طالما لازم اسم "بلاد الرافدين أو النهرين" العراق، للدلالة على الهبة العظيمة التي يتمتع بها البلد بمرور نهري دجلة والفرات من خلاله، إذ تتوسطان خريطته بدءا من دجلة من الشمال والفرات الذي يشق طريق غربا قادما من سوريا، حتى يلتقيان ويصبان في شط العرب أقصى جنوب العراق.

لكن هذه الميزة بانت مهددة بالزوال خلال السنوات الأخيرة، إذ يخنق الجفاف النهرين الكبيرين ويوشك أن يحولهما إلى جداول مائية بسيطة في كثير من المناطق، مع تعاظم الخوف من أن يصبح الفرات ودجلة شيئا من الماضي.



وتؤكد ذلك الصور التي تصدم العراقيين كل عام، فدجلة الذي يشطر بغداد نصفين أصبح بالإمكان عبوره مشيا في بعض المناطق، كذلك الفرات بات ينحسر عن ضفافه بشكل مرعب في الأنبار، فضلا عن جفاف الأهوار جنوبا، وموت الكثير من الجداول والبحيرات في عدة محافظات في البلاد.

بالفيديو.. ظهور ركائز جسر سريع الدورة ببغداد في نهر دجلة بسبب الجفاف pic.twitter.com/uQZxOL0fjv — J.S.H (@jafaralaaraji82) August 20, 2023
عربي21 وثقت مظاهر الجفاف في العراق، ورصدت أسباب وتأثيرات الأزمة على البلاد.



دجلة
يعد دجلة أحد أهم أنهار منطقة الهلال الخصيب، حيث يمد المدن التي يمر بها في تركيا وسوريا والعراق بالمياه العذبة حيث يعتمد عليه سكان المناطق المحيطة به مصدر رئيسي لمياه الشرب، فضلا عن الزراعة وإنتاج الطاقة الكهربائية من خلال السدود المقامة عليه.


ينبع دجلة من المناطق الجبلية التي تحيط ببحيرة هازار التركية، حيث يبلغ طوله 1750 كم منها 1400 كم في الأراضي العراقية، حيث يمر بشمال شرق سوريا قبل دخوله العراق عند بلدة فيش خابور، ثم يلتقي بنهر الفرات ويصب في الخليج العربي.

تصب فيه العديد من الروافد في تركيا وإيران والعراق أهمها:
الخابور 
الزاب الكبير
الزاب الصغير
نهر العظيم
نهر ديالى


ويمر بمدن عراقية اهمها الموصل، بعقوبة، بيجي، تكريت، سامراء، بغداد، الكوت، العمارة.

الفرات
يعتبر نهر الفرات رديفا لدجلة حيث ينبع من جبال طوروس في تركيا ويتشكل من رافدين أساسيين هما مراد صو وكرا صو، قبل أن يتجه جنوبا نحو سوريا.

يصل طول الفرات الكلي نحو 3000 كم منها 1160 كم في الأراضي العراقية التي يدخلها من مدينة القائم غربي البلاد بعد مروره بعدة مدن سورية.

ويمر الفرات بمحافظة بابل عندها يتفرع منه شط الحلة ثم يتجه إلى كربلاء والنجف والديوانية وذي قار حيث يتوسع مشكلا الأهوار قبل أن يتحد مع دجلة لتكوين شط العرب الذي يصب في الخليج العربي.


عقدة المنبع والمصب
تواجه كلا من تركيا وإيران اتهامات بالتسبب بأزمة الجفاف في العراق عبر بناء العديد من السدود وحجب الروافد المائية التي تصب في الأراضي العراقية.

كشفت الحكومة العراقية أواخر 2021 عن انخفاض كميات المياه الواردة من تركيا وإيران بنسبة تصل لـ 50 بالمئة، نتيجة بناء العديد من السدود والمشاريع على منابع نهري دجلة والفرات.

في حزيران/ يونيو 2022 هدد  حاكم الزاملي النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي حينها، بتشريع قانون يجرم التعامل الاقتصادي مع تركيا وإيران في حال عدم استجابتهما لمطالب العراق بشأن حصصه المائية.

