المؤسسة تدعم المعلم عبر إستراتيجيات وبرامج تدريبية شاملة
نبحث دومًا عن أساليب التدريس الإبداعية والمبتكرة ومواكبة التحولات بالمجال 
المعلمون القطريون لديهم منظورٌ فريدٌ للنظام التعليمي وأهدافه
«التطوير التربوي» الذي يتيح نهجًا مبتكرًا يوفّر فرصًا ثمينة للتطوير المهني
 

قُبيل انطلاق العام الدراسي الجديد، يحرص القائمون على قطاع التعليم في قطر على إعداد برامج جديدة لدعم مهنة التدريس وتعزيزها، حيث قدم قادة قطاع التعليم مبادرات تهدف إلى تطوير أنظمة الدعم المتاحة للطلاب وذلك خلال اللقاء التربوي السنوي.

وتهدف هذه الخطط إلى توفير دعم أفضل وموارد تُناسب الطلاب، لدعم تحسين تجربتهم الأكاديمية.
وتؤكد هذه المبادرات على تعزيز وضع المعلمين، وتحقيق التقدّم المهني، وإنشاء إطار وطني يتضمن معايير مهنية وقواعد للتراخيص، خاصة وأن تحقيق ذلك ينطوي على تقديم تدريب عالي الجودة لمعلمي المدارس الحكومية وفرص تدريب مناسبة لمعلمي المدارس الخاصة.
وفي هذا الصدد قمنا بإجراء مقابلة مع السيدة عبير آل خليفة، رئيس التعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، تحدثت فيها عن فرص التدريب والقيادة المقدمة للمعلمين، وبرامج التدريب الشاملة، ومبادرات القيادة الاستراتيجية.
تناولت المقابلة التحديات التي يواجهها المعلمون القطريون والجهود التي تبذلها المؤسسة للتغلب عليها. كما تناولت الأساليب الابتكارية لرفع مستوى مهنة التدريس وتعزيز النتائج التعليمية ودعم المعلمين، مؤكدة دورها الرائد في التحول التعليمي.
وفيما يلي نص الحوار:

- بدايةً، ما أهمية الدور الذي يضطلع به المعلمون القطريون في مدارس مؤسسة قطر؟ وكيف ينعكس على العملية التعليمية؟ 
- نسعى في مدارس مؤسسة قطر إلى استقطاب مزيد من الكوادر القطرية في الهيئات الإدارية والتدريسية، ونحرص في كل عام على زيادة المعلمين القطريين في مدارسنا، إدراكًا للفائدة الكبيرة التي يعود بها المعلمون على البيئة التعليمية، كونهم نماذج يُحتذى بها، يشاركون المتعلمين ثقافتهم، ويوفرون لهم التوجيه والإرشاد، هذا إلى جانب قدرة المعلّم القطري على مواءمة السياق المحلي في نطاق عالمي، والإسهام في تعزيز انتماء طلابنا لهويتهم.
كما أن لدى المعلمين القطريين منظورٌ فريدٌ للنظام التعليمي وأهدافه، يتيح لهم تطبيق المناهج والسياسات التعليمية الوطنية بكفاءة وبما يتوافق مع رؤية قطر الوطنية إزاء التعليم؛ ونؤمن إيمانًا جازمًا بأن وجود المعّلم القطري ضروري لتوفير تجربة تعليم غنية ثقافيًا وملائمة للسياق المحلي. من هنا تسعى مؤسسة قطر للاستمرار في تعزيز دوره ومكانته تقديرًا لإسهامه في صياغة مستقبل التعليم بدولة قطر. ولا تبخل في تصميم برامج التطوير المهني الفاعلة لرفع مؤهلاته وجعل مهنة التدريس جاذبة في ظل بيئة عمل داعمة. 
خطة تنمية شخصية 
- كيف تستقطب مؤسسة قطر المعلمين الأكفاء، وهل ثمّة برامج مبتكرة لتدريبهم؟
- تولي مؤسسة قطر اهتمامًا واسعًا باستقطاب المعلمين الموهوبين وبناء معايير مهنية طموحة للمعلمين، إدراكًا لقيمتهم وإسهاماتهم؛ كما تشجّع المؤسسة المعلّمين على إكمال دراساتهم العليا حرصًا منها على نموهم المهني وتعزيز التزامهم طويل الأمد بالتعليم. نحرص على أن يكون لدى كل معلم خطة تنمية شخصية، تبدأ بتحديد احتياجاته الخاصة وتحليلها، وإنشاء خطة تدريب مخصصة يسهل تنفيذها داخل المدرسة أو عبر الفرص المتاحة بجامعات المدينة التعليمية أو المؤسسات الخارجية. هدفنا هو أن يظل المعلمون على دراية وفهم واضح للمسارات المتاحة أمامهم. 
