بعد عمليتي حوارة والخليل في الضفة الغربية، اللتين أودتا بحياة 3 مستوطنين، دبّ الاضطراب من جديد في أروقة الكابينت الإسرائيلي حول خيارات الرد الممكنة ضد عمليات المقاومة الفلسطينية. يأتي ذلك بعد أقل من شهرين على عملية عسكرية واسعة النطاق في مخيم جنين، وكانت هي الأكبر منذ عملية "السور الواقي" عام 2002.

يكمن فشل الردع الإسرائيلي في الضفة الغربية في نقطتين جوهريتين:

الأولى تتعلق بنطاق الردع الممكن تجاه الفلسطينيين، فالضفة الغربية ليست كغزة، ولا يمكن شن عمليات عسكرية شاملة تستهدف البنية التحتية والمدنية، سواء المادية أو البشرية، كما يحدث في حروب الاحتلال على غزة، فأي عمليات عسكرية شاملة في الضفة الغربية يجب أن تأخذ بالاعتبار أنها لن تستهدف المقاومين فقط، بل قد تلحق ضررا بالبنية والمؤسسات التي تعمل على الردع فعليا.

مثل هذه العمليات ستهدد باضطراب أمني أعمق قد يؤدي إلى تدمير، أو على الأقل خلخلة، المنظومة الأمنية التي تأسست في ضوء العلاقة التعاقدية بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية وأجهزة سيطرتها هناك، والتي لا يُستهان بدورها. واجتياح مخيم جنين في بدايات يوليو/تموز الماضي قدم نموذجا حول هذا، حين انعكست الأحداث العسكرية في المخيم على شكل موجة غضب عارمة ضد أجهزة السلطة ورموزها.

وحتى اليوم، فإن الردع الجماعي الإسرائيلي في الضفة الغربية يبدو محدودا رغم محاولات توسيع النطاق، مثل اعتقال أفراد عائلة المنفذ، وتدمير منزلهم، أو اعتقال أصدقاء المنفذ، وربما معاقبة الحي بأكمله بالإغلاقات الأمنية وما شابه ذلك من إجراءات.

ومن المفارقات أن غياب أجهزة السلطة الفلسطينية ومنظومة التنسيق الأمني مع الاحتلال في غزة يمثل -فيما يبدو- أحد أبرز عوامل نجاح الردع الإسرائيلي في القطاع. فرغم الخطر الإستراتيجي الذي شكلته بُنى المقاومة المسلحة في غزة، فإن جرأة الاحتلال على استهداف المؤسسات المدنية والسكنية وقتل أكبر عدد من المدنيين في القطاع كانت بسبب غياب الحسابات التعاقدية بين الاحتلال والأجهزة الفلسطينية السلطوية في غزة. بمعنى آخر، العواقب التدميرية يتحملها الجانب الفلسطيني وحده هناك. بل إن التدمير الشامل في غزة خلال الحروب كان على الدوام أداة لتدمير القناعات الجماعية للمجتمع المحلي حول جدوى مؤسسات الحكم القائمة هناك وأشكال تعاقداتها الأمنية والسياسية.

العامل الثاني في فشل الردع الإسرائيلي في الضفة الغربية يعود إلى دوافع هذا الردع من الناحية الإسرائيلية. نعلم جميعا أن الحكومة الحالية هي الأكثر يمينية وتطرفا في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، وهي حكومة تقوم على هشاشة وتصلب مفرط. أي أن انحرافا بسيطا قد يكسر توازن الائتلاف السياسي القائم. من هنا، تبدو خيارات التصلب في الردع هي الوحيدة المتاحة على طاولة الحكومة الإسرائيلية، في إطار تناقضها الجوهري مع خيارات الردع اللين وطويل الأمد، مثل دعم السلطة الفلسطينية وأجهزتها لتقوم بدور أفضل، أو إعادة تفعيل عملية سياسية ولو شكلية معها. وفي أي حال، فإن السؤال الذي لا يزال مفتوحا هو: ما خيارات الردع الإسرائيلي في الضفة الغربية؟

لمقاربة الإجابة عن هذا السؤال، يجب عرض خريطة الردع المتاحة، خاصة في ضوء اتهام نتنياهو المباشر بوجود داعمين وموجهين خارج الضفة الغربية، وربما خارج فلسطين، يقفون وراء هذه العمليات. يتعامل الردع الإسرائيلي مع 4 جبهات: فبجانب الضفة الغربية، هناك غزة ولبنان وسوريا. في غزة، تبدو قواعد الاشتباك مستقرة لدرجة قد تجعل من الردع بواسطة شن عملية عسكرية واسعة النطاق أمرا مستبعدا.

