أستاذ الفقه المقارن: الجهاد في الإسلام ليس تعدي على النفس
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
قالت الدكتورة بديعة علي أحمد الطملاوي، أستاذ الفقه المقارن والعميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية وعضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بالغربية، نحن نعرف أن الجهاد في الإسلام مفهومه ليس هو الحرب كيفما كانت بواعثها ومقاصدها، وإنما الحرب التي تكون في سبيل الله فقط، فإذا خرجت الحرب عن هذا الإطار فإنها لا تكون جهاداً وإنما تكون عملاً قبيحاً مرفوضاً في الشريعة الإسلامية.
إن المتأمل في معنى الجهاد في القرآن والسنة يتضح له بما لا يدع مجالاً للشك أن معنى الجهاد أوسع وأعم من معنى القتال، إذ يعني القتال المواجهة المسلحة في الحروب، بينما يعني الجهاد بذل الجهد في مقاومة العدو سواءً كان هذا العدو شخصاَ معتدياَ، أو شيطاناَ يجب على المؤمن مجاهدته أم حتى نفسه التي بين جنبيه.
ووردت كلمة الجهاد فالقتل يعني مبادرة الآخر ومباغتته بالسلاح والقتل، وهذا يتطلب قاتلاً من جانب وقتيلاً من جانب آخر، بخلاف القتال، فإنه لابد فيه من طرفين يقاتل كل منهما الآخر، ويمارس كل طرف منهما فعل القتل ضد الآخر والجهد يتضمن المعنى الثاني الذي هو قتال المقاتلين وليس القتل الذي هو الاعتداء، بمشتقاتها في القران الكريم 31 مره بينما وردت كلمة الحرب أربع مرات فقط.
وأضافت الطملاوي على ذلك فالجهاد في الإسلام حرباً، دفاعية في سبيل الله عز وجل فرضا ولازماً إذا دعت إليه الأحوال والظروف، وهي اليوم منوطة بالقوات المسلحة فقط إذ هي الجهة المنوط بها تحقيق أمن الوطن وسلامته من كل اعتداء خارجي، فلا يكون الجهاد فرض عين إلا في حق المجند إذا دعي إليه أو أمر به.. إن مشروعية الجهاد في الإسلام ترتبط بنصرة المظلومين ودفع الظلم عنهم وتمكينهم من حقهم في حياة مستقرة آمنه مثل غيرهم، وهذا حق أصيل لا يستطيع أي منصف أن ينكره، وتتعدد وسائل الجهاد مثلما تتعدد معانيه فهناك الجهاد بالنفس وبالمال وباللسان وذلك في مجال بيان الإسلام والدعوة إليه، وكلمة الجهاد وإن كانت تحمل معاني عدة غير القتال إلا أن استعمالها في القتال في سبيل الله هو الأغلب والمشهور في أدبيات الإسلام، ولا يباح القتال إلا عند التعدي على المسلم بدون وجه حق.
وقالت الطملاوي، هنا يجب عليه الدفاع عن نفسه، أما الكفر وحده دون عدوان فإنه لا يكون سبباً في الحرب على غير المسلمين، فالدعوة إلى الإسلام لا تكون إلا بالحجة والبرهان لا عن طريق السيف، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تدعو إلى السلام والعيش المشترك واحترام الشرائع المختلفة، وأنه الدين الوسط الذي ينبذ العنف والتطرف وهذا سر انتشاره في ربوع العالم، وهناك الكثير من الآيات التي تدل على أن الجهاد هو الدفاع عن النفس لا الاعتداء لمن خالف معتقد الإسلام إلا إذا استخدمه وأساليب الحرب فهو لصد الاعتداء لا لاختلاف العقائد ومن الآيات التي تدل على ذلك قوله تعالى ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾(سورة البقرة: 190).
فالجهاد في الإسلام ليس قتال الكافر بل قتال الظالم مسلما كان أو كافراً، أما عن الأمر بالأخوة والتعايش مع المخالف والأمر بالقسط إليهم رحمة بهم وأمر بالدعوة بالحسنى في قوله عز وجل {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9 الممتحنة) وقال تبارك وتعالى( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (الأنفال: 61) وقال عز وجل:( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾(البقرة 190).
وأضافت، إن الإسلام يدعو في مبادئه إلى أن تكون الحياة وحده انسانيه غايتها التعارف والتعاون بين الجميع، ولا يتصورها صراعا بين الطبقات ولا حرباَ بين الشعوب ولا عداوة بين الأجناس، وقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13) إن الأديان كلها دينا واحدا بعث الله به الرسل رسله للبشرية جمعاء ومن آمن بهذا الدين أمة واحدة في كل زمان ومكان، ويصور النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوحدة فيقول صلى الله عليه وسلم (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنه من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) صحيح البخاري رقم( 3535 ).