ينفرد التعليم ما قبل الجامعيّ بمؤسسة قطر بأنه يضم معهد التطوير التربوي الذي يتيح نهجًا مبتكرًا يوفّر للمعلمين فرصًا ثمينة للتطوير المهني. نبحث دومًا عن أساليب وطرق التدريس الإبداعية والمبتكرة ومواكبة التحولات الحديثة في مجال التعليم. يوفر المعهد دورات وبرامج تطوير مهني شاملة ومصممة خصيصًا للمعلّمين عبر وبالتعاون معهم وذلك قبل بداية العام الأكاديمي لتحديد احتياجاتهم، وضمان إيجاد فرص التدريب الهادفة لهم؛ هذا بالإضافة إلى تنظيم ورش عمل وندوات ومؤتمرات تسهّل التواصل بين جميع العاملين في مجال التعليم داخل دولة قطر وخارجها، وتبادل الخبرات ومشاركة أفضل الممارسات عبر هذه المنصات.  أضف إلى ذلك أن مؤسسة قطر تتبنّى التكنولوجيا كأداة لتعزيز تدريب المعلمين. لقد طوّرنا موارد رقمية ومنصات عبر الإنترنت توفّر فرص تعلّم مرنة يسهل الوصول إليها؛ ومن أمثلة ذلك مبادرة «راسخ»، وهي منصة شاملة تشتمل على موارد تعليمية ووحدات تفاعلية تربط بين السياق العالمي والمعرفة المحلية.
ما أكبر التحديات التي يواجهها المعلمون أو من يتطلعون إلى ممارسة مهنة التعليم بدولة قطر؟ 
من بين أهم التحديات التي يواجهها المعلّم اليوم، التغيّر المستمر في طبيعة الوظائف التي سيمارسها الطالب في المستقبل، وصعوبة التنبؤ بما ستتطلبه هذه الوظائف من معارف ومهارات. لأجل ذلك ينصبّ تركيزنا في مؤسسة قطر على بناء نظام تعليمي يواكب المعايير العالمية العصرية وصقل المهارات العملية والحياتية المهمّة والتحلّي بالقدرة على التعلّم والتطور باستمرار.  
إن التطورات التكنولوجية المذهلة، مثل الذكاء الاصطناعي، تشكّل تحديًا كبيرًا للمعلّم، وتحتّم عليه باستمرار الإلمام بكيفية توظيفها لصالح العملية التعليمية، والتعامل بإيجابية مع أية مخاطر قد تنجم عنها، وإبقاء المعلمين والمتعلمين على إطلاع دائم بآخر هذه التطورات، وهذا هو ما نضطلع به في مدارس المؤسسة.
وثمّة تحدٍ آخر ذي صلة بقدرة المتعلمين على الوصول السريع إلى المعلومات والإجابات عبر الشبكة العنكبوتية، ويتمثّل هذا التحدي في إظهار مدى مصداقية المعلّم، ذلك أن الشبكة العنكبوتية قد تحتوي على معلومات مغلوطة أو غير موثوقة، ومن ثّم ينبغي للمعلّم توفير المعلومة الصحيحة في مقابل ما وجده المتعلّم. وفي هذا الصدد، نحرص دائمًا على إذكاء القدرات البحثية لدى المتعلمين ليتمكنوا من تمييز المعلومة الصحيحة من غيرها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن طلاب اليوم يختلفون عن أقرانهم من الأجيال السابقة اختلافًا كبيرًا؛ فهم أكثر انفتاحًا، واحتياجاتهم أصبحتْ أكثر تنوعًا، ووصولهم إلى منصات المعرفة أضحى أكثر سهولةً. ونظرًا لأن منهج البكالوريا الدولية الذي نعتمده يشجّع الطلاب على مواصلة البحث والتساؤل، نستمرُ في تمكين المعلّمين من تلبية متطلبات الطلاب والرد على تساؤلاتهم، والإلمام بآخر تطورات المشهد التعليمي.
