بوب دينار.. حكاية أشهر صانع انقلابات فرنسي في أفريقيا
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
في ظل تتابع الأحداث الأخيرة التي تخسر فيها فرنسا مساحات من نفوذها التقليدي في أفريقيا، يتوجه الحديث إلى تاريخ الدولة الاستعمارية في القارة، فمن مالي إلى بوركينا فاسو وصولا إلى النيجر، تحولت مشاعر الكراهية في أفريقيا ضد باريس إلى خطوات فعلية تهدف إلى تحجيم وجودها في البقاع التي لطالما استغلتها ونهبت ثرواتها.
لم يخلُ تاريخ فرنسا الاستغلالي من الاستعلاء في التعامل مع أفريقيا طوال العقود السابقة، ساهم هذا الاستعلاء دون شك في إيصال العلاقات الفرنسية الأفريقية إلى هذه اللحظة الانفجارية. لكن لم يكن الاستعلاء وحده هو السبب في هذا التدهور، بل الدم أيضا، ولعلنا اليوم سنتحدث عن واحدة من أخطر صفحات هذا التاريخ وأكثرها دموية، وهي الصفحة المعنونة باسم المرتزق "بوب دينار"، الذي أجج العنف في القارة السمراء، وغيَّر مع جنوده مجريات الكثير من الأحداث فيها بقوة السلاح.
مَن هو بوب دينار؟ لم يفتأ دينار الذي تجاوز 5 إصابات خطرة خلال رحلة عمله كقرصان ومرتزق يؤكد أنه كان يعمل تحت إشراف الأجهزة الفرنسية ولخدمتها وإن لم يملك إذن كتابي من الدولة. (رويترز)
بوب دينار، أو جيلبرت بورغود، أو سعيد مصطفى محجوب، ثلاثة أسماء للرجل نفسه طويل القامة، والحريص دائما على أناقته، والأعرج بسبب إصابة أثناء معاركه، الذي يُحكى (1) عنه أنه ألهم بشخصيته رواية فريدريك فرسيث "كلاب الحرب" التي تحكي عن المرتزقة الأوروبيين في أفريقيا. توصف حياته بأنها أصعب من أن يحبكها (2) أفضل كُتّاب السيناريوهات السينمائية، فعلى مدار 30 عاما دبر الرجل عددا لا يصدق من الانقلابات والأعمال العسكرية جلّها في أفريقيا، من الكونغو إلى ناميبيا وتشاد وأنغولا ومن اليمن إلى ونيجيريا وحتى إيران.
وُلد بوب دينارد لأب صارم يعمل ضابط صف في الجيش الفرنسي، وكان ذلك في يوم 7 أبريل/نيسان 1929 بمدينة بوردو الفرنسية، افتُتن الصغير بالقوة وعرف قيمة السلاح في سن مبكرة، ففي يوم شاهد والده وهو يعتدي (3) على والدته بعنف شديد، فما كان من الطفل إلا أن أمسك بالبندقية وهدد بها والده، فخشي الوالد من أن يطلق الطفل الرصاص واعتذر عما فعل. يصف دينار طفولته بأنها تأرجحت بين والد عصبي ومفترس وأم حنونة وعاطفية، ومنذ نعومة أظفاره كانت كل ألعابه تدور حول تمثيل دور الجندي.
توجهت أحلام الصبي تجاه السلاح منذ البداية، وانضم إلى قوات مقاومة النازية وعمره 16 عاما فقط، والتحق بالبحرية الفرنسية في عام 1945 وقاتل في فيتنام ضد حركة التحرر هناك، ويبدو أن أداءه كان سيئا لدرجة إصدار البحرية الفرنسية قرارا بعدم إرساله إلى مثل تلك المأموريات الصعبة مرة أخرى، لينضم بعدها إلى قوات الشرطة الفرنسية في المغرب. ستبدأ رحلة دينار الحقيقية بعد ذلك بوصفه أشهر مرتزق أوروبي في تاريخ القارة السمراء في الستينيات. ورغم كل الاتهامات التي وُجِّهت لرحلة دينار فيما بعد التي عبثت بأمن أفريقيا ووصلت إلى حد محاكمته في فرنسا بعد ذلك، فإن الرجل حتى وفاته لم يكن يشعر أن عليه الاعتذار عن أي شيء (4)، إذ يعتبر نفسه جنديا للغرب كافح الشيوعية كما ينبغي.