ويؤكد الإسلام في نصوصه ومبادئه على حفظ وصيانة حقوق الإنسان بصرف النظر عن دينه وجنسه ولونه ووطنه، تلك الحقوق التي لم يصل إليها حتى اليوم أي نظام ولا شريعة ولا فلسفة في عمقها وأصالتها ورفعتها، ولم يترك هذه الحقوق عرضة للعبث والضياع وإنما جعلها من صميم العقيدة، وفرض على المجتمع والدولة، فكرم الإنسان ووهبه حق الحياه وأسجد له ملائكته وسخر له كل شيء ليكون خليفته في الأرض فقال عز وجل( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) بل حرم قتله والتعدي عليه أيا كان، فقال عز من قائل:( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151الأنعام)، وجعل الاعتداء على نفس واحدة كأنما اعتدى على كل نفس ومن حفظها فكأنما حفظ حق المجتمع بأسره، فقال عز وجل:(مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32 المائدة )، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: مرت بنا جنازة فقام النبي صلى الله عليه وقمنا، فقلنا يا رسول الله إنها جنازة يهودي، فقال صلى الله عليه وسلم أوليست نفساً)، إن الإسلام يفرض على المسلم أن يتحلى بالسلم في كل عباداته وأفعاله، وليس فقط على غيره، ففي الحج يقول تعالى:( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197 البقرة).
وفي الصوم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق وإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم ):وباستقراء القرآن الكريم نجد أن لفظ السلام وما اشتق منه يزيد على (133) آية فى القرآن، بينما لم يرد الحرب إلا في ست آيات فقط، ومن أسماء الله عز وجل( السلام )، وتحية المسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة السلام تحيه المسلم لأخيه (السلام) عليكم، ومن أسماء الجنة (دار السلام)، وليلة القدر التي نزل فيها القرآن كلها سلام فقال عز وجل: سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ): (القدر 5).
وتحية المؤمن في الجنة السلام، يقول تعالى:( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44الأحزاب)، وغيرها من الآيات التي تحض على السلام وعلى أن الجهاد في الإسلام ليس تعدي على النفس البشرية بل شرع بضوابط وشروط تحفظ للآخر حياته وحقوقه ما دام لم يتعدى بها على غيره ظلماً وعدوانا.
اقرأ أيضاًالتخطيط والأزهر يبحثان سبل التعاون في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء
المفتي: دور علماء الأمة تبليغ الناس صحيح الدين وبناء وعي المسلمين
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الأزهر الشريف القرآن الكريم الشريعة الإسلامية الشرع الجنة سنة الرسول النار صلى الله علیه وسلم عز وجل
إقرأ أيضاً:
حكم المرأة غير المحجبة في الإسلام.. هل يطلقها زوجها ويحرمها من حقوقها؟
أكدت دار الإفتاء المصرية، أن الحجاب فريضة على كل امرأة مسلمة عاقلة، ويتحقق بأن تلبس ما يستر كلَّ جسمها ما عدا وجهَها وكفيها؛ أيًّا ما كانت هذه الملابس؛ بحيث لا تصف ولا تكشف ولا تشف.
واستدلت دار الإفتاء بقوله قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31].
كما استدلت دار الإفتاء بما روي عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وأشار إلى وجهه وَكَفَّيْهِ. أخرجه أبو داود في "سننه"، والطبراني في "مسند الشاميين"، وابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"الآداب" و"شعب الإيمان".
المرأة غير المحجبةوقالت دار الإفتاء: إن لم تكن الزوجة ترتدي الحجاب الشرعي فإن مسؤولية الأمر به والحث عليه داخلة في نطاق مسؤولية زوجها عنها في رعاية مصالحها الدينية، ويجب عليه حينئذ أمرُها به، أمرَ إرشادٍ وترغيب، لا أمرَ إجبارٍ وترهيب.
وتابعت: فإن قام الزوج بمسؤوليته في نصح زوجته وحثها على الحجاب، ولكنها مع ذلك لم تتحجب، فعليه أن يصبر عليها مع المداومة على النصح والترغيب؛ إذ نص الشرع على وجوب أمر الأهل بالصلاة والصبر عليهم في أدائها وإقامتها، مع كون الصلاة عماد الدين وأول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة، فلأن يصبر الزوج على امرأته في الالتزام بفريضة الحجاب من باب أولى.
وقد نص الشرع الشريف على أن الأصل في الدعوة إلى الله تعالى أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا كان ذلك لعموم الناس أو لأصحاب العداوات من المعارضين للحق؛ فلأن يكون بين الزوج وزوجته أولى.
حرمان غير المحجبة من حقوقهاوأكدت دار الإفتاء أن الإيذاء النفسي بحرمان الزوجة من حقوقها الأساسية كالنفقة، أو البدني كالتعدي بالضرب عليها؛ لأجل أن تتحجب: ليس من الحكمة في شيء، بل ربما أدى إلى نقيض المراد منه، وهو النفور مما كان سببًا لتعرضها للإيذاء النفسي أو البدني، كما جبل على ذلك البشر.
وقد نص الفقهاء على أنه ليس للزوج إيذاء زوجته بالضرب لإجبارها على الإتيان بحقوق الله تعالى، وإنه إنما يكتفي في ذلك بالوعظ والإرشاد، فإن لم يُفِدْ: جاز له زجرها بما لا يؤذيها إن غلب على ظنه إفادةُ ذلك؛ لأن منفعة قيامها بحقوق الله تعالى تعود إليها لا إليه.
فعلى الزوج أن يديم النصح لزوجته في كل ما فيه طاعة ربها، ومن ذلك: فريضة الحجاب؛ بأن تستر جسمها ما عدا وجهها وكفيها، ولكن لا علاقة لذلك بإنفاقه عليها ما دامت غير ناشر؛ فالمعصية لا تمنع النفقة، كما أن عدم لبسها الحجاب ليس مبررًا له أن يمنعها من ممارسة حياتها، إلّا إذا علم انحرافها فعليه حينئذٍ أن يمنعها بسلطته من الانحراف قدر ما يستطيع.