باتت ملامح التغير المناخي أكثر وضوحا في العالم، وتعد سلطنة عمان من الدول شديدة التأثر بالتغيرات المناخية بسبب مناخها الجاف ومحدودية الموارد المائية وطول سواحلها المنخفضة المعرضة لارتفاع سطح البحر والأعاصير والعواصف المتطرفة، وقد حددت الاستراتيجية الوطنية للتكيف والتخفيف من التغيرات المناخية لسلطنة عمان (2020-2040) خمسة قطاعات رئيسية تمت دراسة مستوى هشاشتها في ظل تغير المناخ وإجراءات التكيف الواجب اتخاذها لمواجهة التأثيرات الفعلية والمستقبلية لتغير المناخ، وضمن سلسلة من الحوارات مع المعنيين تسلط جريدة «عمان» الضوء على الجهود لتكيف سلطنة عمان مع التغيرات المناخية، وأهم الإجراءات التي تم اتخاذها.

مالك الوردي: سلطنة عمان شديدة التأثر بالتغير المناخي لطقسها الجاف ومحدودية مواردها المائية وطول سواحلها المنخفضة

وقال الدكتور مالك بن محمد الوردي، أستاذ مشارك في قسم التربة والمياه والهندسة الزراعية بجامعة السلطان قابوس: تغير المناخ يشير إلى التغيرات طويلة الأجل في مناخ الأرض والخصائص الأخرى للغلاف الجوي، وخاصة متوسط درجة الحرارة، وتنتج هذه التغيرات في المقام الأول بسبب الأنشطة البشرية، مثل حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات والأنشطة الزراعية، والتي تؤدي إلى الزيادة في تركيز ومستويات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، إذ تتسبب التركيزات المتزايدة من غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز بحبس الحرارة في الغلاف الجوي بحيث يؤدي هذا الاحترار في حدوث الكثير من الظواهر الجوية المتطرفة وزيادة شدتها مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر، مما يؤثر بشكل كبير على العديد من جوانب الحياة بما في ذلك النظم البيئية والحياة البرية وموارد المياه وصحة الإنسان والبنية التحتية، وتتطلب مواجهة تغير المناخ اتخاذ العديد من الإجراءات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وزيادة المرونة في مواجهة آثار تغير المناخ.

التخفيف والمعالجة

وأوضح أن الإجراءات التي تتخذها الدول لمواجهة آثار تغير المناخ تنقسم إلى شقين وهما إجراءات ما يسمى بالتخفيف من انبعاث الغازات والتكيف مع آثار تغير المناخ الناجمة من هذه الانبعاثات، ويعتبر التخفيف عنصرا أساسيا في معالجة تغير المناخ، حيث إن الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ضروري لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ، وقد حددت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) مجموعة من مسارات التخفيف التي تقلل من كمية الغازات الدفيئة المنبعثة في الغلاف الجوي، مثل تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وزيادة كفاءة الطاقة، وتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة، في حين يشير التكيف مع تغير المناخ إلى التعديلات التي تم إجراؤها في النظم الطبيعية أو البشرية استجابة للتأثيرات الفعلية أو المتوقعة لتغير المناخ حيث إن الهدف من التكيف هو تقليل تعرض المجتمعات والنظم البيئية والبنية التحتية لتأثيرات تغير المناخ، ويمكن النظر إلى التكيف على أنه مكمل للجهود المبذولة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتخفيف من أسباب تغير المناخ. مشيرا إلى أن رؤية العلاقة بين التكيف والتخفيف تكمن من خلال إمكانية التخفيف من شدة التأثيرات المستقبلية التي تحتاج إلى التكيف معها فكلما نجحنا في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كلما قلت حدة آثار تغير المناخ، وقلت الحاجة إلى التكيف، ويمكن للتكيف أن يدعم جهود التخفيف من خلال تشجيع استخدام تقنيات وممارسات منخفضة الكربون مثل الطاقة المتجددة، فعلى سبيل المثال، يمكن للاستثمار في البنية التحتية المرنة، أن يقلل من الأضرار الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة، مما يسمح باستمرار استخدام مصادر الطاقة منخفضة الكربون، وتتطلب تدابير التكيف الفعالة أيضا النظر في سيناريوهات الانبعاثات المستقبلية، حيث من المتوقع أن يستمر تغير المناخ لبعض الوقت، لذلك يجب تصميم تدابير التكيف مع مراعاة الاتجاهات المناخية طويلة الأجل، الأمر الذي يتطلب فهم سيناريوهات الانبعاثات المستقبلية والنظر فيها.

توقعات الأمطار

وأوضح أن سلطنة عمان تعتبر من الدول الشديدة التأثر بالتغيرات المناخية لاسيما بسبب مناخها الجاف ومحدودية الموارد المائية وأيضا طول سواحلها المنخفضة المعرضة لارتفاع سطح البحر والأعاصير والعواصف المتطرفة، إذ من المتوقع، حسب السيناريوهات المستقبلية لتغير المناخ، أن يكون هناك ارتفاع في درجات الحرارة العظمى والصغرى وتباين في هطول الأمطار بحيث ينخفض معدل هطول الأمطار في المناطق الشمالية ويزيد بنسبة قليلة في المناطق الجنوبية، وفي الوقت نفسه تزداد شدة حدوث هذه العواصف، ومن ناحية أخرى فمن المتوقع الزيادة في عدد الأعاصير ما سيكون له أثر سلبي كبير على تآكل الشواطئ وعلى البنية التحتية الساحلية.. موضحاً أن الاستراتيجية الوطنية للتكيف والتخفيف من التغيرات المناخية لسلطنة عمان (2020-2040) حددت 5 قطاعات رئيسية تمت دراسة مستوى هشاشتها في ظل تغير المناخ وإجراءات التكيف اللازمة اتخاذها لمواجهة التأثيرات الفعلية والمستقبلية لتغير المناخ، وهذه القطاعات الخمسة هي موارد المياه السطحية والجوفية، والتنوع البيولوجي البحري والثروة السمكية، والزراعة، والبنية التحتية والمناطق الحضرية، والصحة العامة، حيث اعتمدت الاستراتيجية 3 محاور رئيسة لإجراءات التكيف وهي إدارة المعرفة وبناء القدرات وتطوير الإدارة والتخطيط.