لم يفتأ دينار الذي تجاوز 5 إصابات خطرة خلال رحلة عمله قرصانا ومرتزقا يؤكد أنه كان يعمل تحت إشراف (5) الأجهزة الفرنسية ولخدمتها، وأنه وإن لم يملك إذنا كتابيا من الدولة بأعماله المسلحة في القارة فإنه كان يحصل على جوازات سفر من المخابرات الفرنسية، مما يشير إلى الدعم الذي قدمته له، وأنه كان (6) مدفوعا في رحلته الحربية في أفريقيا بمعاداة عميقة للشيوعية التي تهدد الغرب، ويعترف المرتزق الفرنسي بأنه في رحلته لم يكن قديسا (7)، لكنه لم يرتكب أيضا أشياء بغيضة بالدرجة التي يتصورها الناس.
توفي دينار بباريس في أكتوبر/تشرين الأول 2007 متأثرا بمرض ألزهايمر عن عمر يناهز 78 عاما، بعدما حوكم في فرنسا عام 2006 بتهمة الضلوع في انقلابات وجرائم قتل بجزر القمر وأصدر القضاء الفرنسي تجاهه حكما مخففا، وهو ما رأى فيه البعض محاولة فرنسية لغسل الأيادي مما فعله دينار بالقارة طوال عقود، مهددا أمنها ومحققا ما لا تستطيع فرنسا تنفيذه بشكل مباشر عبر أجهزتها الرسمية.
من الكونغو إلى اليمن.. رحلة المرتزق
بدأت رحلة بوب دينار الجريئة في أفريقيا مع مويس تشومبي الذي كان ابنا لسلالة ملكية في الكونغو، وكان يريد الانفصال بولاية كاتنغا الغنية عن الحكومة المركزية التي يقودها المناضل الاشتراكي الكونغولي باتريس لومومبا، مستعينا بالقوات الاستعمارية البلجيكية السابقة لتحقيق ذلك، وقد اتُّهِم بقتل باتريس لومومبا أيضا بدعم من بلجيكا. احتاج مويس تشومبي في حربه إلى ميليشيات أجنبية، وهنا ابتسم الحظ لبوب دينار الذي تعرف على القائد الانفصالي ليبدأ رحلته.
جدير بالذكر هنا أن باتريس لومومبا هذا الذي كان بوب دينارد يقاتله لصالح مويس تشومبي، الذي مُثِّل بجثته بعد قتله وأُذيبت في مادة حمضية، هو مناضل أفريقي قاوم الاستعمار البلجيكي وأدارت ضده بلجيكا وحلفاؤها المؤامرات من اليوم الأول لتقلده الحكومة بعد انتخابات نزيهة، وكان سلاح بلجيكا الأساسي هو إثارة الانفصاليين ضده.
بدأ بوب دينار من كاتانغا مشروع توسيع طموحاته ومشاريعه العسكرية بدعم سري من الاستخبارات الفرنسية (8)، وكان ينشر إعلاناته في الصحف الفرنسية لاجتذاب مرتزقة يعملون لصالحه ويقول فيها (9): "نبحث عن شاب قوي يحب المغامرة لاستكشاف العالم"، وقد كان جلّ مَن تجاوب مع الدعوة هم شباب فرنسيين ينتمون إلى أفكار اليمين المتطرف.
بعد انتهاء عمل بوب دينار في كاتانغا عمل لصالح المخابرات البريطانية ضد مصر في حرب اليمن عام 1964، في خدمة الجيش المؤيد للملك البدر ضد الجمهوريين، وفي عام 1975 كان له دور مهم في المساندة العسكرية لحركة يونيتا في أنغولا المدعومة من الغرب ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، بل وتذكر بعض (10) الشهادات أن بوب دينار لعب دورا في تسليح وتدريب عناصر الأحزاب اليمينية المسيحية في الحرب الأهلية اللبنانية. لكن ربما تكون الساحة التي شهدت أبرز بصمات بوب دينار بخلاف ذلك كله هي دولة جزر القمر كما سنرى لاحقا. كما شملت رحلته القتال من أجل تشومبي -الذي سبق وذكرناه- ضد موبوتو ثاني رئيس للكونغو الديمقراطية، ثم عاد وقاتل من أجل خصمه السابق موبوتو ضد متمردي زائير، وضد موبوتو مرة أخرى لصالح كاتنغا. هكذا كان دينار، الذي يصف نفسه بأنه كان جنديا للغرب، أداة لإشعال الحروب في العالم الثالث دون توجه قيمي واحد متماسك.
