ما إن حطت أنامل العازف سلطان بن مسلم الرحبي على آلة البيانو حتى بدأت الألحان العذبة تنساب إلى مسامعي في أحد المقاهي المميزة في مسقط، وعلى عكس العادة لم أطلب حينها قهوة أمريكية سوداء، بل شاي الأعشاب المطعم بالتوت، وعلى رشفات الشاي أبحرت مع العازف سلطان الرحبي في رحلات موسيقية عديدة، فتارة أخذني إلى موانئ عالمية كلاسيكية، محاكيا العازف العالمي الأسطوري «بيتهوفن»، عازفا من روائعه الفريدة مثل معزوفات «قصة الحب»، و«فرو أليز»، وتارة يحاكي العازف الإيطالي المعاصر «لودفيكو» بأسلوبه الفني الممزوج بين الحداثة والكلاسيكية، وتارة يستسلم لمزاجه الذي يأخذه نحو الأجواء الفرنسية الكلاسيكية فيعزف مقطوعة «مارياج دامور» التي ألفها الموسيقار الفرنسي «بول دي سينيفيل» في عام 1979، ثم انتقل بي إلى عوامل الكرتون الكلاسيكية، فأخذني بالذاكرة إلى أيام الطفولة حينما عزف مقطوعة المسلسل الكرتوني «سالي»، وهكذا انتقل من معزوفة رائعة إلى أخرى أكثر روعة.

يبحر سلطان الرحبي على البيانو بأداء متناغم مع الصوت العذب، بأنامله التي تنساب كعذوبة الماء في الجداول، تأخذه مفاتيح البيانو إلى مواضع عديدة فيها، قريبة وبعيدة في آن واحد، لتبدو حركة يديه على البيانو أشبه بحركات مايسترو رشيقة، فمهما ابتعدت المفاتيح حطت يده عليها بسرعة ورشاقة معا، فلا ينقطع في العزف ولو لجزء بسيط، ليختم كل معزوفة بحبكة فنان أداءً وشعورا وكأنه يُسدل ستار عمل أوبيريتي، ويفتتحه مرة أخرى على عمل آخر.

سلطان ذو العشرين ربعيا يصف ارتباطه بالبيانو بأنها كالدماء تجري في عروقه، هي مرآته التي تعكس مزاجه ووسيلته للتعبير عما في خاطره من مشاعر وأحاسيس، يقول سلطان: «البيانو هي لغتي التي استعملها للتعبير عن ذاتي ومشاعري، هي وسيلتي لسرد قصص كثيرة، وبها سأسرد قصة حياتي».

رغم عدم تخصص سلطان الرحبي بالموسيقى، إلا أنه يمتلك موهبة فذة جعلته قادرا على محاكاة أي معزوفة يسمعها، وذلك اعتمادا على الصوت وليس على قراءة «النوتة الموسيقية»، فخبرته الفنية نابعة من موهبة وليست دراسة متخصصة، إلا أنه مطلع ذاتيا على عالم البيانو وأبرز عازفيه، وعن سرد الحكايات بالبيانو يقول: «بيتهوفن تكاد تكون كل معزوفاته عبارة عن حكاية وقصة، المتذوق للموسيقى يستشعر تلك الحكاية، التي قد تبدأ بحكاية رومانسية، ثم تنتقل إلى حادثة سرقة، وربما تدخل في أحداث صراع وقتال، ثم يخيم الحزن، كل تلك الأحداث لها نغم وصوت».

لمعزوفات سلطان الرحبي بصمة فنية خاصة، فهو يعزف الكثير من الألحان ولكن بطريقته الخاصة وأسلوبه الفني المميز، خاصة الأعمال المعاصرة، أما الأعمال الكلاسيكية، كمعزوفات بيتهوفن فلا يغير بها شيء إنما يعزفها كما هي، وعلل ذلك بقوله: «تلك معزوفات لها حكاية، وأي تغيير فيها يعني تغييرا في تلك الحكاية الصوتية».

وبين الدراسة والهواية، يوزع الرحبي وقته، فهو طالب في كلية الدراسات المصرفية والمالية، وعاشق للبيانو الموجودة في منزله، فيقضي عليها الوقت الكثير دون إغفال الجانب العلمي والدراسة، إلا أن البيانو ينال نصيب الأسد من وقته، إذ يقول: «لا يوجد وقت محدد للبيانو، أقضي عليها الكثير من الوقت».

