عمر سليم/ترجمة محمد مستعد

فكرت في الصحافة كوسيلة تمكنني من الشهرة، وربما تسمح لي أيضا بأن أفرض إسمي في الساحة. وهكذا ربطت الاتصال بصديقي القديم “ندير يعتة”. أنا وندير وأخاه التوأم فهد، اللذان كانا يكبرانني بسنتين، كنا نجلس على نفس طاولات الدرس سواء في مدرسة “إرنست رينان” أو في ثانوية “ليوطي” بالدار البيضاء، ثم لاحقا في جامعة “السوربون” بباريس.

وكنت قد حضرت قبل حوالي سنة تقديمهما لأطروحتيهما لنيل الدكتوراه في القانون: الأول كان قد تناول كموضوع للبحث “الولايات المتحدة” والثاني موضوع “الاتحاد السوفياتي”. كان أبوهما “سي علي يعتة” أحد الوطنيين الأوائل وزعيم الحزب الشيوعي المغربي السابق. كان سي علي معروفا باستقامته وبحسه الإنساني وكذا بطلاقة لسانه وبمواهبه كخطيب مفوه. وبحكم أنه كان أمين عام حزب التقدم والاشتراكية، أي الحزب الشيوعي السابق، فإنه كان هو المسؤول عن جريدتي الحزب. وكان ولداه يتوليان رئاسة تحرير الجريدتين بمساعدة بعض أعضاء الحزب مثل خالد الناصري وميمون حبريش، وهما أستاذان محترمان. وكان الصحفي الوحيد الذي يتلقى أجرا في جريدة الحزب الناطقة بالفرنسية هو بلعيد بويميد وهو صحفي شاب وموهوب يتقن أيضا فن الكاريكاتور. وقد اقترح فهد وندير أن يتم إجراء حوار صحفي معي لينشر في الصفحة الأولى للجريدة.

بدأت مقالاتي المسرحية تلقى النجاح. كما أصبحت مقالاتي السياسية تلقى الكثير من التنويه. وأصبحت، تدريجيا، أخرج من دائرة الظل إلى درجة أن مدير المسرح البلدي في الدار البيضاء عبد اللطيف الزيادي عبر عن رغبته في لقائي. والواقع أنني كنت أنا صاحب المبادرة إلى حد ما إذ كنت قد أرسلت له طلبا من أجل إجراء حوار صحفي معه مرفوقا بأسئلة صعبة. وعند لقائنا، وضع أمامي ملفا يحمل إسمي وقال لي:

– أنا أعرفك. لقد عدت مؤخرا من باريس. وعندي لك هذا الاقتراح: إبحث عن فكرة مسرحية وسيتكفل المسرح البلدي بإنتاجها.

كان عبد اللطيف الزيادي قد ترك العمل في وزارة الشبيبة والرياضة ليتولى إدارة المسرح البلدي بالدار البيضاء خلفا للطيب الصديقي، الوجه البارز في المسرح المغربي. وهو ما جعل مهمة الزيادي صعبة. كان إنسانا في غاية الأدب واللطف يقدر الصداقة بحق قدرها. كان رجلا طيبا، وهو الذي نصحني بقراءة نصوص عبد الكريم برشيد، أحد المسرحيين المغاربة الذين كان إسمهم قد بدأ في الصعود، وأحد أنصار المسرح الاحتفالي الذي يميل أحيانا نحو الجنون. وهو لم يكن من أبناء مدينة برشيد كما قد يدل على ذلك إسمه بل كان ينحدر من مدينة الخميسات، إحدى المدن الأمازيغية الواقعة على عتبة جبال الأطلس المتوسط. كان عبد الكريم مؤلفا خصبا تعرفت عليه بعد أن قرأت العديد من مؤلفاته. خجول وكثير الكلام في نفس الآن، متحفظ ومتحمس. كان شخصية مثيرة للاهتمام. استقبلني في بيته وقدم لي زوجته وأبناءه وهو ما يكشف عن فكر منفتح وغير عاد في مجتمعنا خاصة عندما يكون الضيف شخصا غريبا. بصوته الدافئ، قدم لي صورة كارثية عن الوضع المسرحي في البلاد معلقا أمله الوحيد على مسرح الهواة الذي كان برشيد يعتبر بمثابة رائده الأول، ورأس حربته. وقد شرحت له بنوع من اللباقة وبدون ادعاء أنني تجاوزت هذه المرحلة وأن هدفي هو تكوين فريق من المحترفين من أجل إخراج إحدى مسرحياته. فاقترح علي أن أخرج مسرحية “امرؤ القيس في باريس” التي كان قد انتهى للتو من كتابتها.

– لك كامل الحرية. يمكنك أن تخرج المسرحية كما تريد ومع من تريد. وسأحضر يوم العرض الأول مثل بقية الجمهور. فأنا أثق فيك ثقة كاملة.