وقال الزاملي في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الموارد المائية، "إن البرلمان العراقي سيشرع هذا القانون في حال لم ترتدع الدولتان عن موقفهما بشأن حصة العراق المائية.

إيران 
خلال السنوات الأخيرة برزت أزمة المياه في العراق بشكل لافت وحظيت إيران بالجزء الأكبر من الاتهامات لاسيما أن اعترفت بقطع مياه الكثير من الجداول والروافد عن العراق.

وبحسب الدراسات فإن الموارد المائية القادمة الى العراق من ايران تصل حوالي 35 بالمئة من معدل إيراداته السنوية البالغة نحو 70 مليار متر مكعب.

في عام 2011 أبلغت طهران بغداد عزمها قطع جميع الأنهار المتجهة للعراق بسبب الأزمة المائية التي تعاني منها البلاد 

وخلال العقدين الماضيين أقدمت إيران على قطع المياه عن أكثر من 45 رافدا وجدولا موسميا كانت تغذي الأنهار والأهوار في العراق، أهمها أنهار الكرخة والكارون والطيب والوند، و نهر هوشياري الذي يصب في محافظة السليمانية.

اتهمت حكومة كردستان العراق عام 2018 إيران بتغيير مجرى نهر الكارون بالكامل وإقامة ثلاثة سدود كبيرة على نهر الكرخة بعدما كان هذان النهران يمثلان مصدرين رئيسين لمياه للبلاد.

وفي 2021 هدد العراق، إيران باللجوء إلى المحافل الدولية إذا أصرت الأخيرة على قطع الروافد المائية عن محافظة ديالى.

وقال وزير الموارد المائية آنذاك مهدي الحمداني إن الجانب الإيراني لم يبد أي تجاوب معنا وما زال يقطع المياه عن الأنهر والجداول في ديالي، ما تسبب بأضرار جسيمة للسكان الذين يعتمدون بشكل مباشر على المياه القادمة من إيران.

منتصف آب/ أغسطس الجاري قطعت إيران دون سابق إنذار مياه نهر الزاب الأسفل عن العراق، الذي يعد ثالث روافد نهر دجلة.

وذكرت مصادر حكومية عراقية أن مدة القطع غير معلومة خصوصا أنها تكررت خلال السنوات الأخيرة ما أثر سلبا على حياة مئات آلاف العراقيين الذين يعتمدون على "الزاب الصغير" لتلبية احتياجاتهم.

وتسبب قطع بعض الجدول عن مناطق جنوب العراق بأضرار بالغة في الزراعة فضلا عن جفاف أجزاء واسعة من المسطحات المائية "الأهوار" في محافظة العمارة المتاخمة لإيران.

تركيا
تبدو أزمة العراق مع تركيا حول ملف المياه أقل حدة إذ تتواصل لقاءات الجانبين بهذا الخصوص حيث تطالب بغداد أنقرة بزيادة الإطلاقات المائية لنهر دجلة والفرات.

ويعتبر سد إليسو ثاني أكبر سدود تركيا أهم أسباب شح مياه دجلة بنظر العراق.

وبدأت تركيا بناء السد عام 2006، وعمل بكامل طاقته في كانون الأول/ديسمبر 2020.

في آب/أغسطس 2018 تعهدت تركيا بزيادة الإطلاقات المائية للعراق الذي احتج على تشغيل سد "إليسو" وحذر من ضرره على الأمن المائي للبلاد.

وفي مارس/آذار الماضي تعهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الثلاثاء زيادة دفق المياه في نهر دجلة الذي ينبع من تركيا، لمساعدة العراق المجاور في مكافحة الجفاف.

وقال إردوغان بعد لقاء في أنقرة مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني "قررنا زيادة كمية المياه المتدفقة في نهر دجلة لمدة شهر وبقدر الإمكان للتخفيف من محنة العراق".

وشهدت السنوات الأخيرة توقيع عدة مذكرات تفاهم واتفاقات بين البلدين بخصوص الحصة المائية، فيما يشكك خبراء بجدوى هذه اللقاءات في ظل الأزمة المتفاقمة التي يعاني من العراق.


التأثيرات
في ظل التغير المناخي والجفاف الذي يضرب العراق بات الأمن المائي والغذائي والبيئي في خطر محدق.