عزف سلطان الرحبي في العديد من المناسبات والفعاليات، منها فعاليات في جامعة السلطان قابوس وكلية الدراسات المالية والمصرفية التي يدرس فيها، والعديد من الأماكن، ومن أبرز الفعاليات التي شارك فيها الرحبي احتفال الإعلان عن مدينة السلطان هيثم، التي أقيمت في دار الأوبرا السلطانية، حيث شهد الاحتفال حضور العديد من الشخصيات البارزة، وعزف سلطان حينها العديد من المعزوفات منها معزوفة أغنية العندليب عبدالحليم حافظ «على حسب ودادك»، حيث غلبته الأحاسيس لينطلق بهذه المعزوفة ببراعة وقدرة فنية عالية ممزوجة بأنغام حماسية ليصنع للحضور لوحة موسيقية فريدة كانت مفاجأة بالنسبة لهم، وكانت المفاجأة بالنسبة له التصفيق الحار والمتواصل بعدما انتهى من المعزوفة، وعن تلك المشاركة أوضح: «كان تصفيق الحضور دافعا قويا لي، حقيقة لم أتوقع هذا التفاعل في محفل رسمي يعني لي الكثير، إذ ارتبط هذا المحفل باسم صاحب الجلالة السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- كما أنه مشروع مستقبلي انطلق بحفل كنت مشاركا فيه، إضافة إلى أنه في صرح ثقافي كبير وهو دار الأوبرا السلطانية، الدار التي تعد حلم أي عازف عماني أن يعزف على خشبتها».

يعزف سلطان الرحبي 3 أيام في الأسبوع في مقهى فندق «كومبنسكي» أمام الحضور الذين يقصدون المقهى في كثير من الأحيان للاستمتاع بالعزف الموسيقي، تارة مع الفنان سلطان الرحبي، وتارة مع زميلته الفنانة غدير البلوشية، وقد شكل له العزف في الفندق نقطة تحول، فهو مقصد لكثير من رجال الأعمال وأصحاب الشركات والزوار الذين يقومون بالفعل بدعوته للمشاركة في العديد من المناسبات.

وللبيانو تفاصيل معقدة، فرغم صوتها العالي نسبيا، الذي ينتشر في محيط كبير، إلا أنها آلة غير كهربائية، تعتمد على الأوتار والمفاتيح لينبعث منها صوت يملأ المكان، إلا أنها كبيرة الحجم ويصعب نقلها من مكان إلى آخر، وإذا ما تم نقلها يتطلب الأمر إعادة ضبط الأوتار، وهي مسألة معقدة وتأخذ الكثير من الجهد والوقت، لذلك يملك الرحبي آلتي بيانو في منزله، الأولى كلاسيكية يصعب نقلها، والأخرى كهربائية أشبه بآلة «الأورج»، وهي التي يستعملها في المحافل الخارجية التي يتم استدعاؤه فيها للمشاركة.

ولا يتوقف طموح سلطان، فهو الطامح إلى أن يصل إلى العالمية بمعزوفاته التي ألفها بنفسه، ويقول: «بدأت العزف على البيانو منذ خمس سنوات، وقريبا أدخل العام السادس، لدي بالفعل معزوفات ألفتها بنفسي وقد سمعها الكثير من الموسيقيين، البعض كان يسأل عن مؤلف تلك المقطوعات ويستغرب أنني قد ألفتها بنفسي دون توثيقها بنوتة موسيقية، إنما بالسماع فقط، وأحد مؤلفاتي مدتها 40 دقيقة، وأعيدها مرارا كما هي من خلال الحفظ المعتمد على السماع، وفي الفترة القادمة لدي خطة لتعلم كتابة النوتات الموسيقية، وتوثيق أعمالي، لأقدمها أمام العالم في سبيل تحقيق طموحي أن أكون من أفضل عازفي البيانو، وأن تصل مؤلفاتي إلى كل العالم».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکثیر من العدید من إلا أنه إلا أن

إقرأ أيضاً:

دراسة: الكثير من الأطباء يستخدمون الذكاء الاصطناعي في الرعاية الطبية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تشهد الرعاية الصحية تحولًا جذريًا مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ حيث أفادت دراسة شملت 1000 طبيب في الولايات المتحدة أن 20% منهم يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في ممارساتهم السريرية، وتشمل الاستخدامات الشائعة إنشاء الوثائق الطبية، دعم اتخاذ القرارات السريرية، وتوفير معلومات دقيقة للمرضى، مثل تقارير الخروج وخطط العلاج.