فكما أشرنا سابقا، قد يخدم مثل هذا التطور الغرور المتصلب في حكومة نتنياهو، ولكنه قد يؤدي إلى حدوث انحناءة قد تكون كاسرة ومدمرة لحكومة تبذل قصارى جهدها للبقاء وتجنب الاضطرابات داخل الساحة الإسرائيلية، خصوصا في ما يتعلق بوضع نتنياهو القضائي. وقد أكدت التجربة أن غزة قادرة على الصمود وإلحاق الضرر في حال دخلت المواجهة في مساحات مفتوحة. في لبنان، يبدو المشهد مشابها للوضع الميداني في غزة، مع الاعتبار أن قواعد الاشتباك في لبنان قد تكون أكثر هشاشة بسبب استعداد محتمل لحزب الله لتلقي ضربات ذات نطاق ضيق لتجنب خلط الأوراق في أزمات لبنان الاقتصادية والسياسية.

إذا، قد تُجبر أزمة لبنان الحزب على امتصاص صدمة محدودة، مثل تنفيذ اغتيالات في قلب لبنان لشخصيات فلسطينية، سواء بالأسلوب الخفي للموساد أو الأسلوب الجلي للجيش الإسرائيلي من خلال طائراته وصواريخه. حينها، سيكون التصعيد في جبهة لبنان محددا بحسب نطاق ووزن الهدف وطبيعته، مثل أن يكون الهدف فلسطينيا وليس لبنانيا. تبقى جبهة سوريا، التي يُعتبر الهجوم الإسرائيلي عليها قاعدة الاشتباك الوحيدة. فقد حدث بالفعل -بعد عملية حوارة الأخيرة- أن قُصفت أهداف في دمشق بصواريخ يُعتقد أنها إسرائيلية.

فمنذ سنوات أرست الغارات الإسرائيلية المتعاقبة على أهداف تتبع إيران وحزب الله في سوريا روتينا من طرف واحد. إلا أن إشكالية هذه الجبهة تكمن في بنك أهدافها الفلسطينية. فحماس التي تبنت عملية الخليل غير موجودة فعليا، واستهداف حركة "الجهاد الإسلامي" التي تقيم قيادتها في دمشق قد يجر المشهد لتصعيد في جبهة غزة، قياسا على حوادث سابقة، ومدفوعا برغبة إيرانية للتصعيد من القطاع.

تكمن الخلاصة المهمة في هذا المشهد في كون الضفة الغربية اليوم تشكل أعقد مسائل الأمن الإسرائيلية. وأهمية هذا التعقيد أنه غير ناتج عن فشل استخباري، فالشاباك حاضر في كل قرية وحي تقريبا بحكم الاحتلال المتحكم في كل مفاصل الضفة منذ أكثر من 50 عاما. كما أنه تعقيد لم ينشأ عن تراجع القدرة العسكرية للاحتلال، ولا رغبته في القتل المتواصل أصلا كل يوم بحق الفلسطينيين. ولكنه تعقيد يبرز من حقيقة تقررها الفيزياء مفادها أن الأكثر تصلبا هو الأكثر هشاشة.