وترجم ذلك حديث مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك مطلع الشهر الجاري عندما أكد أن حرارة الصيف الشديدة والتلوث جنوبي العراق يشيران إلى أن "حقبة الغليان العالمي" قد حلت.

وأضاف تورك أن ما يحدث في العراق نافذة لمستقبل قادم على أجزاء أخرى من العالم إذا واصلنا الفشل في الاضطلاع بمسؤوليتنا في اتخاذ إجراءات وقائية ومخففة لحدة تغير المناخ.

بحسب وزارة الموارد المائية العراقية، فإن الزراعة في البلاد تعتمد على 85 بالمئة في مياهها على نهري دجلة والفرات، ومع الجفاف وشح المياه في النهرين بات القطاع الزراعي في العراق محاطا بعدة مخاطر قد تؤدي لانهيار.

وظهرت تأثيرات السياسة المائية لدول الجوار جلية في جفاف بحيرة حمرين في ديالى وانحسار بحيرتي الرزازة والحبانية في الأنبار، فضلا عن جفاف مساحات شاسعة من الأهوار جنوب العراق.

قتلتها ايران.. هنا كانت بحيرة حمرين pic.twitter.com/lRC6CDQvj2 — ???????????????????????? (@hyd_64) April 27, 2022
مستوى الماء في بحيرة الحبانية في الانبار
???? اسوشيتد فرانس بريس pic.twitter.com/OURAYlFjFo — Dr Rebin Fakhruddin (@DrRebin93) August 16, 2023
وامتدت تأثيرات شح المياه إلى الثروة السمكية حيث نفقت آلاف الأطنان من الأسماك خلال السنوات الأخيرة حتى أغلق الكثير من مربي الأسماك بحيراتهم في صلاح الدين وشمالي بغداد ومناطق أخرى.

ويستمر تدمير وهدر الثروات الطبيعية في العراق
نفوق عدد هائل من الأسماك بمحافظة ميسان جنوب العراق بسبب شحة المياه pic.twitter.com/xoPqn9sQKq — walaahameed1971 (@walaahameed1971) July 5, 2023

وفي حزيران/يونيو الماضي أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية تجفيف 297 بحيرة أسماك، لمواجهة شح المياه بعد انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات.

⭕️أهالي شمال بغداد يتظاهرون ضد ردم بحيرات الأسماك.#العراق pic.twitter.com/CIW3AhdDQu — Raad Hashim (@raad_arabi) July 23, 2023
وتحذر وزارتا الزراعة والبيئة في العراق، من أن البلاد تفقد سنوياً 100 ألف دونم زراعي جراء التصحر، كما أن أزمة المياه تسببت بانخفاض الأراضي الزراعية إلى 50% لوزارة الزراعة العراقية.

وأكدت الوزارة أن مساحة الأراضي المزروعة بالقمح والشعير خلال عام 2022 تراجعت خلال العام الجاري من 11 مليوناً و600 ألف دونم إلى أقل من 7 ملايين دونم، وهي أقل نسبة زراعة للمحصولين منذ سنوات طويلة.


الجفاف شبح المستقبل
حذر "مؤشر الإجهاد المائي" في عام 2019 من أن العراق سيفقد أنهاره بحلول عام 2040، ولن تصل مياه دجلة والفرات إلى المصب النهائي في الخليج العربي.

ويبلغ أدنى معدل استهلاك العراق للمياه نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما يحتاج العراق إلى 70 مليار متر مكعب لتلبية احتياجاته.

و تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب.

بدوره حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي زار بغداد في آذار/مارس الماضي، من أن العراق يواجه خطرا نقص المياه في نهري دجلة والفرات، مشددا على ضرورة معالجة الأزمة و وعدم السماح بأن يكون العراق بلدا بلا أنهار.


من جانبها ترفض الحكومة العراقية هذه التحذيرات حول المستقبل المائي في البلاد، وتصفها السوداوية.

وذكر الناطق باسم وزارة المواد المائية العراقية خالد شمال في تصريحات صحفية، خلال حزيران/يونيو الماضي أن المخزون الاستراتيجي ارتفع بنسبة 35 بالمئة من بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022 مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقه.