برامج تدريبية 
- كيف تحث المؤسسة المعلمين على المشاركة الفاعلة بمجال التعليم، لا سيّما التعليم المتخصص في بعض المدارس مثل أكاديمية ريناد؟ هل يتلقون تدريبًا معينًا؟
- نلتزم في مؤسسة قطر بتمكين المعلمين وإثراء مشاركتهم الفاعلة في العملية التعليمية، ونوفر لهم برامج متخصصة تدربهم على تدريس المناهج التي تقدّمها مدارس التعليم المتخصص، ومنها أكاديمية ريناد. فمن خلال التدريب الموجه، يتعرف المعلّمون على خصائص التعليم الفردي، وتقنيات التدريس المرن القائم على الاحتياجات الفردية لكل طالب، وكيفية استخدام التقنيات المساعدة، بما يمكّنهم من إدارة الفصول الدراسية على نحو شامل.
يمتلك المعلم بالمدارس المتخصصة صفات ومعايير فريدة تؤهله للتعامل مع الطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية المتنوعة، ومنها صفات متأصلة كالصبر، والشغف بالتعليم، والقدرة على التركيز، والاستعداد الدائم لتقديم الدعم النفسي. إننا في المؤسسة ندرك أهمية اختيار المعلمين الذين يتحلون بقدرات التحليل والتفكير الناقد. ونشدد على أهمية حث المدرسين على تنمية الذات وتكوين الشخصية المهنية المتأملة والملتزمة والقادرة على حل المشكلات بهدف تجويد الممارسة المهنية. 
من الأهمية بمكانٍ إعدادُ بيئة آمنة ترعى الطلاب وتراعي احتياجاتهم، ولهذا نشجع المعلمين على إبقاء التواصل مع طلابهم، ومعاملتهم كما يعاملون أبناءهم، فهذا يرسّخ الروابط بين المعلم والطالب، وينمّي الشعور بالثقة لديهم ويمدهم بالدعم المطلوب. 
دعم التميز .. وتنمية القدرات 
- ما الفرص المتاحة للمعلمين القطريين، لا سيما الإناث، في دولة قطر ومدارس مؤسسة قطر؟
- تدرك دولة قطر أهمية الاستثمار في المعلمين القطريين، وتقدّم برامجًا ومنحًا دراسية عديدة، وفرصًا للتطوير المهني مصممة لهم خصيصًا، لأجل تنمية مهاراتهم وتوسيع معارفهم وتزويدهم بالأدوات اللازمة للتميز في فصولهم الدراسية. وقد تضمنت استراتيجية قطاع التعليم والتدريب وخطط الوزارة خلال السنوات الماضية العديد من المبادرات والبرامج الرامية إلى رفع قدرات المعلمين في شتى المجالات المرتبطة بهذا القطاع الحيوي، بما فيها تسهيل تعاملهم مع التكنولوجيا الحديثة.
وعلى صعيد مؤسسة قطر، هناك إيمان راسخ بأهمية تمكين المعلمين القطريين ودعمهم للتميز في مهنتهم؛ ولتحقيق هذا الغرض، نلتزم بتوفير فرص عديدة للمعلمين القطريين، وخاصة المعلمات، داخل دولة قطر وفي مدارس مؤسسة قطر، كما تُولي المؤسسة اهتمامًا كبيرًا بتمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين، وإتاحة الفرص للنساء والاحتفاء بإسهاماتهن في مجال التعليم.
نسعى أيضًا إلى تطوير قادة المستقبل في قطر في مجال التعليم. نحن ملتزمون بتطوير المتعلمين ذوي المهارات العالية الذين سيصبحون معلّمين. لذا عملت المؤسسة على العديد من المسارات والمميزات لزيادة نسبة المكون الوطني بمجال التدريس في جميع مدارسها، ومن ذلك رعاية الطلاب القطريين الذين يدرسون في جامعات في الخارج. يقدم التعليم ما قبل الجامعي حاليًا فرصة فريدة وهي برنامج للمنح الدراسية موجه لطلاب مدارس المؤسسة الراغبين في التطوير في مجال التعليم. الفئة المستهدفة من برنامج المنح الدراسية هم الطلاب القطريين الذين حصلوا على شهادة الثانوية العامة من مدارس مؤسسة قطر لمتابعة درجة البكالوريوس في التعليم. يساعد برنامج المنح الدراسية الطلاب في الحصول على المؤهلات اللازمة للعمل بعد التخرج في مجال التدريس في مدارس مؤسسة قطر ويستفيد من هذا البرنامج أربعة من طلاب مدارسنا الخريجين الذين يستكملون حاليًا دراستهم في الخارج.