ونختم بما كتبه الكاتب الإسرائيلي عوديد شالوم في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، وترجمته صحيفة "الأيام" الفلسطينية -في عددها الصادر يوم 23 أغسطس/آب 2023- "هكذا تكون صورة الوضع بعد 56 سنة وشهرين، منذ الانتصار الأكبر في 1967: نجحت إسرائيل في أن تدق أوتادا عميقة على طول وعرض الضفة الغربية، إذ أقامت مئات المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وأسكنت فيها أكثر من نصف مليون إسرائيلي. تتحكم إسرائيل بالمجال الجوي وبالحدود البرية، وتتحكم بمصادر المياه، وبالمجال الخليوي وبشبكة الكهرباء. شقت منظومة طرق منفصلة لليهود، وفي الغالب يتحرك الفلسطينيون بين القرى والبلدات في طرق قديمة بين المدن، حيث لا يوجد يهود. للشاباك سيطرة استخبارية عميقة في القرى والمدن، ويوظف الجيش قسما كبيرا من قواته البرية في الدفاع عن المحاور، والمفترقات، والمستوطنات. ومع كل قائمة البقالة المبهرة هذه، لم يتحقق الأمن، كما أنه لن يتحقق… فلإصرارنا على الاستيطان في أرض ليست لنا ثمن".

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

خلال أسبوع.. 1838 جريمة إسرائيلية في مختلف المناطق الفلسطينية

وثّق المرصد الإعلامي لمنظمة التعاون الإسلامي لجرائم كيان الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، في الفترة بين 19 إلى 25 نوفمبر الحالي، عمليات قصف إسرائيلية عديدة طالت خيام النازحين في المواصي غربًا، وسكان حي التفاح شرقي قطاع غزة، ومخيمي جباليا والشاطئ في شمال القطاع.
ووصل عدد الشهداء على مدى 7 أيام في قطاع غزة وحده 313 شهيدًا، و737 جريحًا، فيما بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023 وحتى 25 نوفمبر الحالي، 45031، بينما بلغ عدد الجرحى، 110 آلاف.
أخبار متعلقة استشهاد ثمانية فلسطينيين في قصف للاحتلال على شمال غزة"الأونروا": سكان غزة يواجهون خطر الجفافأبو الغيط: "حل الدولتين" الخطوة الوحيدة لتحقيق سلام قابل للاستدامةوكشف المرصد عن عدد الجرائم التي اقترفها الإسرائيليون خلال المدة الزمنية بين 19 - 25 نوفمبر الحالي، التي بلغت 1838 جريمة في مختلف المناطق الفلسطينية.
فيما بلغ مجموع تلك الجرائم على مدى الفترة بين 7 أكتوبر 2023 إلى الآن، 204505 جرائم، تشمل فئة محددة من الجرائم التي جرى رصدها.الوضع الغذائي المتفاقمولاحظ مرصد المنظمة أن الوضع الغذائي المتفاقم في قطاع غزة قد جاء متراكمًا بسبب العديد من الأسباب التي يقف الاحتلال وراءها، التي تتمثل أولًا في منع دخول المساعدات الإنسانية أو تقنينها والسماح بقائمة محدودة من المواد.

بمناسبة #اليوم_العالمي_للقضاء_على_العنف_ضد_المرأة.. الخارجية الفلسطينية تؤكد على حق النساء والفتيات الفلسطينيات في العيش بأمان وسلام
للمزيد | https://t.co/X2XCe4zTqM#فلسطين | #غزة | #اليوم pic.twitter.com/GW3bcnuAcZ— صحيفة اليوم (@alyaum) November 25, 2024
بالإضافة إلى إفساح المجال أمام المستوطنين لإتلاف الشحنات وهي في طريقها إلى المعابر أو السماح بدخولها، ومن ثم استهداف المحتشدين الباحثين عن الطعام، أو استهداف الشاحنات نفسها بعد دخول قطاع غزة، أو استهداف اللجان التي تعمل على تنظيم توزيع المساعدات و"التكيات"، التي توزع الوجبات الجاهزة.
أو استهداف مخازن الغذاء والسلع أو تسليط المجرمين واللصوص في داخل القطاع لسرقة شحنات المساعدات.اقتحام المسجد الأقصىوفي القدس المحتلة، واصل المتطرفون الإسرائيليون اقتحام المسجد الأقصى المبارك تحت حماية شرطة الاحتلال، إذ وصل عددهم خلال الفترة إلى 1905 مقتحمين، كما هدمت قوات الاحتلال، مسجد الشياح في حي جبل المكبر بالقدس.
وصادقت على مصادرة 11 دونمًا من أراضي الفلسطينيين التابعة لقرية بيت صفافا، لصالح بناء 200 وحدة سكنية استيطانية جديدة.

