نقطة اللاعودة في النيجر.. ماذا بعد إعلان الانقلابيين طرد السفير الفرنسي؟
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
بقرارهم طرد السفير الفرنسي من النيجر، يكون الانقلابيون الذين استولوا على السلطة، منذ شهر، بصدد الإعلان عن موقفهم الرافض لأي حلول تفاوضية، بينما لا تزال مجموعة "إيكواس" تلوح بالتدخل العسكري.
وطالب المجلس العسكري في النيجر، الذي يحتجز الرئيس المنتخب، محمد بازوم منذ 26 يوليو الماضي، الجمعة، سفير فرنسا في نيامي، بمغادرة البلاد في مدة أقصاها 48 ساعة، وفق وكالة الصحافة الفرنسية، فرانس برس.
وبعد الإطاحة بالرئيس الذي انتخب، في عام 2021، أعلنت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، في 10 أغسطس، عزمها على نشر قوة "لإعادة النظام الدستوري في النيجر" من دون أن تعرف تفاصيل عملية كهذه وموعدها.
هذا الوضع قد يؤشر على الوصول إلى طريق مسدود، وفق رئيس المعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي، فرانسوا جيري، الذي أكد أن الانقلاب في النيجر ستكون له عواقب وخيمة، إذا استمر المشهد كما هو عليه الآن.
وفي اتصال مع موقع الحرة، شدد جيري على أن الدول التي لوحت بالتدخل العسكري، والذي ساندته فرنسا، "فعلت كذلك عندما رأت أن الانقلابيين لا يريدون سماع صوت العقل".
جيري لفت إلى أنه خلال نفس اليوم الذي أعلنت فيه "القيادة الجديدة" في النيجر رغبتها في مغادرة سفير فرنسا لديها، سمحت لمالي وبوركينافاسو، بالتدخل عسكريا في ترابها إذا لزم الأمر ، قائلا "هذه علامة صريحة على أنهم لا يريدون التفاوض".
وتعارض مالي وبوركينافاسو بشدة أي تدخل عسكري في النيجر.
لكن بيان وزارة خارجية النيجر، الذي أعلن عن دعوتها السفير للمغادرة، برر قراره بكون باريس "رفضت الاستجابة لدعوتها إلى إجراء مقابلة".
ورفضت باريس طلب الوزارة النييجرية معتبرة أن "الانقلابيين ليست لهم أهلية" لتقديم مثل هذا الطلب.
"حرب مفتوحة"يرى المحلل المختص في الشؤون الأفريقية، محمد تورشي، أن الدعوة التي وجهتها السلطات العسكرية في النيجر لفرنسا "تدخل في إطار الضغط الذي تمارسه على باريس في ضوء قراراتها توقيف كل العقود معها بداية من الشهر القادم.
وفي مقابلة مع موقع الحرة، شدد تورشين على أن محاولة الانقلابيين الضغط على باريس، جاء بالدرجة الأولى لأن الأخيرة من أشد الداعمين للتخدل العسكري لمجموعة دول غرب أفريقيا بقيادة نيجيريا.
لكن جيري، يؤكد من جانبه، أن باريس ليست من دعت إلى التدخل العسكري، مشيرا إلى أنها دعمت فقط "القرار الحر لإيكواس" على اعتبار أن ذلك سيكون حلا أخيرا لإعادة الشرعية.
تورشين يعود للقول إن هذا الوضع سيفتح الباب على مصراعيه لعدة سيناريوهات لعل أهمها "حرب مفتوحة بين الطرفين" وفق وصفه.
وأضاف "في حال نجح المجلس العسكري في تثبيت حكمه وتحجيم دور فرنسا فستحاول الأخيرة قدر استطاعتها منع ذلك" وهو ما يحيل إلى سيناريوهات متعددة لكنها تصب جميعها في المواجهة العسكرية.
والجمعة، توجهت مولي في، كبيرة الدبلوماسيين الأميركيين لشؤون منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا إلى غرب القارة في محاولة دبلوماسية جديدة لحل الأزمة المستمرة منذ شهر في النيجر.