- إلام ترجع أهمية وجود قطريين في قيادة التعليم ما قبل الجامعي؟ وكيف يُسهم ذلك في التجربة التعليمية الشاملة للطلاب؟
يشكل تعزيز مكانة القيادة القطرية من أحد أبرز الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها في التعليم ما قبل الجامعي؛ إننا في مؤسسة قطر ندرك أهمية تعزيز الشعور بالهوية الوطنية والاعتزاز بها بين الطلاب، ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا من خلال جهود ورؤى القيادة القطرية التي تعزز ارتباط الطلاب بتراثهم الثقافي وقيمهم وتقاليدهم.
كما تسهم القيادة القطرية أيضًا في إثراء مفهوم التجربة التعليمية الشاملة للطلاب من خلال تقديم نماذج يحتذى بها تفهم السياق المحلي وتلبي الاحتياجات والتطلعات المحددة للطلاب القطريين على أكمل وجه. يعمل هؤلاء القادة كمرشدين للطلاب في رحلتهم التعليمية، يساعدونهم في تعزيز شعورهم بالهوية والانتماء، ويعملون جنبًا بجنب مع الموظفين من الجنسيات الأخرى، ويساندونهم في فهم الإطار المحلي في السياق العالمي.
وفيما يتعلق بالتوجيه، ينبغي أن يتلقى الطلاب المعلومات والإرشادات ممن يمتلكون فهمًا وافيًا لثقافتهم وانتماءاتهم. وحتمًا يضمن وجود قياديين قطريين تلقي النصح والإرشاد من فرد ينتمي لمجتمعهم، ويفهم تجاربهم، ويستطيع مشاركة رؤى ملائمة لها.
يحظى القادة القطريون بفهم عميق للمنظومة التعليمية وأهدافها ورؤية قطر الوطنية بشأن التعليم، ويؤدون دورًا مهمًا في تطبيق المناهج بما يضمن توافق التجربة التعليمية مع تطلعات دولة قطر للتميز والابتكار.
إرث تربوي مستدام 
ما الإرث الذي ستتركه مدارس التعليم ما قبل الجامعي؟ وما الأهداف والمنجزات المحددة التي تأملون تحقيقها لأجل تأثير دائم على الطلاب والمعلمين والمجتمع الأوسع نطاقًا؟
من خلال مهامي كرئيس التعليم ما قبل الجامعي بمؤسسة قطر، تتمثل رؤيتي في إنشاء إرث من التعليم التطويري دائم التأثير على الطلاب والمعلمين والمجتمع الأوسع. تقع على عاتقنا تطوير المنظومة التعليمية لتضاهي بجودتها الأنظمة التعليمية العالمية انطلاقًا من تحقيق التميز والجودة في مخرجات العملية التعليمية وترسيخ مفهوم التعليم الحديث والبحث العلمي وصولاً إلى استكمال جهودنا في بناء القدرات الوطنية المهنية في المدارس.
وأحد الأهداف الأساسية التي آمل تحقيقها، هو تعزيز ثقافة الابتكار والتفكير الناقد داخل مدارس التعليم ما قبل الجامعي، وتزويد الطلاب بالمهارات والمعرفة اللازمة للنمو في عالم سريع التغيّر؛ فمن خلال تعزيز الإبداع والتفكير الريادي وإيجاد حلول للتحديات، يصبح الطلاب قادة المستقبل وصناع التغيير الإيجابي.
أهدفُ إلى توفير بيئة داعمة للمعلمين تصقل مهاراتهم التربوية باستمرار وتواكب أحدث الممارسات التعليمية، وتبرز دورهم الذي لا يقدّر بثمن في تشكيل عقول الشباب، وذلك من خلال فرص التوجيه وبرامج التطوير المهني الشاملة؛ كما أؤمن بأهمية المشاركة المجتمعية، حيث تلتزم مؤسسة قطر التزامًا قويًا بالمسؤولية الاجتماعية، ما عزّز إسهام مدارسنا في تحسين المجتمع.