الموارد المائية

وأضاف: سنذكر بعض الأمثلة عن الآثار المحتملة لتغير المناخ على هذه القطاعات والإجراءات التي يمكن اتخاذها للتكيف مع هذه الآثار ومعالجتها، منها الموارد المائية إذ من المتوقع أن يتسبب تغير المناخ في انخفاض هطول الأمطار في سلطنة عمان، مما يؤدي إلى انخفاض في مستوى المياه الجوفية، كما ستؤثر الظواهر الجوية المتطرفة على وتيرة وحجم المياه المتدفقة في الأودية والتي يمكن أن تؤدي إلى التعرية والفيضانات وتدمير البنية التحتية، ويمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدلات التبخر، مما يقلل من توافر المياه في المسطحات المائية السطحية ومصادر المياه الجوفية، إضافة إلى إمكانية أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تسرب أكبر للمياه المالحة إلى طبقات المياه الجوفية الساحلية، ويقلل من جودة وكمية المياه العذبة المتاحة.. مضيفاً: وللتكيف مع هذه الآثار، يجب تحسين أو القيام بتنفيذ مجموعة من الإجراءات بينها الحفاظ على المياه من خلال تنفيذ تدابير لتقليل الطلب على المياه وتعزيز تقنيات توفير المياه، مثل التركيبات منخفضة التدفق وأنظمة الري الفعالة، وإعادة استخدام المياه بوضع سياسات وتقنيات لإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة للاستخدامات غير الصالحة للشرب، مثل الري والعمليات الصناعية، وتوسيع طاقة التحلية لزيادة إمدادات المياه العذبة، لاسيما في المناطق الساحلية، وكذلك تنفيذ تدابير لإعادة تغذية طبقات المياه الجوفية، مثل جمع وتخزين مياه الأمطار ومعالجتها وحقنها، وإدارة المياه المعالجة عبر تصميم وتنفيذ برنامج حقن المياه العادمة المعالجة في طبقات المياه الجوفية الساحلية على أساس تجريبي ومراقبة جودة المياه الجوفية، وإدارة المياه السطحية من خلال تركيب البنية التحتية لتصريف مياه الأمطار في مناطق الفيضانات المتوقعة وإدخال تدابير لتقليل احتمالية التعرية في ظل أحداث الفيضانات المفاجئة، وتنفيذ برامج تبادل المعرفة مع البلدان الأخرى بشأن استجابات التكيف الفعالة.

التنوع البيولوجي

وأكد أن الآثار المحتملة لتغير المناخ على التنوع البيولوجي البحري والثروة السمكية تكمن بالتغير في الخواص الفيزيائية لمياه المحيطات من خلال الزيادة في معدل درجات حرارة البحار ومعدل ملوحة المياه التي ستؤثر سلباً على التنوع البيولوجي والحيوي البحري، وكذلك التغير في الخواص الكيميائية لمياه المحيطات إذ تؤدي زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى زيادة حموضة المحيطات، والنقصان في تركيز الأكسجين المذاب في المياه مما قد يؤثر سلبًا على نمو الأسماك والكائنات البحرية الأخرى وبقائها على قيد الحياة، إضافة إلى التغيرات في التيارات البحرية وأنماط الرياح حيث يمكن أن تغير هذه التغييرات توزيع ووفرة العوالق التي تشكل أساس السلسلة الغذائية البحرية، وبالتالي تؤثر على نمو تجمعات الأسماك وبقائها على قيد الحياة، مؤكداً: وللتكيف مع هذه الآثار، يجب تحسين أو القيام بتنفيذ مجموعة من الإجراءات، بما في ذلك تنويع ممارسات الصيد بتشجيع استخدام تقنيات الصيد وتطوير تربية الأحياء المائية لتقليل الاعتماد على مخزون الأسماك الطبيعية، ومراقبة وإدارة المخزون السمكي بإجراء تقييمات منتظمة للمخزون السمكي وتنفيذ تدابير إدارية قائمة على دراسات علمية، مثل تحديد مواسم الصيد وكميات الصيد لضمان استدامة المخزون السمكي، إضافة إلى البحث والابتكار من خلال الاستثمار في البحث العلمي والابتكار التكنولوجي لتطوير تقنيات صيد جديدة ومصادر غذائية بديلة للأسماك وتطوير سلالات وراثية قوية للاستزراع السمكي والقادرة على مواجهة التغيرات المناخية المستقبلية، وإشراك مجتمعات الصيد المحلية في إدارة موارد مصايد الأسماك وزيادة الوعي حول آثار تغير المناخ على مصايد الأسماك، ومساهمته أيضاً في إدارة الموارد الساحلية وتطوير استراتيجيات التكيف، إضافة إلى تنويع مصادر الدخل، بما في ذلك الأنشطة غير المرتبطة بصيد الأسماك والاستزراع السمكي، مثل السياحة البحرية.

القطاع الزراعي

وقال: الآثار المحتملة للتغير المناخي على القطاع الزراعي في سلطنة عمان ستكون تحديدًا في الجفاف، والإجهاد الحراري، والتصحر، وتفشي الآفات والأمراض، وانخفاض الدخل، إذ سيؤدي انخفاض هطول الأمطار وفترات الجفاف الطويلة إلى انخفاض توفر الموارد المائية للزراعة، مما سيؤدي إلى انخفاض غلات المحاصيل وانخفاض المراعي للماشية، ويمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى إجهاد حراري في النباتات والماشية، مما قد يقلل معدلات النمو ويقلل الإنتاجية، فيما يمكن أن تؤدي زيادة الجفاف وتملح المياه والتربة وتعرية الرياح إلى تصحر الأراضي الزراعية، ما يزيد من صعوبة زراعة المحاصيل أو تربية الماشية، بينما يمكن للتغيرات في أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار أن تغير من توقيت وشدة تفشي الآفات والأمراض، ما يؤدي إلى فقدان المحاصيل، وستكون هناك آثار اقتصادية مرتبطة بتدهور المياه الجوفية وارتفاع معدلات التبخر في ظل تغير المناخ وسوف تتأثر المداخيل السنوية لصغار المزارعين سلباً بسبب انخفاض الأراضي الصالحة للزراعة وزيادة الاحتياجات المائية للمحاصيل.

ونوه إلى أن التكيف مع هذه الآثار يأتي من خلال تحسين أو القيام بتنفيذ مجموعة من الإجراءات بينها تعزيز الزراعة المستدامة والذكية مناخيا في اعتماد ممارسات زراعية مستدامة، مثل الحراجة الزراعية والتقنيات الحديثة لتحسين الإنتاجية والزراعة المحافظة على الموارد لتحسين قدرة القطاع على الصمود في وجه التغيرات المناخية، وكذلك الحفاظ على التنوع الأحيائي بتقوية وجمع وحفظ الموارد الوراثية النباتية والحيوانية الأصلية، والبحث والابتكار من خلال البحث في تطوير أصناف محاصيل جديدة قادرة على تحمل الملوحة والجفاف والإجهاد الحراري، وتطوير أساليب الإدارة المستدامة للآفات الزراعية والأمراض والأنواع الغازية، وتعزيز البحوث الخاصة بإدارة المياه في الزراعة في ظل ظروف الجفاف والملوحة، بالإضافة إلى إدارة المياه بزيادة كفاءة أنظمة الري، وتطوير مصادر جديدة للمياه، وتشجيع ممارسات المحافظة على المياه، وبناء القدرات بتدريب العاملين في المجال الزراعي والحيواني على التقنيات والممارسات الزراعية الحديثة المتعلقة بتغير المناخ، وتنويع المحاصيل عبر تشجيع زراعة المحاصيل المقاومة للجفاف وتوسيع نطاق المحاصيل المزروعة في مناطق متعددة، وكذلك إدارة الثروة الحيوانية بتطوير سلالات تتحمل الحرارة وتوفير أنظمة تظليل وتبريد للحد من الإجهاد الحراري، وكذلك حفظ التربة بتنفيذ تدابير لمنع التعرية وتحسين جودة التربة، وتحديد استراتيجيات تكيف زراعية فعالة من حيث التكلفة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل للمحاصيل الرئيسية والثروة الحيوانية.

البنية التحتية

وحول الآثار المحتملة للتغير المناخي على البنية التحتية أكد الوردي أن الآثار المتوقعة عليها تكمن في زيادة تواتر وشدة الظواهر المتطرفة مثل العواصف والأعاصير والفيضانات التي تليها والتي بإمكانها إلحاق الضرر بالمباني والطرق والبنية التحتية الأخرى مثل المياه والكهرباء، وارتفاع مستوى سطح البحر إذ يؤدي تآكل السواحل والفيضانات إلى إلحاق الضرر بالبنية التحتية الساحلية وتسرب مياه البحر إلى المياه الجوفية، إضافة إلى التغيرات في أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار التي ستؤدي بدورها إلى ترهل وضعف مواد وأنظمة البنية التحتية، وللتكيف مع هذه الآثار، يجب تحسين أو القيام بتنفيذ مجموعة من الإجراءات، بما في ذلك تصميم وهندسة البنية التحتية والتأكد من أن جميع مشاريع البنية التحتية المقترحة تدمج توقعات تغير المناخ في تصميم وهندسة مشاريع البنية التحتية الجديدة، مثل زيادة ارتفاع الهياكل الساحلية وتصميم المباني بقدرة أكبر على عزل الحرارة والتبريد، والتعديل التحديثي والصيانة بتحديث وتعديل البنية التحتية الحالية لجعلها أكثر مقاومة لآثار تغير المناخ، مثل رفع الطرق والجسور لتقليل مخاطر الفيضانات وتحسين أنظمة الصرف، والحد من مخاطر الكوارث من خلال تطوير أنظمة الإنذار المبكر وخطط الاستجابة للطوارئ لتقليل المخاطر أثناء الظواهر الجوية الشديدة، والاستثمار في البحث والابتكار لتطوير مواد وتقنيات جديدة تكون أكثر مقاومة لتأثيرات تغير المناخ.

وأضاف: التغيرات المناخية يمكن أن تؤثر على الصحة أيضا منها الإجهاد الحراري إذ يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة مخاطر الإجهاد الحراري والجفاف والأمراض الأخرى المرتبطة بالحرارة، لاسيما بين الفئات السكانية الضعيفة، مثل كبار السن والعاملين في الحقول الخارجية، كما أن تغير المناخ يمكن أن يدهور جودة الهواء، مما قد يؤدي إلى أمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن، إضافة إلى أن التغييرات في أنماط هطول الأمطار يمكن أن تؤدي إلى انتشار الأمراض التي تنقلها الحشرات مثل الملاريا عن طريق البعوض، وللتكيف مع هذه الآثار، يجب تحسين أو القيام بتنفيذ مجموعة من الإجراءات منها تطوير وتنفيذ أنظمة الإنذار المبكر لموجات الحر وتلوث الهواء والمياه للحد من مخاطر المرض والوفاة، وتطوير نظام متكامل يشمل مختلف القطاعات لرصد الأحداث المرضية الناجمة عن الأحداث المناخية والاستجابة لها بشكل أفضل، ورفع مستوى الوعي العام بالآثار الضارة لتغير المناخ على صحة الإنسان وتكثيف الوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة، والاستثمار في البحث العلمي والابتكار التكنولوجي لتطوير استراتيجيات وأدوات جديدة للحد من الآثار الصحية لتغير المناخ.