جزر القمر.. الدولة التي رسم بوب دينار تاريخها
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی أفریقیا
إقرأ أيضاً:
المالية الأردنية تحسم الجدل حول رفع الحد الأدنى للأجور إلى 300 دينار في الأردن 2025
أعلنت وزارة المالية الأردنية، رسميًا، رفع الحد الأدنى للأجور إلى 300 دينار أردني، ليشمل العاملين في كل من القطاعين العام والخاص، ويأتي هذا القرار بالتزامن مع ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الأسعار، ويعد دعمًا حقيقيًا للأسر ذات الدخل المحدود، وذلك في خطوة نوعية تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة وتعزيز القوة الشرائية للمواطنين.
تفاصيل قرار رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن 2025تاريخ التطبيق: يبدأ سريان رفع الحد الأدنى للأجور اعتبارًا من 1 يناير 2025.الفئات المستفيدة: يشمل القرار جميع العاملين في القطاعات العامة والخاصة.الهدف من القرار: يهدف إلى تعزيز النمو في الإنتاج، وتحفيز العاملين، وتخفيف الأعباء المعيشية على الأسر ذات الدخل المحدود.تصريحات وزارة المالية الأردنيةأكد وزير المالية الأردني أن هذه الزيادة تأتي بعد سنوات من الاستقرار في الحد الأدنى للأجور، والذي لم يشهد تعديلًا منذ أكثر من خمس سنوات بسبب التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا. وأضاف أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية تستدعي اتخاذ خطوات حاسمة لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، مشيرًا إلى أن هذا القرار "نهائي ولن يتم التراجع عنه".
أسباب رفع الحد الأدنى للأجورارتفاع تكاليف المعيشة: زيادة الأسعار تضغط على الأسر ذات الدخل المحدود.تحسين جودة الحياة: القرار يساهم في توفير احتياجات أساسية بشكل أفضل للعاملين.تعزيز الاقتصاد: زيادة الأجور تدعم الاستهلاك المحلي وتساهم في تحفيز النمو الاقتصادي.تحقيق العدالة الاجتماعية: القرار يضمن توزيعًا أكثر إنصافًا للموارد والفرص.مواعيد صرف الرواتب في الأردنبجانب قرار رفع الحد الأدنى للأجور، أعلنت وزارة المالية الأردنية أن صرف رواتب شهر ديسمبر 2024 سيتم وفق الجدول التالي:
موعد الصرف: يوم 25 من كل شهر ميلادي بشكل منتظم.التعديلات في حال العطل: إذا صادف هذا اليوم عطلة رسمية أو عطلة نهاية الأسبوع، سيتم تأجيل الصرف إلى اليوم التالي مباشرة، ما لم يتم الإعلان عن موعد آخر رسميًا.تأثيرات القرار على الاقتصاد والمجتمعتخفيف الأعباء المعيشية: القرار يمثل دعمًا كبيرًا للأسر ذات الدخل المحدود.زيادة الإنتاجية: تحسين الأجور يحفز العاملين ويزيد من إنتاجيتهم.تعزيز القوة الشرائية: رفع الحد الأدنى يعزز إنفاق الأسر، مما يدعم النمو الاقتصادي.تقليل الفجوة الاجتماعية: تحسين الأجور يسهم في تقليل التفاوت الاقتصادي بين فئات المجتمع.ردود الأفعال على القرارالمواطنون: أعرب الكثير من المواطنين عن ارتياحهم لهذا القرار الذي طال انتظاره، خصوصًا مع الزيادات المتواصلة في الأسعار.أصحاب الأعمال: رحب بعض أصحاب الأعمال بالقرار، بينما طالب آخرون بمزيد من الدعم الحكومي لتعويض زيادة التكاليف التشغيلية.الخبراء الاقتصاديون: أكدوا أن القرار خطوة إيجابية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، لكنه يحتاج إلى متابعة لضمان استدامته دون التأثير السلبي على بعض القطاعات.ويمثل قرار رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن 2025 إلى 300 دينار أردني نقلة نوعية في تحسين مستوى معيشة المواطنين وتعزيز العدالة الاجتماعية. يأتي هذا القرار كجزء من جهود الحكومة لتخفيف الأعباء الاقتصادية ومواكبة الزيادات في تكاليف الحياة. ومن المتوقع أن يترك أثرًا إيجابيًا على الاقتصاد الأردني والمجتمع بشكل عام، مما يعكس التزام الحكومة بدعم مواطنيها.