واستبعد شمال أن يصل العراق إلى مرحلة جفاف النهرين بشكل كامل رغم استمرار معاناة البلاد من الجفاف والتصحر.

وكشف المسؤول الحكومي أن الوزارة لا تستطيع ضخ مياه كبيرة للأنهار، بسبب فقدان العراق 70 بالمئة من استحقاقاته المائية القادمة إليه من دول الجوار.

من جانب آخر تواجه الحكومات العراقية المتعاقبة اتهامات واسعة بالتفريط بحقوق العراق المائية بسبب إهمال هذا الملف ما سمح لدول الجوار بفرض إجراءات الأمر الواقع واستغلال الأوضاع المضطربة التي يعاني منها العراق.

وكان تحذير نائب ممثلة الأمين العام للامم المتحدة في العراق غلام اسحق من أزمة نزوح وشيكة من جنوب العراق أحدث التحذيرات الأممية التي تدق ناقوس الخطر من أزمة جفاف وتصحر، تجعل من "الرافدين" شيئا من الماضي.

حلول واقعية
ينظر العراقيون للوعود الحكومية في شتى المجالات بعين الريبة، خاصة في أزمة الجفاف حيث لا تبدو تعهدات التخفيف من الأزمة ملموسة بالنظر إلى تفاقم المشكلة عاما بعد عام، حتى بدت تنافس مثيلاتها من الأزمات التي يعاني منها العراق.

يقول الباحث العراقي نظير الكندوري، "إن أزمة الجفاف في العراق لها أسباب عديدة، منها ما هو طبيعي بسبب الاحتباس الحراري، ومنها بسبب السياسات المتبعة من قبل القيادة العراقية الحالية بالإضافة إلى سياسات دول المنبع".

وأضاف في حديث لـ "عربي21”, أن جزءا من الحل يعتبر سياسيا بالضغط على دول المنبع لإعطاء العراق حصصه المائية المتفق عليها، بالإضافة للحلول الفنية".


وعند سؤاله عن أدوات الضغط التي يمتلكها العراق أجاب الكندوري، "لدى العراق أدوات عديدة للضغط على دول المنبع لمنحه حصصه المائية المتفق عليها، فيما يتعلق بتركيا من الممكن أن يتم الضغط عليها اقتصاديا من خلال تقليل الاستيراد منها وعدم منح شركاتها استثمارات في العراق، بالإضافة لإعطاء تركيا ضمانات بمحاربة حزب العمال وطرده من الأراضي العراقية".

أما فيما يتعلق بإيران، كذلك يتم الضغط عليها بتقليل الاستيراد أو عرقلة تدفق زائري العتبات المقدسة في العراق، وإذا فشلت تلك الأدوات، فباستطاعة العراق اللجوء للمحاكم الدولية لمقاضاة تلك الدولتين، وفق الكندوري.

واستدرك الباحث العراقي بالقول، "لكن أدوات الضغط هذه من غير المرجح أن يتم تفعيلها طالما أن النظام السياسي في العراق يعاني من مشكلة السيادة، وارتهان نظامه السياسي لدول الجوار".

وأكد الكندوري، "أن أزمة الجفاف في العراق ليست مقتصرة على السنوات الأخيرة، لكنها تفاقمت بشكل خطير في هذه الفترة، إذ كانت الحكومات العراقية تتبع وسائل عديدة للحد من هذه المشكلة من مثل بناء السدود وترشيد استهلاك المياه ومنع التجاوز على مياه الأنهار بشكل عشوائي".

وتابع، "لكن حكومات العراق لما بعد 2003، تتحمل المسؤولية بشكل كلي ومباشر عن هذه الازمة، وذلك بسبب عدم إيجاد حلول علمية وفنية لهذه المشكلة، بالإضافة إلى اتباع سياسة الانبطاح مع دول المنبع وعدم مطالبتها بحصة العراق المائية".

وحول انعكاسات الأزمة مستقبلا يرى الكندوري، "أن لها تأثيرات كارثية على الاقتصاد العراقي والبيئة، ناهيك عن تأثيراتها السياسية".