وتبرز “البوابة نيوز” تفاصيل الدراسة التي نشرت في sciencealert:

إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي:

يبدو أن الذكاء الاصطناعي يقدم حلولًا مبتكرة للعديد من التحديات في مجال الصحة، فقد ساعد في تحليل الصور الطبية وتشخيص الأمراض بدقة، فضلًا عن توفير الوقت والجهد للأطباء من خلال أتمتة العمليات الروتينية، ومع ذلك فإن الاعتماد عليه يثير تساؤلات جوهرية حول سلامة المرضى وكيفية استخدام هذه التقنية بفعالية ودون مخاطر.

التحديات المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي:

رغم إمكانياته الكبيرة، إلا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يواجه تحديات كبيرة، أبرزها:

1. عدم التخصص:

بخلاف الأدوات التقليدية المصممة لأداء مهام محددة، يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على نماذج أساسية متعددة الاستخدامات، ما يجعله غير مهيأ تمامًا لاستخدامه في تطبيقات طبية محددة.

2. ظاهرة “الهلوسة”:

تتجلى هذه الظاهرة في إنتاج مخرجات غير دقيقة أو غير منطقية بناءً على المدخلات. على سبيل المثال، قد تُضاف معلومات لم يذكرها المريض أو الطبيب إلى الملاحظات الطبية، ما قد يؤدي إلى أخطاء خطيرة في التشخيص أو العلاج.

3. السلامة والسياق:

سلامة المرضى تعتمد على تكامل الذكاء الاصطناعي مع الأنظمة الصحية الحالية، بما في ذلك القوانين والثقافات التنظيمية. ومع التطور المستمر للتقنيات، يصبح من الصعب التنبؤ بسلوك الأدوات الجديدة وكيفية تأثيرها في المرضى، خاصةً الفئات الضعيفة أو الأقل قدرة على التعامل مع التكنولوجيا.

أهمية التنظيم والتطوير المشترك:

قبل التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في الرعاية الطبية، يجب:

ضمان السلامة: من خلال دراسة كيفية تأثير التكنولوجيا على المرضى في مختلف السياقات الصحية.

إشراك المستخدمين والمجتمعات: لضمان أن الأدوات مصممة لتلبية احتياجات متنوعة دون التسبب في تمييز أو أضرار غير مقصودة.

التكيف مع التطورات: من خلال تحديث اللوائح والتنظيمات باستمرار لتواكب تطورات التقنية.

مستقبل الذكاء الاصطناعي في الصحة:

مع تزايد الابتكار، يُتوقع أن يُحدث الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في الرعاية الصحية، مما يتيح تشخيصًا أسرع وأكثر دقة، ويعزز من كفاءة النظام الصحي، لكن نجاح هذه الثورة يتطلب التزامًا بالسلامة، والتعاون بين المطورين، والمنظمين، والممارسين لضمان استخدام آمن ومستدام لهذه التقنيات في المستقبل.

مقالات مشابهة

  • مسيحيو العراق يُطالبون بالإنصاف: الكثير من الوعود تُطلق ومعاناتنا مستمرة
  • مسيحيو العراق يُطالبون بالإنصاف: الكثير من الوعود تُطلق ومعاناتنا مستمرة - عاجل
  • ختم الصلاة بطريقة سهلة وبسيطة.. لن تأخذ من وقتك الكثير
  • دراسة: الكثير من الأطباء يستخدمون الذكاء الاصطناعي في الرعاية الطبية
  • تقرير بريطاني ينفي إعطاء"مكافآت نقدية" للعائلات التي تنهي حياة كبار السن فيها بالقتل الرحيم
  • الشائعات سلاح أجهزة المخابرات والكتائب الإلكترونية لتدمير الدول ذاتيًا
  • إجمالي مشاهدات أغنية حياتي الحلوة لـ رامي جمال خلال 24 ساعة
  • تعرف على المدن التركية التي يعيش فيها الناس أطول عمراً؟
  • من أمام الكعبة.. «كزبرة» يودع 2024: كانت نقطة تحول في حياتي وربنا عوضني فيها | صورة
  • ريهام عبد الغفور: 2024 العام الأكثر ألماً في حياتي