البوابة نيوز:
2024-10-02@05:29:47 GMT

بين الشك واليقين يبقى الإنسان

تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT

الشك قضية وجودية تمس الإنسان بما هو كذلك، وبما هو كائن إجتماعي بطبعه ينفر من حياة العزلة ويسعي دوما إلي العيش في جماعة.

 لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه كيف يتوائم ويتوافق مع هذه الجماعة بتوجهاتها الفكرية المختلفة، وبتنوع ثقافاتها، ودياناتها ومعتقداتها؟!

تلك هي المشكلة الوجودية الحقيقية، هل سيستطيع الإنسان تحقيق هذه المعادلة التوافق داخليا مع ذاته وخارجيا مع الآخر، أم سيصاب باليأس والإحباط بمجرد أن يوضع في تجربة واختبار حقيقي؟!

هل سيحقق ذلك عن طريق الشكوك، هل الشك طريق لليقين المعرفي والادراكي، أم سيأخذ مسارا عكسيا بالإنسان، وتحدث القطيعة المعرفية؟!!

وهذا ما لا نصبو إليه أبدا أن تحدث قطيعة معرفية وانغلاق علي الذات، فما الإنسان إلا محاورة مع ذاته،  ينطلق منها إلي محاورة الآخرين، وهذا ما يحدث نوع من التواصل المعرفي، فيتحول التفكير من عقل فردي إلي عقل جمعي مهما اختلفت الرؤي والتوجهات، فالفكر ليس له دين ولا وطن.

هل مطلوب من الإنسان أن يمارس الشك ولو حتي مرة واحدة في حياته،

لكن أي نوع من الشك، وهل هذا الشك سيتحول به إلي شك مرضي وداء عضال يصيبه نفسيا وعضويا.

بداية ونحن بصدد الحديث عن الشك، لابد أن نقدم تعريفا للشك Scepticism، كان لهذا المصطلح مفهوم في أصله اليوناني يختلف اختلافا تاما عن مفهوم اليوم.

 فمفهوم الشك معناه الفحص بعناية والبحث والتنقيب، وهذا هو روح التفلسف، البحث الجاد والدءؤوب عن الحقيقة بما يمثل تواصلا معرفيا.

إلا أن هذا المعني اختلف علي مر العصور، أصبحت كلمة الشك، تعني ذلك الإنسان الذي يتخذ موقفا معرفيا معينا، وهو يتمثل علي وجه التحديد في موقفه من المعرفة، هل هناك معارف يقينية، أم لا توجد معرفة.

أما صور الشك فهي كثيرة ومتعددة، منها، الشك الكلي، وينقسم إلى قسمين: الشك الكلي في المعرفة وإنكار أي صورة من صور قيامها.

الشك الكلي في الحقيقة. وهذا هو شك السفسطائية الذين أنكروا قيام أي نوع من المعارف وأنه لا يوجد شيئ علي الاطلاق يمكن أن يعلمه الإنسان وحتي إن وجد لا يستطيع أن يتعلمه وحتي إن تعلمه لا يستطيع أن يوصله للآخرين.

ثم الشك التجريبي، وينقسم إلي ثلاثة أقسام، شك في أسس العلم التجريبي، وشك في إمكانية التوصل إلي أقوال عامة في العلم التجريبي وشك في التنبؤات.وشك في الاستنتاجات، فيكون شكا في الاستقراء.

وهذا يعني هدم تام للعلوم التجريبة التي تستخدم الملاحظة والتجربة وتخضع لخطوات البحث العلمي المنظم، وهذا ما يرفضه العلم الحديث وما ترفضه فلسفات العلوم التي أثبتت صحتها وأثبتت بما لا يدع مجالا للشك أهمية العلوم التجريبية والتي وفرت لنا الكثير والكثير من تقنيات العصر وشاهدي علي ذلك العلوم الفيزيائية والجيوفيزيقية، والعلوم الكيميائية، واستخدام الليزر في شتي مجالات الحياة، والاكتشافات العظيمة التي توصل إليها علماؤنا فالفكرة بدأت شكا ثم تحول هذا الشك إلي يقين بالدرس والتعلم والبحث والتنقيب.

أما الصورة الثالثة من صور الشك، فهي الشك الجزئي، وينقسم إلي ثلاثة أيضا، الشك الأخلاقي وهل القيم الخلقية نسبية أم مطلقة، والشك الديني، شك في الدين، ولماذا جعل الله الدين، وشك حتي في وجود الإله وعبر عن ذلك ربنا في قوله (قالت لهم رسلهم أفي الله شك، فاطر السموات والأرض)

وشك في المعني، هل لحياتنا معني، هل لنا هدف نسعي إلي تحقيقه والوصول إليه.

ثم نوعان من الشك، أولهما الشك المذهبي وهو شك من أجل الشك لا يقود إلي يقين معرفي وهذا هو شك السوفسطائية، وقد تصدي لهم سقراط وأفلاطون وأرسطو، وشك البيرونيين، وشكاك الاكاديمية وصغار الشكاك، أنصار الشك المطلق، أصحاب مذهب اللاادري والامساك عن قول أي شيئ أحق هو أم باطل، صواب هو أم خطأ، صدق هذا أم كذب.

وقد قسم المفكرون العرب الشكاك إلي ثلاثة فرق، فرقة العندية، وممثلها بروتاغورس السوفسطائي، وأن الإنسان عنده علم بكل شيئ بل هو مقياس كل شيئ.

وفرقة العنادية، ومثل هؤلاء جورجياس السوفسطائي، وأننا لا ندرك من الأشياء إلي ظواهرها ولانستطيع أن نصل إلي إدراك حقائق الوجود.

أما الفرقة الثالثة، فهي فرقة اللاأدريون، وهم أنصار بيرون الذي ذهب إلي الشك المطلق وأننا لا نستطيع الجزم بحقيقة أي شيئ.

وهذا هو الشك المذهبي الهدام الذي قد يودي بصاحبه إلي التيه والضلال، بل ويجعله يفقد ذاته وهويته وانسانيته ويصبح كالريشة في مهب الريح تتقاذفه الأهواء، وتهوي به في هوة سحيقة لا يستطيع الخروج منها إلا إذا تحرر من قيود وأوهام الشك هذه.

وهذا ما كاد أن يعصف بعلماء أجلاء وفلاسفة ومفكرين وباحثين معاصرين، ألم تتذكروا حوار مع صديقي الملحد، ألم تتذكروا أمامنا الغزالي رحمه الله، أليست الشكوك كادت أن تعصف به لولا أن ادركته عناية الله تعالي، وحولت شكه إلي يقين معرفي، وغيره كثير في واقعنا المعاصر، ألم يتحول الكثير من الباحثين من ممارسة الشك من الإيمان إلي الكفر ومن الكفر إلي الإلحاد، ألم يتحول الشك إلي شك مرضي أصاب كثيرون بالأمراض العقلية والعصبية والنفسية، ألم يتحول الشك المذهبي إلي ظاهرة مرضية أصابة الكثيرون بالوساوس القهرية، كأن يشك في بيته،وأولاده، وبناته، أن يشك الإنسان حتي في نفسه، ليس هذا وحسب بل يشك أنه مراقب ويمشي يلتفت عن يمينه وعن يساره، بل ومن الممكن أن يستوقف الناس في الشارع لماذا تنظرون إلي هكذا.

لكن كيف نتخلص من هذا الشك المرضي ونتخلص من هذه الوساوس القهرية، هل نذهب إلي أطباء نفسانيين للعلاج، إذا تفاقم الأمر وأصبحت مشكلة مرضية لا مندوحة من استشارة طبية.

لكن الرأي عندي، وهذا الرأي يقودنا إلي الشك المنهجي، وهذا الشك هو الشك البناء القويم الناقد الذي نبني عليه من أجل الوصول إلي اليقين، وهذا ما مارسه الإمام الغزالي ومن قبله أرسطو في عرض الإشكاليات الفلسفية أمام العقل وبحثها بحثا عقليا مستفيضا وتوصلوا من خلاله إلي اليقين، وأن ثمة إله مدبر للكون ومسيطر عليه ومدبر له.

ألم يقل الإمام الغزالي قولته المشهورة، من لم يشك لم ينظر ومن لم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر بقي في العمي والضلال.

ألم يمارس ديكارت الشك قائلا:للفحص عن الحقيقة يحتاج الإنسان مرة في حياته إلي أن يضع الأشياء جميعا موضع الشك بقدر الإمكان.

إذن الشك المنهجي لا مندوحة عنه، لكن أن يتحول الشك إلي شك مرضي يصيب الإنسان بالحيرة والقلق كما عبر عن ذلك جان بول سارتر عندما قال نحن قلق، هذا ما نرفضه.

واقعنا المعاصر يعج بكثير من الأمور التي تصيب الإنسان بالريبة والشك، نظرا لانتشار النزعات المادية وتغول النفعية، وتدن القيم وانسحاق وجودي فبات الإنسان حتي يشك في أقرب ما لديه فقد يشك في أخيه، في صديقه، في أستاذه، في رئيسه في العمل، حتي يشك في من يسدي إليه صنيعا لماذا هو فعل ذلك، بالضرورة يريد مني شيئا، ولماذا يا سيداتي وسادتي يريد شيئا لماذا لا تحسنوا الظن بمن تتعاملون معهم، بمن تحبونهم، لماذا لا تحسنون الظن بأنفسكم، لماذا لا تحسنون الظن بالله تعالي أن يوفقكم ويهيئ لكم من يقفون خلفكم يدفعونكم أو دفعا لا يريدون منكم جزاء ولا شكورا.

لا تجعلوا الشكوك تتقاذفكم إلي بحار قيعانها مظلمة، وأحسنوا يحسن الله لكم.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الانسان وهذا ما وهذا هو وشک فی هذا ما

إقرأ أيضاً:

تحذير من أممي حول الأوضاع في اليمن

شمسان بوست / متابعات:

أكد المبعوث الأممي لليمن هانس غروندنبيرغ، على خطورة تصاعد التوترات في المنطقة على عملية السلام اليمنية، مطالبا بدعم المجتمع الدولي.


وأشار غروندنبيرغ في مقابلة مع قناة “الحرة”، أمس الاثنين، وذلك بعد أسبوع حافل بالاجتماعات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أن الحرب في غزة وفي لبنان تؤثر على المضي قدما في عملية السلام في اليمن.


وقال إن “عدم الاستقرار الذي شهدناه في الفترة الماضية يبعث على القلق العميق، ليس فقط لأن آلاف الأرواح أزهقت، والأزمة نشرت الأسى في المنطقة ولكنها تخيم بظلالها على قدرتنا على اتخاذ قرارات لمصلحة المدنيين، وهذا أثر على عملنا في اليمن”.


وعند سؤاله عن موقفه من استهداف الحوثيين، السفن في البحر الأحمر، قال المبعوث الأممي: “لهذا السبب، كانت الأمم المتحدة تدعو إلى وقف لإطلاق النار في غزة منذ البداية والإفراج عن الرهائن، وكنا واضحين بشأن المخاطر الخاصة بعدم الاستقرار على الحدود وهذا يؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة بأكملها، وهذا يدعو إلى ضرورة وقف إطلاق النار وإنهاء النزاع”.
وأوضح أن “اليمن المستقر يمكن أن يؤثر على المنطقة إيجابيا، وأيضا المنطقة المستقرة يمكن أن تؤثر على الحرب في اليمن”، مشيرا إلى أن “هناك رابطا بين الأمرين”.


ويصف المبعوث الأممي، دور الأمم المتحدة في اليمن بأنها عبارة عن الوساطة بين الأطراف المختلفة وأصحاب المصلحة، قائلًا: “لو أردت أن أكون فعالا في عملي، فأنا أحتاج إلى دعم كامل غير مشروط من المجتمع الدولي حتى تتوافق الأطراف على الخطوة التالية وتجاوز الهدنة التي وصلنا إليها في عام 2022، وكي يحدث ذلك نحتاج إلى بيئة تؤدي إلى هذا المستوى”.


وحول الدور الإيراني، شدد غروندنبيرغ على أن دور دول المنطقة في النزاع في اليمن “مهم جدا”، قائلا: “طموحي منذ بداية عملي على هذا الملف هو التأكد من أن جيران اليمن في شبه الجزيرة العربية والخليج وإيران يمكن أن يكونوا بنائين في تحقيق السلام في اليمن”.
وأضاف: “لا أتواصل فقط مع اليمنيين ولكن مع السعودية وعمان والإمارات والإيرانيين”، مشيرا إلى أنه زار طهران قبل أقل من أسبوعين “وكان هناك نقاش طويل، ومحادثات هنا في نيويورك أيضا”.
ورفض التطرق لوصف الدور الإيراني ما إذا كان بناء من عدمه وتفاصيل المناقشات التي أجراها في طهران.
ولكنه قال إن مناقشاته مع وزير الخارجية الإيراني عندما زار طهران قبل أسبوعين “كانت بناءة، وحددت ضرورة التحرك إلى الأمام من أجل تحقيق حل عادل في اليمن.
وأضاف: “طلبت من كل المحاورين في المنطقة وكل أصحاب المصلحة أن يكون لهم موقف بناء تجاه اليمن وأن يدعموا السلام، وكانت رسالتي لهم أنه يوجد في اليمن هناك أسلحة كافية وليس هناك حاجة للمزيد من السلاح في اليمن”.
وعند سؤاله عن وجهة نظر الأمم المتحدة بشأن الضربات الأميركية والبريطانية وشن هجمات جوية على الحوثيين لإضعاف قدرتهم على تعطيل الملاحة قال إن “هناك دائما إمكانية للوصول إلى حل تفاوضي لأي نزاع في أي موقف، وهذا هو الخط الذي تتبعه الأمم المتحدة”.


وشدد غروندنبيرغ على أن “الأمم المتحدة تدعم التطورات السلمية، ونحن قلقون من التطورات التي نراها. نحن دائما مع التسويات التفاوضية، التطورات في اليمن نريد أن نراها تسير في الاتجاه الصحيح، وفي الأشهر الماضية لم نر هذا”.

مقالات مشابهة

  • التويجري: الهلال تجاوز مرحلة الشك أنه ممكن يتعثر .. فيديو
  • سيد نيمار: أواجه صعوبات في الزمالك وهذا سبب رحيلي
  • تحذير من أممي حول الأوضاع في اليمن
  • تيمور جنبلاط اتصل بوزير التربية.. وهذا ما تمّ النقاش به
  • مخاطر إعتام عدسة العين
  • اغتيال حسن نصر الله.. ماذا يجب أن يبقى من سيد المقاومة بعد رحيله؟
  • بري استقبل قائد الجيش.. وهذا ما جرى بحثه
  • مذنب القرن يقترب من الأرض وهذا موعد ظهوره
  • إنتشال جثة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله.. وهذا ما كشفه مصدران عن سبب الوفاة
  • عودة: هل يجوز أن يبقى البلد بلا رأس في هذا الوقت؟