اقتصاديا، يكاد العراق أن يتحول من بلد زراعي إلى بلد يعتمد في على الاستيراد من دول الجوار في تأمين حاجاته الزراعية والحيوانية، مما سيفاقم من مشكلة هجرة الناس من الريف على المدن وما سيرافقها من ضغط على البنية التحتية لتلك المدن والتي هي متهالكة بالأصل. كما أن توقف الزراعة بالعراق سيجعل البلاد لا تختلف عن أي بلد صحراوي يعتمد في مدخولاته على تصدير النفط فقط، تلك المادة التي تتذبذب في أسعارها، الأمر الذي سيجعل النمو الاقتصادي في العراق أمرا مستحيلا.

بيئيا، ستنعكس التأثيرات البيئية والمناخية على العراق حينما تختفي المسطحات المائية من أرضه كما هو الحال في الاهوار بالجنوب والبحيرات التي ستجف في شمال ووسط العراق.

سياسيا، ستؤدي مشكلة الجفاف لا محالة إلى اضطراب الوضع السياسي في البلد، فالشعب العراقي لا يمكن أن يسكت على عجز الحكومة حيال الأزمة وما يرافقها من تأثيرات سيئة على حياته، وستكون مشكلة الجفاف إحدى أسباب عدم الاستقرار السياسي في العراق، والتي تضاف لأسباب أخرى موجودة أصلا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات العراق دجلة الجفاف الفرات التصحر العراق دجلة الجفاف الفرات التصحر سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة خلال السنوات الأخیرة الأراضی العراقیة الجفاف فی العراق الموارد المائیة ملیار متر مکعب ترکیا وإیران أزمة الجفاف جنوب العراق دول الجوار المیاه فی یعانی من pic twitter com نهر دجلة فضلا عن فی نهر

إقرأ أيضاً:

أرز العنبر العراقي يواجه التحديات وأزمة المياه للبقاء

بغداد – أرز العنبر العراقي جزء لا يتجزأ من التراث الزراعي والثقافي للبلاد، وقد اشتهر بجودته العالية ورائحته المميزة إلا أن هذا الصنف الفريد يواجه تحديات جمة تهدد بقاءه.

وارتبط اسم أرز العنبر بالجودة الفائقة والرائحة العطرية المميزة، وهو من أجود أنواع الأرز بالعالم، ويتميز بحباته الطويلة المتماسكة ورائحته الفريدة التي تشبه العنبر وتمنحه مذاقًا استثنائيا يميزه عن غيره.

ولطالما كانت الأراضي في جنوب العراق، بمناخها المثالي، الموطن الأصلي لأرز العنبر، حيث ازدهرت زراعته ليصبح العراق المصدر الرئيسي لهذا المنتج الثمين، أما تاريخيا فكان أرز العنبر يمثل رمزًا للتميز الزراعي العراقي ومصدرًا مهما للاكتفاء الذاتي والطلب الدولي.

ولكن هذا الإرث الزراعي الثمين يواجه اليوم تحديات وجودية تهدد بقاءه؛ فتغير الظروف المناخية وتفاقم أزمات إدارة الموارد المائي من العوامل التي أدت إلى تراجع ملحوظ في إنتاج أرز العنبر، حتى كاد يختفي بالعديد من المناطق، وذلك ما أثار جدلًا واسعًا حول وضعه الحالي ومستقبله.

هل ودع أرز العنبر العراق؟

يقول عضو لجنة الزراعة في البرلمان العراقي ثائر الجبوري إن أرز العنبر الأصلي قد فُقد تمامًا من العراق، مشيرًا إلى أن استعادته بشكله الأصلي أمر صعب ويحتاج إلى سنوات طويلة.

إعلان

ويضيف الجبوري في حديث للجزيرة نت أن أرز العنبر يتميز بالعراق من دون غيره من بلدان العالم حتى الدول المجاورة، ويشتهر برائحته ونكهته الطيبة، مشيرًا إلى أن كلمة العنبر تعكس هذه الصفات الممتازة.

ويُرجع الجبوري سبب فقدان أرز العنبر الأصلي إلى العملية التجارية والغش، إذ لجأ المزارعون إلى إدخال محاصيل هجينة لتحقيق إنتاجية عالية من دون الاهتمام بالنوعية، وذلك ما أدى إلى تلاشي النوع الأصلي تدريجيا.