وستزور مولي، كلا من نيجيريا وغانا وتشاد.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان، أمس، إن في ستتطرق خلال جولتها "للأهداف المشتركة المتمثلة في الحفاظ على الديمقراطية التي اكتسبتها النيجر بشق الأنفس وتحقيق الإفراج الفوري عن الرئيس بازوم وعائلته وأعضاء حكومته المحتجزين ظلماً".
وأضافت أنها ستجري أيضا مشاورات مع كبار المسؤولين في بنين وساحل العاج والسنغال وتوغو، وكلها أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).
"برميل بارود"فرانسوا جيري، يقول في الصدد، إن بلاده لم تهدد يوما نيامي بتدخل عسكري، بل حاولت التقرب من الانقلابيين لبحث أرضية وفاق، لكنهم رفضوا كل المساعي الدبلوماسية، وفقه، مرجحا هو الآخر، أن يسوء الوضع أكثر إذا استمروا على موقفهم هذا.
وقال "كلما تراجعت الدبلوماسية، زادت فرص اندلاع الحروب".
ثم تابع "فرنسا لم تقل يوما إنها تريد الحرب ضد الانقلابيين، لكن طرد السفير سيعقد الوضع ويقوي الخيار العسكري".
ثم مضى "على حكومة النيجر تحمل مسؤوليتها، لا أقصد هنا الحرب بالضرورة، لكن تبعات هذا الوضع المتأزم على اختلافها".
وأضاف "أقصد أن التكاتف بين النيجر وبوركينافاسو ومالي، يعني تعاضد مجموعة من الانقلابيين، هذا سيجعل من المنطقة برميل بارود".
تورشين من جانبه، يرى أن الوضع في المنطقة ككل وصل لنقطة اللاعودة، وهذا يؤشر على مستقبل مبهم يسير للعنف أكثر قائلا "سيزداد التعقيد، والمناكفات ستستمر لفترات طويلة" مشيرا إلى أن فرنسا ستوظف الحلول العسكرية لتلافي ذلك "وهو ما سيشكل بؤرة نزاع جديدة" العالم في غنى عنها.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی النیجر
إقرأ أيضاً:
الأفول الفرنسي في أفريقيا.. قراءة في الأسباب
هيمن المستعمر الفرنسي على مناطق شاسعة من القارة الأفريقية بعد غزوها في القرن السابع عشر الميلادي؛ فيما عُرف ببداية مرحلة الاستعمار الأوروبي للقارة السمراء الغنية بالموارد الطبيعية والبشرية المتنوعة ذات الوفرة.
استخدمت فرنسا أبشع أنواع العنف والتنكيل بالشعوب الأفريقية التي وقعت فريسة لها، وتلظّت بنير عسفها وجورها وتسلّطها غير المسبوق، الذي تميزت به المدرسة الاستعمارية الفرنسية عن غيرها من مدارس الاستعمار الأوروبي الحديث.
مدرسة فرنسا الاستعماريةاتخذت فرنسا منهجًا استعماريًا خاصًا بها، أصبح مدرسة لها خصائصها التي عُرفت بها، تلتقي في بعض ملامحها مع مناهج الاستعمار بصفة عامة، وتختلف بتميز الطابع الفرنسي الخالص الذي يقوم على مقومات عديدة، منها:
استخدام القوة المفرطة، والعنف والقسوة، والإبادة ضد الشعوب المُستعمَرة. الإدارة المباشرة للمناطق التي تستعمرها بقوتَي الحديد والنار. تدمير الهوية المحلية والقضاء على لغة الشعوب المحلية التي تقع تحت سيطرتها، وإحلال اللغة الفرنسية حتى يسود مشروع فرنسا الاستعماري الذي عُرف بـ"الفرانكفونية"، أي الدول أو الشعوب الناطقة بالفرنسية من غير الفرنسيين. مسخ عقل أفريقيّ اللون والعرق، وتحويله إلى فرنسي الفكر والهوى والتبعية. استنزاف ثروات الشعوب المستعمرة وتوظيفها في ازدهار فرنسا وبناء قوتها العسكرية والاقتصادية. قمع حركات المقاومة وارتكاب المجازر، وإطلاق حملات تنصير كبيرة لتحويل أفريقيا إلى قارة مسيحية. إفقار الأفارقة وإبقاؤهم تحت نير الثالوث الاستعماري: "الجهل، والفقر، والمرض". إعلان ما بعد الحرب العالمية الثانيةاستمرت فرنسا في حملات الإبادة والقمع للشعوب الأفريقية منذ بدايات استعمارها لأوطانهم، وارتكبت خلالها أبشع صور الإبادة لحركات المقاومة، وخاصة الإسلامية منها. وأكبر دليل على ذلك ما ارتكبته في تشاد من قتل أكثر من 400 عالم مسلم في مذبحة عُرفت بـ"كبكب" سنة 1917 ميلادية.
