انضمام مصر رسميا إلى تجمع بريكس هو حديث الشارع المصرى. فلا حديث فى خلال الأيام الماضية وحتى اللحظة إلا عن مصر والمجموعة الاقتصادية الكبرى التى أسسها 5 دول منهم ثلاثة دول تعتلى مراتب متقدمة فى الاقتصادات الخمسة الكبرى فى العالم وهى: الصين والهند وروسيا.
أسئلة كثيرة اعتاد على طرحها المواطن المصرى البسيط الذى أبدى اهتماما كبيرا بالعضوية الجديدة لمصر فى هذا التجمع.
. ماذا تستفيد مصر من هذه العضوية الرسمية..؟ وهل يتأثر الاقتصاد إيجابيا..؟ هل – كما قال زعماء بريكس الكبار- أنها خطوة مهمة للتخلص من دولرة الاقتصاد العالمى، وبالتالى تخفيف الضغط الدولارى على اقتصادات الدول الناشئة والساعية نحو النمو مثل مصر من خلال اتفاق دول التجمع على التبادل التجارى بينها بالعملات المحلية؟
كثير من الخبراء أدلوا بدلوهم فى أهمية عضوية البريكس، والغالبية أجمعوا على الفوائد التى ستجنى ثمارها مصر من خلال عضويتها الجديدة.. والبعض الآخر رأى أن عملية التخلص من ضغوط الدولار على الاقتصاد المصرى، عملية غير حقيقية ولن تسقط هيمنة الدولار وزعامته، وهو كلام مردود عليه. فالإسراف فى التفاؤل ليس مطلوبا ولا الافراط فى التشاؤم مرغوبا.
فالحقيقة الواضحة من وراء انضمام مصر للبريكس فى المنظر القريب هو تحويل التجارة إلى عملات وطنية بديلة، ولو بشكل مؤقت حتى يتم الاتفاق على إنشاء عملة مشتركة، ومصر بالفعل مهتمة جدا بهذا الأمر. فهناك استفادة للتعامل بالعملات المحلية أو بعملات غير الدولار الأميركى وهو ما تحتاج اليه مصر – ولو جزئيا- للتخلص من صداع أزمة النقد الأجنبى فى الأسواق المحلية، علاوة على منح مصر فرصة لتنويع سلة العملات الأجنبية فى تعاملاتها الخارجية.
وهنا تلوح الفرصة الذهبية لزيادة الإنتاج وتنشيط الصادرات المصرية وتعزيز حركة التبادل التجارى مع دول المجموعة الذى تمثل حوالى 32 مليار دولار ومرشحة للزيادة وتمثل الصادرات المصرية منها حوالى 6 مليار دولار.. ومرشحة أيضا للزيادة بما يخفف الضغط على النقد الأجنبى فى مصر
الأمر المهم أيضا من عضوية بريكس هو أولوية توجيه الاستثمار والاستثمارات المشتركة للدول الأعضاء وهو ما يحقق رواجا استثماريا فى مصر سواء من الصين أو روسيا والهند والاستفادة بخبرات الدول الأخرى فى مجال التقنية الحديثة والصناعات الثقيلة، فقد زار الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء خلال تواجده فى جنوب افريقيا مصانع السيارات هناك للاستفادة من تجربة جوهانسبرج واستنساخ تجربتها فى مصر. اذن هناك فرص ومزايا عديدة على صعيد المساهمة فى عملية التنمية وزيادة حجم التبادل التجارى ونقل الخبرات والاستثمار والحصول على منتجات ومواد خام بأسعار منخفضة. والبحث عن البدائل بعيدا عن ضغط الدولار، والحصول على قروض ميسرة من بنك التنمية الجديد، والاستفادة من الإعفاءات الجمركية مع الدول الأعضاء.
الحرص من جانب مصر على الانضمام للبريكس يأتى ضمن استراتيجية الدولة المصرية الجديدة بعد 30 يونيو 2013لإقامة علاقات دولية متوازنة مع كافة القوى الكبرى شرقا وغربا وابتاع سياسة الحياد فى الأزمات الدولية الكبرى والتركيز على المصلحة الاقتصادية من خلال الانضمام للمجموعة التى تضم دولا مؤثرة وفاعلة فى المشهد الاقتصادى والتمويلى الدولى وذات قدرات اقتصادية كبيرة.
مصر ليست وحدها التى سوف تستفيد من البريكس، فدول التجمع تدرك أهمية وجود القاهرة اقتصاديا وتجاريا وسياسيا فى هذا التجمع، فوجود أهم ممر ملاحى فى العالم داخل الأراضى المصرية وهو قناة السويس، يعزز مكانة مصر التجارية والاقتصادية، كما أن مصر هى التجمع لإفريقيا انطلاقا من موقع مصر الجغرافى وما تملكه من مقومات. أما الأهمية السياسية فهو حديث سابق لأوانه حاليا، فالأولوية للاقتصاد خلال السنوات القليلة المقبلة.
هناك اذن ما يدعو للتفاؤل والأمل فى مسألة الانضمام إلى بريكس وكل ما قيل عن الفوائد والمكاسب الاقتصادية هو صحيح بالفعل لكن هذا لا يعنى أن الدول النامية المنضمة للبريكس سوف تجلس مكانها فى انتظار أن تمطر سماء الدول الغنية ذهبا على الدول الأقل لحل مشاكلها وأزماتها الاقتصادية دون مراعاة اعتبارات ومعايير الانضمام إلى مثل هذه التكتلات الاقتصادية الكبرى التى تمثل ثلث اقتصاد العالم حاليا، فالمسألة تحتاج إلى مزيد من العمل وزيادة الإنتاج ومراعاة التقدم الذى يحققه الكبار مثل الصين والهند وروسيا، واليقين بأن التخلص من ضغوط العملة الأميركية لن يتم بين " يوم وليلة" وانما قد يستغرق عاما أو عامين ونستشعر نتائجه ربما فى العام بعد القادم.
