية، إضافة إلى الاعتماد على الألياف النباتية والمواد المعاد تدويرها، مع تقليل استخدام الطاقة والآلات، والتركيز على الجهود اليدوية أكثر، من أجل المساهمة في حماية البيئة.
وأولت دولة الإمارات اهتماماً كبيراً بصناعة الأزياء المستدامة حيث ظهر ذلك جلياً من خلال تنظيم المهرجانات والفعاليات الدولية واستضافة عروض الأزياء المصنوعة من المواد الطبيعية، إضافة إلى عقد الجلسات النقاشية وورش العمل التي تحفز على التوجه نحو الأزياء المستدامة واستخدام المواد المعاد تدويرها والخامات العضوية الصديقة للبيئة.

( دليل الاستدامة .. دور كبير في تحول صناعة الأزياء )
وضمن جهود الإمارات لترسيخ مفهوم الاستدامة، أصدر فريق عام الاستدامة في دولة الإمارات دليلاً للاستدامة لتشجيع الجمهور على تبني عادات أكثر استدامة في ممارسات حياتهم اليومية عبر تقديم مشورات عملية ورؤى خبراء ومعلومات مفيدة لتحفيز العمل الجماعي.
ويهدف الدليل إلى تناول الاستدامة في مختلف المجالات، وقد خصص الدليل باباً للتشجيع على التحول إلى الأزياء المستدامة، كما أشار الدليل إلى أن متاجر الأزياء السريعة غالباً ما تستخدم مواد منخفضة الجودة للحفاظ على رخص أسعار منتجاتهم ما قد يؤثر سلباً على الجودة والمتانة الإجمالية للمنتجات، في حين يؤدي عمر الاستخدام القصير لقطع الأزياء السريعة إلى شراء كميات كبيرة من الملابس، إضافة إلى احتواء الأقمشة على مواد كيماوية مضرة مثل الفورمالين والفثالات التي تسبب آثاراً سلبية على الصحة.

( تخفيض البصمة الكربونية )
وكشف دليل الاستدامة عن أن إنتاج قطعة واحدة من “الجينز ” قد يستهلك حتى 5 آلاف لتر من المياه، في حين يمثل صبغ الأقمشة نسبة 20 بالمئة من تلوث المياه في العالم، كما تنتج مخلفات الأقمشة العالمية 92 مليون طن سنوياً.
وأوضح الدليل أن الأزياء المستدامة قد تكون ذات سعر أعلى، إلا ان استخدام مواد عالية الجودة يجعل عمر استخدامها أطول من بدائلها من الأزياء السريعة مما يجعلها أوفر من حيث التكلفة على المدى الطويل.
وأشار الدليل أيضاً إلى أن استخدام المواد الخام الموسمية في إنتاج الملابس يخفض بشكل كبير من التأثير البيئي للصناعة، كما قد يؤدي تقليل الشراء من التجار عبر الإنترنت أو التجار الدوليين إلى تخفيض الانبعاثات المتولدة عن النقل وبالتالي تخفيف أثر البصمة الكربونية لصناعة الملابس.
وأكد دليل الاستدامة أنه يمكن لصناعة الأزياء المستدامة المحلية أن تعزز النمو الاقتصادي لدولة الإمارات وتنوعه من خلال توفير المزيد من فرص العمل وزيادة التصدير وتعزيز الناتج المحلي للدولة، كما أنها ترسخ من مكانة الدولة كرائدة في مجال الاستدامة، بالإضافة إلى ذلك، فإن تصدير منتجات الأزياء المستدامة محلية الصنع يولد مصادر إيرادات جديدة ويقلل الاعتماد على الواردات المكلفة.

( نصائح لدعم ممارسات الأزياء المستدامة )
وحدد دليل الاستدامة بعض النصائح لدعم ممارسات الأزياء المستدامة، أبرزها زيادة طلب المستهلكين على قطع الأزياء المستدامة والصديقة للبيئة، إضافة إلى إصلاح أو إعادة تدوير أو التبرع بالملابس غير المرغوب فيها أو بيعها لإطالة عمر استخدامها وتقليل كميات النفايات.
يذكر أن الاهتمام بالأزياء المستدامة أسهم في إطلاق تحالف الأمم المتحدة للأزياء المستدامة، والذي يشمل مجموعة من كيانات الأمم المتحدة والوكالات الشريكة، بما في ذلك برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة العمل الدولية ومجموعة البنك الدولي، وهو يدعم العمل المشترك والتنسيق بين كافة الجهات العاملة في قطاع الموضة بهدف المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.وام


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: البصمة الکربونیة الأمم المتحدة دولة الإمارات الاستدامة فی فی العالم إضافة إلى

إقرأ أيضاً:

نبذة تعريفية مختصرة عن أطلس المدن المصرية المستدامة

تستعرض وزارة التنمية المحلية، نبذة تعريفية مختصرة حول "أطلس المدن المصرية المستدامة: حالة الاستدامة وتأثير تغير المناخ"، والذي يعد ثمار جهد مشترك بين جميع الوزارات والهيئات المعنية ومجموعة البنك الدولي، والتي جاءت تنفيذاً لعدد من الاستراتيجيات الوطنية علي رأٍسها رؤية مصر 2030، والإستراتيجية الوطنية للتغير المناخي 2050، وكذا تقرير الدولة للمناخ والتنمية، وهو أحد مشروعات إطار الشراكة الإستراتيجية بين الحكومة المصرية والبنك الدولي (2023-2027).