تتمثل رؤيتي في النهوض بمدارس مؤسسة قطر كمراكز للتميّز التعليمي، تنتج خريجين متميزين أكاديميًا ومبتكرين يسهمون في تغيير المجتمع نحو الأفضل. ومن خلال التركيز على التنمية الشاملة للطلاب، وتمكين المعلمين، وبناء شراكات مجتمعية قوية، فإننا نبني إرثًا دائمًا يؤثر بشكل إيجابي على حياة الأفراد والمجتمع ككل. سيكون التزام مؤسسة قطر بالتعليم وموارده عاملًا أساسيًا في تحقيق هذه الأهداف وترك إرث قيّم للأجيال المقبلة.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: قطر قطاع التعليم اللقاء التربوي مؤسسة قطر العملیة التعلیمیة فی مجال التعلیم دولة قطر تدریب ا مین على برامج ا من خلال المعل م

إقرأ أيضاً:

مخرجات التعليم المهني وبوصلة المستقبل

يتغير مشهد الطلب على المهارات في أسواق العمل العالمية نتيجة ثلاثة محركات رئيسية؛ أولها: سطوة التقانة؛ بما في ذلك ما يُحدثه الذكاء الاصطناعي من تغيرات في الأدوار والوظائف والمهام في أسواق العمل، ومزاحمة سوق الروبوتات للأدوار البشرية في قطاعات العمل والإنتاج والمساعدة الشخصية وأداء المهام الاعتيادية والتصنيعية، تشير التحليلات على سبيل المثال إلى توقع أن تحل الروبوتات محل ما يقرب من 20 مليون وظيفة تصنيع في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030، مع قدرتها في المقابل على خلق ما يقرب من 170 مليون وظيفة جديدة على مستوى العالم بحلول عام 2030، وخاصة في المجالات المتعلقة بتطوير الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، وذلك بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي. أما المحرك الثاني: فيتمثل في الانتقال من الأنماط التقليدية للإنتاج القائمة على استنزاف الثروة، والكم الهائل من الانبعاثات، ونموذج الاقتصادات القائمة على الهيدروكربونات، إلى نموذج جديد تقوده فكرة الاستدامة، ويدفع بالاقتصادات نحو التخضير، والبناء على المعرفة، وينشط الاستثمار في أنماط الطاقة المتجددة، شهد عام 2023 أعلى زيادة تاريخية في وظائف الطاقة المتجددة، حيث نمت الوظائف التي خلقها القطاع بنسبة 18% مقارنة بالعام السابق له لتصل 16.2 مليون وظيفة، وفقًا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. أما المحرك الثالث: فيتصل بالطبيعة الديموغرافية للعالم؛ فما تشهده بعض الاقتصاديات من شيخوخة في السكان، وتراجع لمعدلات السكان في سن العمل، والحاجة إلى تكثيف المهارات في القطاعات الإنتاجية، والحاجة إلى جيل المهارات الرقمية يدفعها إلى فتح أسواقها للعمل والهجرة وتحسين جاذبية ظروف العمال، في مقابل تلك الدول التي تتمتع بشريحة عريضة من السكان في سن العمل، وتراكم للمهارات والتي بدأت بعضها تضع استراتيجيات وخططا لتهجير تلك القدرات والكفاءات إلى الدول ذات الاحتياج الأقصى.

بإيجاز؛ ما تعيشه أسواق العمل والإنتاج عالميًا اليوم هو صراعٌ في الطلب على المهارات، ويبدو أن الـ (5 – 10) سنوات القادمة ستكون معملًا عالميًا لإعادة تأهيل المهارات البشرية، وهو ما يمكن أن نسميه التحول المهاري الأكبر (The biggest skill shift) الذي تقوده المحركات الثلاثة التي أسلفنا ذكرها، وهو ما يدفع بالمجتمعات إلى مواكبة والتأقلم مع مهارات الثورة الصناعية الرابعة، والاستفادة القصوى من المُكن الحضارية والإنتاجية والاقتصادية التي تتيحها للبشرية بعدالة. في القراءة التي قدمها تقرير (مستقبل الوظائف 2025) الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، قدم مثالًا بسيطًا عن حجم الحاجة إلى إعادة تأهيل المهارات للقوى العاملة عالميًا، «فإذا كانت القوى العاملة مثلًا 100 شخص، سيحتاج 59 منهم إلى التدريب بحلول عام 2030. بحيث سيكون 29 منهم يمكن رفع مهاراتهم في أدوارهم الحالية، ورفع مهارات 19 آخرين وإعادة نشرهم في أماكن أخرى داخل مؤسستهم. وفي المقابل من غير المرجح أن يتلقى 11 منهم إعادة التأهيل أو رفع المهارات اللازمة، مما يجعل آفاق توظيفهم معرضة للخطر بشكل متزايد». يضرب لنا هذا المثال المبسط طبيعة المشهد العالمي المتغير للمهارات، والكيفية التي يجب فيها من اللحظة الراهنة التفكير في سبل إعادة التمحور للمهارات، ليس فقط على مستوى القطاعات والمؤسسات ووسائط الإنتاج الاقتصادية، وإنما حتى على المستويات الوطنية بما في ذلك العاملين في القطاعات الحكومية.