مصر بعد الحصول على عضوية البريكس أمامها عمل شاق فى تهيئة مناخ العمل والإنتاج والاستثمار واستمرار عملية الإصلاح الإدارى فى كافة المؤسسات والهيئات وتحديث التشريعات وتوظيف التكنولوجيا فى كافة مجالات الإنتاج.. والاستمرار فى التحول إلى اقتصاد إنتاجى يرتكز على قاعدة صناعية وزراعية كبرى.
مصر أمامها فرصة ذهبية من عضوية بريكس لجذب المزيد من الاستثمارات وانتعاش اكبر للسياحة والاستفادة من خلال التعاون المشترك من دول التجمع فى مجالات التعليم والصحة والصناعات الثقيلة والصناعات التكنولوجية المتقدمة بشرط العمل الشاق والجاد حتى نستطيع اللعب مع الكبار فى هذا البريكس..!
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني من خلال
إقرأ أيضاً:
تمكين المحتوى المحلي: بوابة عُمان إلى الريادة الاقتصادية
مصطفى بن مبارك القاسمي
أصبح المحتوى المحلي أحد أهم الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المُستدامة، ودائماً ما يؤكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- على أهمية تمكين المحتوى المحلي، وعلى دعم أصحاب وصاحبات الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ومفهوم المحتوى المحلي يشير إلى القيمة المضافة التي تساهم بها الأنشطة والمنتجات والموارد المحلية داخل البلد وتساعد على تحريك عجلة الاقتصاد، ويهدف المحتوى المحلي إلى تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال زيادة مساهمة القطاع المحلي في الإنتاج وتطوير المهارات والقدرات المحلية.
وتكمن أهمية المحتوى المحلي في تأثيره على رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من عدة محاور منها محور تعزيز الاستقلال الاقتصادي حيث يساعد المحتوى المحلي على تقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز الإنتاج المحلي، مما يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي. وكذلك في محور دعم التنمية المستدامة وذلك من خلال تشجيع استخدام المنتجات والخدمات المحلية مما يسهم في الحفاظ على الموارد الوطنية ويحقق استدامتها.
أما في محور تشجيع ريادة الأعمال، فيزداد الطلب عليه من منتجات وخدمات مقدمة من رواد الأعمال ومن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في جميع الجهات والقطاعات المختلفة في البلد، مما يُساعد على خلق فرص جديدة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الأسواق المحلية والعالمية.
إضافة إلى محور زيادة التنافسية الدولية؛ حيث إن تمكين المحتوى المحلي يؤدي إلى تحسين جودة المنتجات والخدمات المحلية، مما يعزز قدرتها على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية.
كما إن تمكين المحتوى المحلي يساعد في خلق فرص عمل وذلك من خلال دعم المشاريع المحلية والتي سوف تسهم في تخفيض نسبة الباحثين عن عمل وتوفير فرص وظائف جديدة للشباب.
ومن هنا نقترح بعض الإجراءات لتمكين المحتوى المحلي في جميع الجهات والمؤسسات الحكومية عن طريق:
1- إدراجه كمؤشر وطني قابل للقياس في كافة القطاعات والجهات: وذلك من خلال إيجاد معايير لقياس نسبة المحتوى المحلي في المشاريع بشكل دوري وربطها بالخطط الاستراتيجية للجهات والتي تحقق أهداف رؤية عُمان 2040.
2- تشجيع التعاقد المحلي: وذلك من خلال إلزام الجهات الحكومية وشبه الحكومية وغيرها من القطاعات بالتعاقد مع الموردين المحليين لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
3- تقديم برامج تحفيزية: وذلك من خلال منح إعفاءات ضريبية ودعم مالي للقطاعات والمؤسسات التي تعتمد على الاستفادة من الموارد والخدمات المحلية والتعاقد معها.
4- تدريب الشباب وبناء قدراتهم: وذلك من خلال تطوير برامج تدريبية تُعزز مهارات الشباب وأصحاب المشاريع، مما يزيد من جودة المنتجات المحلية.
ويمكن أن نستعرض النتائج الإيجابية لتمكين المحتوى المحلي على الشباب ورواد الأعمال؛ حيث يؤدي تمكين المحتوى المحلي إلى تشجيع الابتكار في المؤسسات والقطاعات المختلفة مما يؤدي إلى دفع رواد الأعمال لتطوير منتجات وخدمات مبتكرة تلبي احتياجات الأسواق المحلية بكفاءة وجودة عالية .
ويحقق تمكين المحتوى المحلي زيادة فرص التمويل للمؤسسات التي تعتمد على المحتوى المحلي وتكون أكثر قدرة على الحصول على الموافقة في دعم حكومي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى تعزيز الهوية الوطنية وذلك عن طريق دعم المنتجات المحلية التي تعكس ثقافة وهوية السلطنة وتراثها.
وفي الختام.. نقترح أن يتم إنشاء تقسيم جديد في الجهات الحكومية يعنى بالمحتوى المحلي وتمكينه؛ حيث إنه سيكون خطوة مهمة وجوهرية لتعزيز دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والذي يؤدي بدوره في خلق فرص عمل جديدة في الأسواق المحلية.
ولا شك أن هذه الجهود سوف تسهم في تحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040"؛ مما يجعل المحتوى المحلي محورًا أساسيًا في التنمية الاقتصادية المُستدامة، يعكس هويتنا الوطنية.