يأتي ذلك في ضوء إطلاق وزارتي التنمية المحلية والتعاون الدولي لمبادرة المدن المصرية المستدامة خلال أعمال مؤتمر المناخ في شرم الشيخ في نوفمبر 2022 تحت رعاية دولة رئيس مجلس الوزراء.
 
 ويعد "أطلس المدن المصرية المستدامة" أحد أول وأهم مخرجات المبادرة لتوصيف حالة المدن القائمة من منظور الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، فضلاً عن الآثار المترتبة على تغير المناخ، ويهدف "أطلس المدن المصرية: حالة الاستدامة وتأثير المناخ" إلى رصد الوضع الراهن الخاص بالاستدامة بقطاعات الأساسية بالمدن المصرية، والتي تتمثل في البيئة العمرانية، وجودة الحياة، والإنتاجية، والتنافسية، والاستدامة البيئة، والاستدامة المالية.
 
فضلاً عن أن البيانات والمعلومات التي يوفرها الأطلس لها أهمية خاصة للمعنيين بقضايا التنمية المستدامة، وصناع ومتخذي القرار من الجهات المعنية سواء الجهات الحكومية، المتمثلة في الوزارات، والهيئات، والمحليات، والأجهزة التنفيذية أو مؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص خاصة المؤسسات والجهات المعنية بأبعاد الاستدامة العمرانية والبيئية للحضر المصري، وسبل مواجهة تأثير التغير المناخي، وتحقيق مرونة للمدن المصرية للتكيف مع المخاطر والقضايا البيئية المختلفة.
 
وأوضحت وزارة التنمية المحلية، أن الأطلس يتكون من ثلاث مجلدات، حيث يشمل المجلد الأول مقدمة التقرير ودراسة المستوي الوطني، واستعراضاً لمحافظات ومدن أقاليم القاهرة الكبرى والإسكندرية، ويشمل المجلد الثاني استعراضاَ لمحافظات ومدن أقاليم الدلتا والقناة وشمال الصعيد، ويضم المجلد الثالث عرضاً لمحافظات ومدن إقليمي أسيوط وجنوب الصعيد بالإضافة إلى المحلقات والمراجع من بيانات وخرائط الأطلس التي تم استخدامها في الإعداد. 
 
وتم إعداد موقع تفاعلي يحتوي على أهم المعلومات والبيانات التي تم إعدادها بالتعاون مع مجموعة البنك الدولي ليكون أداة في يد صناع القرار وجميع الجهات والمؤسسات المعنية لوضع السياسات وتنفيذ المشروعات ذات الأولوية في مجالات التنمية العمرانية والمرونة المناخية.
 
كما إنه جاري استكمال تنفيذ باقي مراحل مباردة المدن المصرية المستدامة بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية من خلال استخدام البيانات والمعلومات التي تم  التوصل إليها بتقرير الأطلس  لبدء وضع وتنفيذ استراتيجيات لمدن مصرية مرنة ومستدامة وشاملة وتنافسية وقادرة على التكيف مع تغير المناخ أمر ملح لسد الفجوة السابق توصيفها، وكذا تطبيقها في عدد من المدن القائمة من خلال  وضع  برامج ومشروعات وتدخلات متكاملة قطاعياً وجغرافياً قابلة للتمويل تطبق في مجمل المدن المصرية القائمة أو بعض المدن المختارة كنماذج نجاح تهدف إلى تقريب المدن المصرية القائمة إلى حالة الاستدامة، وإبراز دور المدن في المساهمة في النمو الاقتصادي المحقق للشمول الاجتماعي، وفي التعامل مع تغير المناخ والتحديات البيئية الأخرى. 
 
وسيتم التركيز في هذه البرامج والمشروعات على تعزيز الوصول إلى الخدمات الحضرية، دعم الاقتصاد المحلي ودمج المواطنين، تحسين البيئة والموارد الحضرية؛ وكذا تطبيق مجموعة من النظم التمكينية أهمها التخطيط المتكامل، تنسيق الترتيبات المالية والتمويلية، تعزيز القدرات والسياسات المؤسسية.

وللتعرف علي مزيد من التفاصيل  عن "أطلس المدن المصرية المستدامة: حالة الاستدامة وتأثير تغير المناخ"، برجاء زيارة الموقع الخاص بأطلس المدن المصرية وهو  https://atlas.mld.gov.eg .

مقالات مشابهة

  • "العالمي للتسامح": قادة الأديان يسهمون في تحقيق الاستدامة وحماية البيئة
  • نبذة تعريفية مختصرة عن أطلس المدن المصرية المستدامة
  • منصور بن زايد: الاستثمار في الإنسان جوهر استراتيجيتنا للتنمية المستدامة
  • سلطان النيادي: شباب الإمارات نموذج ملهم للإبداع في خدمة الوطن
  • فيديو | خالد بن محمد بن زايد: تمكين الكفاءات الوطنية يسهم في دفع عجلة التنمية المستدامة
  • «الصناعة والمعادن» تناقش توطين صناعة المواد ومعدات النفط
  • ولي عهد أبوظبي: الإمارات تدعم الحلول المستدامة لتأمين الغذاء في العالم
  • خالد بن محمد بن زايد: الإمارات حريصة على دعم الحلول المستدامة لتأمين الغذاء عالمياً
  • ريسوت للإسمنت: تنفيذ برنامج مستدام لرفع كفاءة الإنتاج
  • 8 وعود من حكومة الإمارات لخدمات المستقبل