تنويه:

تقدم جريدة “اليوم 24” مقتطفات من ترجمة كتاب “طنجة – حبيبتي” للصحفي المغربي الكبير الراحل عمر سليم. الكتاب الذي سبق أن صدر بالفرنسية في 2006 هي سيرة ذاتية روائية كما كان يحلو للراحل تسميتها. ويمكن اعتبارها بمثابة رسالة حب وعشق كبيرين إلى طنجة التي عاش فيها لمدة طويلة قادما من باريس، وإلى مهنة الصحافة و”للكلمة الجميلة والمناسبة” le bon mot في اللغة الفرنسية التي عشقها حتى النخاع. (ترجمة محمد مستعد)

المصدر: اليوم 24

إقرأ أيضاً:

ندوة تكريم القشعمي.. سيرة ومسيرة حافلة

جدة- صالح الخزمري

جاءت ندوة القشعمي التي استهل بها نادي جدة الأدبي ملتقى قراءة النص في نسخته ٢١ تتويجا لمسيرة حافلة ، بعنوان “محمد عبدالرزاق القشعمي.. ذاكرة الثقافة وعرّاب التدوين”، شارك فيها كل من: الدكتور محمد السيف، والأستاذان عدنان العوامي ومحمد الهلال، فيما أدارها الدكتور محمد الربيع.

حيث ابتدر الحديث الدكتور محمد السيف، واصفًا المؤرخ محمد القشعمي بـ”الجامع للموروث الشفاهي”، مضيفًا بقوله: إنه يتقد وطنية وحِسًّا، ويعشق التحدي، ويرى المستقبل بعين البصير، ويوظف خبرته المديدة في الأعمال الشفاهية، فجاءت عاجزة عن الراصد أن يحصيها”.

من جهته رصد الأستاذ عدنان العوامي جهود القشعمي من خلال رحلته التوثيقية المستحقة للتكريم، لتميز ما وصل إليه، وفضله على الأدب الشفاهي، والسير في دروبه الطويلة، معرجًا على ما يتمتع به القشعمي من صداقات عديدة، قائلًا: “كان لا يفوّت الفرص في اكتساب الأصدقاء، إضافة إلى ما له من صلة ممتدة بمعارض الكتاب داخليًا وخارجيًا زادت من جسور التعرف واكتساب الصداقات”.

اقرأ أيضاًالمجتمعأمير منطقة الرياض يطّلع على نتائج ومخرجات ملتقى الجمعيات التعاونية للثروة الحيوانية في الدوادمي

وتابع مضيفًا:” بحسب اطلاعي؛ لم يسبق محمد القشعمي أحد في عناوين كتبه وخروجه عن المألوف، مثل عنوان كتابه “أحمد السباعي رائد الأدب والصحافة المكية”، وغيرها من العناوين، معرفًا الحضور على بداية التعارف ما بينه وبين المؤرخ محمد القشعمي، منذ توليه مهامه الوظيفية.

وعاد الأستاذ محمد الهلال بذاكرته إلى بداية تعرفه بالمؤرخ محمد القشعمي، مبينًا أن ذلك كان عبر إذاعة الرياض، إضافة إلى كتاباته عن أشخاص عدة منهم عبدالرحمن منيف، التي وصفها بالخطوة الوحيدة في تلك الأيام، ساردًا المراحل التي وثقت الصداقة ما بينه وبين محمد القشعمي.

مختتمًا بقوله: “كل مشاريعي الثقافية تبدأ من عند محمد القشعمي، فأدهشني باهتمامه بكل مشروع ثقافي يعمل عليه، وعادتي ألا أصعد على منصة أمام الجمهور، ولم اتجرأ الليلة إلا من أجل محمد القشعمي”.

مقالات مشابهة

  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم الحلقة 3
  • ازالة اعمدة خرسانية بالدور الثاني علوي بجوار قصر النيل برشيد
  • الليلة.. للقصة بقية ينشر أول مقابلة مع قيصر سوريا الذي فضح جرائم الأسد
  • رغم الظروف الجوية القاسية.. عناصر شرطة المرور يواصلون تنفيذ مهامهم لتخفيف الازدحام المروري الذي تشهده محافظة إدلب
  • أمنياً.. ما الذي أضعف حزب الله؟
  • الشريك الأدبي بالباحة ينظّم أمسية عن تحولات المشهد المسرحي السعودي
  • اليوم..ذكرى ميلاد المسرحي المصري يسري الجندي
  • ندوة تكريم القشعمي.. سيرة ومسيرة حافلة
  • جلال الشرقاوي.. مخرج المسرح الذي صنع جيلًا من النجوم وترك بصمة خالدة
  • المهرجان المسرحي لشباب الجنوب يقدم 11 إصدار ادوليا لرواده خلال انعقاده بقنا