على المستوى المحلي، يقود مستقبل التغير في المهارات خمسة عوامل رئيسية في تقديرنا: الأول؛ الطلب والاستثمار في قطاعات الطاقة المتجددة؛ وما يمكن أن يخلقه من فرص جديدة، وطلب على أشكال محددة من المهارات، أو طلب في تحويل مهارات قائمة. العامل الثاني؛ يتشكل في تغير أنماط العمل الحكومي، بما في ذلك التحول الرقمي للحكومة، والانتقال إلى نمط الحكومة التفاعلية والميدانية، وهو ما يتطلب مهارات نوعية بعينها تجسر هذا الانتقال وتسرعه. أما العامل الثالث؛ فهو أنماط الاقتصاد الجديد، وهنا نعني الكيفية التي يمكن من خلالها للمتعلمين والقوى العاملة أن تكتسب مهارات مرنة تكيفها للاندماج في الاقتصاد الجديد؛ هذا الاقتصاد الذي تقوده أنماط ريادة الأعمال، وريادة الأعمال الاجتماعية، والفرص التي يتيحها تنشيط أنماط العمل الحر، وكذلك الفرص الممكنة لاندماج هذه القوى العاملة في مشهد العمل العالمي عبر الحدود. العامل الرابع؛ الذي يقود التغير في مستقبل المهارات هو طبيعة المشروعات الاستراتيجية الكبرى التي تنفذ أو يعتزم تنفيذها، وكيف يمكن لمهارات القوى العاملة الوطنية أن تلبي احتياج تلك المشروعات في مختلف القطاعات، وليس ذلك فحسب بل تنتقل إلى أن تضيف ميزة تنافسية للأداء في تلك المشروعات عبر الابتكار وتخليق النماذج الإبداعية. العامل الخامس؛ هو إدراك التغير المطلوب والمُلِح في الأنماط التقليدية للتعليم، والضرورة التي يجب من خلالها أن تتحول ساحات التعلم إلى ساحات ممارسة وتطبيق تكسب مهارات التكيف والتدبير، وأن تتحول بها مناهجه ووسائله من أدوات لإكساب المعرفة إلى أدوات لتبسيط القدرات المتقدمة في التفكير والنقد والتحليل وإعادة البناء. هذه العوامل الخمسة تجعل من النظر إلى دور التعليم المهني محوريًا في مواكبة هذه المتغيرات، وذلك لثلاثة اعتبارات أساسية: أولها القيمة الاقتصادية لهذا النوع من أنواع التعليم، حيث تشير الأدلة التاريخية عبر العالم إلى تلك القيمة المضافة للاقتصادات والأفراد الذين انخرطوا في هذا الشكل من أشكال التعليم مقارنة بأقرانهم في أنماط التعليم الأكاديمي، الاعتبار الآخر هو قدرة هذا النوع من التعليم على تجسير المهارات بشكل أسرع وأكثر مرونة مقارنة بأنماط التعليم الأخرى. أما الاعتبار الثالث فيتثمل في سهولة الربط بين هذا الشكل من التعليم مؤسسيًا وهيكليًا بالقطاعات الإنتاجية بشكل مباشر. وسنتناول في الجزء التالي من هذه المقالة هذه الاعتبارات وكيفية إسقاطها في واقع سياسات التعليم المهني محليًا.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

مقالات مشابهة

  • فيديو | سلطان يفتتح قمة الشارقة الدولية لتطوير التعليم
  • وزير التعليم: نسعى لتطبيق نموذج «التوكاتسو» في مختلف المدارس المصرية
  • مخرجات التعليم المهني وبوصلة المستقبل
  • وزير التعليم: نسعى لتطبيق نموذج التوكاتسو في مختلف المدارس المصرية
  • وزير التعليم : نسعى لتطبيق نموذج التوكاتسو في المدارس المصرية الحكومية
  • إلغاء الدراسة بجميع مدارس الشرقية يوم السبت خلال شهر رمضان المبارك
  • أشرف صبحي: نسعى لتوفير الإمكانيات اللازمة لتطوير الرياضة المصرية
  • وزير التعليم يشارك في ندوة تفاعلية حول الشراكة التعليمية بين مصر واليابان
  • تطوير مناهج التربية الفكرية وتأهيل المعلمين لدعم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس
  • مدارس خليج عدن الأهلية تنظّم المعرض السنوي للابتكارات العلمية