ويشير إلى أن بعض الأصناف المهجنة تحمل بعض مميزات أرز العنبر الأصلي، مثل رائحة العنبر، وتعرف باسم عنبر المشخاب.

وحسب الجبوري، تتطلب استعادة العنبر الأصلي سنوات من الزراعة والإشراف في حقول خاصة، واستخدام هذه الأصناف لعملية البذر، مع عناية خاصة من المزارعين لتجنب اختلاطه بمحاصيل أخرى، مؤكدا أن السبب الرئيسي لفقدان أرز العنبر الأصلي هو تجاري، بالإضافة إلى ارتفاع ربح الأصناف الأخرى مقارنة بالعنبر، مما يدفع الفلاحين إلى تفضيل الربح على النوعية.

ويقول الجبوري إنه لا يوجد محصول يضاهي العنبر العراقي، مؤكدًا أن الأصناف المستوردة من الهند وإيران لا تقارن بالنوع الأصلي من حيث الرائحة والنكهة، موضحًا أن الزارع الحقيقي يعرف رائحة العنبر الأصلي التي تفوح من الحقول عند وصول المحصول إلى مرحلة السنابل.

فلاحون يستخدمون آلية لزراعة أرز العنبر في جنوب العراق (مواقع التواصل) وزارة الزراعة تستغرب

استغربت وزارة الزراعة العراقية على لسان المتحدث الرسمي باسمها محمد الخزاعي حديث البعض عن اختفاء أرز العنبر، مؤكدة أنه متوفر في الأسواق وأن ما يشاع عن اختفائه لا أساس له من الصحة.

وأشار الخزاعي في تصريح للجزيرة نت إلى أن الموسم الزراعي الأخير 2024-2025 شهد توسعا في زراعة أرز العنبر، وقد بلغت المساحات المزروعة ضمن الخطة الزراعية 150 ألف دونم بالإضافة إلى مساحات أخرى زرعت خارج الخطة.

إعلان

وأضاف أن أرز العنبر متوفر في أسواق الجملة في أقضية المشخاب والشامية بمحافظة النجف وفي محافظتي السماوة والديوانية بالإضافة إلى أماكن أخرى، مبينا أن بعض التجار يخلطون أنواع الأرز المختلفة ويبيعونها على أنها أرز عنبر، مما يسبب حالة من الغش للمستهلكين، وفي المقابل ثمة تجار أمناء يبيعون أرز العنبر بشكل منفصل عن الأنواع الأخرى.

ودعا الخزاعي المواطنين إلى التمييز بين أنواع الأرز المختلفة، مؤكدا أن أصحاب الخبرة لديهم القدرة على هذا.

وأشار إلى أن المساحات المزروعة بأرز العنبر هذا العام بلغت 150 ألف دونم ضمن الخطة الزراعية، منها 80 ألف دونم في محافظة النجف و50 ألف دونم في محافظة الديوانية بالإضافة إلى مساحات أخرى في محافظات السماوة وغيرها.

واستأنف العراق في شهر يوليو/تموز من العام الماضي زراعة الأرز بعد حظر دام عامين بسبب ندرة المياه، ويختبر سلالة منه تستهلك مياهًا أقل مقارنة بالسلالات المزروعة بالطرق التقليدية.

ونقلت وكالة رويترز عن وكيل وزارة الزراعة مهدي سهر الجبوري في يوليو/تموز 2024 قوله إن العراق خصص 150 كيلومترا مربعا لزراعة الأرز بالموسم الماضي.

وجاء إعلان الجبوري بعد حظر الإنتاج لمدة عامين، والذي شهد زراعة ما بين 5 إلى 10 كيلومترات مربعة فقط من الأرز سنويا لغرض استخراج البذور، وسط أزمة مياه يقول خبراء إنها مرتبطة بالسدود التي بنتها تركيا وإيران عند المنابع، وانخفاض هطول الأمطار وعوامل أخرى مرتبطة بتغير المناخ.

فلاح عراقي يقوم بتقليب محصوله من أرز العنبر (مواقع التواصل) للأغراض البحثية

يؤكد الخبير في الشأن الزراعي تحسين الموسوي أن أزمة المياه التي ضربت العراق في السنوات الماضية كانت السبب الرئيسي في تقلص مساحات زراعة أرز العنبر، مشيرا إلى أن ما يزرع حاليا من هذا الصنف هو فقط للأغراض البحثية.