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939، استقدمت فرنسا الجنود من مستعمراتها ليكونوا وقودًا في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ووعدتهم في مقابل ذلك بنيل الاستقلال إذا كسبت الحرب منًّا وكرمًا منها، لا استحقاقًا طبيعيًا لشعوب ترنو لنيل حريتها واستقلالها وتقرير مصيرها.
وانتصر الحلفاء، إلا أن المستعمر لا تُؤمَن بوائقه، فأخلفت الوعد وتلكأت وماطلت. لكنها عادت فاستجابت، مضطرة، أمام إصرار الأفارقة الذين نالوا قسطًا من التعليم في فرنسا، وعادوا للمطالبة بالتحرر والاستقلال من خلال تكوينهم جمعيات ومنظمات وأحزابًا قادها رموز من الحركات الوطنية الأفريقية مثل: لومومبا ونيكروما وغيرهما. أُجبرت فرنسا منكسرة على تلبية مطالب الشعوب الأفريقية بالحرية والاستقلال عنها في ستينيات القرن المنصرم.
مرحلة الاستقلال الصوريخرجت فرنسا من بعض مستعمراتها الأفريقية تحت ضغط حركات التحرر، التي نشطت وقدمت الكثير من التضحيات لأجل نيل الاستقلال والحرية، وتمكين أبناء البلاد من حكمها وإدارة مقدراتها، وإدخال برامج التنمية للقضاء على ثالوث ركائز الاستعمار الفرنسي: الفقر، والجهل، والمرض.
خرجت فرنسا من الباب، في الظاهر، لكنها في الحقيقة لم تخرج حقًا، وإن ظن البعض ذلك؛ بل عادت من النافذة، وذلك لعدة اعتبارات:
أن من تسلم قيادة هذه الدول هم صنيعة فرنسا الاستعمارية: ثقافةً ولغةً وأفكارًا وتبعية مطلقة. أن فرنسا ربطت مقدرات هذه الدول بالتبعية لها، وسيطرت على مواردها الطبيعية، التي استخدمتها في صناعتها التي تقدم الرفاهية لمواطنيها، وتحرم الأفارقة من عائداتها؛ ليبقوا تحت نير الثالوث الفرنسي الذي فرضته على الأفارقة. ربط اقتصاد المستعمرات الأفريقية السابقة بالفرنك الفرنسي، حتى إن بعض الدول مصارفها المركزية في فرنسا وليس في عواصمها. وهذا لا يمكن فهمه إلا أنه نوع من أنواع الوصاية على هذه الدول المتطلعة للحرية والتنمية. إعلانالسياسة الفرنسية في دول أفريقيا ما بعد الاستقلال
ترسخت السياسة الفرنسية في أفريقيا وفق منهجية استمرارية لتجذير ثالوثها القاتل للشعوب المستعبدة، والمغذي لثرواتها وقوتها على حسابها. وزاد الطين بلة، والأمر تعقيدًا وخرابًا، حين استبدلت الاستعمار المباشر بقادة الاستقلال الأوائل الذين خيم على إداراتهم الفشل والتبعية، وعدم القدرة على التخلص من ربقة الاستعمار الفرنسي في صورته الثانية.
وسرعان ما تيقنت فرنسا من فشلهم، فاستبدلتهم بقيادات أكثر تبعية وأكثر إخلاصًا لفرنسا من إخلاصهم لأوطانهم وشعوبهم، عبر انقلابات عسكرية متعاقبة بين ضباط عسكريين متصارعين على السلطة، مع جهل تام بإدارة الدولة، وغياب مفاهيم الحرية والتنمية والاستقرار؛ ما أفرز حروبًا أهلية أودت بالآلاف من الضحايا من الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، وحوّلت هذه الدول إلى مناطق إبادة ومجاعات، رغم ما تزخر به من ثروات كبيرة ومتنوعة كفيلة بازدهارها ونموها.