الموارد الطبيعية

وأشار إلى أن هذه الآثار لها تأثيرات كبيرة على الاقتصاد والمجتمع والموارد الطبيعية في سلطنة عمان، ومن المتوقع أن تتكثف في المستقبل إذا لم يتم التعامل معها بشكل فعّال، وسيتطلب التكيف الناجح مع تأثيرات تغير المناخ على مختلف القطاعات في سلطنة عُمان مزيجًا من السياسات الفعالة والحوكمة، والبحث العلمي، والابتكار التكنولوجي، ومشاركة المجتمع لتعزيز الحفاظ على الموارد ولضمان مرونتها واستدامتها، وهنا يأتي الدور الفعال الذي يمكن أن تلعبه اللجان الوطنية والجهات ذات العلاقة والعمل المشترك الذي يجب القيام به لتقييم تأثيرات إسقاطات التغيرات المناخية المستقبلية على مختلف القطاعات واقتراح الدراسات الاستشرافية للتكيف مع التغيرات المناخية في تلك القطاعات، والمساهمة في تقييم الظواهر المناخية الحادة الناجمة من التغيرات المناخية ودراسة الكلفة الاقتصادية ذات العلاقة بالظواهر المناخية الحادة والتوقعات المناخية المستقبلية، والمساهمة في نشر الوعي حول التغيرات المناخية وآثارها في مختلف القطاعات ، واقتراح سبل تأهيل الكوادر الوطنية وبناء القدرات في مجال التكيف مع التغيرات المناخية ، مشيرا إلى أن التكيف مع تغير المناخ يعد مكونًا حاسمًا في الاستجابة للاحتباس الحراري، ومن خلال اتخاذ الإجراءات الآن، يمكننا تقليل الآثار السلبية لتغير المناخ وضمان مستقبل أكثر مرونة واستدامة للأجيال القادمة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التغیرات المناخیة آثار تغیر المناخ الموارد المائیة والبنیة التحتیة تغیر المناخ على فی الغلاف الجوی مختلف القطاعات البنیة التحتیة المیاه الجوفیة الظواهر الجویة درجات الحرارة إدارة المیاه لتغیر المناخ هطول الأمطار من المتوقع سلطنة عمان التخفیف من بما فی ذلک سطح البحر التکیف مع إضافة إلى یؤدی إلى فی سلطنة من خلال للحد من یمکن أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

العادات الرمضانية.. من البــــساطة إلى التغيرات المعاصرة

تعد عادات وتقاليد شهر رمضان المبارك جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية والاجتماعية في سلطنة عُمان، حيث تعكس القيم الروحية والتكافل الاجتماعي التي يتسم بها المجتمع العماني، وعلى مر السنين، شهدت هذه العادات تغييرات ملحوظة نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي أثرت على نمط الحياة، من موائد الإفطار التقليدية التي تتزين بالأطعمة المحلية إلى أنماط الحياة المعاصرة التي تزداد فيها الانشغالات، ليسجل التاريخ الرمضاني في سلطنة عُمان رحلة غنية من البساطة إلى التعقيد.

يستعرض هذا الاستطلاع آراء المواطنين من مختلف المحافظات حول العادات الرمضانية، مستكشفًا كيف تكيفت هذه العادات مع التغيرات الزمنية مع الحفاظ على روح الشهر الكريم، ومن خلال هذه الرحلة، نُسلط الضوء على أهمية الحفاظ على التراث الثقافي والروحاني الذي يميز رمضان في عُمان.

محافظة الداخلية

قال عبدالله بن حمدان الناعبي، من ولاية الحمراء: إن شهر رمضان المبارك يحمل معه عادات وتقاليد وأجواء روحانية واجتماعية مميزة، إلا أن هذه العادات شهدت تحولات كبيرة مع مرور الزمن، في التحضيرات الغذائية، والأجواء الاجتماعية، وطرق استقبال الشهر، والعادات الرمضانية الأخرى، وأشار إلى أن العادات الغذائية في رمضان تغيرت بشكل ملحوظ، فبينما كان الناس في الماضي يعتمدون على الأغذية المحلية البسيطة مثل: التمور، واللبن، والخبز، والسمن المصنوع منزليًا، بالإضافة إلى بعض المنتجات الزراعية من الحبوب والخضراوات التي تُحصد من المزارع المحلية، أصبحت الموائد الرمضانية اليوم أكثر تنوعًا وثراء، مما أدى إلى زيادة الاستهلاك والإسراف في بعض الأحيان، مع انتشار الأطعمة الجاهزة والمُصنّعة.

وفيما يتعلق برؤية هلال رمضان، أوضح الناعبي أن الطريقة التقليدية كانت تعتمد على المراقبة بالعين المجردة من قبل سكان القرى والمدن، وعند ثبوت الرؤية يتم الإعلان عبر إطلاق الأعيرة النارية أو المدافع الصوتية لإعلام الناس، وقد تغيرت هذه العادة حيث أصبحت تعتمد على المراصد الفلكية واللجان الشرعية التي تعلن ثبوت الهلال عبر وسائل الإعلام الحديثة، مما جعل الإعلان أكثر دقة وسرعة في الانتشار، أما عن عادات الإفطار والإعلان عن وقت المغرب، فقد أشار إلى أن الأطفال في الماضي كانوا ينطلقون في الأحياء والشوارع مرددين بصوت عالٍ: «فطروا.. فطروا.. حيّانا الصايمين» أي «أهالينا الصائمين»، إيذانًا بموعد الإفطار في مشهد رمضاني مميز، بينما اختفت هذه العادة اليوم وأصبح الناس يعتمدون على مكبرات الصوت في المساجد والإشعارات الرقمية والتطبيقات الذكية لمعرفة وقت الإفطار.

كما تحدث الناعبي عن عادة «المسحر»، التي كانت من أجمل العادات الرمضانية، حيث كان المسحر أو اسم «المُهَجِد» يجوب الأحياء مرددًا الأذكار والعبارات التي تحث الناس على الاستيقاظ للسحور مثل «سحو يا صايمين.. سحور.. سحور يا نائمين.. سحور»، وفي ولاية الحمراء كان «المُهَجِد» يصعد إلى أسطح المساجد أو المنازل للتهجد وقراءة بعض الآيات القرآنية والأذكار، إلا أن هذه العادة اندثرت اليوم، حيث أصبح الناس يعتمدون على المنبهات والهواتف الذكية للاستيقاظ للسحور، مما أفقد ليالي رمضان طابعها الروحاني التقليدي.

جنوب الباطنة

وفي ولاية بركاء، أوضح محمد بن مرهون اليحمدي أن الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك لا يختلف كثيرًا بين المحافظات في سلطنة عُمان أو حتى بين الدول الإسلامية، حيث يظل هذا الشهر شهر الخيرات والبركات والنفحات الإيمانية، التي تجمع الناس على العبادة والتواصل الاجتماعي.

وفيما يتعلق بالعادات والتقاليد الرمضانية المميزة في المحافظة، أشار إلى أن الكثير من الأهالي لا يزالون متمسكين بالعادات القديمة المتوارثة عن الآباء والأجداد، مثل صلة الأرحام، وإقامة الولائم الرمضانية، وحملات إفطار الصائم، والتكافل الاجتماعي من خلال تقديم الصدقات والمساعدات للمحتاجين، طلبًا للأجر والثواب في هذا الشهر الفضيل، وأكد أن الأسر تحرص على تنويع وجبات الإفطار والسحور لتعويض الجسم عن فقدان الطاقة أثناء الصيام، وتشمل الوجبات الهريس، والدنجو، واللوبيا، والسمبوسة، والثريد، إلى جانب التمر واللبن والعصائر المتنوعة، كما أشار إلى أن السحور يحظى بعناية خاصة، حيث لا تزال العديد من الأسر متمسكة بالهدي النبوي في تأخير السحور ليكون عونًا للصائم في أداء عباداته.

أما عن الاحتفالات الرمضانية التقليدية، فقال: عادة «القرنقشوه» لم تكن موجودة في بيئتنا السابقة، وما زلنا كعوائل لا نمارسها، لكنها دخلت بسبب تفاعل السكان مع القادمين من الولايات الأخرى، كما ذكر أن مدفع الإفطار أو «المسحراتي» من العادات التي اندثرت مع مرور الزمن، حيث حلَّت محلها الوسائل الحديثة، التي وصفها بأنها أخذت «الغث والسمين» للأسف.

وفيما يخص العادات المتوارثة التي لا تزال تُمارس، أوضح أن عادة تبادل وجبات الإفطار بين الجيران لا تزال قائمة، حيث يقوم الأطفال بحمل أطباق الإفطار من بيت إلى آخر، ما يجعل مائدة الإفطار متكاملة ومتنوعة بفضل هذه العادة الأصيلة، التي تعكس روح التكافل والتلاحم الاجتماعي بين الأسر العُمانية.

محافظة البريمي

وقال سيف بن خليفة المزيدي: إن الاستعداد لاستقبال شهر رمضان في محافظة البريمي يبدأ منذ منتصف شهر شعبان، حيث يحرص الأهالي على تجهيز احتياجاتهم الرمضانية مبكرًا، وأوضح أن الناس في الماضي كانوا يتوجهون إلى الأسواق لشراء لوازمهم، كما كانوا يعتمدون على طحن الحبوب باستخدام آلة «الرحى» التقليدية، وهي أداة حجرية تتكون من حجرين مستديرين أحدهما فوق الآخر، تُستخدم لطحن الحبوب وتجهيز القهوة والوجبات الرمضانية، موضحًا أن إعداد الوجبات الرمضانية يتم في اليوم الأول من رمضان بعد صلاة العصر، وكان الأهالي في الماضي يقومون بتوزيع وجبات الإفطار على الجيران والأقارب، بالإضافة إلى تخصيص أماكن في المساجد لإفطار الصائمين، حيث يحضر كل فرد ما يستطيع من طعام مثل: التمر والماء واللبن.

وبيّن المزيدي أن محافظة البريمي تتميز بعادات اجتماعية وثقافية تعزز الروابط الأسرية، حيث تبرز التجمعات العائلية وإعداد وجبات الإفطار الجماعية، مما يسهم في توثيق العلاقات بين الأهل والجيران، كما أوضح أن من أبرز الأطعمة التقليدية التي يتم تحضيرها خلال الشهر الفضيل: العيش مع اللحم، والهريس، والثريد، والخبيصة، واللقيمات، والساقو، والعصيدة، والكاستر، والمهلبية، و«الممروسة» وهي عبارة عن مزيج من الطحين والتمر والسمن البلدي، إلى جانب المشروبات التقليدية مثل: اللبن، والشاي، والقهوة، والشوربة، وأشار إلى أن وجبة السحور كانت في الماضي ترافقها عادة إيقاظ الناس عبر شخص معين يدور في الأحياء، إلا أن هذه العادة بدأت في الاندثار، وأصبح الناس اليوم يتناولون السحور في أجواء عائلية هادئة وبسيطة.

وأضاف المزيدي: إن الأجواء الليلية في رمضان تختلف عن باقي أيام السنة، حيث تنشط الأسواق وتُقام الندوات والمحاضرات، إلى جانب حلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم في المساجد، وفيما يتعلق بالتجمعات العائلية، قال المزيدي: إن الإفطار الجماعي يؤدي دورًا مهمًا في تعزيز الألفة والمحبة بين الأقارب والجيران، كما أن بعد الإفطار يتوجه البعض إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، بينما يزور آخرون أقاربهم أو يقصدون الأماكن الترفيهية مثل: الحدائق والمطاعم والمقاهي والمراكز التجارية.

وبيّن أن الألعاب الشعبية الرمضانية في الماضي كانت متنوعة، حيث كان الأطفال والشباب يمارسون ألعابًا مثل: طاق طاقية، والتيلة، وأم السبع، ولعبة الغميضة، والكرابي، في حين أصبحت الأنشطة الترفيهية اليوم تقتصر على كرة القدم والكرة الطائرة وأيضًا بعض الأنشطة التي تُقام في الحدائق العامة والمتنزهات، وأوضح أن الأجواء الروحانية في محافظة البريمي خلال رمضان تمتاز بالبهجة والخصوصية، حيث تزداد تجمعات العائلات بعد الإفطار، كما تشهد المساجد حضورًا مكثفًا لصلاة التراويح، مشيرًا إلى أن بعض العادات الرمضانية لا تزال مستمرة حتى اليوم، ومنها دعوة أحد أهالي الحي للمصلين إلى منزله بعد صلاة التراويح، حيث يتبادلون الأحاديث ويتناولون القهوة والمأكولات الرمضانية، وهذه العادة تكون يوميًا طيلة شهر رمضان، مؤكدًا أن هذه العادات تسهم في تعزيز روح التكافل الاجتماعي وتوطيد العلاقات بين أفراد المجتمع.

محافظة الظاهرة

بدوره، قال أحمد بن خميس الناصري من ولاية عبري: إن العادات الرمضانية في المحافظات لم تندثر، ولكنها تكيفت مع التغيرات الزمنية، موضحًا أن الإكثار من الزيارات المتبادلة بين الأقارب والجيران من العادات الاجتماعية المميزة في شهر رمضان المبارك، حيث تمتاز بنشاطها خلال هذا الشهر الفضيل، إلى جانب روحانية الصيام والفرح بالإفطار على مائدة واحدة، مشيرًا إلى أن هذه العادة الحسنة لا تزال قائمة حتى اليوم، وإن اختلفت في كيفيتها، فقد أصبحت ذات طابع خاص، أو تقتصر على محيط أصغر من السابق، أو تحدث بتوقيت مختلف عن الماضي، مضيفًا: إن ما يجعل كل محافظة مميزة عن الأخرى هو اختلاف العادات والتقاليد، إلى جانب اختلاف التركيبة السكانية في بعض المناطق عن غيرها، وأوضح أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، فقد قربت مسافات التواصل من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي، لكنها في المقابل أدت إلى تقليل الحضور الاجتماعي المباشر والزيارات المتبادلة.

وأضاف: إن العادات الرمضانية أصبحت متكيفة مع التغيرات المتسارعة، حيث انتقل البعض إلى إقامة الإفطارات الرمضانية في المخيمات أو الاستراحات المهيأة، مما أضفى طابعًا جديدًا على الإفطار بعيدًا عن الطابع المنزلي الذي قد تسوده الرسمية أحيانًا، وأوضح أن هذه التغييرات أثرت على سعة الوقت، إذ تتيح هذه الأماكن قضاء وقت أطول مقارنة بالزيارات المنزلية التي قد يفضل البعض تقليصها مراعاة للخصوصية وتجنبًا لرفع الكلفة على أصحاب المنزل.

وأشار الناصري إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه العادات الرمضانية التوسع في دوائر العمل أو العمل في أماكن متفرقة ومتباعدة، وهو ما يجعل اللقاءات محدودة، بل قد تفرض بعض الوظائف على الأفراد عدم التواصل مع أهاليهم والمجتمعات المحيطة بهم لفترات طويلة، كما أكد أن وسائل التواصل الاجتماعي، رغم دورها في تقريب المسافات افتراضيًا، إلا أنها أسهمت في الحد من اللقاءات المباشرة بين الأفراد، وأشار إلى أن العولمة تمثل تحديًا آخر، حيث تواجه المجتمعات بين من يستسلم لأدواتها ويتأثر بها، ومن يحافظ على العادات والتقاليد الحسنة رغم التغيرات المتسارعة.

وفي سياق متصل، ومن الولاية نفسها، قال سامح بن سالم الشكيلي: إن العادات الرمضانية في الماضي تميزت بالبساطة، حيث اعتمدت على حسن الجوار والترابط الأسري والعائلي والجغرافي، وأوضح أن العلاقة بين الأهالي، سواء كانت اجتماعية أو مكانية، جعلت النسيج الاجتماعي أكثر صلابة، خاصة خلال شهر رمضان المبارك، حيث كان الناس يجتمعون على مائدة إفطار واحدة، ثم يتوجه الرجال إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، وبعدها يلتقون في بيت مختلف كل ليلة، فيما كانت النساء يفضلن التجمع في أحد المنازل بالطريقة نفسها.

وأشار الشكيلي إلى أن بعض العادات في محافظة الظاهرة لا تزال قائمة، مثل قيام أحد الرجال بالمناداة في أرجاء القرية لإعلام الناس بحلول وقت الإفطار، وآخر لإيقاظهم للسحور، فيما يُعرف بـ«المسحراتي»، غير أن بعض هذه العادات بدأت في التراجع، خاصة مع استقلال الأبناء في منازل منفصلة، ونتيجة لدواعي التمدن والتحضر وابتعاد بعض أرباب الأسر مع عائلاتهم الصغيرة لظروف العمل خارج مناطق سكناهم.

في المقابل، أشار الشكيلي إلى أن بعض العادات اختفت، فلم يعد هناك من ينادي بأعلى صوته لإعلام الناس بوقت الإفطار أو لإيقاظهم للسحور، كما أن التجمعات اليومية التي كانت تُقام في كل يوم داخل أحد البيوت، أصبحت تقتصر على يوم واحد فقط، وفي مجلس عام بالقرى، كما أن الزيارات الرمضانية باتت مقتصرة على المقربين فقط.

وأكد أن الوعي بأهمية الأسرة والانشغال بتربية الأبناء كان له أثر في تراجع بعض العادات، رغم أنها تمثل جزءًا أساسيًا من النهج التربوي السليم الذي يسهم في تقوية النسيج الاجتماعي، لذلك، حثّ الشكيلي على ضرورة تثقيف الأبناء بأهمية صلة الأرحام، وتعزيز التقارب المجتمعي، وتوطيد العلاقة مع المحيط الاجتماعي، من خلال مشاركتهم في المناسبات والشعائر الدينية، مما يعزز صورة العائلة في المجتمع.

واقترح الشكيلي أن تسهم الجمعيات الخيرية والمبادرات الشبابية في إحياء بعض العادات الرمضانية، من خلال تنظيم الإفطار الجماعي وتشكيل فرق توعوية لشرح أهمية هذه العادات ونقلها عبر الأجيال، وكذلك إقامة مسابقات تهدف إلى تعزيز استمراريتها، كما أشار إلى أن الأدعية والمواعظ التي تُرسل عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعزز العزيمة وتشحذ الهمم، مؤكدًا أنه شخصيًا يقلل من استخدام هذه الوسائل في رمضان، لما يحمله الشهر من روحانية، ورغبة في استثمار أيامه القليلة لتحقيق الفائدة الروحية والاجتماعية.

من محافظة ظفار

قال الشيخ محمد بن محاد العمري من سكان منطقة طوي أعتير بولاية مرباط بمحافظة ظفار: «لا أذكر بالتحديد متى بدأت الصوم، ولكن أكاد أجزم أن الصبيان في سني يمسون صيامًا عن الطعام تحديدًا لقلة وندرة الطعام، ولا شك أن الناس مع تلك الظروف في أرياف جبال ظفار كانوا يستبشرون بقدومه ويتجهزون له بغسل كل ما يملكون من أوانٍ وملابس إن وجدت، وذلك استشعارًا منهم لطهر الشهر وخصوصيته».

وأضاف الشيخ محمد العمري قائلًا: أفضل وقت بالنسبة لسكان أرياف ظفار عندما يأتي رمضان في موسم الصرب «الربيع»، حيث يُعد أفضل المواسم التي يتوفر فيها الطعام، حيث يكون هناك حصاد للمحاصيل الزراعية التي تُزرع في فصل الخريف الماطر وتُحصد في موسم الصرب، مثل الذرة بأنواعها المختلفة، والدجر «الفاصوليا»، والخيار المحلي، وغيرها من الثمرات التي تُجنى بفضل الزراعة الموسمية، وكذلك توفر الحشائش والأشجار مخضرة بالنباتات المختلفة لتصبح مرعى خصبًا للمواشي، ويكون هناك إدرار كثير للحليب والسمن البلدي، كما أن للحليب والسمن البلدي واللحوم إسهامات كبيرة في هذا الشأن وعلى مدار العام.

وتحدث عن رمضان في الخريف بجبال ظفار وكيف يعرفون أوقات الصلاة، حيث قال: «في هذا الموسم تكون الشمس فيه محتجبة، ولم تكن عندنا ساعات في ذلك الوقت، فكنا نعرف الأوقات بوسائلنا التقليدية القديمة، فكنا نحفر حفرة صغيرة ونضع فيها الماء، فكانت أشعة الشمس تنعكس على الماء وتظهر عليه، ومن أشعة الشمس المنعكسة على الماء نعرف وقت الظهر إن كانت الأشعة في الوسط، ووقت العصر إن كانت مائلة، وأما وقت المغرب فكنا نعرفه من خلال زهرة معينة، هذه الزهرة عند غروب الشمس تُغلق، وعند الفجر تتفتح».

وعن العادات والتقاليد التي تستقبل رمضان في جبال ظفار، أشار إلى أن في محافظة ظفار عادة شعبية تُسمى بـ«قتل الحنش»، وهي احتفال سنوي غذائي دسم، يتم ترتيبه في نهاية شهر شعبان، ومع دخول شهر رمضان، حيث تجتمع فيه الأسر والعائلات والأصدقاء لتناول وجبة كبيرة دسمة، وهذه العادة مستمرة حتى وقتنا الحاضر.

وحول قضاء الوقت في نهار رمضان ونصيب القرآن من ذلك، قال: لم تكن هناك مدارس في القرى، ولا يوجد معلمو القرآن، ومن أراد تعلم القرآن عليه أن ينزل للمدن ويتفرغ، وهذا صعب جدًا لأهل الجبال لشظف العيش وقلة المؤونة وانشغال الكل بالأعمال اليومية، فنمط الحياة يُلزم الجميع بذلك، لكون الأعمال تُوزع جماعيًا، مما يجعل الوقت لا يكفي للتعلم، ولم تكن هناك وسائل مسموعة كالراديو وغيرها لبث الوعي والترغيب في التعلم.

محافظة جنوب الشرقية

أما عن عادات استقبال شهر رمضان المبارك في ولاية صور، فقالت الوالدة عيدة بنت سالم الفارسية: إن العائلات تبدأ تجهيزاتها منذ شهر شعبان، بشراء السمن وتخزينه في العلب القديمة المخصصة للطبخ، وذلك بسبب ارتفاع أسعاره آنذاك، فكان الجيران يتشاركون في شرائه وتقسيمه بالتساوي، كما يتم تجهيز البهارات والليمون وتخزين مختلف أنواع التمور مثل البرني منذ يوم 20 شعبان، وكانت الأسر تستعد للشهر الفضيل من خلال استبدال الصحون القديمة بالجديدة وغسل الصحون المخصصة لشهر رمضان، وفي ليلة 29 شعبان، يجتمع الرجال والنساء والأطفال وسط أجواء من الفرح لمراقبة الهلال، بينما يذهب الرجال إلى الأسواق بعد ثبوت رؤية الهلال لشراء السمك وتجهيزه لوجبات السحور والإفطار، أما السحور، فكان يتم إعداده بالنار المشعلة في حفرة الطين المثبتة بالجدار، ويتناول الناس السحور في الساعة الواحدة فجرًا، وكانوا يوقظون النائمين بقرع الطبول ووسائل أخرى.

ومن الأطباق المميزة في ولاية صور خلال رمضان الملبنة، والديرة، والشوربة سواء بالسمك أو الدجاج، إلى جانب المرقوقة والفتة، وفي فترة العصر، تتجه النساء للمطابخ لإعداد الطعام، بينما يتوجه الرجال للأسواق لشراء المستلزمات، كما يتم تحضير العصائر مثل الفيمتو والماء، ووقت الإفطار، كان يتم الفصل بين الصائمين وغير الصائمين، حيث تتجمع العائلات الكبيرة بشكل منفصل عن بعضها، بينما تجتمع العائلات الصغيرة حول مائدة واحدة، وبعد الإفطار، يتناولون القهوة والشاي والحلويات قبل التوجه لأداء صلاة التراويح، يليها زيارة الجيران والمرضى، وخلال منتصف رمضان، كان الأطفال يخرجون للعب الألعاب الشعبية، في حين لم تكن هناك احتفالات خاصة بالشهر الفضيل، وكان المدفع يُستخدم للإعلان عن دخول رمضان وثبوت رؤية الهلال، ليضفي أجواءً روحانيةً خاصةً على الشهر الكريم في ولاية صور.

ويشاركها الرأي الوالد مسعود بن صالح المخيني، بقوله: في الماضي كانت الأسر تبدأ تحضيراتها بشراء الطحين والسمك مباشرة من السفن نظرًا لندرته في الأسواق، في حين لم يكن اللحم متوفرًا، وكانت وجبة الإفطار تعتمد على الفتة المعروفة بالثريد باستخدام خبز الرقاق مع السمك والدجاج الطازج، إلى جانب تجهيز التمر والمشاركة في شراء السمن بسبب ارتفاع أسعاره، أما المشروبات الرمضانية، فكانت تشمل الشوربة والملبنة المصنوعة من الأرز والزعفران والهيل وماء الورد، حيث يتم طحن الأرز يدويًا في البيوت لعدم توفر المطاحن قبل رمضان بعشرة أيام، وكانت العصائر، مثل الفيمتو، نادرة، والماء العذب يُجلب من مناطق بعيدة، وقت السحور كان يُحدد عبر دق الطبول، وكانت الوجبة الأساسية هي العيش مع اللبن الذي يُشترى من البدو ويتم تخفيفه بالماء، أما أجواء المساجد، فقد كانت صلاة التراويح تُقام للرجال مع قلة من النساء، والإفطار يتم داخل المساجد، ولعدم توفر مكبرات الصوت، كان الأطفال يركضون بين البيوت لنقل إعلان الأذان بعد سماعه من المؤذن الذي يصعد إلى المنارة.

وقال عبدالملك بن خلفان السلطي: إن استقبال رمضان في ولاية صور يكون بابتهالات قلبية صافية صادقة وفرحة عظيمة تملأ البيوت والأسر، ويقومون بالاستعداد المبكر في شراء الأغذية والمستلزمات والأطعمة الخاصة بشهر رمضان، وفي الشهر المبارك، تزدحم المساجد بالمصلين، خاصة في صلاة التراويح التي تخيم عليها الأجواء الرمضانية الروحانية، أما الأسواق فتكون مزدحمة مساء بشكل يومي وفي العشر الأواخر من الشهر الفضيل.

ومن العادات والتقاليد في الشهر الفضيل إخراج بعض من الفطور إلى المسجد القريب من الحي السكني، وكذلك تبادل الأطباق بين الأسر والجيران، حيث تتميز الأطباق في مائدة السحور بالعيش الأبيض مع اللبن والسمك المقلي، كما تُقام خلال الشهر الفضيل المحاضرات والأنشطة الدينية، أما الأنشطة الترفيهية فتشمل أنشطة رياضية وأمسيات ثقافية.

محافظة مسقط

ومن ولاية العامرات، قالت أمل بنت عبدالله الصخبورية، معلمة وكاتبة: «لقد أعاد الله علينا شهر الخير والبركات، وبدأنا بالاستعداد له وجدانيًا بعمل خطة روحانية حول آلية ختم القرآن إلى جانب التفسير اللغوي لبعض سور القرآن الكريم، وبالطبع، ثمة خطط واستعدادات على الصعيد المكاني بتخصيص مكان مهيئ بتفاصيل رمضانية وإضاءات وعبارات، بالتعاون مع أبنائنا، لاستشعار وغرس محبة الشهر الفضيل، وهناك استعداد لشراء المؤن وما يتطلب لإعداد المائدة الرمضانية للإفطار والسحور، ولم ننسَ أيضًا تفقد المحتاجين للعون من خلال السلة الرمضانية، لإدخال السرور عليهم وكسب الأجر والثواب».

وعن الأجواء الروحانية في المساجد والأسواق خلال رمضان، قالت: «أستطيع أن أجزم أننا نشم عبق الشهر الفضيل منذ أيام، طبعًا حركة التسوق تزداد قبل الشهر الفضيل لشراء متطلبات الطعام للفطور والسحور، إلى جانب ضرورة الانتباه لعدم المبالغة في كمية الطعام الذي يتم إعداده، ونلاحظ أن الحركة ذاتها تتكرر في نهاية الشهر استعدادًا للعيد، وثمة أنشطة تتعلق بمحاضرات دينية تُعقد في حلقات الذكر سواء بالحضور الشخصي أو عن بُعد، إلى جانب المنافسة في ختم قراءة القرآن وحفظه وتفسيره، ومن أجمل مبادرات الشهر الفضيل هي التجمعات العائلية التي تزيد المشاعر الطيبة والألفة، إلى جانب زيادة البركة والأجر، وكذلك الأمر بالنسبة للإفطار الجماعي الذي تسهم فيه المنازل بأطباق شخصية من أجل مبادرة إفطار صائم».

وعن النشاطات الترفيهية، قالت: يتم عمل مسابقات فكرية وكذلك فرق رياضية للترويح الإيجابي في ليالي الشهر الفضيل، ومسابقات في حفظ القرآن وتلاوته، ويتجمع البعض، وخصوصًا كبار السن، للعب الألعاب الشعبية مثل «الحواليس».

مقالات مشابهة

  • ماذا يستطيع الأفراد أن يفعلوا إزاء تغير المناخ؟
  • تغير المناخ يهدد بزيادة حرائق المدن بحلول نهاية القرن
  • أول برنامج تأمين لحماية المزارعين من تغير المناخ بالعراق
  • هل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية تغيِّر مسار مستقبل المهن والوظائف في سلطنة عمان؟
  • كيف نعلم أننا مسؤولون عن تغير المناخ؟
  • إطلاق أول برنامج تأمين لحماية المزارعين من تغير المناخ بالعراق
  • التغيرات المناخية تهدد بخفض الناتج العالمي إلى النصف بحلول 2070
  • العادات الرمضانية.. من البــــساطة إلى التغيرات المعاصرة
  • الإسكان تستعرض فرص الاستثمار العقاري في مهرجان عالمي بفرنسا
  • سلطنة عمان تحقق إنجازا طبيا بفصل توأم سيامي