استشهاد ثمانية فلسطينيين في قصف للاحتلال على شمال #غزة#اليوم https://t.co/U3iaKsCgbh— صحيفة اليوم (@alyaum) November 26, 2024جرائم الاحتلال في الضفةوفي الضفة الغربية، هدمت قوات الاحتلال منزلين في سلفيت والخليل، واحتلت 4 منازل في جنين ورام الله وكفر عبوش، وأحرقت 3 منازل بالكامل في جنين.
كما هدمت غرفتين زراعيتين وجدرانًا استنادية وسلاسل حجرية وخلايا نحل، واقتلعت 42 شجرة مثمرة في نابلس، وحظائر زراعية تبلغ مساحتها 350 مترًا مربعًا، وبئرًا لجمع المياه واقتلعت عددًا من الأشجار في الخليل.
ودمرت أجزاءً من مخيم ملعب البلدية في جنين، وجرفت شوارع ودمرت أجزاءً من البنية التحتية، وألحقت أضرارًا بممتلكات الفلسطينيين في مخيم جنين.جرائم المستوطنينوبحسب التقرير، اقترف المستوطنون وقوات الاحتلال فيما يتعلق بقمع موسم قطاف الزيتون في الضفة الغربية، 13 اعتداءً طال 13 قرية مختلفة.
وتضمنت الاعتداءات منع الفلسطينيين من قطاف محاصيلهم، واقتلاع وتكسير أغصان أكثر من 170 شجرة زيتون في كل من قرية حجة وقرية ياسوف وقرية اللبن الشرقية، فضلًا عن سرقة محاصيل الزيتون وتجريف الأراضي الزراعية.

"الأونروا": سكان #غزة يواجهون خطر الجفاف#اليومhttps://t.co/EEOViyOrkS— صحيفة اليوم (@alyaum) November 26, 202413 شهيدًا في الضفةوقتلت قوات الاحتلال في الضفة الغربية خلال الفترة بين 19 - 25 نوفمبر 2024، 13 فلسطينيًا في وجرحت 46 آخرين، واعتقلت 118، كما شنّ المستوطنون (33) اعتداءً على بلدات وقرى الضفة الغربية، وأحرقوا خلالها مركبتين في رام الله.
فيما اقتحم وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل الذي أغلقته قوات الاحتلال منذ 3 أيام ولا تزال بذريعة الأعياد اليهودية.3 أنشطة استيطانيةوشهدت قرى الضفة 3 أنشطة استيطانية إذ شرع مستوطنون في طوباس في تأهيل نبع ماء بغية الاستيلاء عليه، وجرفت سلطات الاحتلال في منطقة وادي الربابة في حي سلوان بمدينة القدس، مساحة من الأراضي ووضعت شواهد قبور في المكان.
كما وضع مستوطنون بيتًا متنقلًا على أراضي فلسطينيين في مسافر بلدة يطا.

مقالات مشابهة

  • خلال أسبوع.. 1838 جريمة إسرائيلية في مختلف المناطق الفلسطينية
  • الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 435 امرأة من الضفة الغربية خلال عام
  • المقاومة الفلسطينية تبث مشاهد لتصدي مقاتليها لقوات العدو الصهيوني في الضفة الغربية
  • الاحتلال الإسرائيلي يحاصر منطقة الخليل في الضفة الغربية
  • الجيش الإسرائيلي يعتقل 29 من الضفة الغربية
  • الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 18 فلسطينيًا من الضفة الغربية
  • الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 18 فلسطينيا من الضفة الغربية
  • استشهاد فلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية
  • الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 12 فلسطينيا من الضفة الغربية
  • الاحتلال يعتقل 12 فلسطينياً في الضفة الغربية