مرحلة الوعي الأفريقي وما قبل الانتكاسةترتب على هذه السياسة القاصرة وغير الأخلاقية ردة فعل لدى النخب الأفريقية، التي أدركت ما تمر به بلادها من تخلّف وفقر وحروب وتبعية؛ فأخذت في الدعوة إلى الخروج من تحت الهيمنة الفرنسية، التي لم تحقق استقرارًا ولم تساعد في تنمية، بل كانت هذه الهيمنة السبب الأول والمباشر لاستمرار واستقرار ثالوث الجهل والفقر والمرض.
وخلصت النخب الأفريقية إلى أنه لن تقوم لها قائمة في ظل هذا الوجود بشقيه؛ المدني والعسكري، المتمثل في وجود قواعد عسكرية في المنطقة، أصبحت غير مرغوب في وجودها؛ لأنها مصدر قلاقل أكثر من كونها مصادر استقرار.
العامل الخارجي المساعد في نكسة فرنسافي مرحلة الوعي الأفريقي بما يثقل كاهل المستعمرات الفرنسية السابقة من نفوذ يكبل حرياتها ويسلب ثرواتها، برز الحل في التخلص من هذا النفوذ وإلقائه عن كاهل هذه الدول. وصادف ذلك دخول ثلاث قوى على الخط؛ منها اثنتان قوى دولية عظمى، والثالثة قوة إقليمية صاعدة تتمدد:
إعلان القوة الدولية الأولى تميزت بالجانب العسكري (روسيا)، التي أخذت في التمدد بعد انكفائها عقب تفكك الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي. بقيادة رئيسها الحالي فلاديمير بوتين، جعلت من أفريقيا هدفًا لبناء قواعد عسكرية تزاحم بها نفوذ حلف الناتو عدوها اللدود. ووجدت في حالة التبرم الأفريقي من الوجود الفرنسي فرصةً للدخول على الخط لإخراج فرنسا من مستعمراتها السابقة. القوة الدولية الثانية هي الصين، التي دخلت الساحة الأفريقية اقتصاديًا، ففتحت الآفاق أمام الأفارقة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، والاستفادة من ثرواتهم الطبيعية لتحقيق تنمية شاملة. القوة الإقليمية الثالثة تمثلت في تركيا، التي دخلت أيضًا على الخط اقتصاديًا وإن كان بدرجة لا تنافس الصين، وتميز وضع تركيا بوجود علاقات قديمة بالقارة الأفريقية تعود إلى أيام الدولة العثمانية في تلك المناطق. الانتكاسة والخروج غير المشرفتضافرت كل الظروف التي أذنت بانتكاسة فرنسا في القارة الأفريقية، كان أولها:
السياسة التي اتبعتها الحكومات الفرنسية المتعاقبة على مدى عقود، دون اعتبار لحاجات الشعوب الأفريقية وتطلعاتها، ولا لحركة التاريخ وسنن التغيير. يقظة سياسية بين الأجيال الشابة الأفريقية، وفقدانها الأمل في تغيير السياسة الفرنسية، وإدراكها ضرورة التغيير والخروج من تحت عباءة الوصاية ثقيلة التكلفة. دخول أطراف سياسية وازنة لها طموحات سياسية واقتصادية وعسكرية ومصالح في القارة، لن تتحقق إلا بإزالة النفوذ الفرنسي.وقد حالفها الحظ في وجود التيار الوطني المناهض للنفوذ الفرنسي المسيطر على مقاليد الحياة العامة في هذه الأجزاء من القارة، الذي سرعان ما فتح أبوابه أمام دخول المشروعات الاقتصادية الصينية والتركية، وانتهى الأمر بتغلغل القوات العسكرية الروسية، وإخراج القوات العسكرية الفرنسية التي كانت جاثمة على أراضيهم؛ بحجة مكافحة الإرهاب، وغيرها من المبررات.
إعلانوكانت النهاية غير المشرفة لفرنسا بمغادرتها تلك الأراضي بضغط شعبي عارم، ولسان حال الأفارقة يردد ما تمثل به الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي حين خرجت القوات الإيطالية من ليبيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية:
و"إذا ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية