همس الحروف – آه .. لو تمهّل القدر قليلاً يا حسن سقرة – الباقر عبد القيوم علي
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
يقول الشاعر :
لكلّ شيءٍ إذا ما تم نقصانُ
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ
مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد
ولا يدوم على حالٍ لها شان
تزداد الأيام يوماً بعد يوم و نفرح نحن بتلك الزيادة و لا ندري أنها تخصم من أعمارنا بحجم ما تزيد ، فكلما غرتنا الدنيا بدوران حركة أيامها جرتنا إلى نهايات المطاف عند محطة الموت التي تقشعر عند ذكرها إسمها الأبدان و ترتعد عند سماعها الآذان ، إلا بعض القلوب التي تفيض بالإيمان ، و قد ثبتها باليقين الرحمن ، إنها المحطة الأخيرة في الدنيا ، و الأولى في عتبات الآخرة التي لا يتمكن راكبي قطارها من وداع الأحبة مهما حرصوا ، فإن السفر منها يكون بدون وداع ، و من غير متاع .
في لحظة صمت كانت هي الصادمة حينما بلغني نبأ رحيل أخ حبيب ، و عم عزيز ، و خال حنين ، و معلم حصيف ، قد خبر دروب الحياة بخيرها و شرها ، و قد كان لنا خير قنديل بدد لنا بشعاعه دياجير حالكة في دروب الحياة و دامسة العتمة في متاهات الدنيا ، و قد أرشدنا بفعله لا بقوله إلى عوالي الأخلاق و رفيع السلوك ، و عظيم قيم الإنتماء و جمال صلة الأرحام و حب الناس بدون تمييز ، و قد درسنا حياً و ميتاً ان رحلة الدنيا ما بين هوانها و زوال نعيمها لن تغير في تفاصيل الحياة كثيراً ، و أن نهاياتها تظل قريبة جداً و إن بعدت عند الذين إختلت عندهم مقاييس التقييم من الغافلين ، و ما الموت إلا محطة يجب أن نعتبر عندها و نتعظ فيها ، فكلنا جلوس تحت شجرتة لنتمتع بقليل أيام في الحياة و نحن جلوس تحت ظلال سيوفه .
لقد شق صدورنا نبأ رحيل العم حسن محمد عثمان سقرة و كما يحلو للبعص مناداته ب (حسن سقرة) ، فإسمه كان له وقع خاص عند ذكره ، فهو إسم على مسمى ، طنان ، رنان ذو معاني لها قيمة و يحمل كثير من الجمال في كل تفاصيله و معانيه ، فحسن سقرة عاش حياته مشكلاً بحراً متلاطم الامواج من الخير و عظيم القيم ، فقد جاب السودان بطوله و عرضه فهو من أميز سائقي قاطرات سكك حديد السودان ، فكان الأجمل وسط زملاء المهنة لانه كان دائماً يضع أثراً طيباً في كل محطة يصل إليها ، لأنه كان يعلم علم اليقين أن الحياة عبارة عن محطات كتلك التي جابها بقاطرات السكك الحديدية التي ترك في كل واحدة منها شيء من قبسه و نوره و ذكرته الطيبة ، فقد كان سفراً منيراً له صفحات حافلة بالعطاء النابع من غنى النفس و نفيس المعدن .
آه .. لو تمهل القدر قليلاً يا حسن سقرة عند آخر محطاته ، لعانقتك بحب خالص كنت أكنه لشخصك الجميل في الله و لله و ما زلت على ذلك ، فقد أفقدنا فراقك لذة الحياة و رغبتنا في العيش من بعدك و اصبحت الدنيا بدون لون أو طعم ، و لكن من واقع إيماننا بالله يتجدد الإيمان في قلوبنا عند إنكسارها حتى تكون قوية لنرسل عبرها الدعوات لك و لكل عزيز إفتقدناه ( اللهم إغفر لهم ، و ارحمهم برحمتك التي وسعت كل شيء ، وأغمرهم بعظيم لطفك و كثير كرمك ، اللهم أدخلهم فسيح جناتك بدون حساب او سابق عقاب ، يا رب العالمين، اللهم إنا نشهدك بان عبدك حسن سقرة كان من الطيبين في أصلهم و الأوفياء في وصلهم و الصادقين في فعلهم ، و لا نزكي عليك أحد ، اللهم أجعل الفردوس الأعلى مأواه ، و الأنبياء والصديقين جلسائه ، و الصالحين و الشهداء في الفردوس الأعلى رفقائه ، و ثبت قلب عرفة و عمار و هند و البقية من الابناء و الاهل و جميع الاحبة و كل من يعرف فضله و نحن و انزل علينا قبساً و غيثاً من السكينة و ارزقنا الصبر الجميل و السلوان ، و إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
المصدر: نبض السودان
إقرأ أيضاً: