تقرير: لماذا يرفض قطاع كبير من الموظفين صرف المرتبات عبر شركات الصرافة والبنوك التجارية الخاصة؟
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
(عدن الغد)خاص:
قراءة في أسباب وتداعيات التوجه المحموم لصرف مرتبات موظفي الدولة عبر شركات الصرافة والبنوك الخاصة..
هل هذه الخطوة إيجابية.. وما الذي تهدف إليه.. وهل تعالج الفساد أم تفاقمه؟
ما تأثير هذه الخطوة على قوة حضور الدولة.. وما الآثار الاقتصادية لها؟
هل نحن أمام تفكك آخر مظهر للدولة.. وهل عجزت الحكومة عن ضبط عملية الصرف؟
ما انعكاسات هذه الخطوة إيجابًا وسلبًا على الاقتصاد وحياة الناس المعيشية؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
سباق محموم ذلك الذي شهدته مدينة عدن خلال الأيام الماضية من خلال اعتماد عدد من شركات الصرافة والبنوك التجارية الخاصة، كنقاط معتمدة لاستلام مرتبات موظفي الدولة في عدد كبير من المرافق والمؤسسات العامة والحكومية في المدينة، وبتكليف وموافقة من قيادات تلك المرافق.
فخلال الأيام والأسابيع الماضية، تداولت المواقع الإخبارية أنباءً تفيد بتوقيع شركات صرافة وبنوك تجارية خاصة وحكومية اتفاقيات مع عدد كبير من مرافق الدولة العامة لتحويل مرتبات موظفيها إلى تلك الشركات والبنوك، غير أن بعضًا من موظفي المؤسسات العامة والمرافق الحكومية أعلنوا في بيانات منفصلة رفضهم لاستلام مرتباتهم عبر شركات الصرافة والبنوك الخاصة، ووصفوا تلك الإجراءات بـ "غير السليمة".
هذا الرفض والتناقض، بين من يسعى ويسابق للتوقيع مع الصرافات والبنوك وبين من يحذر منها أعطى انطباعًا عند الجميع بوجود احتمالات لتجاوزات من نوع ما، ستتسبب بأضرار لموظفي الدولة، وفق بياناتهم الرافضة، كما أثيرت تساؤلات بطبيعة العمل في مرافق حكومي عام بينما يتم استلام المرتبات من جهات مالية خاصة وغير حكومية.
وعلق البعض من رافضي هذه الخطوات، أن مثل هذه الخطوات تؤدي إلى مخاطر مالية كبيرة تضر بالدولة والحكومة بشكل مرعب، خاصة أنها تكشف بيانات الموظفين وحجم مرتباتهم، وخصوصيات مالية عديدة قد يجهلها غير المتخصصين في مجال حساس كهذا، وفي المقابل، يحاول مناصرة هذه الإجراءات الحديث عن مزايا وإيجابيات جمة لمثل هذه الخطوات، ولكل وجهة نظره الخاصة تجاه تحويل قضية المرتبات واستلامها إلى بنوك خاصة وشركات صرافة.
> تبعات غياب الدولة
قبل الخوض في سلبيات أو إيجابيات مثل هذا التوجه، والتسابق من قبل المؤسسات الحكومية والمرافق العامة للتوقيع مع البنوك وشركات الصرافة، لا بد من التطرق إلى الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع الذي تعيشه البلاد، وهو واقع خطير بكل المقاييس بما لا يدع مجالًا للشك.
ذلك أن التوجه نحو الشركات الخاصة للحصول على مرتبات موظفي الدولة هو حصيلة منطقية لغياب مؤسسات الدولة ومرافقها العامة، وهو أحد التأثيرات المتلازمة للحرب الدائرة في البلاد، وإحدى التداعيات الرئيسية للمواجهات بين المكونات والقوى السياسية داخل نطاق المحافظات المحررة.
ولا بد من أن غياب مؤسسات الدولة سيقابله صعود وبروز للمؤسسات الخاصة والأهلية، التي لا يمكن أن تزدهر سوى في ظل غياب الدولة برمتها بكل هياكلها وبنيانها وكياناتها الإدارية والمالية والعسكرية، بل إن قيادات الدولة العليا غائبة ما ترتب عليه غياب مؤسساتها، وهو فراغ ملأته المشاريع المتفرخة السريعة التي أعقبت الحرب وازدحمت بها المدن المحررة.
خاصة أن فترة ما بعد عام 2015 أفرزت واقعًا اجتماعيًا جديدًا، خلفت من خلاله طبقية وليدة متأثرة ومؤثرة بحالة ما بعد الحرب، ساهمت بإيجاد فئة مجتمعية توجهت نحو إنشاء وتأسيس مشاريع مالية واستهلاكية، كنتاج لتحالفات عسكرية وسياسية مع رؤوس أموال، صنعت شركات صرافة وبنوك تجارية خاصة حلت محل مؤسسات الدولة، وشغرت الفراغ الموجود.
يحدث هذا الأمر بشكل متسارع، في ظل سباق محموم بين هذه الكيانات المالية الوليدة للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من مؤسسات الدولة والإحلال بدلًا منها، أو على الأقل منافستها والفوز بحصصها، أو على الأقل مسئولية صرف مرتبات موظفيها، وهو ما يحدث بالفعل حاليًا.
> قراءة تقييمية
ثمة رفض واسع من قبل موظفي المرافق الحكومية لتحويل استلام مرتباتهم عبر شركات الصرافة والبنوك التجارية الخاصة، وهذا الرفض يُرجعه الموظفون إلى مخاوف ومحاذير كثيرة يخشون منها، لا تضعها القيادات التي اتجهت للتوقيع مع تلك الشركات والبنوك في حسبانها، وسط اتهامات لم تؤكد بالحصول على العمولات لتمرير هذه الاتفاقيات.
وبصرف النظر عن أي اتهامات أو غمزات، تحتاج قضية كهذه إلى قراءة تحليلية متجردة من أي أحكام مسبقة، للحديث عن تقييم الإيجابيات والسلبيات وراء هذه الخطوات التي أقدمت عليها مؤسسات ومرافق حكومية عامة.
فالإقدام على خطوات كهذه، يبررها القائمون عليها والمقتنعون بها بأنها تسعى للحد من التجاوزات المالية التي كانت تشهدها عمليات صرف المرتبات بشكلها التقليدي في المرافق الحكومية، في ظل اتهامات لمسئولي الإدارات في كافة المرافق، بما فيها المدنية والعسكرية والأمنية على السواء، بالقيام بخصومات غير قانونية تطال مرتبات المنتسبين لهذه المرافق، وبالتالي فإن تحويل المستحقات والمرتبات وصرفها عبر شركات صرافة وبنوك خاصة يحول دون استمرار هذه التجاوزات.
كما أن هؤلاء ينظرون إلى أن البنوك السيادية اليمنية وعلى رأسها البنك المركزي اليمني في عدن تفتقر للسيولة، وبالتالي فإن الحل لضمان استمرار صرف المرتبات هو اللجوء إلى شركات الصرافة والبنوك التجارية الخاصة.
وعلى الضفة المقابلة، يرى معارضو الخطوة أن قوت أولادهم ومرتباتهم بات في أيدي شركات صرافة طالما رافقتها سمعة سيئة واتهامات بالتورط بالمضاربة والوقوع ضحية الإفلاس، ما قد يجعل مستحقاتهم ورواتبهم "على كف عفريت"، خاصة أن هناك من يتحدث أن أساس البنوك الخاصة التي تكاثرت مؤخرًا هي عبارة عن بنوك للتمويل الأصغر، بمعنى أنها لا تمتلك رؤوس أموال ضخمة تغطي مليارات الريالات من مرتبات الموظفين، وحتى وإن استمرت في قدرتها على ذلك لفترة معينة، إلا أنها قد لا تستمر على طول الخط.
وهؤلاء يعتقدون أن مهما امتلك هذه الشركات والبنوك الصغيرة أموالًا سائلة إلا أن ضماناتها غير كافية ولا يمكن مقارنتها بالبنوك السيادية كبنك المركزي اليمني أو البنوك الحكومية الموازية، مثل بنك التسليف الزراعي مثلا أو بنك اليمن الدولي، حتى وإن شاب بعض هذه البنوك بعض السمعة السيئة نظرًا للتوقف لفترات عن العمل نتيجة ظروف البلاد السياسية والعسكرية، إلا أنه تبقى بنوكًا كبرى تضمن ديمومتها، ولا يمكن مقارنتها بمنشآت الصرافة وبنوك التمويل الأصغر أبدًا.
> التأثير على حضور الدولة
لا شك أن الإجراءات المتخذة بتحويل المرتبات والأموال السائلة من البنوك الحكومية السيادية وصرفها عبر المؤسسات المالية الخاصة سيلقي بظلاله على الكثير من الجوانب السياسية والاقتصادية، خاصة أن رقعة هذا الانتقال والتحول بدأت بالاتساع.
فمن الناحية السياسية يحمل هذا التحول الكثير من المؤشرات والدلالات المؤسفة، والمتمثلة في تهاوي مزيد من مؤسسات الدولة وخروجها عن الخدمة، واتصالها المباشر بالناس، وهذا أمر ليس بالهين ولا بالسهل، في ظل سنوات من التفكك المؤسسي تعيشه مؤسسات الدولة منذ عام 2015، وتفاقم الأمر ما بعد عام 2019، وها هو يستمر حتى اليوم، بشكل مريب وكأن الأمر مدروس وممنهج.
وهذا الغياب لمؤسسات الدولة من أذهان الناس يعمل على تعزيز غياب الدولة والتأثير على حضورها، بل وانسحابها من المشهد لصالح المؤسسات الخاصة، ما يكرس هذه النظرة إلى الدولة ومؤسساتها، وهو ما يسعى إليه البعض، وعدد من القوى السياسية.
أما من الناحية الاقتصادية، فمن المؤكد تحول الكثير من الأموال إلى البنوك الخاصة و "دكاكين الصرافة" سيعمل على تكثيف الأموال في تلك المنشآت، ومغادرتها خزائن بنوك الدولة ومؤسساتها المالية، وبالتالي فإن لهذا الوضع الكثير من التأثير على الشأن المعيشي والاقتصادي، واستغلال تلك الـ "دكاكين" لهذه الأموال والمضاربة بها في سوق العملات.
ما يعني أن الريال اليمني سيكون الضحية الأولى من وراء كل هذا التواجد المالي، الذي سيسخر بلا أدنى شك للمضاربات في سوق صرف العملات، وهذا ما سيرتبط بالأسعار والوضع المعيشي العام في المناطق المحررة، وسينعكس سلبيًا على تفاصيل حياة البسطاء.
ولا يمكن أن ننسى حقيقة مالية واقتصادية تسعى إليها الشركات ومنشآت الصرافة ودكاكينها، والبنوك صغيرة التمويل، وتتمثل في حرصها بالحصول على أموال لتضاعف رؤوس أموالها، وبالتالي تعظيم أصولها المالية وتنمية عملها المؤسسي على حساب مؤسسات الدولة العامة والحكومية، التي هي أساسًا ملك الشعب، بينما تلك الشركات والبنوك الخاصة حتى وإن قدمت خدمات للناس إلا أن هدفها الأول هو الربح، كما أنها ليست ملكًا للناس أبدًا.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: مؤسسات الدولة موظفی الدولة مرتبات موظفی شرکات صرافة هذه الخطوات الکثیر من خاصة أن لا یمکن إلا أن بنوک ا
إقرأ أيضاً:
لوموند: هل تستهدف فرنسا المدارس الإسلامية الخاصة؟
قالت صحيفة لوموند إن الحكومة الفرنسية أنهت تعاقدها مع مجموعة مدارس الكندي قرب ليون للعام الدراسي 2025، وذلك في إطار تعزيز سيطرتها على المدارس الإسلامية الخاصة، خوفا من فوات الأوان على تلافي ظهور حالات من التطرف.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم سارة بلوزان وسيلفي ليشاربونيه- أن المدارس الإسلامية الخاصة التي تعمل بموجب عقود، أصبحت تتعثر بعد فسخ العقد مع ثانوية ابن رشد في ليل للعام الدراسي 2024، وفسخ العقد بعد ذلك مع مجموعة مدارس الكندي في ضاحية ليون للعام الدراسي الجاري.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أكاديمي إسرائيلي: معاداة النظام الجديد بسوريا ليست في مصلحتناlist 2 of 2"التوقيع الآلي" لبايدن يثير الشكوك عمن كان يحكم البيت الأبيض فعلياend of listوبعد القرارين اللذين أصبحا الآن محل نزاع أمام المحكمة، لا تزال سبع مدارس إسلامية تعقد فصولا دراسية بموجب عقد، علما أن هاتين المؤسستين اللتين اشتهرتا بالجمع بين الانفتاح الاجتماعي والتميز الأكاديمي، تمثلان معا أكثر من نصف الطلاب البالغ عددهم 1880 طالبا المسجلين في مدارس إسلامية خاصة بموجب عقد.
خروق خطيرةوذكرت لوموند أن الدولة بعد عمليات تفتيش متعددة، أخطرت ثانوية ابن رشد في ديسمبر/كانون الأول 2023، ومجموعة مدارس الكندي في يناير/كانون الثاني بعدها، بوجود خروق خطيرة تبرر إنهاء عقد الجمعية، مشيرة إلى طبيعة كتب المكتبة ودورة الأخلاق الإسلامية، وعرقلة التفتيش في ثانوية ابن رشد.
إعلانأما بالنسبة للكندي، فتسلط فابيان بوتشيو، حاكمة منطقة أوفيرن رون ألب، الضوء في رسالة لها على "أيديولوجية الإخوان المسلمين" التي ينقلها مركز التوثيق والإعلام، بالإضافة إلى التصريحات "المخالفة لقيم الجمهورية" والتي أدلى بها أحد المعلمين.
وتنفي المؤسستان هذه التهم، وقد قدمت مجموعة مدارس الكندي يوم 18 فبراير/شباط الماضي استئنافا ضد قرار تعليق عقد شراكتها مع الدولة، وسيُنظر فيه يوم الاثنين 10 مارس/آذار المقبل، علما أن الطلبين العاجلين اللذين تقدمت بهما ابن رشد قد رفضا في فبراير/شباط ويوليو/تموز 2024.
ويقول مخلوف مميش، رئيس الاتحاد الوطني للتعليم الخاص الإسلامي، الذي تنتمي إليه ابن رشد والكندي، إن "العدالة هي كل ما تبقى لنا"، واعتبر أن هذه القرارات تندرج في إطار التشدد السياسي ضد التعليم الإسلامي الذي "يحاول أن يجد لنفسه مكانا".
وإلى جانب هذه الخلافات، فإن مجال المدارس الإسلامية برمته متأثر بارتياب الدولة فيه، فهي تخضعه -بحسب مصادر متطابقة- لعمليات تدقيق أكثر تواترا من غيرها، في سياق تقرير برلماني يشير إلى ضعف الرقابة التي تمارسها السلطات العامة على التعليم الخاص التعاقدي.
ويعطي هذا العقد الذي يمكن للمدرسة التقدم بطلب للحصول عليه بعد خمس سنوات من وجودها، الحق في دفع رواتب المعلمين من قبل التعليم الوطني ومنح دراسية حكومية للطلاب المؤهلين.
سياسة الارتيابوأشارت الصحيفة إلى أن هذه المدارس قد لا ترغب جميعها في الشراكة مع الدولة، ولكن حتى "تلك التي ترغب في ذلك لا تطلب في النهاية أي شيء، لأن الحصول على العقد والاحتفاظ به أمر معقد للغاية"، كما يقول مخلوف مميش.
وقد تجسدت سياسة الارتياب هذه في خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون عام 2020، والقانون ضد "الانفصالية الإسلامية" في عام 2021، ويعلق المحاضر في معهد العلوم السياسية هاووس سنيغيه بأن الأمر لا يتعلق بالضرورة بالعداء للإسلام، بل بالخوف من "تفويت شيء ما".
إعلانوقد انتهجت وزارة الداخلية -حسب الصحيفة- سياسة عرقلة كل ما يتعلق بالإسلام السياسي، معتبرة أن الفرق بين المدارس الإسلامية والكاثوليكية يكمن في أن الأخيرة ليس لديها "مشروع سياسي"، و"نحن نعمل على عرقلة الأمور إداريا وقضائيا"، كما يقول البعض.
ويعتبر كمال قباطنة، إمام المسجد الكبير في ليون، أن هذا النهج يعتمد "معيارا مزدوجا" وهو ما لا يستحسنه، ويقول متحدثا عن المدارس الإسلامية "قد يكونون ارتكبوا أخطاء، لكن كان بوسعنا أن نحاول إعادتهم إلى رشدهم. أين يذهب الطلاب المسلمون وبأي شروط؟".
ونقلت الصحيفة عن الباحثة صوفي جيرين قولها إن "المدارس الإسلامية هي المستهدفة بهذه القوانين المختلفة"، مستدركة أن العقد مع الدولة يشكل اعترافا بكونها "مؤسسة كغيرها من المؤسسات، تسهم في أداء مهمة الخدمة العامة".