إعلان

ويقول الموسوي في حديث للجزيرة نت إن العراق اشتهر بزراعة الأرز بأكثر من صنف، لكن الصنف المميز هو أرز العنبر وكانت تشتهر به مناطق الفرات الأوسط والنسبة العالية في منطقة النجف ومحافظة الديوانية وباقي المحافظات الوسطى والجنوبية، مبينا أن وصول العراق إلى مسألة الفقر المائي أثر كثيرًا على الزراعة الصيفية وبالذات زراعة أرز العنبر، فسبّب في بادئ الأمر تقليص الخطة ثم بعد ذلك أدى إلى منع زراعة الأرز.

وأضاف أن زراعة الأرز تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه ونسبة غمر عالية لا يستطيع العراق توفيرها في هذه الظروف بعد أن انخفض الوارد من المياه من دول المشاركة المائية، موضحًا أن المناطق المشهورة بزراعة أرز العنبر هي حوض الفرات الذي يشهد حالة جفاف كبيرة.

وأشار إلى أن وزارة الزراعة حددت السنة الماضية مساحة لزراعة العنبر لكن عدم السيطرة على المساحات المخصصة وعدم التزام الفلاحين شكلا ضغطًا على الحكومة العراقية تمثل بأزمة مائية ألقت بآثارها على محافظات البصرة وذي قار والمناطق الوسطى حتى وصلت إلى أطراف بغداد.

وتسبب الجفاف بخفض إنتاج الأرز بشكل كبير؛ فبعدما كانت مساحات الأرز تتخطى 300 ألف دونم، بمعدل إنتاج 300 ألف طن، لم يُزرع في عام 2023 سوى 5 آلاف دونم فقط وارتفعت هذه المساحات إلى 150 ألف دونم في عام 2024، وفق إحصائيات وزارة الزراعة.

وبيّن الموسوي أن وزارة الموارد المائية تحاول الآن إنعاش حوض الفرات عن طريق بحيرة الثرثار من خلال المضخات العائمة، وتحاول أن تصل بحدود 100 متر مكعب يوميا رغم أن هذا الرقم مستبعد تحقيقه بسبب استمرار ظروف ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الحصص المائية، فضلا عن كون مياه الثرثار لا تصلح في بعض الأحيان حتى للزراعة بسبب ارتفاع نسبة ملوحتها.

وأكد أن ثمة زراعة قليلة للأغراض البحثية بغية الحفاظ على الصنف، مشيرا إلى أن العراق لم يستخدم أساليب الزراعة الحديثة من خلال عملية تقنين المياه للحفاظ على هذا النوع من الغذاء الرئيسي.

إعلان

وبشأن مرحلة كثافة الإنتاج بالعراق، أوضح الموسوي أنها كانت في تسعينيات القرن الماضي أيام الحصار على العراق إذ أعلن العراق الاكتفاء الذاتي من زراعة الأرز وكان عليه طلب عال خاصة أنه يشكل مصدرًا رئيسيا لدول كثيرة كانت ترغب في استيراد الأرز العراقي.

مقالات مشابهة

  • عامل مهم يرفع منسوب التحدي لدى المنتخب الوطني بمشوار المونديال
  • توماس فريدمان: أميركا أصبحت عظيمة بسبب الأشياء التي يكرهها ترامب
  • وزير النفط يترأس اجتماع اللجنة العراقية - التركية لمناقشة ملفي المياه والنفط
  • أرز العنبر العراقي يواجه التحديات وأزمة المياه للبقاء
  • الرواتب العراقية تواجه اختبار أسعار النفط
  • أول برنامج تأمين لحماية المزارعين من تغير المناخ بالعراق
  • حزب طالباني: السياسات التركية في العراق أصبحت احتلالًا واضحًا
  • إطلاق أول برنامج تأمين لحماية المزارعين من تغير المناخ بالعراق
  • الزراعة السورية: نحتاج للتمور العراقية وهذه أبرز التحديات التي نواجهها
  • وفقًا لقانون الموارد المائية.. تعرف على شروط تشغيل آلات رفع المياه الجديدة